
إعداد الباحثة \ نورهان محمد يوسف
المقدمة:
تحتل القارة الأفريقية من الناحية الجيوبوليتكية موقعا استراتيجيا بالغا الأهمية، كما تحتوي علي العديد من الثروات والموارد الطبيعية التي جعلتها ساحة للتنافس بين مختلف القوي الكبري والأقليمية، وكانت فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر أكبر القوي الاستعمارية الثانية بعد المملكة المتحدة، فحرصت علي توسيع مناطق النفوذ فإتجهت نحو القارة الإفريقية؛ ولذلك تعد مستعمرات فرنسا في إفريقيا تاريخيا من أهم المستعمرات الفرنسية علي مستوي العالم ولاسيما وفرنسا تري ان لها مهمة حضارية تتمثل في نشر الثقافة والحضارة الفرنسية بين ابناء الشعوب الأقل مكانه.
وبالرغم من ذلك فعلي مدي السنوات الأخيرة واجهت فرنسا أزمة قيما يتعلق بمكانتها علي الساحة الأفريقية، حيث بدات باريس تفقد جزء كبيرا من نفوذها في منطقة الساحل والصحراء وكذلك غرب أفريقيا، حبث أضحت دول الساحل أكثر انفتاحا علي حلفاء جدد بما في ذلك الشريك الروسي الذي يتصاعد دوره بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما سيكون له تأثير علي مستقبل النفوذ الفرنسي داخل القارة الأفريقية في المرحلة المقبلة.
- اقرأ أيضا: الدور التركي في الصومال «تنمية أم طموح»
وفي هذا المقال سنتحدث عن التحولات الجوهرية التي طرأت علي السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا بالتطبيق علي منطقة الساحل وهي مجموعة دول الساحل الخمس وتُعْرَف بـ: G5 Sahel أو (G5S) تمثل إطاراً مؤسسياً لتنسيق التعاون الإقليمي في سياسات التنمية والشؤون الأمنية لدول الساحل الإفريقي. تأسّسّتِ المجموعة في 16 فبراير 2014م في نواكشوط، موريتانيا، إثر قمة شملت خمسة من دول الساحل، وهي بوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، وموريتانيا، والنيجر(5). اعْتُمِدَت اتفاقية التأسيس في 19 ديسمبر 2014م، واخْتُيرَتْ موريتانيا لتكون المقر الدائم للمجموعة (6). التنسيق يُنَظَّم على مستويات مختلفة، فيُنَسَّقُ الجانب العسكريّ من قبل رؤساء أركان الجيش للدول الأعضاء.حيث تمتلك المنطقة جملة من المزايا التي لعبت دورا هاما في تصاعد أهميتها الأستراتيجية لتصبح هذه المنطقة ساحة للتنافس الدولي والإقليمي ويمكن الإشارة الي الاهمية الإستراتيجية للساحل الإفريقي علي النحو التالي:
- الأهمية الإستراتيجية :
لعبت العديد من العوامل والإعتبارات الإستراتيجية دورا مهما في نيل منطقة الساحل تلك المكانة الجيوستراتيجية المهمه في سياسات القوي الكبري الموقع الجغرافي حيث تقع بين صحراء كبري مترامية الاطراف تحت رمالها موارد الطاقة الهائلة والموارد الطبيعية المتنوعة كالنفط والذهب والنحاس واليورانيوموالغاز الطبيعي؛ ومن الناحية الجغرافية فيكستسب الساحل الإفريقي أهمية عالمية وليس علي مستوي إفريقيا فحسب، كونه يعتبر جسرا يربط بين القارتين الأمريكيتين والمحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج العربي فضلا عن كونه الطريق الرئيسي للقوافل التجارية التي ربطت شمال القارة بجنوبها وغربها عبر التاريخ فهناك مناطق التماس مباشر مع الساحل الإفريقي تتمثل في منطقة المغرب العربي في شمال أفريقيا ودول غرب أفريقيا والمحيط الأطلنطي عبر بوابة موريتانيا. وبالتالي تحرص فرنسا علي تأكيد الإرتباط الإستراتيجي بدول الساحل، والحفاظ علي تحالفاتها التقليدية هناك ولاسيما علي المستوي الإقتصادي والعسكري والأمني فتعتمد علي تكثيف الحضور العسكري من أجل ترسيخ نفوذها في المنطقة.
الأهمية الإقتصادية :
تسعي باريس باريس الي بسط نفوذها في منطقة الساحل من أجل تعظيم الاستفادة الإقتصادية والهيمنة علي موارد الطاقة والتي تعتمد عليها الشركات الفرنسية بشكل كبير مثل شركة توتال الفرنسية التي تعمل في مجال النفط وشركة اريفا التي تعمل في مجال التنقيب. والإستحواذ علي علي الثروات الطبيعية لتنمية الصناعات الفرنسية التي تعاني من نقص واضح في الموارد الأولية مثل مناجم اليورانيوم لتأمين حصولها علي احتياجاتها من الكهرباء من خلال الطاقة النووية؛ كما تسعي الي توفير المناخ الملائم للاستثمار بهدف تعظيم المصالح الفرنسية وقطع الطريق امام ادوار القوي المتنافسة والتصدي للقوة الإقتصادية الصينية المتنامية هناك.
الأهمية السياسية والعسكرية :
تتخذ فرنسا منطقة الساحل كحائط ضد التهديدات التي تشكل تحديا علي أمنها بشكل خاص وأمن اروبا بشكل عام، حيث شَكل عام 2013 نقطة تحول بالنسبة للسياسة الفرنسية في الساحل حيث شهد تدخلاً مباشرًا للقوات الفرنسية في مالي خلال عملية “سيرفال” التي تحولت الي عملية “برخان” في عام 2014.
وفي ظل التهديدات الأمنية خلال السنوات الماضية والتي تشكل عبء علي أمن فرنسا وأوروبا بشكل عام خاصة في الإرتباط الوثيق بين الأمن الإقليمي في المنطقة وأمن الدول الأوروبية بسبب اعتبارات القرب الجغرافي الذي يسمح بعبور عدد كبير من اللاجئين وتزايد الهجرة غير الشرعية، وعبور العناصر الإرهابية عبر البحر الأبيض المتوسط الي دول جنوب أوروبا. وبإنخراط باريس في الساحل والإعتماد علي نهج المقاربة الأمنية البحتة، واضطلاع قوة “سيرفال” بالعديد من العمليات العسكرية في المنطقة علي نحو عقد من الزمان من التخل العسكري هناك، يمكن القول ان باريس اخفقت في في تحقيق انتصار حاسم علي الإرهاب في الساحل، ووقف تقدم التنظيمات الإرهابية النشطة في معظم دول المنطقة، بالرغم من ضخامة حجم الإنفاق العسكري الفرنسي في الساحل الذي يقارب مليار دولار سنويًا.
الوجود الروسي في الساحل الإفريقي :
بتولي فلاديمير بوتين (Vladimir Putin) الحكم في روسيا عام 2000م، استيقظت روسيا الحديثة، وأعلن بوتين عن أهم مبدأ السياسة الروسية الجديدة، وعُرف بـ “مبدأ بوتين” الذي يتضمن الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب، ولا يخضع لقوة عظمى واحدة، ويكون لروسيا دوراً أساسياً فيه. كما سعى بوتين أيضاً إلى استعادة مكانة روسيا الدولية والمحافظة على أمنها القومي ورسم خارطة عمل لسياستها الخارجية الجديدة، ومن ضمنها خطة التعامل مع إفريقيا كمنطقة من مناطق العالم التي يجب أن تتواجد فيها روسيا بثقلها العسكري والاقتصادي وفي عام 2006م ترجم بوتين هذه الرؤى إلى أعمال فعلية، فقام بزيارة تاريخية إلى جنوب إفريقيا والمغرب، ولما خَلَفَهُ الرئيس ميدفيديف (Medvedev) واصل المشروع نفسه وسجل زيارة في 2009م لكل من نيجيريا، وأنجولا، وناميبيا، ومصر، مصطحباً معه حوالي 400 من رجال الأعمال أصحاب شركات روسية كبيرة، ونتجت عن هذه الزيارة توقيع اتفاقيات تجارية كبيرة بين هذه الشركات ورجال أعمال أفارقة وقطاعات عامة مختلفة.
وننتقل ختامًا في هذ المقال حول تراجع الدور الفرنسي في الساحل الأفريقي يرجع الي النفوذ المتزايدة للدول الأخري حيث تعمل الصين علي تطوير العلاقات مع الدول الأفريقية، وتوقيع اتفاقيات التعاون مثل منتدي التعاون الصيني الإفريقي الذي يعقد كل ثلاث سنوات؛ حيث تعمل علي تعزيز نفوذها في القارة. وكذلك الولايات المتحدة تسعي ايضًا لتطوير مبادارتها في إفريقيا مثل مبادرة الحرية الإفريقية وبرنامج قانون النمو والفرص في إفريقيا، حيث تعزز تلك المبادرات وصول تفضيلي للدول الإفريقية الي السوق الأمريكية مما يساعد علي تعزيز الصادرات وخلق فرص عمل.و تشهد القارة الإفريقية منذ القرون الوسطي علي الحضور الروسي وعلي ذلك فإن العلاقات ليست وليدة اليوم‘ إلا ان العلاقات الروسية الحديثة مع الدول الأفريقية بُنيت علي ثلاث أُسس وهي:
-العلاقات الفردية مع الأفارقة الدارسين في روسيا او تلقوا تدريبا عسكريا فيها.
-صفقات تجارة السلاح والتدريبات العسكرية.
-المفاوضات الروسية الأفريقية حول إسقاط الديون التي منحت الفرصة للشركات الروسية دخول الاسواق الإفريقية.
ويبقي السؤال ماذا لو تم فك الإرتباط مابين الإتحاد الأروبي وأمريكا؟
هل تسعي أمريكا الي بسط المزيد من النفوذ علي الساحل الأفريقي ؟
وما مصير الساحل الأفريقي مع زيادة توجه القوي العظمي نحو بسط السيطرة علية؟
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب