ننشر الحلقة الـ10 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
في الجزء الثاني من الحلقة العاشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء يتحدث المؤلف في الجزء الثاني من “رسالة الإسلام” عن أن على المسلمينَ اليومَ لو أرادوا للإسلام عزةً ومكانةً، أن يرتقوا إلى قيمِ القرآن ويتبعوا هَدْيَهُ، ويستعينوا بالخِطابِ الإلهيّ، ليخرجَهم منَ الظلماتِ إلى النورِ،محذرا مما سببته الروايات والإسرائيليات وما صنعته من فتن وحروب نفسية أدت إلى إضعاف قوة المسلمين بالرغم من تحذير الله لهم بقوله (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ومطالبا كلِّ مَن تصدّى للدعوةِ، والَّذِين قَدّموا أنفسَهم كعلماءَ للإسلام وحُماتِهِ أن يتّقوا اللهَ وأنْ يَستعيدوا مَنهجَ القرآنِ، دونَ مذاهبَ أو طوائفَ، وبلا فِرَقٍ وتنظيماتٍ حزبية ومَدارسَ فكرّيةٍ من أي مصدرٍ غيـرِ كتابِ اللهِ.
وإليكم الحلقة العاشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”
إنَّ على المسلمينَ اليومَ لو أرادوا للإسلام عزةً ومكانةً، أن يرتقوا إلى قيمِ القرآن ويتبعوا هَدْيَهُ، ويستعينوا بالخِطابِ الإلهيّ، ليخرجَهم منَ الظلماتِ إلى النورِ، ويستعينوا بما أنزَلهُ اللهُ على سَيّدنا محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، حيث يقول لنبيه ﴿آلر كِتابٌ أنزَلناهُ إِلَيكَ لِتُخرجِ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النّورِ بِإِذنِ رِبّهِم إلى صِراطِ العَزيزِ الحَميدِ﴾ (سورة إبراهيم الآية رقم 1).
لقدْ كلّفَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى محمّدًا صلّى اللهُ عليه وسلّم واختارهُ من بَينِ كلِّ عبادهِ، ليكونَ الرسو ل المصطفى للناسِ، يَهديهم إلى الخيرِفي الدّنيا وإلى رضى الله في الآخرة، وليعيشَ الناسُ فيما بينَهم على أساسٍ من التعارفِ والتّعاونِ والاُلفةِ الذي يحقق الأمن والاستقرار في المجتمعات تطبيقًا للآية الكريمَةِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(الحجرات:13) فلاميزة لأمة على أخرى ولا فضل لقوم على قوم إلا بما يقدّمون من عمل الصالحات ويتبعون ما أُنزل على أنبيائهم من قبل، ولا يفسدون في الأرض، إن الله لايحبّ المفسدين والله يحكم بين الناس يوم الحساب.
- اقرأ أيضا: الحلقة 9 من كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
ولأجلِ هدايةِ الناسِ نَزَّلَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى القرآن على رسولهِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، ليعلّمَهم ويرشدَهم إلى تشريعات القرآن وقيم الفضيلة كي تسودَ العلاقاتٌ بينَ الناسِ، التي تتسمُ بالرحمةِ والتعاطفِ، والاحترامِ والتفاهمِ، والتسامحِ وعدمِ الاعتداء فيما بينهم ولذلكَ تضمّن القرآن مجموعةً من التشريعاتِ التي تنظمُ الحدود، والأحكام لضبط سلوكيات المجتمعات فيما يتعلق بسلوكيات الناس وتعاملاتهم تستند لها القوانين والتشريعات البشرية في تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، واختص سبحانه وحده بالحكم فيما يتعلق بالعبادات مع عباده التي جاءت في القرآن الكريم يوم الحساب.
لقد حدَّدَ سُبحانَهُ وتَعَالَى خَارطةَ الطريقِ، التـي اتبعها الرسولُ محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم لإيصالِ الرسالةِ للناسِ وتنفيذِ شُروط وضَوابطِ التكليفِ الإلهي ليبَـيَّنَ لهم مُرادَ اللهِ من دعوتِهم لدينِ الحقِ والسلامِ وطريقِ التوحيدِ والإيمانِ كَمَا يلي:
أولًا: قال تعالى: ﴿الم﴾﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ﴾﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُوُنَ﴾﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أنُزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾﴿أوْلَئِكَ عَلى هُدىً مِّن رِّبّهِمْ وَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾) البقرة 1-5.
تلكَ الآياتُ التَي تَضَعُ المسُلمَ على طريق الإيمانِ، لتكونَ لديْهِ مسؤوليةُ التّكليفِ لتطبيقُ أوامرِ اللهِ قَولًا وعَمَلًا واتباعا للمنهج الالهي الذي سلكه الرسول عليه الصلاة والسلام وكان قدوة عملية للناس وترجمة صادقة لآيات القرآن الكريم والأوامر الالهية.
ثانيًا: ويستمرُّ القرآن في تَحديدِ التكليفِ الإلهي للرسولِ، فيرسمُ له خارطةَ الطريقِ في حَملِ الرّسالةِ، وتوضيحِ العلاقةِ بَين رِسالةِ الإسلام والرّسالاتِ الأخرى، بأنَّ اللهَ سُبحانَهُ قَدْ جعلَ لكلِّ أمةٍ شِرعةً ومنهاجًا، ولم يجعلْهم أمةً واحدةً لِحكمةٍ عندَه. كمايبين له كيفيةَ التعَاملِ مع الشرائعِ المختلفةِ وأنّ يلتزمَ المسلمون بالحكم بينَ الناس بِما أنزَلَه اللهُ في كتابِهِ الكريم ﴿وَأنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أنْزَلَ اللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعْ أهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَٰ مِنَ الْحَقِّۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًااۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فيما آتَاكُمْۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِۚ إِلَي اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾(المائدة 48).
ثالثًا: واستكمالًا لتحديدِ مَعالمِ التكليفِ الإلهـيّ، حيثُ يحدّد اللهُ سُبحانَهُ وتَعالى مسؤوليةَ رسولِهِ بالقيامِ بإبلاغِ الناسِ كافةً، بمَا جاءَ في قرآنِهِ الكريمِ، الخطاب الإلهي، لعبادِه.. إذا اتبعوا المنهج الإلهي يضمَنُ لهم طريقَ الجَنّةِ ويُؤمّنَهم من عذابِ الآخرةِ، فيسعدونَ في الدّنيا، ويُجزيهم اللهُ الجزاءَ الأوفى يومَ القيامة، حيْثُ قولُهُ تَعَالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة 76).
ويأمرُ اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى بالتمسّكِ بالقرآنِ الكريمِ وليسَ بغيِرِه، حيثُ تستقيمُ حياةُ الناسِ والاعتصامِ بما أنزَلَه اللهُ على رسوُلِه في كتابهِ الكريمِ، تنفيذًا لقوله سُبحانَهُ في سُورة الزُّخرف ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أوحِيَ إِلَيْكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾) الزخرف43.
وَيَؤكّد السّياقُ القرآنُي كذلك في قولهِ تعالى ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألُونَ﴾) الزخرف 44 وتلك الآيات تؤكد بأنه لاقول يدعوا الناس به غير القرآن لأن الله سبحانه أمره باللاتزام بما أوحي اليه من آيات كريمة وينبه رسوله بأن هذالقرآن ذكر له ولقومه من المسلمين الذين سيسألهم الله عنه يوم الحساب هل اتبعوا القرآن أم هجروه وعلى الاجابة تحتسب العقوبة
إن هذا القرآن هو ذكرٌ للناسِ وسوف يُسَألونَ عنْه يومَ الحساب، إذْ قَالَ تَعَالى ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مالٌ وَلَا بَنُونَ﴾﴿إِلَّا مَنْ أتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾(الشعراء 88 و98).
رابعًا: لقد حدَّدَ المولى سُبحانَهُ وتَعالى عناصرَ التكليفِ الإلهي للرسول صلّى اللهُ عليهِ وسلم، وبيّـنَ لهُ مَهمّتَه في إيصالِ الرسالةِ للناسِ، وأسلوبَ الدعوةِ لاعتناقِ الإسلام، والمنهجَ الَّذِي يجبُ على الرسولِ اتّباعَه في دعوتهِ للناسِ كَمَا جَاء في قوَلهِ تَعَالى ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِوَهُوَ أعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل 125) وللانسان الحرية الكاملة فى الدخول الى الاسلام وقبوله بتكاليف العبادات والفضائل أم عدم رغبته فى اتباع المنهج الالهي وحساب الناس جميعا بينهم وبين خالقهم يوم الحساب فلا اكراه ولاتهديد ولا وصاية بشر على الناس فى عقائدهم من رسول أو نبي.
خامسًا: لقد حدّد اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى في كتابهِ الكريمِ حدودَ مسؤوليةِ الرسولِ والقيودَ التي عليه ألّا يتجاوزَها في سبيلِ الدعوةِ التي أوضحَها القرآن الكريمُ بصلاَحياتٍ محددةٍ كما جاء في آياتِ الذكرِ الحكيمِ كالآتي:
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أنتَ مُذَكِّرٌ﴾(الغاشية21)
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِـينَ﴾(الذاريات55)
﴿نَّحْنُ أعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَوَمَا أنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍفَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾(ق45)
﴿فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ﴾(الأعلى9)
﴿يَا أيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِٰيرًا﴾(الأحزاب45)
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾(سبأ28)
﴿وَمَاَ أرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ (الفرقان56)
﴿مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾(الانبياء 107)
﴿إِنَّا أرْسَلْنَاكَ شَاَهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾(الفتح:8)
﴿وَأطِيعُوا اللَّهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَۚ فإِن تَوَلَّيْتُمْ فإِنَّمَا علَىٰ ر سُولِنَا الْبَلَاغُ الْمـُبِينُ﴾ (التغابن 12)
﴿وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ (الرعد 40)
﴿إِنَّا أنْزَلْنَا عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّۖ فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَااۖ وَمَا أنْٰتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾(الزمر 41)
﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾(الفرقان 34)
﴿قُلْ يَا أيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقَّمِنْ رَبِّكُمْۖ فَمَنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَاۖ وَمَا أنَا عَلَيْكُمَ بِوَكِيلٍ﴾(يونس 108)
﴿بقيَّتَ اللَّهِ خَـيْرٌ لَكُمَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَۚ وَمَا أنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾(هود 86)
﴿فَإِنْأعْرَضُوا فَمَا أرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْعَلَيْكَإِلَّا الْبَلَاغُۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإنسان كَفُورٌ﴾ (الشورى 48).
إنَّ اعتَناقَ الدينِ الإسلاميّ، يَسْتَوجِبُ الاعتقادَ بوحدانيّةِ اللهِ، خالقِ السماواتِ والأرضِ اله واحد لاشريك له والاعترافَ بدخوله للاسلام يعتمدُ على اقتناعِ الإنسان بأنْ يشهدَ أنَّ لاإله إلا الله وأنَّ مُحمدًا رسولُ اللهِ، والاستعدادَ لتَحمُّل تكاليفِ العباداتِ، والالتزام بتجنّبِ المحرّمَاتِ، والعملَ بجهادِ النفسِ للارتقاءِ بالقيَمِ الإسلاميّةِ، وَالتمسُّكَ بسلوكيّاتِ المُسلمِ الحقِّ وقيم الفضيلة والأخلاق التي يدعو إليها الإسلام، وإزاءِ تلكُم المسؤوليةِ بالوفاء بالتزام بتطبيق تكاليف العبادات اللهِ وما جاءت به الآيات من أمر بالاعمال الصالحة لمنفعة الناس،كما أن الله سبحانه ينبؤ رسوله بأنَّ المسلمينَ سَوفَ يَبتعدونَ عن القرآن في المستقبل وسوفَ يتّبِعونَ رواياتٍ استحدَثَها الناسُ على لِسانِ رسولهِ مُتعدّدةَ المصادرِ ومختلفةَ المقاصدِ، تتسببت في تفرّق المسلمينَ تنفث سمومهاتثير الفتنة بين المسلمين فكونت بُؤرًا للصراعِ والقتال فيما بينهم ليسقطَ عشراتُ الآلافِ منَ المسلمينَ.
وكلّ فئةٍ تقتلُ أخرى بشعارِ «اللهُ أكـبرُ» وكل فرقة تدّعى أنها صاحبةَ الدعوة الحقة لدين الإسلام، وهي وحدها تملك الحقيقة دون غيرها وفهم الإسلام الصحيح أفضل من الفرق الأخرى حيث تعتبرهم فرقا ضالة وكافرة يستوجب اقامة حد الردة عليهم عندئذٍ يحدث الصدام بينهم على الأفضلية في منيحمل دعوة الاسلام ويبلغ التنافس أشده فيما بينهم ويحدث مالاتحمد عقباه من جرائم القتل واستباحت الاعراض وتشريد النساء والاطفال فمنهم من يسقط ميتا فى الطريق ومنهم من يصل لمناطق الامان منهكا وهزيلا ليسقط هو الاخر يلفظ انفاسه الاخيرة ذلك ماسسبته الروايات والاسرائليات وما صنعته من فتن وحروب نفسية ادت الى اضعاف قوة المسلمين بالرغم من تحذير الله لهم بقوله (وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعو فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين ).
وعلى مدى أكثرَ مِنْ أربعةَ عَشَرَ قرنًا، استمرَّ القتالُ بين المسلمينَ حتى يومِنا هذا تَرمّلت نساءٌ، وتَشردَ أطفالٌ، وقُتل مئاتُ الآلافِ من الشبابِ، ودِيسَ الكهولُ بحوافرِ الخيولِ، وسُحقت أجسادٌ الأبرياء بالدّباباتِ، وتحولتْ مدنٌ وقرى إلى مآتمَ كبيرةٍ وظلَّ عويلُ الثَّكالى يتردّدُ صَداهُ في السَّماءِ يشكو لله ظلم إخوانـهم.
لَقَد جَاءَ الإسلام بالرحمةِ والمحبّةِ والسّلامِ والعَدلِ، حيثُ قوله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الانبياء 107 ) وعلى ضوءِ ماجَاء أعلاُه تبرزُ الأسئلةُ التاليةُ:
- 1- كيفَ استطاعَ المتآمرونَ على الإسلامِ وأعداءُ اللهِ أن يَزرعوا رواياتٍ تَتَعارضُ مَع قِيمِ القُرآنِ وسَمَاحَتِهِ ؟
2- كيفَ استطاعوا أن يُغرِقُوا العقولَ في مستنقعاتِ الفِتْنَةِ والفُرقَة؟ في حِينِ أنَّ اللهَ يَدعو للتعاونِ والبِّر والرّحمَةِ والتَسامُحِ والمحبَّةِ.
3- كيفَ استطاعوا أن يمزّقوا وَحْدَةَ الرسالة إلى مرجعياتٍ مُتناحِرةٍ مُتَقاتِلةٍ، كلٌ منهم يبحثُ عن سُلطةٍ ومغْنَمٍ وجاهٍ ومكانةٍ مرموقةٍ في المجتمعِ؟ يشترون بآياتِ اللهِ ثمناً قليلاً؟ ويفترون على الله ورسوله الكذب.
4- كيفَ استطاعوا أنْ يَجْعلوا مِنّا مَعاوِلا لِهدَمِ دينِ السَّلامِ والمحبّةِ، والتحّولِ إلى وحوشٍ كاسرةٍ، فقدتْ كلَّ قِيمِ الإنسانيَّةِ، فأهملنْا مَا جاءتْ بهِ رسالةُ الإسلامِ من عَدْلٍ وسلامٍ ورحمةٍ، وتحول المسلمون بقتل بعضهم بعضًا تحت شعار «الله أكبر»؟ - ويأتي الجوابُ أنَّ السَبَبَ؛ لأنَّ المسُلمينَ هَجَروا القرآنَ الكَريمَ ولم يَجعَلوهُ مَرجِعيتَهم الوحيدةَ! ولم يتمسّكوا بقيمهِ العظيمة وأخلاقياتهِ الساميةِ والالتـزام بكتابه قولًا وعملًا وسلوكًا واتخذوا من الروايات مصادر رئيسية لتشريعاتهم وعباداتهم وشعائرهم حتى طغت الروايات على الآيات ولذلكَ يُحذِرُنا الله تعالى في قرآنهِ الكريمِ بِقَوْلهِ جلَّ وعلا: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا القرآنَ مَهْجُورًا﴾ (الفرقان 30).
1) إنَّ هذهِ الآية المذكورة أعلاهُ تَستدعي مِن عُلماءِ المسلمينَ وُفقهائِهم ومفكريهٍم ومثقّفيهم التَفكّر، في التُّهمةِ العظيمةِ التـي يُوجّهُها الرَسولُ لأمَتّهِ الإسلاميّةِ، والّتي تُشيرُ إلى أنَّهُ سيشتكي إلى اللهِ سُبحانَهُ من أمّتهِ يوم الحساب بأنّها قَد هجرتْ القرآنَ، فتاهتْ العقولُ وتفرقتْ بها السُّبُل.
كيفَ يستطيعُ المسلمون أنَّ يدفعوا عن أنفسهم تلكَ التهمةَ يومَ القيامة وَمَنْ سيحميهِم من غَضَب اللهِ؟
فعلى عُلماءِ المسلمينَ، أن تَتوفّر لديهِم الشَّجاعةُ ولا تأخذَهم في اللهِ لَومةُ لائمٍ، بأن يَبحثوا في أسبابِ هذهِ التّهمة، وكيفيّةِ تصحيحِ، موقفِ المُسْلمِينَ ليفوزوا بِرضَى اللهِ ورَحْمَتهِ ويأمنو عقابه .
فَإذا أراَد عُلماءُ المسلمينَ، أن تكونَ للأمةِ الإسلاميةِ مكانةٌ ساميةٌ، تَحملُ رسالةً ومسؤوليةً عظيمةً للإنسانيةِ كلِّها، وتُقدِم شُعلةً سَماوّيةً تُضيءُ للبشريةِ طَريقَ الأمنِ والسلامِ في الحياةِ الدّنيا فَعلى عُلماءِ المسلمينَ ومفكريهم ومثقفيهم أن يَستعيدوا الإسلام مِمَّن اختطفَه، ويزيحوا عن كاهله ركام الروايات وأساطير الخرافات وكل ما لا يمتّ بصلة للقرآن الكريم، ليعودَ الإسلام الحقُّ، دينُ الرحمةِ بلا مذاهبَ ولا بِدَعٍ، ولا فِرقٍ ولا طوائِفَ، فيستمدّوا من القرآنِ الكريمِ- الخِطابُ الإلهي للناسِ كافةَ- التشريعاتِ التي تنظمُ متطلباتِ مجتمعاتِهم على أساسٍ من العدلِ والمساواةِ بين الناسِ جميعًا، عندَها يعودُ دينَ الإسلام كما بَدأ في عهدِ النبوّةِ، لينشرَ المحبةَ والعدَلَ والرحمةَ والسلامَ بينَ الناسِ وعبادةَ الواحدِ الأحدِ واتّباعَ قولِهِ تَعَالى ﴿يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا أنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13).
ولكي يستطيع عُلماءُ المسلمينَ أن يحمِلوا هذه الأمانةَ ويعيدوا للإسلام صْورتِهُ الحقيقيةَ المضيُئةَ والنورَ الَّذِي أنزلهُ اللهُ على رسولهِ فعلَيهمْ أنَّ يتّبعوا قوله تعالى ﴿اتَّبِعوا ما أنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أولِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾ (سورة الأعراف 30).
وأمّا إذا أخَذَتْهم العِزّةُ والكبرياءُ وتمَسّكوا بالرواياتِ والحِكاياتِ والأساطيرِ فاللهُ قدْ حَكَم عليهمْ في كتابِهِ الكريمِ ﴿سَأصرِفُ عَن آياتِيَ الَّذينَ يَتَكَبَّرونَ فِي الأرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنوا بِها وَإِن يَرَوا سَبيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذوهُ سَبيلًا وَإِن يَرَوا سَبيلَ الغَيِّ يَتَّخِذوهُ سَبيلًا ذلِكَ بِأنَّـهم كَذَّبوا بِآياتِنا وَكانوا عَنها غافِلينَ﴾ (الأعراف 146).
لذا فعلى كلِّ مَن تصدّى للدعوةِ، والَّذِين قَدّموا أنفسَهم كعلماءَ للإسلام وحُماتِهِ أن يتّقوا اللهَ وأنْ يَستعيدوا مَنهجَ القرآنِ، دونَ مذاهبَ أو طوائفَ، وبلا فِرَقٍ وتنظيماتٍ حزبية ومَدارسَ فكرّيةٍ من أي مصدرٍ غيـرِ كتابِ اللهِ. وبالتّالي فإنَّ المسلمَ غيـرمُلزمٍ باتّباعِ أيّ عالمٍ أو مجتهدٍ، مهما بلغَ شأنُهُ وعظُمَ أمرُه. ففي يَومِ القيامةِ سيسألُنا اللهُ: هلْ اتّبعنا الرسولَ؟ وهلْ اتّبعنا ما أنزِلَ عليهِ مِن كتابِ اللهِ، الَّذِي يَدعوَنا للهدايةِ والرشَادِ، ويخرجُنا من الظّلماتِ إلى النور وأخشى أن يكون لسان حالهم يقول كما قال الله سبحانه بقوله (يا ويلتي لم أتخذ فلانًا خليلاً)الفرقان 28 ويقول سبحانه أيضًا (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (الأحزاب 66-67).
إنَّ التمسكَ بالعُروةِ الوُثقى، كتابِ اللهِ قرآنه الكريم، يُوحّدُ الناسَ ويهديِهم طريقَ الرشادِ، ويعينهُم على نَشْرِ المحبةِ والعدلِ والرحمةِ والسلامِ، بَينَ بني الإنسان. ولذا يجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يجعلَ القرآن مرجِعَهُ في الحياةِ الدُّنيا والآخرةِ، وأن يجعله خارطة الطريق في حياته، ليكتسب أجرَ ما سعى إليه، باتباع ما أنزله الله على رسوله من آيات بيّنات يستظل بها يوم القيامة حيث يكون جزاؤهم كما يقول الله سبحانه ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ (الإنسان 11).