الحلقة الـ17 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
في الحلقة السابعة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء، يورد المؤلف أمثلة للاختلاف والتباين بين الخطاب الإلهي والخطاب الديني وكيف أنّهما متناقضان ومختلفان إذ أن الخطاب الديني مصدره الفقهاء وهو متعدّد المناهج والاتجاهات، بينما الخطاب الإلهي واحد ومصدره هو الله الواحد الأحد، وهو مصدر لا لبس فيه ولا رأي، بل هو تنزيل من حكيم حميد، ويطالب المؤلف في هذا الجزء العقلاء من هذه الأمة بإبراز هذه الاختلافات بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي، ليعرف الناس ما يريده الله في خطابه الإلهي وما يريده الفقهاء في خطابهم الديني.
وإليكم الحلقة السابعة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي
أمثلةٌ على الفَرْقِ بين الخِطابَينِ
مصادر الخطاب الديني
- أولًا: في صحيح البخاري رواية 24
حدَثَنا ابنُ عمر أنَّ رسولَ الله صلّى اللهُ عليه وسلَم قَالَ «أُمرتُ أن أُقاتلَ الناسَ حتـى يشهدوا أن لا إلهَ الا الله وأنا محمدُ رسولُ اللهِ ويقيموا الصّلاةَ ويؤتوا الزكاةَ فإذا فَعلوا عَصَمُوا منّي دماءَهم وأموالَهم وحسابُهم على اللهِ».
وفي صحيح البخاري رواية 973
عن أنسٍ بن مالك قاَل، قاَلَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم «أُمرتُ أن أقاتلَ الناسَ حتـى يقولوا لا إلهَ إلاّ اللهَ فإذا قالوها وصَلّوا صلاتَنا وذَبحوا ذبيحَتَنا فقدْ حُرِّمت علينا دماؤهم وأموالُهم إلّا بحقِّها وحسابُهم على اللهِ تَعالى».
الخطاب الإلهى
قاَل تَعالى ﴿وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا أحاطَ بِهِم سُرادِقُها وَإِن يَستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كَالمهُلِ يَشوِي الوُجوهَ بِئسَ اَلشَّرابُ وَساءَت مُرَتَفَقًا ﴾ (الكهف 29). وقال تعالى ﴿وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأرضِ كُلُّهُم جَميعًا أفَأنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ﴾ (يونس 99). وقال تعالى﴿لَا إ كْرَاهَ فِي الدِّينِۖ قَد تَّبَيَّـنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَاۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة 256).
هذه الآياتُ الثلاثُ تدلُ بكلِّ وضوحٍ أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعَالى أعطىَ الحريةَ المطلقةَ للناسِ في اختيار العقيدةِ التي يَشاؤوُن، فلا وصايةَ لأحدٍ عَليهمِ؛ نبيًّا كان أو حاكمًا أو مرجعًا دينَيًّا يحاسب الناس على عقائدهم فالله وحدهُ كفيلٌ بعبادهِ وحسابِهم جميعًا يومَ الحسابِ، وكلّفَ رسولَه صلّى الله عليه وسلم بالبلاغِ، إذ قال تعالى ﴿وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَبَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْنَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيَكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ (الرعد40). وقالَ تَعَالى ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة 32) وقال تَعالى ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَـنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة 8).
ملاحظةٌ وتعقيبٌ:
الروايتان الواردتان في الخطابِ الدينيّ السُّـنِّــي لا تتّفقان مَعَ القرآن الكريموتتناقضان قَولًا وفِعلًا، ولا يُعقلُ أنَّ الرسولَ صلّى الله عليهِ وسلّم قاَلَ أيًّا منهما، في حينِ أنَّ بعضَ المجموعاتِ الإرهابيّةِ تَستدلُ بهاتينِ الروايتينِ في قَتلِ الأبرياءِ، بعدَ أنْ جَعلوا من أنفسِهم قضاةً ينوبونَ عن اللهِ في القِصَاصِ من الناس، ويصادرون حقَّهم الذي مَنَحَهَ اللهُ لهم في حرية اختيار العقيدة التي يريدوناتباعها بمحض إرادتهم، فلا وصاية لنبي عليهم ولارسول،لكل الناس الحق المطلق لاختيار الدين الذي يريدون. لقد منحهم اللهُ خالقهُم سبحانه ذلك الحق فمَن له السلطة أن يصادر أمر الله لعباده ومَن يملك القرار في منعِ الناسِ من ممارسةِ عباداتِهم واحترامِ عقائدِهم، ومَن خولهم في الحكم بالقتل على الإنسان الذي لايدين بديانتهم؟!
مصادر الخطاب الديني
- ثانيًا: في صحيح البخاري رواية 3085
حدثنا عمرُ بنُ حَفْص، أنّ رسولَ الله صلّى اللهُ عليه وسلَمقاَلَ «إنَّ أحدَكم يُجمَعُ في بطنِ أمّهِ أربعيَـنَ يومًا ثمَّ يكونُ علقةً مثلَ ذلك ثمّ يكونُ مضغةً مثل ذلكَ ثمَّ يَبعثُ اللهُ إليه بأربعِ كلماتٍ فيُكتَبُ عملُهُ وأجَلُهُ ورزقُهُ وشقيٌّ أو سعيدٌ ثمّ تُنفخ فيه الرّوحُ فالرجلُ لَيعملُ بعملِ أهلِ النارِ حتّى ما يكون بيـنَه وبيـنَها إلا ذراعٌ فيسبقُ عليهِ الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ فيدخلُ الجنةَ وإن الرجل ليعملُ بعَملِ أهلِ الجنّةِ حتّى ما يكونُ بينَه وبينَها إلا ذراعٌ فيسبقُ عليهِ الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ النّارِ فيدخلُ النارَ».
الخطاب الإلهى
إنَّ اللهَ سُبحانَهُ العادلَ قد وضعَ قواعدَ العدْلِ المطلقِ لتقييمِ أعمالِ خلقهِ وأسُس عدُلهِ ليومِ الحساب، وهذه القواعدُ هي:
القاعدةُ الأولىَ: قال تعالى ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة 7 و 8)
القاعدةُ الثانية: قالَ تَعَالى ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَذِكْرَىٰلِلذَّاكِرِينَ ﴾ (هود 114)
القاعدةُ الثالثةُ: قالَ تَعَالى ﴿الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (غافر 71)
القاعدةُ الرابعةُ: قالَ تَعَالى ﴿وَالوَزنُ يَومُئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَت مَوازينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾(8)﴿وَمَن خَفَّت مَوازينُهُ فَأولـئِكَ الَّذينَ خَسِروا أَنفُسَهُم بِما كانوا بِآياتِنا يَظلِمونَ﴾(9)الأعراف 8 و9
القاعدةُ الخامسةُ: قالَ تَعَالى ﴿وَنَضَعُ الموَازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُنَفسٌ شَيئًا وَإِن كانَ مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ أتَينا بِها وَكَفى بِنا حاسِبيـنَ﴾ (الأنبياء 47)
القاعدة السادسة: قالَ تَعَالى ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (يس54)
ملاحظةٌ وتعقيبٌ:
كيفَ تستقيمُ الروايةُ المذكورةُ، في صحيح البخاري معَ ما جاءَ في القرآن الكريمِ «الخِطابُ الالهيُّ» للنّاس كافةً مؤكِّدةً آياتُهُ لقواعدِ العدلِ يومَ الحسابِ، بأنَّ عملَ الإنسان سواءٌ كانَ خـيرًا أو شرًّا سَيُسـجَّلُ في كتابهِ دُونَ ظُلمٍ حَتّى لو كانَ في مستوى ذرةٍ، ولا ينبغي للمؤمنِ أن يَقبلَ رواياتٍ تَتَعارضُ مع قواعد العدلِ والإنصاف التي جاءت فيالقرآن الكريمِ، ولا يُمكن للرسولِ الأمينِ أنيقولَ للناسِ أقوالًا ما أنزلَ الله بها مِنسُلطان، وأن يضيعَ عملَ الإنسان الذي استقامَ عليه في حياتهِ والحسناتِ التي أُضيفت لأعمالهِ عندَ الحسابِ يومَالقيامة، فلن يضيعَ اللهُ حقًّا لعبد من عباده حتى ولو كان مقدارَ ذرّةٍ، وتؤكد تلك الحقيقة قوله تعالى (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (هود 114).
إنّ هذه الرواية اعتداءٌ صارخٌ على عدل الله في خلقه وإنّه سبحانه لن يضيع عملًا صالحًا لعباده، فلا يعلمُ رسولُ أو نبيُ الغيبَ ولاكيفيةَحسابه عند الله، إنَّ تلك الروايةَ افتراءٌ على اللهِ ورسولِهِ، والله سبحانه وضع قواعد للعدل لا تتغير أو تتبدل إلى أن تقوم الساعة، ويوم الحساب تطبَّق تلك القواعد التي جاءت في آيات القرآن الكريم.
مصادر الخطاب الديني
- ثالثًا: في صحيح مسلم رواية 2163
حدثّنا عبدُ اللهِ عَنْ أبي بكر عَنْ جدّهِ أنسِ بنِ مالكٍ، أنّ رسولَ اللهِ صَلّى الله عليهِ وسلّمَ قاَلَ «إذا سلّم عليكم أهلُ الكتابِ فقُولوا وَعَليْكم».
الخطاب الإلهى
والله سبحانه يقول ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شيء حَسِيبًا ﴾ النساء 86.
قوله تعالى (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(النساء 94).
فنرى التناقض الصارخ بين أمر اللهِ لعبادهِ باتباع الأخلاق الحميدة السَّاميةِ، والَتعاملِ مَعَ الناسِ جميعًا بالتسامح والبشاشةِ وبالتَّرحابِ لتتقاربَ القلوبُ وتنشأ المودةُ بينَ الناسِ ويتحقّقَ بذلكَ المودة والتعارفُ والتعاوُنُ بَينْهم ونقرأ الرواية المفتراة على رسول الله الذي بُعِث للناس ليعلمهم الأخلاق الكريمة وهم يستهدفون تشويه رسالة الإسلام والإساءة لرسول الله.
إنَّ تلك الرواية فريةٌ عظيمةٌوافتراءٌ على رسول الله وسلوكٌ لا يمتُ إلى الإسلام بصلةٍ ولا إلى عظمةِ أخلاق الرسولِ الكريمِ حينَما يَصفُهُ اللهُ سبحانهَ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم 4) فكيفَ تستقيمُ هذهِ الروايةُ المفتراة، وَما تخرجُ تلكَ الأقوال إلاّ من نفوسٍ مريضةٍ وسلوكياتٍ لا تعرفُ الرحمةَ ولاالتسامحَ ولم تفهم أو تعي قيمَ الأخلاق والفضيلة التي يدعو إليها الله ورسوله في آيات كريمة،ألم يتدبّروا القرآن أم على قلوبهم الران، بئس الناقل والمنقول عنه ومن اتّخذه مرجعًا، فمحاولاتهم الخبيثة في تشويه رسالة الإسلام محكوم عليها بالفشل طالماالمسلمون يتلون كتاب الله ويتدبرون آياته ومافيها من قيم الفضيلة ويسعون للرجوع إلى كتاب الله المبين يستمدون منه الإيمان والقيم النبيلة ويصححون المفاهيم الدينية ويستنبطونها من الخطاب الإلهي.
مصادر الخطاب الديني
رابعًا: في صحيح مسلم رواية 4059
حدثّنا أبو كريب عَن ابن نُمير عن هشامٍ عَنْ أبيه عَنْ عائشةَ قالتْ:
«سَحَرَ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم يهوديٌ من يهود بني زُريق يُقَالُ لَهُ لبيد بنُ الأعصم قالتْ: حتّى كانَ رسولُ اللهِ صُلى اللهُ عليهِ وسلّم يُخيّلُ إليه أنّه يفعلُ الشيء وَمَا يَفعلُهُ».
الخطاب الإلهى
قالَ تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة(67)
كيفَ يمكن تصديق تلك الرواية المفتراةُ على عائشةَ رضيَ اللهُ عَنْها عَن سِحْرِ الرسولِ صَلى اللهُ عليهِ وسّلم؟! وكيف تسمى حديثًا حين إنه قولٌ منسوبٌ إلى عائشة؟! فبداية الرواية تنسف محتواها لأنها منسوبة لعائشة وكيف نصدق تلك المقولةوالله سُبحانَهُ تعهد بأنَّه سيعصمُهُ مِنَ الناسِ ويحميهِ من أيّ اعتداءٍ.. أليستْ هذهِ الروايةُ المرادُ بِها الطعْنُ في وعْدِ اللهِ لرسولهِ والطّعنُ في القرآن الكريمِ، وأنَّ اللهَ قد تخلّى عن حِمَايتهِ وحفظهِمِن كلّ أنواعِ العدوانِ؟! إضافةً إلى ذلك فهي محاولة خبيثة للتشكيك في القرآن الكريمِ، حينما تقول الرواية المفتراة إن الرسول يتخيّلِ أشياءَ فَعلَها، وهو لم يَفعلْها، ألا تؤكّد هذهِ الروايةُ ما يقولُه الكافِرونَ كَما يقولُ سُبحانَهُ ﴿نَحنُ أَعلَمُ بِما يَستَمِعونَ بِهِ إِذ يَستَمِعونَ إِلَيكَ وَإِذهُم نَجوى إِذ يَقولُ الظّالِمونَإِن تَتَّبِعونَإِلّا رَجُلًا مَسحورًا﴾ (الإسراء 47) وقال تَعَالى ﴿أَوْيُلْقَى إِلَيْهِكَنـزٌ أو تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَإِن تَتَّبِعُونَإِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴾(الفرقان 8).
إنَّ هذهِ الروايةَ فِريةٌ أُريدَ بها التشكيكُ فيَما يُنزّله الوحيُ على الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ مَن كتابٍ ونورلِيُخرجَ الناسَ منَ الظلمات، حين تؤكد الروايةالمذكورة اتّفاق الراوي، الذي صدقها وآمن بها، مع موقفِ الكافرين الَّذِين اتّهموا رَسولَ اللهِ بأنّه رجلٌ مسحورٌ للتشكيكِ في رسالتهِ، فكيفَ التقى أهلُ الروايةِ وناقلوها في خِطابِهم الدينيّ للناسِ مع الكافرينَ، واتّخذوا فريقًا موحّدًا، ليؤكّدوا ما يزعمهُ الكافرونَ ويخدموا ما يهدفونَ إليه مِنْ إقناع اِلنّاس، بِعَدَمَ اِلاستماع لِرسولِ اللهِ، وهو يتلو آيات الذكرِ الحكيم، والابتعادِ عنه، إنها لحربٌ نفسيّةٌ شَنّها اليهودُ بلؤمٍ وحِقدٍ، بينَما المسلمونَ تَنَاقَلوُها بجهلٍ وغباءٍ وصدوقوها دون وعي وتمحيص.
مصادر الخطاب الديني
- خامسًا: في صحيح مسلم رواية 4743
حدّثني محمّدٌبن رافعٍ وقَالَ، حدّثنا عبدُ الرزّاق عَنْ أَبي هريرةَ قالَ «أُرسل ملكُ الموتِ إلى موسى عليهِ السّلامِ، فلّما جاءهُ صَكّهُ فَفَقأ عَينَه، فرجَع إلى ربّهِ فقاَلَ: أرسَلتَني إلى عَبد لا يُريد الموتّ، قال: فردَّ اللهُ إليه عَيْنَه، وقَال: ارجعْ إليهِ، فقلْ له يَضَعْ يدَهَ على مَتْن ثور، فَلَهُ بما غَطَّتْ يدُهُ بكلِ شعرةٍ سَنَةً» من أين استقى أبوهريرة هذه الرواية أليست من أحبار اليهود؟ وكيف يقبل بها وهو يتلو القرآن ويتعلم في مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام؟!
الخطاب الإلهي
قالَ تعالى ﴿قُل لا أملِكُ لِنَفسى ضَرًّا وَلا نَفعًا إِلّا ما شاءَ اللَّـهُ لِكُلِّ أمَّةٍ أجَلٌ إِذا جُاءَ أَجَلُهُم فَلا يَستَأَخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾ (يونس 49) وقالَ تعالى ﴿وَلِكُلِّ أمَّةٍ أجَلٌ فَإِذا جاءَ أجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾ (الأعراف 34) وقالَ تعالى ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رُبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة 11(وقالَ تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزحِعَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾(آل عمران 185) وقالَ تعالى ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ (الزمر 30)
ملاحظةٌ وتعقيبٌ:
كيفَ للعقلِ الإنسانيِّ أن يستوعبَ هذا العَبَثَ؟ وكيفَ لمَن اختلَ عقلهُ أن ينقلَ روايةً تفتقرُ للمنطقِ وتتناقض مع كتاب الله؟ وكيفَيُعتَدُّ بروايةٍ إسرائيليةٍ، تَستمدُ مراجعَها من التَّوراة؟ وكيفَ للمسلمِأنْ يُصدّقَاللّامعقول، ويَغفلَ عن قوله تعالى لرسولهِ محمّد صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ﴿إِنَّكَمَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾(الزمر 30)
فالموتُ حقٌّ وكلُّ نفسٍ خَلقَها اللهُ مصيرُهاالموتُ والفَناءُ، فلا استثناءَ لعبدٍ من خَلقهِ، ولم يُخْلقْ إنسانٌ تُرفعُ عنه قوانـينُ الحياةِوالموتِ، إن اللهَ على كلّ شيء قدير.
وفي الحلقة التالية نستكمل باذن الله الجزء الثاني من أمثلةٌ على الفَرْقِ بين الخِطابَينِ