رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. المعايير الموضوعية لتحديد المنتصر والمهزوم

كان هدف العدو إخلاء فلسطين من الفلسطينيين، وتوسيع رقعة الكيان باحتلال أراض عربية جديدة، وهذا ما صرح به النتن برسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وضعها على قيافة جنوده، لكن طوفان الأقصى استبقه وأجهض خطته، فوضع العدو لنفسه أهدافًا مرحلية باسترداد الأسرى والقضاء على حماس وحزب الله، واحتلال جنوب لبنان.

أما أهداف المقاومة فهي وقف مخطط توسيع الكيان، واستمرار القتال لتحرير فلسطين، ولنجرد نتائج قتال 14 شهرا، بمقارنة وضع المقاومة بوضع العدو قبل الطوفان وبعده.

اقرأ أيضا: محمد جبريل العرفي يكتب.. الشباب الليبي بين رالي ودان ومواجهات الحمادة وتضييق الظلاميين

كل مدن العدو تعرضت للخراب، وتوقفت المدارس والمصانع، وعاش ثلثا سكانه في الملاجئ ونزح ربع مليون من الشمال ومائة ألف من محيط غزة، وهاجر مليون صهيوني بغير رجعة، وتزعزعت ثقة الصهاينة في قدرة جيشهم على توفير أمنهم، وعالميًا اتضحت صورة الكيان كنظام فصل عنصري وإبادة بشرية، توجت بإصدار محكمة الجنايات الدولية لأوامر قبض على قيادته، مع قوائم سرية أخرى ترعبهم، فانتهت سردية المحرقة، فالمحكمة التي أنشئت للنازيين تحاكم الصهاينة عن نفس التهم، برر (النتن) موافقته على الهدنة مع لبنان بأن الجيش منهك ومخزونات عتاده نفدت ويريد أن يتفرغ لإيران ولسوريا.

جل بنود الاتفاق منقولة من القرار 2006/1701 والباقي أفيد للمقاومة بتخفيف القيود عليها، وتقليص دور (اليونيفيل) في جنوب الليطاني بدل كامل لبنان، مما يشرعن بنية المقاومة وتسليحها، وإعادة تنظيم صفوفها، كان الكيان يريد اطلاق يده في العدوان، فتم إقرار حق الدفاع عن النفس للطرفين وفق القانون الدولي، وانسحاب الكيان إلى الخط الأزرق، بما فيها مزارع شبعا وقرية الغجر المحتلة منذ 2006، ورُفِض طلب الكيان بتحويل جنوب الليطاني لدولة خارج لبنان برئاسة ضابط أمريكي، فالسيادة للبنان واللجنة أصبحت استشارية. فرنسا رشَت (النتن) برفضها اعتقاله مقابل أن يتخلى عن معارضته لعضويتها…..
العدو لم يحقق أيا من أهدافه المعلنة، يروج المرجفون بأن حزب الله تخلى عن غزة، بينما بيانات محور المقاومة تؤيد الاتفاق، لأنه إسناد لغزة ويعيد تركيز الرأي العام الغربي على الجرائم بغزة، ويشعل احتجاجات الصهاينة التي ماتت أثناء الحرب على لبنان، لأن 69% يؤيدون حرب لبنان، و21% فقط يؤيدون حرب غزة، فبدأوا يقولون لماذا الانسحاب من لبنان، وليس من غزة لاستعادة أبنائنا.

رغم فداحة خسائر المقاومة بفقدها الصف الأول والثاني من قياداتها العسكرية والسياسية، فإنها لم تنكسر لأن بنيتها قوية، بل زادت من عملياتها التي غطت كامل الكيان، ووجهت للعدو ضربات أكثر إيلامًا وأوسع نطاقًا، فعمليات المقاومة شهر 2024/11 أشد وأكثر اتساعًا من عملياتها شهر 2023/11، فيوم الأحد الأسود ضربت المقاومة كل جغرافية الكيان بخمسمائة صاروخ ومسيرة، والمقاومة الفلسطينية تثخن في العدو، فهدف تدمير حماس وحزب لم يتحقق، وهذا بذاته نصر للمقاومة كونه عجزا عن سحقها، العدو عجز عن مواجهة المقاومين فاتجه إلى ضرب المدنيين وتجويعهم، واعتمد على سلاح الجو لأنه أجبن من أن يواجه المقاومين على الأرض.

وبالمقارنة لسلوك أصحاب الأرض بسلوك الغزاة، فقد لاحظنا الفلسطينيين لم يفكروا في الهجرة لخارجها، أو النزوح إلى المناطق التي طلب منهم العدو النزوح إليها، لأنهم أدركوا أن نية العدو “سنقتلكم هنا أو انزحوا لنقتلكم في رفح”، والشعب اللبناني أظهر معدنه النقي باحتضان النازحين من الجنوب، وبمجرد إعلان الهدنة بدأوا يعودون إلى الجنوب في مسيرات عفوية تحمل أعلام المقاومة، وصور الشهداء، أي بهوية سياسية تعبر عن احتضان الشعب اللبناني لمقاومته،
وفي المقابل مستوطنو الشمال وغلاف غزة يرفضون العودة إلى مستوطناتهم، رغم الإغراءات المالية.

الروح المعنوية على الضفتين تعبر عن الشعور بالنصر أو بالهزيمة،
واستمرت الجبهات الست الأخرى مفتوحة، فالمقاومة بغزة تثخن في العدو بعمليات موجعة، وأجدادنا في اليمن مرغوا أنوف الأساطيل الأنجلوساكسونية في التراب، وشلوا الحياة في موانئ الكيان، وعمليات الدهس والقنص في الضفة مستمرة، وسوريا مستمرة في الإسناد، والمقاومة العراقية تقض مضاجع العدو، وإيران تتوعد بانتقام جديد.
والتطور اللافت اغتيال مساعد الحاخام الأكبر بالإمارات (كوغان) الذي سبق أن قال سأكون أول من يبني مستوطنة في غزة، فأرسلته المقاومة إلى مستوطنته بجهنم قبل أن يحقق حلمه، هذه الحادثة حطمت حلم التطبيع واوقفتها، والعرب بدأوا يشكلون تحالفات بعيدة عن أمريكا، لأن النجم الأمريكي بدأ في الأفول.

كثيرون يتوقعون أن مجيء ترامب سيغير الموقف من الكيان، بينما ترامب سيتعامل مع القضايا العالمية بعقلية سمسار العقارات، مثلما جاء بكتابه “الصفقة”، فاللافت أنه في خطاب الانتصار وجه الشكر إلى الأفارقة والمسلمين والعرب، ولم يأت بذكر الصهاينة، (النتن) يعول على ترامب، الذي لن يعطيه أكثر مما أعطاه بايدن، لكن الفرق بين الاثنين أن بايدن يدعم في الكيان و(مخادع) للأغبياء العرب لخلق وهم تفاوضي، بينما ترامب (وقح) لا يأبه بردود أفعال العرب، فهو اعترف بقرار ضم القدس الصادر عام 1998 وقد يعترف بضم الضفة، المحتلة أصلًا، أي الإعلان عن الاستغناء عن خدمات السلطة في التنسيق الأمني.

المحصلة كسبت المقاومة معركة، ولكن الحرب لم تنته بعد، والعدو لن يتوقف طوعًا عن السعي لطرد الفلسطينيين وتهويد فلسطين، وتوسيع الكيان على حساب العرب، فإيران وسوريا في دائرة الخطر، أوعز الصهاينة والأمريكان والاتراك لجبهة النصرةوبقية التنظيمات الارهابية بمهاجمة حلب، ولولا الإسناد الروسي ما تم ردهم، سوريا نموذج آخر للصراع الدولي وتوظيف الاعلام لا سقاط المدن.

الخمسون يوما القادمة حاسمة.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى