
إعداد- الباحث محمود ناصر
تستعد جمهورية موزمبيق في 25 يونيو المقبل للاحتفال بمرور خمسين عامًا على استقلالها عن الاستعمار البرتغالي، الذي استمر لعدة قرون. خلال الحقبة الاستعمارية، عانى الشعب الموزمبيقي من التهميش والإقصاء التام على جميع المستويات، حيث مُنع السكان الأصليون من أي مشاركة سياسية أو اقتصادية، وكان الاقتصاد المحلي يعتمد إلى حد كبير على تحويلات المهاجرين الموزمبيقيين العاملين في جنوب إفريقيا وروديسيا (زيمبابوي حاليًا).
اقرأ أيضا:التمويل الذاتي في أفريقيا: بين إملاءات المساعدات الخارجية وحتمية السيادة الاقتصادية
إلا أن الاستقلال، الذي تحقق عام 1975 بعد حرب تحرير طويلة، لم يجلب السلام المنشود، حيث سرعان ما دخلت البلاد في دوامة من الصراعات السياسية والعنف المستمر. استخدمت جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو)، التي تولت الحكم، سياسات قمعية أثارت استياءً شعبيًا واسعًا، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية شرسة اعتُبرت واحدة من أكثر النزاعات دموية في تاريخ القارة الإفريقية. استمرت هذه الحرب حتى عام 1992، عندما تم توقيع اتفاق سلام بين الحكومة التي تقودها “فريليمو” وحركة المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو). ورغم انتهاء الحرب الأهلية، إلا أن الاضطرابات السياسية والعنف المسلح لا يزالان مستمرين حتى اليوم، مما يعكس التحديات العميقة التي تواجهها موزمبيق في تحقيق الاستقرار السياسي[1].
في هذا المقال، سنناقش تطورات الأوضاع السياسية في موزمبيق، وتأثير الصراعات المستمرة على الاستقرار الداخلي، وجهود عمليات السلام والمصالحة الوطنية.
موزمبيق تخطو نحو المصالحة: اتفاق تاريخي بين الحكومة والمعارضة
في 23 مارس الماضي، عُقد اجتماع غير مسبوق بين الرئيس الموزمبيقي دانييل تشابو وزعيم المعارضة فينانسو موندلين، بحضور عدد من أعضاء المجتمع المدني – الذين لم يتم الكشف عن هويتهم – وذلك للمرة الأولى منذ انتخابات أكتوبر 2024. جاء الاجتماع في إطار السعي لمعالجة العنف السياسي المستمر في البلاد.
وأعلن موندلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن اللقاء أسفر عن التزام متبادل بإنهاء الاضطرابات فورًا، حيث تم الاتفاق على تشكيل فريق عمل مشترك لمتابعة تنفيذ هذا التعهد. ورغم هذا التقدم الملحوظ، لا تزال الشكوك قائمة بشأن إمكانية تحقيق وقف دائم لأعمال العنف والدمار. ومن المتوقع عقد مزيد من الاجتماعات بين الطرفين لمناقشة قضايا أعمق، بما في ذلك اندماج الأحزاب المعارضة في المشهد السياسي، والتوصل إلى حلول جذرية للصراع.[2]
في بداية شهر مارس الماضي، وقع الرئيس الموزمبيقي وأحزاب المعارضة في العاصمة مابوتو اتفاقًا تاريخيًا يهدف إلى إنهاء الصراع السياسي ، في خطوة من شأنها فتح آفاق جديدة أمام موزمبيق. وقد جاء الاتفاق بمشاركة الأحزاب الممثلة في البرلمان، وهي: جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو)، الشعب المتفائل من أجل تنمية موزمبيق، المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو)، والحركة الديمقراطية في موزمبيق، إلى جانب عدد من الأحزاب غير البرلمانية، في محاولة لضمان تمثيل أوسع لكافة شرائح المجتمع.
جاء التقارب بين الرئيس دانييل تشابو وزعيم المعارضة فينانيسو موندلين للوصول إلى هذا الاتفاق بعد سلسلة من التصريحات المتبادلة مع BBC بداية العام الحالي، التي أظهرت استعداد الطرفين للتهدئة والانفتاح على الحوار. فقد شدد موندلين على ضرورة الاستجابة لمطالبه الإنسانية كشرط لتعليق الاحتجاجات، بينما أكد تشابو رغبته في تشكيل حكومة شاملة تمثل مختلف الأطياف السياسية. هذا التبادل العلني للمواقف، إلى جانب الضغوط الداخلية والدولية، دفع الطرفين إلى التفكير في حلول وسط قد تسهم في تخفيف حدة التوتر وفتح المجال أمام مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي في موزمبيق.[3]
ومع تقدم المفاوضات، ظهرت إشارات إيجابية من الطرفين، حيث التزم موندلين بتعليق الاحتجاجات لفترة 100 يوم شريطة تنفيذ شروطه التي تتضمن الإفراج عن المعتقلين، وتعويض أسر الضحايا، وتوفير العلاج للجرحى. في المقابل، أعلن تشابو عن عزمه على فتح الباب أمام مفاوضات أوسع مع المعارضة، مؤكداً أنه يسعى إلى توسيع الحكومة لتشمل جميع أطياف المجتمع بما في ذلك المعارضين. هذا الانفتاح من جانب تشابو أعطى الأمل في إمكانية التوصل إلى تفاهم سياسي، رغم التحديات التي لا تزال قائمة.[4]
الانتخابات الموزمبيقية 2024: اتهامات بالتزوير واحتجاجات دامية
عقب انتخابات أكتوبر العام الماضي التي أكدت استمرار الحزب الحاكم (فريليمو) في السلطة برئاسة دانييل تشابو اشتدت المواجهة بين الحكومة والمعارضة. غير أن نتائج الانتخابات قوبلت باتهامات واسعة بالتزوير والتلاعب بقوائم الناخبين، فضلًا عن مزاعم بتوظيف موظفين موالين للحزب الحاكم في مراكز الاقتراع. ورفضت أحزاب المعارضة، إلى جانب آلاف المواطنين، نتائج الانتخابات، كما أفاد فريق من مراقبي الاتحاد الأوروبي برصد انتهاكات خلال العملية الانتخابية، بما في ذلك التلاعب ببعض النتائج، مما زاد من حدة الجدل السياسي في البلاد وأثار مخاوف بشأن نزاهة العملية الديمقراطية.[5]
في 16 أكتوبر 2024، وقبيل إعلان نتائج الانتخابات، دعا مرشح المعارضة، موندلين، أنصاره إلى الاحتجاج على العملية الانتخابية، مستغلًا مزاعم منظمات المجتمع المدني بوجود تلاعب في الانتخابات. وقد حظي موندلين بآلاف المؤيدين والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، مما زاد من زخم الدعوات للاحتجاج. وبعد يومين من هذه الدعوات، شهدت البلاد حادثة مروعة حيث تم اغتيال ألفينو دياس، محامي موندلين، على يد مجهولين. وكان دياس يعمل على إعداد طعن قانوني في نتائج الانتخابات، ما جعل مقتله يثير موجة واسعة من الغضب داخل البلاد.
وفي ظل تصاعد التوتر، أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، هذا الحادث، معربًا عن قلقه إزاء تدهور الأوضاع. ومع تصاعد الغضب الشعبي، اندلعت مظاهرات حاشدة تحولت لاحقًا إلى أعمال عنف، حيث استخدمت الشرطة القوة ضد المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى. وأصبحت الأزمة السياسية أكثر تعقيدًا، وسط دعوات دولية لضبط النفس وفتح تحقيق مستقل في الأحداث.[6]
في 24 أكتوبر 2024، أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في موزمبيق فوز حزب فريليمو ، بقيادة دانييل تشابو، في الانتخابات الرئاسية بنسبة 70.67%. وفي ديسمبر من نفس العام، أكدت المحكمة الانتخابية العليا النتيجة مع اختلاف طفيف في نسبة المكسب. إلا أن إعلان النتائج أثار جدلًا واسعًا، حيث أصدرت بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي بيانًا أكدت فيه أن الإعلان الرسمي لم يبدد المخاوف بشأن شفافية عملية الفرز والجمع. وفي ظل انتشار مزاعم التلاعب والمخالفات، اندلعت احتجاجات واسعة سرعان ما تحولت إلى مواجهات دامية بين قوات الأمن والمتظاهرين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص [7].
وردّت السلطات الموزمبيقية بحجب الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في محاولة للحد من انتشار الاحتجاجات وتنظيمها. لم تقتصر تداعيات الأزمة على الداخل الموزمبيقي، بل امتدت إلى المستوى الإقليمي، حيث أغلقت جنوب أفريقيا وزيمبابوي حدودهما مع موزمبيق لدواعٍ أمنية. كما أصدر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بيانًا أدان فيه أعمال العنف، مطالبًا بإجراء تحقيق في عمليات القتل التي وقعت خلال الاضطرابات.[8]
عقود من الصراع: مواجهة مستمرة بين الحكومة والمعارضة:
في عام 1977، اندلعت حرب أهلية في موزمبيق واستمرت لأكثر من 15 عامًا بين جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو)، التي تبنّت الفكر الماركسي والمدعومة من الاتحاد السوفيتي، وحركة المقاومة الوطنية (رينامو)، التي عارضت الشيوعية وحظيت بدعم من جنوب إفريقيا وروديسيا زيمبابوي حالياً. خلّفت الحرب أكثر من مليون قتيل، إضافةً إلى نزوح وتشريد الملايين. وعلى الرغم من الدمار الواسع، تمكنت جبهة فريليمو من ترسيخ سلطتها وتعزيز نفوذها. إلا أن الحرب أدّت إلى تراجع النهج الاشتراكي، ما أسهم في إحداث تحولات سياسية واقتصادية كبيرة في منتصف ثمانينيات القرن العشرين.[9]
في 4 أكتوبر 1992، وقع الرئيس الموزمبيقي وأمين عام جبهة تحرير موزمبيق، جواكيم شيسانو، وأفونسو دلاكاما، زعيم حركة رينامو ، اتفاقية سلام أنهت 17 عامًا من الحرب الأهلية. شملت الاتفاقية تسليم الأسلحة إلى قوات الأمم المتحدة، ودمج المقاتلين في الجيش النظامي، وإزالة الألغام، وتهيئة الظروف للسلام في المناطق الريفية. كما نصت على إجراء أول انتخابات ديمقراطية في 1994، مما مهد الطريق لعملية السلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.[10]
في أكتوبر 1994، شهدت موزمبيق أول انتخابات ديمقراطية، جاءت الانتخابات وسط مخاوف من عدم التزام الأطراف بالنتائج، خاصة مع بقاء التوترات بين المقاتلين وعدم اكتمال نزع السلاح بشكل كامل. ورغم هذه التحديات، تمكنت اللجنة الوطنية للانتخابات، بدعم من الأمم المتحدة، من تنظيم عملية انتخابية مقبولة دوليًا، شارك فيها أكثر من 80% من الناخبين. كما أسفرت الانتخابات عن فوز جواكيم شيسانو مرشح جبهة تحرير موزمبيق بالرئاسة، وحصول الحزب الحاكم على الأغلبية البرلمانية، بينما جاءت حركة المقاومة الوطنية في المرتبة الثانية، مما منحها دورًا معارضًا شرعيًا لأول مرة.
وعلى الرغم من رفض زعيم حركة المقاومة الوطنية، أفونسو دلاكاما، للنتائج في البداية، إلا أنه قبل بها لاحقًا بضغط من المجتمع الدولي، مما ساهم في تعزيز استقرار البلاد. غير أن بعض الترتيبات السياسية والمؤسسية التي وضعت آنذاك، مثل تقاسم السلطة المحدود وضعف الرقابة على الانتخابات، أثرت لاحقًا على تعقيد المشهد الديمقراطي في البلاد.[11]
في عام 2012، عاد الصراع في موزمبيق إلى الواجهة مجددًا، مما أثار مخاوف متزايدة من اندلاع حرب أهلية جديدة. تصاعد التوتر عندما أعلن أفونسو دلاكاما، زعيم حركة المقاومة الوطنية، انسحابه من الانتخابات المرتقبة عام 2014، متهمًا الحزب الحاكم، جبهة تحرير موزمبيق ، بانتهاك مبادئ الديمقراطية التعددية. وفي تصريح لوكالة “فرانس برس”، قال دلاكاما إنه “ليس طفلًا يمكن خداعه” وإنه “قادر على تدمير موزمبيق”.
عقب هذا الإعلان، شنت قوات رينامو سلسلة من الهجمات التي استهدفت مدنًا سياحية ومرافق أمنية ومدنية. في البداية، تعاملت الحكومة بحذر مع العنف المتزايد، إلا أنها سرعان ما ردت بقوة، إذ شنت غارات عسكرية على معاقل رينامو. ومع تصاعد القتال، خاض الطرفان مفاوضات مكثفة انتهت في أغسطس 2014 باتفاق لوقف إطلاق النا والجدير بالذكر أنه في نفس يوم توقيع اتفاق وقع هجوم قام به فصيل منشق عن حركة رينامو. وقد تضمن الاتفاق إصدار قانون عفو عن دلاكاما ومقاتلي رينامو، مما سمح له بالترشح في انتخابات أكتوبر 2014. جاء هذا الاتفاق بعد أشهر من مفاوضات السلام بين الطرفين، في محاولة لإنهاء الصراع وضمان استقرار البلاد.[12]
رغم المحاولات السابقة، لم ينجح وقف القتال في موزمبيق بشكل كامل، إذ كان يتجدد بين الحين والآخر ولكن بوتيرة منخفضة. وفي 6 أغسطس 2019، جاءت المحاولة الثالثة للسلام، حيث وقّعت الحكومة وحركة رينامو، اتفاقًا في ساحة السلام بالعاصمة مابوتو بحضور الرئيس فيليبي نيوسي وزعيم رينامو أوسوفو مومادي، إلى جانب قادة أفارقة بارزين، وسط ترحيب شعبي واسع. ووصف المبعوث الأممي إلى موزمبيق، ميركو مانزوني، الحدث بأنه “يوم تاريخي” يعيد السلام إلى البلاد، خاصة بعد محاولتين سابقتين لم تؤديا إلى نزع السلاح بالكامل. ورغم توقيع اتفاق لوقف الأعمال العدائية في يوليو من العام نفسه، لا تزال التحديات قائمة، مع استمرار وجود جناح عسكري معارض داخل رينامو. وينص الاتفاق على دمج مقاتلي الحركة في الجيش والشرطة أو إعادة إدماجهم في المجتمع مع تقديم دعم مالي، في خطوة تهدف إلى تحقيق استقرار دائم يمهّد لإجراء انتخابات سلمية.[13]
وضع اقتصادي صعب يُعقد المشهد :
كانت موزمبيق تُعد نموذجًا ناجحًا لإعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية التي مزّقت البلاد، إلا أن الأوضاع الاقتصادية تدهورت في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر وتفاقم الأزمات الاجتماعية. رغم التحديات، لا تزال موزمبيق لاعبًا رئيسيًا في قطاعي الطاقة والتعدين في القارة الأفريقية. يُعتبر قطاع التعدين أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني، حيث تتجاوز عائداته من الصادرات 6.7 مليار دولار سنويًا. وتضم البلاد عددًا من المناجم المهمة، مثل منجم الفحم في مواتيز ومنجم الياقوت في مونتيبوز، اللذين يُسهمان بشكل كبير في الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، يُعاني قطاع التعدين من مشكلات جوهرية، أبرزها انتشار الفساد وسوء الإدارة.[14]
حتى عام 2015، كانت موزمبيق واحدة من أسرع 10 اقتصادات نموًا في العالم، حيث استقطبت ما بين 10% و15% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. وخلال هذه الفترة، تجاوز متوسط النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي في البلاد 7%، وكان هذا النمو مدفوعًا بشكل أساسي بالمشروعات الضخمة في الصناعات الاستخراجية، وقطاع الموارد الطبيعية بشكل عام.
ومع ذلك، كان تأثير هذا النمو على الحد من الفقر معتدلًا، حيث استفاد منه بالدرجة الأولى أغنى 20% من السكان. وتراجعت الحصة التي يمتلكها أفقر 80% من السكان من الدخل، مما أدى إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي في واحدة من أكثر الدول غير المتكافئة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.[15]
في عام 2016، شهدت موزمبيق واحدة من أكبر الفضائح المالية في تاريخها، حيث تم الكشف عن قروض سرية بقيمة ملياري دولار حصلت عليها شركات حكومية بضمانات غير مُعلنة. تسببت هذه الفضيحة في أزمة ثقة مع المؤسسات المالية الدولية، مما دفع صندوق النقد الدولي إلى تعليق دعمه للبلاد، وأدى إلى تخلف الحكومة عن سداد ديونها السيادية وانهيار العملة الوطنية، مما عمّق الأزمة الاقتصادية.
بحلول عام 2022، وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى خطير بلغ 101٪، ما وضع البلاد في مسار مالي غير مستدام. وفي أكتوبر 2023، تم التوصل إلى تسوية أعفت موزمبيق من الديون المستحقة لبنك كريدي سويس، والتي كانت جزءًا من هذه القروض غير المشروعة. ورغم هذه التسوية، فإن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية كانت كارثية، حيث تجاوزت الخسائر الإجمالية 11 مليار دولار، ما أدى إلى تفاقم معدلات الفقر. ووفقًا لتقرير بحثي صدر عام 2021، فقد أدت الأزمة إلى دفع 1.9 مليون شخص إلى ما دون خط الفقر، لترتفع نسبة الفقر في البلاد من 46.1٪ عام 2015 إلى 63.7٪ عام 2021، مما أسهم في تعميق الانقسامات الاجتماعية وزعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.[16]
منذ أغسطس 2023، تعاني الخدمات العامة والجيش من تأخير في دفع الرواتب؛ وفي المدن، يصل معدل البطالة بين الشباب إلى 36%. في ظل فضائح الفساد التي تحيط بها، يتهم الموزمبيقيون حزب فريليمو بنهب خزائن الدولة لصالحه الخاص، مما يترك البلاد تغرق في الديون والفقر والعنف. و كلف الصراع مع المتمردين أكثر من 1.5 مليار دولار دون احتساب الأضرار المادية وتأخير الاستثمار [17]
شمال موزمبيق: صراع الإرهاب وتحدي للحكومة:
في أكتوبر 2017، ظهرت جماعة مسلحة تُعرف باسم “أنصار السنة”، والتي تُعرف محليًا باسم “جماعة الشباب”. وفي وقت لاحق، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الاعتراف بهذه الجماعة كفرع له في موزمبيق. بدأت الجماعة عملياتها العسكرية في مقاطعة كابو ديلجادو، شمال البلاد، وهي منطقة غنية بالموارد المعدنية واحتياطات الطاقة.
في مراحلها الأولى، استهدفت الجماعة مؤسسات الدولة، لكنها سرعان ما تبنّت أساليب أكثر عنفًا، شملت الهجمات على المدنيين والمنظمات غير الحكومية. ويعزى ظهور هذه الجماعة إلى عدة عوامل، أبرزها انتشار الفقر، والتهميش الاقتصادي والاجتماعي، مما أدى إلى تأجيج التوترات ودفع بعض الأفراد إلى الانضمام إلى صفوفها.[18]
شهدت موزمبيق في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الهجمات الإرهابية، خاصة في المدن الساحلية مثل بالما وبرايا، مما أدى إلى تداعيات إنسانية وأمنية خطيرة. فقد أسفرت هذه الهجمات عن مقتل ما يقرب من 10 آلاف شخص، إضافة إلى نزوح نحو مليون مواطن، في ظل عجز الحكومة الموزمبيقية عن احتواء الأزمة بمفردها.
وأمام هذا الوضع المتفاقم، تدخلت المنظمة الإقليمية لتنمية الجنوب الإفريقي (SADC) لدعم الحكومة، كما أرسلت رواندا قوة عسكرية قوامها نحو 3000 جندي لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب. ورغم هذه التدخلات، شهد عام 2024 تصاعدًا ملحوظًا في النشاط الإرهابي، حيث تم تسجيل نحو 50 عملية إرهابية خلال النصف الأول من العام، مما أبقى مؤشر الإرهاب[19] في البلاد بين 6 و7 نقاط، وفق التقديرات الأمنية.[20]
هذا التصعيد يطرح تساؤلات حول فعالية التدخلات العسكرية الإقليمية في مواجهة الجماعات الإرهابية، ومدى قدرة الحكومة الموزمبيقية على تحقيق استقرار دائم في المناطق المتضررة. كما يثير مخاوف بشأن استمرار الأزمة الإنسانية، خصوصًا في ظل النزوح الجماعي ونقص الخدمات الأساسية في المناطق المتضررة.
خلاصة القول:
تُظهر الأوضاع في موزمبيق أن الطريق نحو الاستقرار لا يزال طويلًا وشاقًا، حيث تتشابك الأزمات السياسية مع التحديات الاقتصادية والأمنية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة وإرساء السلام، إلا أن الانقسامات العميقة والصراعات المستمرة تعيق أي تقدم حقيقي.
إن تجاوز هذه الأزمات يتطلب إرادة سياسية صادقة، وإصلاحات جذرية تضمن الشفافية والمشاركة العادلة في السلطة، إلى جانب استراتيجيات تنموية تسهم في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين. فبدون معالجة الأسباب الجذرية للصراع، ستظل موزمبيق عرضة للاضطرابات، مما قد يؤثر ليس فقط على مستقبلها الداخلي، بل أيضًا على استقرار المنطقة بأكملها.
[1] Sergio Chichava, “Moçambique: o violento fim da democracia negocial,” The Conversation, March 26, 2024, https://theconversation.com/mocambique-o-violento-fim-da-democracia-negocial-243983.
[2] Institute for Security Studies. “Chapo-Mondlane Meeting Presents a Glimmer of Hope for Mozambique.” ISS Today, March 23, 2025. https://issafrica.org/iss-today/chapo-mondlane-meeting-presents-a-glimmer-of-hope-for-mozambique.
[3] Wafula, Ian. “Mozambique Opposition Leader Open to Serving in Rival’s Government.” BBC News, January 21, 2025. https://bbc.com/news/articles/c70kzkyg0ggo.
[4] Governo de Moçambique e oposição fecham acordo para pôr fim à crise.” Jornal de Negócios, March 29, 2025. https://www.jornaldenegocios.pt/economia/mundo/africa/detalhe/governo-de-mocambique-e-oposicao-fecham-acordo-para-por-fim-a-crise.
[5] “Why Mozambique’s Election Has Sparked Weeks of Protests, Violent Crackdown by Police,” VOA News, November 9, 2024, https://www.voanews.com/a/7856254.html.
[6] International Crisis Group. What Is Driving Mozambique’s Post-Electoral Protests? October 26, 2024. https://www.crisisgroup.org/africa/east-and-southern-africa/mozambique/what-driving-mozambiques-post-electoral-protests.
[7] Amnesty International. Mozambique: Authorities Must Investigate Reports of More Than 300 Unlawful Killings During Post-Election Protest Crackdown. February 2025. https://www.amnesty.org/en/latest/news/2025/02/mozambique-authorities-must-investigate-reports-of-more-than-300-unlawful-killings-during-post-election-protest-crackdown/.
[8] Amani Africa. Emergency Session on the Post-Election Violence in Mozambique. October 2024. https://amaniafrica-et.org/emergency-session-on-the-post-election-violence-in-mozambique/.
[9] Kleinfeld, Philip. “Cracks Form in Mozambique’s Latest Push for Peace.” The New Humanitarian, September 3, 2019. https://www.thenewhumanitarian.org/news/2019/09/03/Mozambique-latest-peace-elections.
[10] Sant’Egidio. “The Relevance of Mozambique’s Peace Agreement.” Community of Sant’Egidio. Last modified October 4, 2017. https://www.santegidio.org/pageID/30384/langID/en/The-relevance-of-Mozambique-s-peace-agreement.html.
[11] “Compromise and Trust-Building after Civil War Elections: The Administration of Mozambique, 1994–1999.” Innovations for Successful Societies, Princeton University, October 2010. Accessed April 1, 2025. https://successfulsocieties.princeton.edu/publications/compromise-and-trust-building-after-civil-war-elections-administration-mozambique-1994.
[12] ReliefWeb, “Truce in Mozambique Offers Tentative Peace and a Return to Politics,” ReliefWeb, August 26, 2014, https://reliefweb.int/report/mozambique/truce-mozambique-offers-tentative-peace-and-return-politics.
[13] Le Monde. “Mozambique : signature d’un accord de paix définitif entre le pouvoir et la Renamo.” Le Monde, 6 août 2019. https://www.lemonde.fr/afrique/article/2019/08/06/mozambique-signature-d-un-accord-de-paix-defintif-entre-le-pouvoir-et-la-renamo_5497157_3212.html.
[14] IRIS – Institut de Relations Internationales et Stratégiques. “Mozambique: Entre richesses et vulnérabilités – Analyse des tensions.” Dernière modification en 2024. https://www.iris-france.org/mozambique-entre-richesses-et-vulnerabilites-analyse-des-tensions/.
[15] United Nations Development Programme. The Cost-of-Living Crisis in Mozambique: Poverty Impacts and Possible Policy Responses. New York: UNDP, 2023. Available at: https://www.undp.org/publications/dfs-cost-living-crisis-mozambique-poverty-impacts-and-possible-policy-responses
[16] Institute for Security Studies (ISS). 2024. “ISS Today: When Debt and Terrorism Intersect – The Case of Mozambique.” March 26, 2024. https://issafrica.org/iss-today/when-debt-and-terrorism-intersect-the-case-of-mozambique.
[17] CNN الاقتصادية. “ما عمق الأزمة المالية في موزمبيق؟”. آخر تعديل في 2025.
[18] مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، “تصاعد التهديدات الإرهابية في موزمبيق: الدوافع والتداعيات”، 13 سبتمبر 2024، تم الوصول إليه في 2 أبريل 2025، https://acpss.ahram.org.eg/News/21265.aspx.
[19] Trading Economics. “Mozambique – Terrorism Index.” Accessed April 2, 2025. https://ar.tradingeconomics.com/mozambique/terrorism-index.
[20] GIS Reports Online. “The Future of Terrorism in Mozambique.” November 2, 2023. Accessed April 2, 2025. https://www.gisreportsonline.com/r/terrorism-mozambique-future/