تقدير موقف

إدريس أحميد يكتب.. الهند وباكستان: نزاع كشمير يتجدد في زمن الصراعات الكبرى

في الوقت الذي يشهد فيه العالم اضطرابات متزايدة من أوكرانيا إلى غزة والسودان، تعود شبه القارة الهندية لتتصدر المشهد، بعد تصاعد التوترات بين الهند وباكستان نتيجة هجمات متبادلة، خلّفت قتلى ودمارًا، وأعادت إلى الواجهة أحد أقدم النزاعات الإقليمية في العالم: كشمير.

ليبيا تنافس دولي

خلفية تاريخية: من دولة واحدة إلى ثلاث دول

عقب انسحاب بريطانيا من شبه القارة الهندية عام 1947، قُسمت المنطقة إلى دولتي الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان ذات الغالبية المسلمة، قبل أن تنفصل عنها لاحقًا دولة بنغلاديش. ومنذ ذلك الحين، ظل إقليم كشمير بؤرة توتر مستمر بين الدولتين النوويتين، حيث نشبت بينهما ثلاث حروب رئيسية، واشتباكات لا تُعد ولا تُحصى.

تسلسل الأحداث الأخيرة

في أبريل 2025، وقع هجوم في كشمير أسفر عن مقتل 26 شخصًا، لترد الهند بقصف مواقع تقول إنها “إرهابية” داخل الأراضي الباكستانية، وتعلن إسلام آباد لاحقًا إسقاط خمس طائرات هندية، في تصعيد خطير أعاد المخاوف من اندلاع مواجهة شاملة.

الأبعاد الدولية: الصين والولايات المتحدة على الخط

الصين، الحليف الاستراتيجي لباكستان، دعت لضبط النفس وأعربت عن قلقها من اندلاع صراع بين قوتين نوويتين، خاصة أن الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني (CPEC) يمر عبر كشمير، ما يجعل استقرار باكستان أولوية بالنسبة لها.
في المقابل، الهند تنظر بعين الشك إلى الدور الصيني، خصوصًا في ظل النزاعات الحدودية القائمة بين البلدين، وشراكة نيودلهي المتنامية مع الولايات المتحدة، من خلال تحالف “كواد” الذي تعتبره بكين أداة لتطويقها إقليميًا.

الولايات المتحدة تحاول التوازن بين دعمها للهند من جهة، والحفاظ على علاقات أمنية واقتصادية مع باكستان من جهة أخرى، خصوصًا بعد الانسحاب من أفغانستان.

كشمير: نزاع جامد في قلب الصراع الدولي

رغم استمرار القصف المتبادل بين الهند وباكستان، فإن احتمالات تحول هذا التصعيد إلى حرب نووية تظل ضعيفة، لكنها ليست مستحيلة. ويُرجّح أن تظل كشمير “نقطة توتر دائمة” في حسابات القوى الكبرى، خاصة في ظل الصراع الأمريكي–الصيني، والتوترات مع إيران في الإقليم.

في المقابل، ثمة رأي يرى أن هذا التوتر المحدود قد يُوظف من الطرفين للفت أنظار العالم مجددًا إلى قضية كشمير، تمهيدًا ربما لتسوية سياسية، أو حتى معاهدة سلام تضمن لهما مكاسب داخلية وخارجية.

فرص الوساطة الإقليمية والدولية

في ظل هذا الوضع، تبرز فرص لتحريك مسارات الوساطة، عبر المملكة العربية السعودية، التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع الطرفين، أو من خلال منظمة التعاون الإسلامي التي سبق أن دعت لحل سلمي لقضية كشمير، والأمم المتحدة التي تُعد مطالبة بتفعيل دورها رغم انشغالها بملفات أكثر سخونة وضعف أدائها الواضح في بعض المناطق.

هل الحرب واردة؟ أم أن العقلانية ستسود؟

السؤال الكبير الآن: هل يشكّل التصعيد الأخير نهاية موجة القصف المتبادل، أم تمهيدًا لانفجار مواجهة أوسع؟
التاريخ يُحذر، والواقع يضغط. فالهند وباكستان كلاهما يمتلكان ترسانة نووية، لكنهما أيضًا يواجهان أزمات اقتصادية خانقة وتحديات تنموية لا تُحتمل في حال استمرار التصعيد. التورط في حرب شاملة لن يكون في مصلحة أي منهما، لا سياسيًا ولا اقتصاديًا.

ختامًا: حرب باردة مستمرة أم بداية لسلام ممكن؟

الواقع يقول إن النزاع بين الهند وباكستان هو صراع طويل الأمد، أشبه بـ”حرب باردة آسيوية”، تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية.
لكنّ العقلانية السياسية، وثقل التحديات الاقتصادية، وضغوط الأطراف الدولية، قد تكون فرصًا حقيقية لإنهاء هذا الملف، أو على الأقل تحييده عن دائرة الانفجار، في عالم لم يعد يحتمل جبهات حرب جديدة.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى