ساحة الفكر
ننشر مقتطفات من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للمفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
إنَّ هذا البحثَ هو دعوةٌ مخلصةٌ لكلِّ مُسلمٍ يَحترمُ عقلهُ ويحمدُ الله تعالى ويَشكُرهُ على نعمة العقل والأسماء التي علمها آدم، التي أودعهُا اللهُ سبحانه إياه في عقله ليَستكشفُ بها المعارف ويَستنبِطَ بِها قوانيـنَ الحياةِ لِتعمرالأرض عدلًا وسلامًا ورحمةً.
ومن رَحمَةِ الخالقِ سُبحانَهُ بخَلقهِ أن أرسَلَ الرُسُلَ والأنبياءَ بكتبٍ كريمةٍ من لدنْهِ، يَهدي بها الناسَ ويُضيء لَهُم طَريقَ الحياةِ وليُخرجَهم من الظُلماتِ إلى النُورِ بالعِلمِ والمعرفةِ، تعينهم على أن يعيشوا في سعادةٍ وسلام ورخاء وإخاء.
إنّ اللهَ تعالى يُخاطبُ العقلَ في قرآنهِ العظيمِ بأن يَتدبَرَ الناسُ آياتهِ، ويَتفكروا في مَخلوقاتِهِ، لِيُؤسِسِوا على شَريعةِ اللهِ نِظامًا يَكفَلُ للناسِ الحُريةَ المُطلقةَ في اختيارِ عَقائِدهم، ويُرشدُ سُلوكَهم بِقيمٍ عَظيمَةٍ لم ترقَ لها أعظَمُ الحَضاراتِ الإنسانيةِ، بمبادئ العَدلِ والتعاونِ والرحمةِ والسلامِ والمحبةِ بين الناسِ.
دعوة للمثقفين
إنّها دعوةٌ للمثقّفين في شتىّ المجالات، وعُلماءِ الدينِ على اختلاف تخصصاتهم في العالم الإسلامي بكل طوائفهم، من أجلِ البَحثِ الجادِ والمُخلصِ، في سَبيلِ الخروجِ من الكارثةِ التي عاشها ويَعيشُها المسلمونَ من حروبٍ ومعاركَ وصراعاتٍ، على مدى أكثر من أربعةَ عَشَرَ قرناً حتـى اليوم، أسالتْ الدماءَ بغزارةٍ، وذَرفَتْ الدُموعَ وبَلغَ الجُوعُ مَبلغَهُ، وتَفَشَتْ الأمراضُ مُكتَسِحةً الناسَ دُونَ رحمةٍ، وأقفرتْ المُدنُ وحَلّتْ فيها العداوةُ والتنافرُ والكراهيةُ والبغضاءُ.
إنَّ عُقلاءَ المسلمينَ والمثقّفينَ، مَدعوّون اليومَ إلى وَقفةٍ مسؤولةٍ، دون تمييزٍ لطائفةٍ أو مذهبٍ أو فرقةٍ أو حزبٍ، للتعاونِ والبحث الجاد المتجرّد في سبيل الوصول إلى مفهوم واحد يتفق عليه الجميع، فيما تعنيه مقاصدُ آيات القرآن الكريم لخير الإنسانية، تاركين خَلفَهم مَصادرَ رواياتِهم، مدركينَ بوعيٍ كاملٍ وإيمانٍ ويقيـنٍ، أنَّ للدينِ الإسلاميّ مَرجعيةً واحدةً هي كتابُ اللهِ سُبحانَهُ الَّذِي نَزَّلهُ على رسُولهِ محُمدٍ عليه الصلاة و السلام، الَّذِيأمرهُ الخالقُ بإبلاغِخِطابِهِ للناسِ جميعًا، وأن يكونَ القرآن الكريمُ مصدرَ استنباطِ التشريعاتالمختلفة التي تحتاجها المجتمعات الإنسانية لتنظيم شؤونها على أساس من العدل والرحمة ليتّحدَ المسلمونَ ويكونوا بحقٍ الأمةَ الوَسطَ التي تحمل مشاعل النور الإلهي لتضيء به للإنسانية جمعاء، طريق الرحمة والعدل والحرية والسلام، وتقدّم للناس سبل الخير والتعاون واحترام حقوق الإنسان والتطور الحضاري.. وليتخذوا موقفًا شجاعًا أمام الله وأمام أنفسهم ومجتمعاتهم بتجرد وإخلاص للتشريع الإلهي، ليعيدوا النظر بالتدبّر وتحرّي الحقيقة في كتاب الله الكريم، والبحث في أسباب الخلاف بين المسلمين منذ عهد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
كيف ولماذا ابتعد المسلمون قرونًا طويلة عن تطبيق شرع الله تعالى في الخطاب الإلهي، وما جاء به من قيم وأخلاق داعيًا الناس جميعًا للخير والمحبة والعدل والسلام والتدبّر في قرآنه والتعرُّف على دلالات آياته، وما ترمي إليه من مقاصد الله تعالى لخلقه رحمة بهم، تضمن للناس ما وعدهم به من نعم لا تعدُّ ولا تحصى، حيث سخّر للناس كلَّ مخلوقاته في خدمتهم.
فكل المسلمين يجمعهم كتابٌ واحدٌ وقرآنٌ واحدٌ ورسولٌ واحدٌ وعبادات واحدة، للوصول إلى إزالة الفرقة بين المسلمين وحرمان أعدائهم من استغلال وجود مذاهب مختلفة لإثارة الفتن والحروب فيما بينهم، بينما يرتع عدوهم في ثرواتهم، ويستبيح أوطانـهم فتضيع الأوطان وتًنهَب الثروات ويسقط مئات الألوف من الضحايا.
فلماذا ولمصلحة مَن كل هذه الجرائم؟ وتلك الحروب؟ ومتى سيتوقف القتل والتدمير؟وكيف سيستطيع المسلمون إطفاء نيران الفتنة.
إن ذلك لن يتحقّق الإ بالعودة لكتاب الله تعالى وقرآنه الكريم، الذي يضيء لنا الطريقَ ليخرجنا من الظلمات إلى النور.
وعندئذٍ سَوفَ تُرَفرفُ على المسلمين جميعًا رحماتُ اللهِ وبركاتُه ويَعودُ للبلادِ الإسلاميةِ والعالم أجمع الأمنُ والاستقرارُ والسلام. ومن أجلِ ذلك أمَرنا الله سبحانه بقوله:
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون).
(الأعراف 3).
إنَّ طاعةَ الرسولِ صلّى اللهُ عليه وسلم فيما ينقلهُ عن ربّهِ للناسِ من قرآن مجيدٍ وكتابٍ حكيمٍ أنزله الله تعالى بالحق لعبادة الله الواحد الأحد، لتهذيب سلوك الإنسان وهدايته لطريق الخير والصلاح والتعاون فيما بينه وبين سائر الناس على اختلاف دياناتهم وأعراقهم وينذرهم بما نهى اللهُ عنه من إثمٍ وذنب كي يحميَ الإنسان من شرورِ نفسهِ ويعيَنهُ على اتباعِ طريقِ الهُدىَ، ليجزيهَ اللهُ يومَ القيامِةِ خيرَ الجَزاء.
لقد كلف الله رسولَه عليهِ الصلاة والسلام بحمل رسالة الإسلام للناس كافةً في كتاب كريم يهدي به الناس إلى طريق الخير والصلاح، وقد بلّغ الرسالة بكل الأمانة وتحمّل في سبيلها صنوفًا شتى من ألوان الإيذاء والعنت والإشاعات بإيمان لا يتزعزع بأنَّ اللهَ سوف ينصره، وأصرَّ عَلَى أن يستمر في دعوته دون خوفٍ أو تردّدٍ فيما كلّفه الله تعالى به حتى أكمل الله عز وجل دينه، وأتمّ على الأمة نعمتَه في حجة الوداع.
ويتضح ذلك في قوله تعالى حُيث أمره الله سبحانه بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (المائدة:3).
وبهذه الآية يبلّغ الناسَ باستكمال الرسالة التي أنزلها الله على رسوله، لتكون هدايةً للناس ونورًا يخرجهم من الظلمات إلى النور، وهي خاتمة الرسالات أودعها اللهُ في القرآنِ الكريمِ، وما تضمّنه من تشريعات إلهية ودعوة الناس للإسلام، وما يدعو إليه من الإيمان بالله الواحد الأحد والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بكل الرسل والأنبياء من قبله، حيث وضع الله سبحانه في الخطاب الإلهي للناس قيمَ العدالة والمساواة ونشر السلام وتعاون بني الإنسان وتشريع إلهي ينظّم العلاقة بين الله وعباده وينظّم العلاقة بيـن الإنسان ومجتمعه، وبيـن الإنسان ووالديه وتبين الحقوق الزوجية وحقوق الأيتام وضوابط تنظيم العلاقةبين الإنسان وسائر البشر فى كافة المعاملات وأن يستنبط الناس القوانين التى تنظم حياتهم من التشريع الإلهي المبني على الرحمة والعدل. واحتفظ الله سبحانه بحقّه في حساب خلقه يوم الحساب كقوله تعالى:
(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم﴾ (الغاشية: 25).
لقد اختار الله سبحانه رسولَه من بَين خلقه، ليحملَ رساَلة الله للناس حيث يقول في كتابه الكريم: ﴿قُل إِنَّما أنا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحى إِلَيَّ أنَّما إِلـهُكَم إِلـهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا).
( الكهف: 110).
كما قال تعالى مخاطبا رسوله: ﴿قُل سُبحانَ رَبّي هَل كُنتُ إِلّا بَشَرًا رَسولًا). (الإسراء:93).
ويصف سبحانه مهمة رسوله الكريم بقوله: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزيكهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوامن قبل لفي ضلال مبين).
(آل عمران: 164)
أرسل رسوله ليعلّمهم ويفسّر لهم من التشريعات الإلهية ويوضّـح لهمُ مراد الله من أوامره لعباده، حيث يقول سبحانه:
﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
(الأحزاب:21)
ليقتدوا بأخلاقه وصفاته حيث جعله الله قدوةً للمسلمين الصادقين في عبادتهم لله وتصرفاتهم وسلوكيَّاتهم التـي شَرَعها الله لهم في منهج يرتقي بالإنسان بقيم إيمانية وأخلاقيات سامية.
ومن أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة، والتشوهات التي تناقلتها مؤلفات الفقه والتفاسير المختلفة، التي اعتمدت على روايات منسوبة لبعض الصحابة تناقلتها الألسنُ بعد مرور أكثر من قرنين من الزمان على وفاة الرسول، في تفسير دلالات الآيات في القرآن الكريم وما أحدثته من ارتباك في قناعات المسلمين، وما ترتّب على ذلك من تشويه صورة الدين الإسلامي عند غيرهم من الشعوب، حينما استقلت كلُّ فرقة بمفهومها الخاص، واتخذت كل فرقة من علمائها مرجعًا وحيدًا في كل ما يختص بفقه العبادات والمعاملات، وتعصَّبت كل فرقة لمذهبها أدّت إلى خلق كيانات اجتماعية مستقلة في المجتمع الواحد، وصل بعضها إلى تكفير الفرقة الأخرى وقد تسبّبت في ذلك فتاوى وتفاسير بشرية اتبعت روايات ضالة تعدَّدت مصادرها واختلفت أهدافها لتفريق الـمسلمين والابتعاد عن منهج القرآن الكريم.
ولا أستبعد على الإطلاق أنَّ وراء تشتيت الدعوة الإسلامية وخلق بلبلة فكرية للمسلمين أيادٍ خفية قامت باستحداث رواياتٍ مختلفةٍ ومختلقةٍ على لسان الصحابة، خلقت حالة من التناقضات والتجاذبات والاستقطاب الفكريّ، وأصبح لدى كل طائفة مرجعها الخاص، مما أدى إلى صراع فكري وجدلّي ثم تحّول إلى صراع مادي، نتج عنه اقتتال الـمسلمين بعضهم البعض.
كانت تلك الأيادي الشريرةتعد خطتها الخبيثة سواء كانوا من اليهود الذين لم يتخيلوا أنْ يختارالله رسولًا من غير قومهم، بما يعتقدونه بأنَّ اختيار الأنبياء والرسل محصورٌ في بنـي إسرائيل،لأنهم شعب الله المختار، كما يؤمنون ويدعون أثارت في نفوسهم حسدًا وغِـيرة لظهور نبي مرسل يحمل كتابًا إلهيًا للناس كافة من الذين يسمونهم بالأميين الذين ليسوا أهل كتاب كالمسيحيين واليهود حيث كانوالايقيمون لهم وزنًا واحترامًا ويتعاملون معهم معاملة دونية، خلقت لديهم حسرة وانتقامًابأن يظهر نبي منهم.
وبعد ما اطلع علماؤهم على آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن اليهود استشعروا خطورة القرآن الكريم على مستقبلهم مما سيؤدي إلى سقوط مكانتهم بين الشعوب وانحسار سطوتهم، والخطورة التي سيمثلها المسلمون إذا اتبعوا ما جاءت به الآيات من تشريعات للعلاقات الإنسانية في العبادات والمعاملات والحث على القيم النبيلة من رحمة وعدل وسلام وتعاون ومساواةوتحريم الظلم وأكل أموال الناس بالباطل مما سيعطل ما يسعون إليه من أطماع وأنانية في الاستيلاء على ثروات العالم والسيطرة على مقدرات الشعوب.
لذلك شرعوا يبحثون عنمختلف الوسائل لصرف المسلمين عن القرآن الكريم، الذي هو أساس رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم.
كما دللت آيات القران الكريم علىسوء النوايا عند بني إسرائيل،وشَخصت النفس الإسرائيلية وفضحت مطامعهم اللامحدودة وارتكابهم لأبشع الجرائم لتحقيق مآربهم بما في ذلك قتلهم لأنبيائهم واستيلائهم دون مبرر على حقوق الناس وخشيتهم في حالة انتشار القرآن في العالم وقبول الناس الدخول في دين الله،حينها سيكتشف المسلمون ما يشكله خطر الإسرائيليين على مصالحهم وسيطرتهم على اقتصاديات أوطانهم واحتكارهم النشاط المالي ليجعلوا الناس سخرة في خدمة مصالحهم مما قد يترتب على معرفة حقيقتهم وأهدافهم السيئة أن تنبذهم المجتمعات الإنسانية ويتم عزلهم وحرمانهم مما يتطلعون إليه في قيادة العالم حيث يعتبرونها حقوقًا مكتسبة بزعمهم بالوعد الإلهي المفترى على الله أنهم شعب الله المختار، ويعتبرون القرآن الكريم يحمل في آياته إدانة كاملة لجرائمهم في الماضي.
كما أن الله تعالى يحذر الناس في المستقبل من تطلعات الإسرائيليين لاستيلاب حقوقهموالتحكم فى مقدرات الأوطان بالخديعة والنفاق والغدر، ولذلك بادر علماء اليهود في البحث عن مختلف الوسائل لإسكات صوت القرآن وإخفاء آياته، ووضعوا استراتيجيات متعددة لمواجهة وثيقة الإدانة التي تضمنتها آيات القران الكريم فبدأوا بمحاربة الرسول أثناء البعثة بتحرض قبائل قريش على اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام.
واستمروا بعد الهجرة للمدينة باستدراج المسلمين في معارك عديدة مع قبيلة بنى قينقاع وقبيلة بنى النضير ويهود خيبر.
وبعد فشلهم جمعوا بعض القبائل العربية فى موقعة الأحزاب وانهزموا شرهزيمة.
ولما باءت معاركهم بالفشل اتجهوا إلى الحرب النفسية بدس الروايات ونشر الإشاعات المسيئة للرسول والتي تخلق تناقضًامع دعوة القرآن والحث على الأخلاق والفضيلة والعدل والسلام، ونسبوا الروايات إلى صحابة الرسول وأطلقوا مصطلح (حديث نبوي) لاستجداء المصداقية وإقناع الناس بأنها اقوال رسول الله لتحتل مكانة من القدسية تنافس به القرآن وتخلق حالة من الالتباس عند المسلمين ليلهونهم عن القران الكريم وينشغلون في تلك الخدعة بـ (حديث صحيح/ ضعيف/ مرسل/ مقبول/ متواتر/ حسن/ مردود/ قدسي/ مقطوع/ مرفوع)… وقِس على ذلك، حيث ظل المسلمون يدورون في حلقة مفرغة أربعة عشر قرنًا، ونسوا القرآن أساس الرسالة الإسلامية.
فقد نجح اليهود بملىء العقول بالإسرائليات التي غيبت الفكر واستحكمت في الأفهام إلى درجة أن استطاعت الروايات أن تطغى على الآيات، وسخَّر اليهود الأموال لطباعة كتب الحديث بالملايين ينشرونهاحول العالم كي لايبرز ضوء القران ويكتشف الناس حقيقتهم، تأكيدًا لقوله تعالى: ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
لقد استكتبوا علماءهم وشجعوا الناس على قراءتها، وسخروا المال على الدعاية لقراءتها ووضعواللرواة مكانة المرجعية للإسلام ليكونواالمصدر الأساسي لاستنباط فقه العبادات والمعاملات.
وأضافت الروايات بعدًا آخر في خلق الإلتباس والبلبلة عند المسلمين حينماخلقت مصادر متعددة وكل مصدر له رواياته، فترتب على ذلك ظهور مرجعيات متعددة ومتناقضة أوجدت سوء الفهم وبالتالي حالة سوء التفاهم، ويلي ذلك التصادم الفكري والمادي لينشغل المسلمون أيضًا بادعاء كل طائفة بأنها الفرقة الناجية ويحدث النزاع بينهم ويتحول إلى الاقتتال كما يحدث اليوم.
مسلسل مستمر منذ أربعة عشر قرنًاوالعدو يجني مازرع ويستمر في استغلال الأرض ونهب الثروات والقوم فيغيهم ونزاعاتهم منشغلون يؤدون خدمة جليلة لأعدائهم والمتربصين بهم.
وأصبحت تلك الروايات أساسًا للخطاب الديني السني والشيعي وغيرهم من الطوائف والفرق الأخرى بعدما ضربت الفرقة خنجرًا مسمومًابين المسلمين حين تولدت حالة من العداوة الشرسة فيمابينهم ترتب عليها الصدام المسلح.
ظل المسلمون يقتتلون مع بعضهم،إضافة إلى الاقتتال الفكري من جدال وتفلسف ومقارعات أضاعت السنين فيما لاجدوى منه، وأدت إلى هجر القرآن.
وتحقق لليهود ما أرادوا، عزل القرآن عن حياة المسلمين واتباع المنهج الإلهي، وإن الشواهد اليوم التي نعيشها تؤكد إدانة الآيات القرآنية لليهود وبنيإسرائيل. وهو التحذير الإلهي الذي استبق المستقبل بالحكمة الإلهية.
ونحن نشاهد اليوم أن الإسرائيليين يحكمون العالم ويتحكمون فى اقتصادياته وفى إعلامه ويثيرون الحروب من أجل تعظيم قدراتهم المالية، ذلك السلاح الذي استطاعوا به التحكم في مقدرات الشعوب وخلق الثورات وإفساد الأخلاق. فقد أدانهم الله بقوله سبحانه:
(كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون). (المائدة: 79) كما قال تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون ان تضلوا السبيلا ).(النساء: 44)
وقوله تعالى:(من الذين هادوايحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصيناواسمع غير مسمع وراعنا ليا بالسنتهم وطعنا فى الدين ولو انهم قالواسمعنا واطعناواسمع وانظرنالكان خيرا لهم واقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا ).
(النساء: 46)
وكلما برز على الساحة بعض المفكرين الذين يَدْعون الناس إلى تحرير العقول من طغيان الروايات المفتراة على الرسول، انهالت عليهم الإتهامات من كل حدب وصوب، خاصة من المؤسسات التي تُسمى بـ “الإسلامية”، وكأن لديهم دين آخر غير الذي أنزل على محمد- عليه الصلاة والسلام- فيالقران الكريم، وهو أساس رسالة الإسلام وكأنهم يؤمنون بكتاب آخر غير القرآن الذي كلف الله به رسوله الكريم بأن يتلوه على الناس ويُعَلِمَهم الكتاب والحكمة ومقاصد الآيات الكريمة وماتوضحه في المنهج الإلهي من تشريع وقيَّم وأخلاق تؤسس عليها المجتمعات الإنسانية ضوابط تنظم العلاقات بين البشر وتحدد مسؤولياتهم في مجتمعاتهملتكون مصدرًا للتشريع والقوانين حماية للمجتعات من ظلم الناس لبعضهم والحفاظ على الحقوق ومنع طغيان فئة على أخرى ليعيش الناس جميعًا في أمن وسلام.
وهكذا استطاعت الدعايات الإسرائيلية اختراق الأفهام وتغييب العقول حتى تمكنت من العرب المسلمين إلى درجة يهاجمون من ينبههم وينصحهم بعدم الإستسلام لسموم اليهود التي تسببت بالتفرقة والحروب بين العرب، حروبًا أكلت الأخضر واليابس على مدى أربعة عشرقرنًا، وذلك يدل على أن اليهود استطاعوا أن يغيبوا عقول العرب المسلمين إلى درجة استهداف كتاب الله الذي نقله رسوله عن ربه رحمة للعالمين وتخليصهم من الجهل والجهالة وتحريرهم من عبادة الأصنام ودعوتهم للقراءة والعلم ليحملوا الشعلة السماوية المتمثلة في القرآن الكريم ليضي بها عقول البشر لتسعى في تسخير نعم الله فى الأرض لصالح الإنسان وإسعاده وترسخ بالعدل والفضيلة السلام والأمان بين الناس.
لذلك استطاعوا زرع الروايات الإسرائيلية على لسان الصحابة على أنّها أحاديث الرسول- عليه السلام- كذبًا وافتراءً، فانطلقت الخدعة على المسلمين ونجحت خططهم الجُهنمية والشريرة في صرف المسلمين عن كتَابهم الذي يهدي للتي هي أقوم تأكيدًا لقوله تعالى:
(إِنَّ هَذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ أجْرًا كَبِيرًا). (الإسراء:9)
وشاركهم في تنفيذ نفس مخططهم الخبيث علماءُ المجوس الذين أخذتهم العزة بالإثم حينمااستطاع المسلمون بأعدادهم القليلة نسبة لجيش الفرس بقيادة (رستم) أنْ يّهزِموا الإمبراطورية الفارسية ويتسببّوا في سقوطها، فقررّوا الإنتقام من العربالمسلمين عندما اكتشفوا أنَّ انتصار المسلمين عليهم لم يكن بسبب القوة العسكرية أو كثرة العدد.
ولكن ما يحملونه في عقولهم وقلوبهم من إيمان بما أنزله الله عليهم في كتاب كريم وهو القرآن سِر الإنتصار فاتخذوه هدفًا ليصرفوا المسلمين عن الخطاب الإلهيّ، القرآن الكريم، بدفع بعض علمائهم للدخول في دين الإسلام ليتعرفوا على أسراره، ويكتشفوا مواطن الضعف عند المسلمين ليستطيعوا أنْ يوجِّهوا سهامهم المسمومة إليه فاتخذوانفس تخطيط اليهود باستخدام الحرب النفسية معتمدة على الإشاعات واختلاق الروايات ونسبوها إلى صحابة الرسول الذين أحاطوهم بهالة من القدسية لمحاولة الإيحاء للمتلقّي بتصديق رواياتهم،ومن أجل أنْ تكون للروايات المُفتراة على الرسول المصداقية ليؤمن بها الناس ويجعلوها مصدرًا من مصادر الدين على الناس اتباعها.
إنَّهم يعلمون أن الصحابة وغيرهم بشرٌ ممن خُلق يخطئون ويصيبون وليسوا معصومين من الأخطاء، ولكن مانقل على لسانهم لم يكن من الحقيقة في شيء، حيث تمت الإستعانة بتوظيف الصحابة في تنسيب الروايات لهم لتحظى بالمصداقية، لأن الصحابة يعلمون أن ما كان يعرض عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من آيات القران الكريم يُعَلِمهم دينهم ويشرح لهم مقاصد آياته كان محصورًا فقط فيما ينزله الوحي عليه من آيات في قرآن حكيم.
وبالرغم من ذلك حدث بينهم خلاف بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فكم أسالوا دماء بعضهم في كثير من الحروب التي وقعت بينهم، وكم سقط منهم مضرجين بدمائهم. فلاعِصمة لأي منهم إلا رسول الله وحده- عليه الصلاة والسلام- بما كرَّمه الله سبحانه بحمل رسالة الإسلام للناس.
ولقد استهدفت الروايات التي نشرها الفُرس على لسان بعض الصحابة خلق حالة من التفرقة بين العرب المسلمين لإحداث نزاع واقتتال فيمابينهم،إنتقامًا منهم لاقترافهم جريمة إسقاط الإمبراطورية الفارسية، فترتب على ذلك نشوء حالة من التصديق والإيمان بتلك الروايات والاقتناع بها.
وبتعدد مصادر الروايات ومقاصدها نشأت طوائف، تبنَّت كل طائفة مرجعيةً خاصةً بها وروايات تستند إليها في شرح توجهاتها الدينية، واعتمادها أساسًا للخطاب الديني لديها فأصبح لكل طائفة خطابُها الدينـي الخاص بها.
وبذلك تعدّدت المراجع وانتشر الفكر التكفيـري فأصبحت كل طائفة تُكفِّر الأخرى، بل وتعتقد بأنَّ قتالهم جهادٌ في سبيل الله، وكلٌ منهم يُقاتل أخاه المسلم، وكل منهم يَعتقد بأنَّه يجاهد في سبيل الله ويسقط القتيلان وكل منهما يهتف «الله أكبر».
إضافة إلى ذلك ولتدعيم خطابهم الديني الذي نشأت على أساسه الطائفة الشيعّية اعتمد علماء المجوس على قاعدتين لتصدير خطابهم المسموم وخلق دين مواز لدين الإسلام اعتمدوا على مايلي:
أولاً: قرابة الحسين بن علي بن أبي طالب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وهو حفيدُه من فاطمة، بنت محمد عليه الصلاة والسلام، واعتمادًا على هذه القرابة للرسول، سيدعم خطابهم الدينـي لتكون له القدسية والمكانة العليا لتلك القرابة، علاوةً على ما حدث للحسين وأهله من قتل واستباحة دمائهم في معركة (كربلاء) مع جيش يزيد بن معاوية حاكم الشام، فاختلقوا حالة المظلومية واعتبروها صراعًا بين الحق والباطل وعنوانًا للفداء عن المبادىء والقيم الدينية لتكون ملهمة لتجنيد المنتمين إلى المذهب الشيعي واستقطاب آخرين للإنضمام للطائفة الشيعية.
ومن منطلق العلاقة الزوجية بين الحسين وابنة ملك الفرس (شاه زنان) الذي أنجب الإمام علي زين العابدين والذي يعتبر عند الشيعة أول سلسلة الآئمة الاثنى عشر الذي تأسس عليه المذهب الشيعي وجه لأمه ملك المجوس (يزدجرد).
ولذلك استبعد الفرس شقيق الحسين- الإمام الحسن-، لأن القاعدة المؤسسة للإمام الحسين هي العلاقة الزوجية والإنتماء الفارسي لزوجته. ووضعوا تلك المأساة في خدمة خطابهم الديني وجعلوا الحسين هو مركز الخطاب الشيعي وبالغوا في تقديسه إلى درجة التأليه، وأنَّ المنتمي للمذهب الشيعي سوف يغفر الله له ذنوبه ويتوبُ عليه ويسكنه مكانًاعاليًا في جنات النعيم إذا زار قبر الحسين.
وقد تلقّى الأميون والجهلة تلك الدعوة وأصبحت هي ملاذهم الوحيد في حياتهم الدنيا وفي الآخرة، فاستطاعوا بتلك الخرافات والمبالغات استقطاب الناس حينما سهّلوا عليهم تكاليف العبادات والإلتزام بتطبيقها مناسكًا وسلوكًا، فإنّه بمجرّد زيارة قبر الحسين ارتفعت عنه التكاليف بل غفر الله له ذنوبه، واحتسب اللهُ تلك الزيارة ثواب حجٍ وألف عمرةٍ.
ثانيًا: العامل الثاني هو علي بن زين العابدين بن الحسين، حفيد ملك المجوس. حينما تزوّج الحسين من ابنة ملك كِسرى، وكانت ضمن سبايا الـمسلمين بعد انكسار جيش الفرس، وزوجته هذه اسمها «شاه زنان بنت يزد جرد ملك الفرس»، وهذه القرابة من ملك المجوس أسهمت في تعاطف علماء الفرس مع تقديس الحسين، ليتمّ إعداد خطاب ديني يأخذ خطًا مغايرًا عن رسالة الإسلام التي جاء بها محمد- صلى الله عليه وسلم-، يحملها في كتاب كريم وقرآن عظيم ليحدثوا شرخًا عميقًا في رسالة الإسلام، بحيث تُهيئ أرضية للصراع الدائم بين أهل السُّـنَّـة وأهل الشيعة وينصرف الجميع عن القرآن الكريم الذي يدعو للوحدة والاعتصام بحبل الله في اقتتال وفتن يتم تغذيتها من أعداء الإسلام ليستغلَّ أعداؤهم انشغالهم بأنفسهم ويستبيحوا ديارهم وينهبوا ثرواتهم ويعطلوهم عن مسيرة التقدم والتطور لما يتحقق من خير للشعوب الإسلامية.
ولنطلع على بعض أمثلة المبالغة واستغلال عواطف الأميين والتغرير بهم كما يلي (بشأن الخطاب الديني الشيعي):
زيارة الإمام الحسين بن علي- عليه السلام:
يقول الإمام جابر بن يزيد الجعفيّ، أحد أئمة الشيعة، صاحب الإمام (الباقر)، عن جابر الجُعَفيّ قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لابنه (المفضل):
– كم بيـنك وبيـن قبـرالحسين (عليه السلام)؟
– قال بأبي أنت وأمي، يومً أوبعض يوم آخر.
– قال: فتزوره؟
– فقال: نعم.
– فقال: ألا أبشّرك، ألا أفرحك ببعض ثوابه؟
– قلت: بلي جُعلتُ فداك.
– قال: فقال لي: إنَّ الرجلَ منكم ليأخذ في جهازه ويتهيأ لزيارته فيتباشر به أهل السماء، فإذا خرج من باب منزله راكبًا أو ماشيًّا وَكّل الله به أربعة آلاف مَلَك من الملائكة يُصلّون عليه حتى يوافي الحسين (عليه السلام)… يامفضل: إذا أتيت قبر الحسين بن علي عليه السلام فقف بالباب وقل هذه الكلمات، فإن لك بكل كلمة كفلًا من رحمة الله.
-فقلت: ما هي جُعلتُ فداك؟
-قال: تقول السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارثَ نوحٍ نبيّ الله، السلام عليك يا وارثَ ابراهيمَ خليلِ اللهِ، السلام عليك يا وارثَ (موسى) كليمِ اللهِ، السلام عليك يا وارثَ عيسى روحِ اللهِ، السلام عليك يا وارثَ محمدٍ حبيب الله، السلام عليك يا وارث علي وصي اللهِ، السلام عليك يا وارثَ الحسنِ الرضيِّ، السلام عليك يا وارثَ فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ، السلام عليك أيها الشهيدُ الصدّيقُ، السلام عليك أيها الوصي البارّ التقيّ، السلام على الأرواح التي حلّت بفنائك وأناخت برحلك، السلام على ملائكة الله المحدقين بك، أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وعبدت الله مخلصًا حتى أتاك اليقين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
ثم تسعى فلك بكل قدم رفعتها أو وضعتها كثواب المتشـحّـط بدمه في سبيل الله، فإذا سلّمت على القبر فالتمسْه بيدك، وقل السلام عليك ياحجّة الله في سمائه وأرضه. ثم تمضي إلى صلاتك ولك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب من حـَج واعتمر ألف عمرة، واعتق ألف رقبة، وكأنّما وقف في سبيل الله ألف مرة مع نبي مرسل، فإذا انقلبت من عند قبر الحسين (عليه السلام) ناداك منادٍ لو سمعتَ مقالته لأقمت عند قبر الحسين (عليه السلام) وهو يقول طُوبى لك أيها العبدُ قد غنمتَ وسلمتَ، قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل، فإن هو مات في عامه أو في ليلته أو يومه، لم يلِ قبض روحه إلا الله وتقبل الملائكة معه يستغفرون له ويصلّون عليه حتى يوافي منزله، وتقول الملائكة يارب هذا عبدك وافى قبر ابن نبيّك وقد وافى منزله فإين نذهب، فيناديهم النداء من السماء ياملائكتي قفوا بباب عبدي فسبّحوا وقدسّوا واكتبوا ذلك في حسناته، إلى يوم يتوفّى، قال: فلايزالون ببابه إلى يوم يتوفى ويسبّحون الله ويقدّسونه ويكتبون ذلك في حسناته، وإذا توفي شهدوا جنازتَه وكفنَه وغسلَه والصلاة عليه، ويقولون ربنا وكلتنا بباب عبدك وقد توفي فأين نذهب، فيناديهم: ملائكتي قفوا بقبر عبدي فسبّحوا وقدّسوا واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم القيامة).
(انتهى الاقتباس).
تلك المقولة التي يعتمد عليها الخطاب الديني الشيعي واستطاعوا إقناع اتباعهم بها، علمًابأن هذاالخطاب يتناقض كليًا مع ما جاءت به آيات القرآن الكريم كما ذكرته فى الآيات المشار إليها أدناه في الخطاب الإلهي.