رأي

أ.إدريس أحميد  يكتب.. الهجرة غير النظامية: تحديات مستمرة وحلول ممكنة

صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي!!

**الهجرة عبر التاريخ**

الهجرة ظاهرة إنسانية قديمة لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل تحوّل حضاري أسهم في تشكيل المجتمعات والثقافات. لم تكن الهجرات البشرية وليدة العصر الحديث، بل صاحبت الإنسان منذ نشأته، حيث تنقل بحثًا عن حياة أفضل وهربًا من الظلم والاضطهاد.

اقرأ أيضا: «خطاب حميدتي الأخير.. صمودٌ في وجه الهزيمة أم إقرار بالخسارة وتمهيدٌ لتسوية؟»

الهجرة في الأديان والتاريخ

الهجرة كانت جزءًا من قصص الأنبياء، حيث هاجر إبراهيم إلى مكة، وموسى من مصر، وعيسى بسبب الاضطهاد، بينما هاجر النبي محمد ﷺ إلى المدينة لتأسيس الدولة الإسلامية.

أما في التاريخ البشري، فقد شهد العالم الهجرات الكبرى مثل:

انتشار البشر من إفريقيا.

هجرات الشعوب الأوروبية والجرمانية.

الهجرات الإسلامية.

الاستعمار الأوروبي للأمريكتين.

الهجرة غير النظامية في العصر الحديث

رغم المؤتمرات والاتفاقيات العديدة لمكافحة الهجرة غير النظامية، لا تزال هذه الظاهرة تتفاقم، مما يشكل تحديًا للدول المصدّرة للمهاجرين، ودول العبور، والدول المستقبِلة. لا تزال الأسباب التي تدفع المهاجرين إلى المخاطرة بحياتهم قائمة، مما يجعل من الضروري البحث في حلول جذرية.

أسباب ودوافع الهجرة غير النظامية

1. العوامل الاقتصادية والسياسية

غياب التنمية والفقر وانعدام فرص العمل.

دعم الفساد السياسي والأنظمة المستبدة.

تهريب الأموال إلى الخارج بدلًا من استثمارها في الداخل.

2. الصراعات والحروب

النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأجزاء من آسيا تساهم في زيادة أعداد المهاجرين غير النظاميين.

الأوضاع غير المستقرة في دول المصدر تدفع الناس إلى البحث عن الأمان في أماكن أخرى.

3. الإغراءات الحضارية

الصورة المثالية التي تُروجها وسائل الإعلام عن الحياة في الدول الغربية تشجع الشباب على المغامرة بحثًا عن حياة أفضل.

4. شبكات التهريب

تستغل المافيات الدولية ضعف قوانين الهجرة لتهريب الأفراد مقابل مبالغ مالية ضخمة، مما يجعل المهاجرين عرضة للاستغلال.

الوجهات الرئيسية للهجرة غير النظامية

تعد أوروبا الوجهة الرئيسية للمهاجرين، حيث استقبلت أعدادًا كبيرة منذ الحقبة الاستعمارية. وهاجر كثيرون من شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى دول مثل:

فرنسا

بريطانيا

ألمانيا

هولندا

إسبانيا

الدول الاسكندنافية

الولايات المتحدة

رغم مساهمتهم في التنمية الاقتصادية والبناء، فإن زيادة أعداد المهاجرين تفوق احتياجات بعض الدول، مما يخلق تحديات اجتماعية واقتصادية.

قوانين وتشريعات الهجرة

تنظم القوانين الدولية والإقليمية والوطنية حركة الأفراد عبر الحدود، ومن أبرزها:

1. الاتفاقيات الدولية

اتفاقية حقوق العمال المهاجرين (1990): لحماية حقوق المهاجرين.

اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (2000): تجرّم تهريب المهاجرين.

اتفاقية اللاجئين (1951): تضمن حقوق اللاجئين وتحظر إعادتهم قسرًا إلى بلدانهم.

2. القوانين الإقليمية

الاتحاد الأوروبي:

اتفاقية دبلن: تحدد الدولة المسؤولة عن طلبات اللجوء.

اتفاقية شنغن: لضبط الحدود الخارجية.

الولايات المتحدة:

قانون الهجرة والجنسية: ينظم دخول وإقامة المهاجرين.

 

3. القوانين الوطنية

فرض عقوبات على الدخول غير القانوني.

وضع إجراءات لتنظيم اللجوء.

مكافحة تهريب البشر.

تحديات القوانين

تواجه القوانين تحديًا في تحقيق التوازن بين ضبط الحدود وحماية حقوق الإنسان، مما يستدعي تبني سياسات أكثر شمولًا.

لماذا تحتاج الدول المتقدمة إلى المهاجرين؟

رغم تشديد القوانين، فإن الدول المتقدمة لا تزال بحاجة إلى المهاجرين، لعدة أسباب:

1. مواجهة الشيخوخة السكانية: تعاني دول مثل اليابان ودول أوروبية من انخفاض معدلات المواليد، مما يؤدي إلى نقص في الأيدي العاملة.

2. العمالة الماهرة وغير الماهرة: تحتاج الدول المتقدمة إلى عمال في مجالات التكنولوجيا، الرعاية الصحية، والهندسة، إضافة إلى الوظائف التي يرفضها السكان المحليون.

3. التزام دولي بحقوق الإنسان: تستقبل بعض الدول المهاجرين لأسباب إنسانية، خصوصًا اللاجئين الفارين من النزاعات.

 

الحلول الممكنة

لمواجهة الهجرة غير النظامية، لا بد من:

تعزيز التنمية الاقتصادية في الدول المصدّرة للمهاجرين.

تشجيع الهجرة القانونية عبر تسهيلات مدروسة.

مكافحة شبكات التهريب والاتجار بالبشر.

وضع استراتيجيات متوازنة بين ضبط الحدود واحترام حقوق الإنسان.

الخاتمة

مع استمرار الأزمات الاقتصادية والصراعات السياسية، تظل الهجرة غير النظامية تحديًا عالميًا يتطلب تعاونًا دوليًا، وإصلاحات اقتصادية في الدول المصدرة للمهاجرين، وسياسات هجرة أكثر عدالة في الدول المستقبلة. وبينما تحاول الدول ضبط حدودها، يبقى الحل الجذري في توفير حياة كريمة للناس في أوطانهم، بحيث تصبح الهجرة خيارًا، وليس ضرورة.

نتوقع أن تزداد أمواج المهاجرين من دول العالم، بسبب ازدياد التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين، وتحديدًا في إفريقيا، حيث تتسابق القوى الكبرى للسيطرة على الموارد والأسواق، مما يفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية. وإذا استمرت التوترات في إفريقيا، فإن ذلك سيزيد من معاناة دول العبور مثل ليبيا، التي تعاني عدم الاستقرار، وبقية دول المغرب العربي. كما أن الخلافات بين الدول الأوروبية حول توزيع المهاجرين وتوطينهم في دول شمال إفريقيا قد تؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي والهجري بشكل أكبر.

لذلك، تبقى الهجرة غير النظامية تحديًا عالميًا معقدًا، ولا يمكن إنهاؤها دون معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد إلى مغادرة أوطانهم. إن تحقيق التوازن بين الأمن الإقليمي والعدالة الإنسانية هو السبيل الوحيد لإيجاد حلول دائمة لهذه الظاهرة.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى