رأي

أحمد شعبان محمد يكتب.. المناهج والنتائج مع القرآن الكريم

أين أنتم يا سادة من كتاب هداية البشرية؟

“بيان ما اختلفوا فيه / رحمة للعالمين”؟!!!

“القرآن الكريم”، تقدسونه وتوقرونه وتضفون عليه أجل الصفات، وتضعونه في أعلى عليين، ثم أنتم تتركون كنوزه التي تسعد البشرية، “رحمة للعالمين”، علاوة على تغافلنا عن بعض آياته، وعلى رأسها الآية الكريمة التي تبين السبب الحصري والقصري لإنزال القرآن، وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” (64 النحل)، فبدلا من أن نبين بالقرآن ما اختلفوا فيه وقعنا نحن في الاختلاف، وبالتالي ابتعدنا عن رسالة الإسلام الحقيقية، كما كفرنا بتوحيد الأمة، وتركناها تتفتت، بل وعملنا على ذلك، سواء بوعي أو بدون وعي.

وقد وصف القرآن هذه الحالة بالكفر “وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ” (106 آل عمران).

والعجيب أن أئمتنا لا يرون أو يتعامون عن مدى إهمالنا نحو ديننا ونحو الجماهير المسلمة التي ترجو رضا الله والتي تم تعميتها بقول “الاختلاف رحمة”، والأعجب من هذا والذي لا يسمح فيه بأعذار هو التنبيه مرارا وتكرارا على مدى جيل كامل لهذا الواقع المزري وأسبابه، بل وطريقة علاجه للخروج مما نحن فيه من تردٍ، دون أدنى التفاتة لما يقال.

هداية البشرية يا سادة ليست سيفا، بل نورا يهدي إلى الرشد من خلال كتاب الله بفكر منظم، وبهذا الفكر الموضوعي يمكننا تعقب أسباب ما وصلنا إليه حتى نضع الحلول لعلاجه، فمن سبقونا اعتمدوا التفكير الأحادي وتم تكريسه لأن القرآن الكريم أنزل على مدى 23 عاما، فكان يعمل بكل آية تنزل في حينها دون الرجوع إلى الآيات الأخر التي لم تنزل بعد، وبالاعتياد أيضا مع التي أنزلت من قبل والتي تتحدث عن ذات الموضوع، مما أوجد تباينات بين تلك الاجتهادات التي تم تثبيتها باعتماد ما يسمى بالناسخ والمنسوخ والتأويل والترادف والمجاز، وبزعم أفضلية الأولين عن من تلاهم، وامتد هذا إلينا واعتمدنا التلقين لما أنتجوه، لذا قالوا لنا القرآن حمال أوجه، بمعنى أن له أكثر من تفسير في ذات الحين، كما كان يتم الاجتهاد لمعرفة معنى اللفظ القرآني دون النظر إلى أماكن وروده بالآيات الأخرى لنفس الأسباب، لذا جعلوا اللفظ القرآني يحمل أكثر من معنى حسب السياق بخلط المعاني بالدلالات.

وإذا نظرنا لهذا الكم الغزير من اجتهادات المسلمين على مر الزمن، وكيف ترك دون تمحيص في وجود التعارض والتناقض فيما بينه حول فهم آيات الكتاب الحكيم، هذا التناقض الذي أفسد الأمة وفرقها، وتم تكريسه حتى أصبح هو ديننا بكل ما فيه من اهتراء وتناقض، ولم نبحث المنهجية التي اتبعت لإنتاج هذا التراث، وما هو الدافع الحقيقي الذي يجعلنا متمسكين بهذا التراث، واعتباره الركيزة الأساسية لمعرفتنا بالدين.

ثم استمر تبني هذه الرؤية من التفكير إلى من جاؤوا بعد ذلك من أسلافنا ونقلوها برمتها حتى امتدت إلينا، ولم يلتفتوا إلى أن القرآن الكريم كل موحد بما يمثل من منظومة علمية تحوي كامل الكون “ماضيه وحاضره ومستقبله”، وعلى مدى التاريخ الإسلامي تمت اجتهادات عديدة، بعضها صحيح بذات المناهج التراثية النقلية المتعددة والتي لا يربط بينها أساس ثابت.

وقد أبقينا على تلك النتائج التي خرج بها المجتهدون دون تمحيص أو تواؤم مع الاجتهادات الأخرى، متجاهلين المنهجية العلمية، وظلت الأمة على اختلافها حتى اليوم ، فاختلاف المناهج يؤدي إلى اختلاف النتائج “إذا اختلف الطريق اختلفت الوجهة”، وهذه النظرة في التفكير جعلت كل منا ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة فيخرج بنتيجة مختلفة، ولم نستطع تجميع كامل الرؤى التي تم التوصل إليها وتمحيصها لنخرج برؤية موحدة شاملة ، فإن كان من سبقونا قد حرموا من وجود الأدوات الحاسوبية الحديثة التي تساعد على استخدام المنهج العلمي، فنحن لم نحرم منها، ولا ينقصنا استخدامها وقد ولجنا أعتاب الألفية الثالثة، فلم التقاعس؟!!!

الحضارة يا سادة قوامها العلم، وآيات الكتاب فصلت على علم، والعلم ليس المعلومات التي نتناقلها، ولكن العلم هو المنهج، فإن لم نتبع المنهج العلمي في كامل حياتنا فليس لمعلوماتنا قيمة لعدم معرفتنا إن كانت صحيحة وبأي قدر أم خاطئة، وخاصة أن مادة عملنا “آيات كتاب الله” فصلت على علم، وليست عشوائية، لا تنظروا يا سادة إلى نتائج أبحاثكم ، ولكن انظروا في المناهج التي اتبعتموها، فكلما كانت المنهجية أكثر منطقية كانت النتيجة أقرب ما تكون من الصحة، ومن جانب ثانٍ نجد داخل المشهد العنصر السياسي بما فيه من صراعات، والذي لون المرويات بما يحقق أهدافه، بل انسحب أيضا على القرآن الكريم ذاته، واعتمد الناسخ والمنسوخ والتأويل والترادف والمجاز، ومن هنا تعددت المناهج كما ذكرت أعلاه، بل وحددوا أكثر من معنى لبعض ألفاظ القرآن ويقولون حسب السياق، بل وجعلوا المرويات هي القوامة على القرآن بالقول بأنها المفسرة.

هذا العنصر السياسي الذي لا يأبه بالعدالة بقدر ما يأبه بالبغي على حقوق الغير، وما صاحب ذلك من قوة للقتل والتشريد والدمار وسالت دماء المسلمين بأيدي مسلمين أكثر مما سالت بأيدي غيرهم، ومن الطبيعي أن يتخطى ذلك إلى جيراننا من غير المسلمين بما سمى بالفتوحات الإسلامية، أليس من بيننا عقلاء يعون هذا المأزق المتجذر الذي وضعنا فيه أسلافنا، أم سنستمر في السير على دربهم خطوة بخطوة ليزداد مسلمو الأمة في الانهيار حتى التلاشي، ويستبدلنا الله بغيرنا؟

“وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ” (133 الأنعام).

لصالح دين الإسلام الذي أرسله الله ليظهره على الدين كله “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” (33 التوبة).

أفيقوا يا سادة من الكابوس الذي جثم به الشيطان على قلوبنا بأيدي أئمتنا الذين لا يأبهون بفرقتنا واختلافنا.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى