
إعداد الباحث: محمود سامح همام – باحث سياسي متخصص في الشؤون الأفريقية
يعد الوضع الإنساني في الصومال أحد الملفات الأكثر إلحاحًا على الساحة الإقليمية والدولية، حيث يفرض تحديات معقدة تتطلب استجابات فاعلة ومتكاملة. وفي ظل الجهود الرامية إلى معالجة هذه القضية، برزت أهمية التنسيق بين الفاعلين المحليين والدوليين لضمان تحقيق استجابة إنسانية شاملة ومستدامة. وبينما تسعى الحكومة الصومالية، المنظمات الإقليمية، والشركاء الدوليون إلى تعزيز آليات التدخل الإنساني، تظل الحاجة ملحّة إلى إطار استراتيجي يضمن كفاءة وفعالية إيصال المساعدات ويعزز قدرة المجتمعات على الصمود. وانطلاقًا من الأبعاد المتداخلة لهذا الملف، يستدعي الوضع الإنساني في الصومال مقاربة متعددة المستويات ترتكز على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتكريس الجهود نحو بناء حلول مستدامة تدعم الاستقرار الإنساني والتنموي.
اقرأ أيضا: التعقيدات الأمنية في مالي وانعكاساتها على الأمن القومي الجزائري.. دراسة للباحث محمود سامح همام
مظاهر تفاقم الوضع الإنساني في مقديشو
- التغيرات المناخية
تواجه الصومال تحديات إنسانية معقدة تتفاقم بفعل التغيرات المناخية الحادة، حيث أصبحت الظواهر الجوية المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات عاملاً رئيسيًا في ارتفاع معدلات النزوح، انعدام الأمن الغذائي، وتفاقم الأوضاع الإنسانية. ووفقًا لتوقعات البرنامج الإنساني لعام 2025، سيظل نحو 5.98 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ما يعكس استمرار التأثيرات السلبية للأزمات المناخية على المجتمعات الصومالية. ورغم انخفاض طفيف في أعداد المحتاجين مقارنة بعام 2024، فإن الفيضانات المتكررة، ندرة مصادر المياه، والتدهور البيئي يفرضون تحديات هيكلية تعرقل جهود التنمية والاستجابة الإنسانية. ويأتي ذلك في ظل مؤشرات مقلقة عن احتمالية تعرض البلاد لظروف “النينيا” خلال الربع الأخير من عام 2024، مما يعزز خطر هطول أمطار أقل من المتوسط، ويؤدي إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي وندرة مياه الشرب في المناطق الوسطى والجنوبية، حيث يواجه 4.4 مليون شخص مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، ويُتوقع أن يعاني 1.6 مليون طفل من سوء التغذية الحاد خلال الأشهر المقبلة.
وفي ظل هذه التداعيات المناخية، تواجه الاستجابة الإنسانية تحديات كبيرة بسبب النقص الحاد في التمويل، حيث لم تتلق الصومال سوى 40% من المساهمات الإنسانية المطلوبة بحلول نهاية عام 2024، ما أدى إلى تقليص نطاق المساعدات وعدم وصولها إلى جميع الفئات المتضررة. كما أن استمرار انتشار العنف وانعدام الأمن في 20 مقاطعة يعقد من عمليات الإغاثة، مما يتطلب إعادة هيكلة آليات الاستجابة الإنسانية من خلال نهج لامركزي يعزز قدرة الشركاء الإنسانيين على الوصول إلى المجتمعات المتضررة. ومع تزايد الضغوط البيئية والاجتماعية، يصبح من الضروري تبني سياسات مستدامة للتكيف مع التغيرات المناخية، وتعزيز القدرة الوطنية على الصمود، لضمان تقليل التأثيرات السلبية للكوارث الطبيعية على السكان وتحقيق استجابة إنسانية أكثر فاعلية وشمولية.
- سوء الأمن الغذائي والرعاية الصحية
تواجه الصومال أزمة إنسانية حادة تتجلى في معدلات الجوع وسوء التغذية المرتفعة، مما جعلها تتصدر مؤشر الجوع العالمي لعام 2024 كأكثر الدول تأثرًا بهذه الظاهرة. وتعكس هذه الأزمة المستمرة هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعاني أكثر من نصف السكان (51.3٪) من سوء التغذية، وهو ثاني أعلى معدل عالميًا. كما تفاقمت الأزمة في ظل تدهور الوضع المناخي وانخفاض هطول الأمطار، مما أدى إلى نقص الموارد الغذائية وزيادة معدلات الجوع الحاد، حيث يواجه 4 ملايين شخص خطر سوء التغذية، مع توقعات بأن 1.5 مليون طفل دون سن الخامسة سيعانون من سوء التغذية الحاد بحلول نهاية 2024 إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة. وتتصدر الفئات النازحة داخليًا قائمة الفئات الأكثر تضررًا، في ظل نقص الخدمات الأساسية والمياه النظيفة، مما أدى إلى تفشي الأمراض مثل الكوليرا والإسهال الحاد، مسجلًا 123 حالة وفاة خلال الأشهر الستة الأولى من العام.
وفي موازاة أزمة الغذاء، يعاني النظام الصحي الصومالي من ضعف بنيوي مزمن، نتيجة عقود من النزاعات وعدم كفاية الاستثمارات في البنية التحتية الصحية، مما أدى إلى تصنيفه ضمن أدنى الدول عالميًا في مجال الأمن الصحي. ويواجه الصوماليون تحديات كبيرة في الحصول على الرعاية الصحية، حيث تمثل نقص المرافق الصحية، وعدم القدرة على تحمل تكاليف العلاج، ونقص الأدوية والخدمات الطبية العوائق الأساسية أمام الوصول إلى الرعاية المناسبة. كما أدى انهيار النظام الصحي إلى ارتفاع معدلات وفيات الأطفال (10.6٪) والهزال بين الأطفال (11.8٪)، مما يفاقم من حدة الأزمة الإنسانية. في ظل هذه المعطيات، يصبح تعزيز الاستجابة الدولية والاستثمارات في البنية التحتية الصحية والتغذوية ضرورة ملحة لضمان تحقيق الأمن الصحي والغذائي، وحماية الفئات الأكثر هشاشة من التداعيات الكارثية لهذه الأزمة المستمرة.
- العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي
يواجه النساء والفتيات في الصومال مستويات مقلقة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، مما يعكس تحديات هيكلية تتطلب استجابة فورية وشاملة. وتشير الإحصائيات إلى أن 35٪ من النساء المتزوجات (بين 15 و49 عامًا) تعرضن لإصابات جسدية على أيدي أزواجهن، وأكثر من نصفهن تعرضن لإصابات خطيرة، في ظل غياب تدابير حماية فعالة وغياب آليات مساءلة رادعة. كما يُشكل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أحد أخطر مظاهر العنف الممنهج ضد المرأة، حيث يبلغ معدل انتشاره 99.2٪ بين النساء في الفئة العمرية ذاتها، ما يعكس تحديًا عميقًا يستدعي جهودًا مكثفة لمعالجة العوامل الثقافية والاجتماعية التي تكرس هذه الانتهاكات.
وفي السياق ذاته، يكشف نظام إدارة معلومات العنف القائم على النوع الاجتماعي لعام 2023 عن تصاعد معدلات العنف الجنسي والعنف المنزلي، حيث ارتفعت نسبة العنف المنزلي من 37% عام 2022 إلى 52% عام 2023، بينما شهدت حالات الاغتصاب ارتفاعًا من 11% إلى 15% خلال الفترة ذاتها. ومع بداية عام 2024، تفاقمت هذه الظاهرة بشكل ينذر بالخطر، حيث أبلغت التقارير عن جرائم قتل مروعة بحق النساء على أيدي أزواجهن، ما يؤكد الحاجة إلى إجراءات تشريعية وتنفيذية صارمة لتعزيز حماية المرأة ومساءلة الجناة. إن تفشي هذه الانتهاكات يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تشمل تعزيز الإطار القانوني، تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، وتوسيع نطاق خدمات الحماية والدعم النفسي، لضمان تحقيق العدالة والمساواة وإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي في الصومال.
إستراتيجية مواجهة تدهور الوضع الإنساني في الصومال
بداية، يجب دعم النازحين داخليًا والعائدين والمهاجرين المعرضين للخطر والمجتمعات المضيفة في المناطق المتضررة من الأزمات في الصومال (بما في ذلك الأفراد المعرضين للخطر أو المرتبطين سابقًا بالجماعات المسلحة/الإجرامية)، وستساهم برامج المنظمة الدولية للهجرة في الصومال في معالجة الأسباب الجذرية والدوافع وراء الأزمة والنزوح في الصومال، من خلال دعم المنظمات غير الحكومية المحلية وحكومات الولايات والحكومات الفيدرالية لإيجاد حلول دائمة للنازحين داخليًا والعائدين من خلال نهج شامل ومتكامل، مع التركيز على سبل العيش.
بالإضافة إلى استهداف النازحين داخليًا والسكان المتضررين من الصراع والمناخ بما في ذلك المجتمعات المضيفة الضعيفة واللاجئين والعائدين والمهاجرين، وضمان قدر أكبر من الاهتمام والدعم لاحتياجات الفئات الأكثر ضعفًا مثل النازحين حديثًا والأسر التي يعولها أطفال وكبار السن والأسر التي يعولها شخص واحد والأشخاص ذوي الإعاقة وناجي العنف القائم على النوع الاجتماعي، من بين آخرين. وعلاوة على ذلك، يتم تقديم أشكال المساعدة الإنسانية والمنقذة للحياة للمهاجرين الضعفاء والعائدين والمجتمعات المضيفة على طول الطريق الشرقي عبر الصومال، حيث تعاني هذه المجموعات من نقاط ضعف متنوعة وتتطلب المساعدة بما في ذلك دعم سبل العيش والدعم الطبي الأساسي والثانوي والإقامة المؤقتة للعائدين / المهاجرين الذين يسافرون إلى بلدان المنشأ / الوجهات النهائية ومساعدة التنقل والصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي وتوزيع المواد غير الغذائية وتوفير المساعدة المنقذة للحياة في مجال المياه والصرف الصحي من بين المساعدات الأولية والثانوية الأخرى، وتشمل الكيانات المستهدفة الوزارات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية ووكالات الأمم المتحدة الأخرى ومنظمات المجتمع المدني.
علاوة على ذلك، يجب تعزيز دور الشتات كجهات فاعلة إنسانية نحو المساهمة في تنسيق أكثر انسيابية بين الشتات الصومالي والجهات الفاعلة الإنسانية المؤسسية وتوسيع نطاق مشاركة الشتات لتعزيز المساعدة الإنسانية الأكثر فعالية للمجتمعات المتضررة في الصومال، وذلك باستخدام إطار المنظمة الدولية للهجرة لمشاركة الشتات في المساعدات الإنسانية كإطار توجيهي رئيسي لتوجيه العمل.
ختامًا، يظل الوضع الإنساني في الصومال تحديًا بالغ التعقيد يتطلب استجابة شاملة ومستدامة. فمع تفاقم الأزمات المناخية والأمنية والاقتصادية، تبرز الحاجة إلى تعزيز التعاون بين الجهات الفاعلة المحلية والدولية لضمان إيصال المساعدات بفعالية وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود. إن تبني نهج متكامل يشمل تحسين الأمن الغذائي، ودعم الرعاية الصحية، وتعزيز الحماية الاجتماعية، إلى جانب تمكين الفئات الأكثر ضعفًا، يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق استقرار إنساني وتنموي مستدام. وفي ظل هذه التحديات، تظل الإرادة السياسية والتنسيق الفاعل بين مختلف الشركاء عوامل حاسمة في مواجهة هذه الأزمة وإرساء أسس مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا للصومال وشعبه.