السعوديةساحة الفكرمؤلفات الشرفاء الحمادي

الحلقة الـ15 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي

الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية

في الحلقة الخامسة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء، يتحدث المؤلف عن الخطاب الإلهي وأن علينا أن نتدبّر مراد الله من آياته، حتـى لا يطغى الإنسان في حياته وهو يعيش رحلة قصيرة فيها، ولا يتكبـّر ولا يغتـرّ بما وهبه الله من سلطة وقوة وصحة ونعمة، فكل ذلك إلى زوال، وإذا تدبّر الإنسان ما سيحل به منذ ولادته، فسيتعرف على خارطة الطريق لحياته التي تساعده في مسيرته، يؤدي تكاليف العبادات ويعامل الناس بالحسنى والعدل، لا يظلم أحدًا ولا يغش إنسانًا، ولا يتجبـّر أو يتكبـّر، فيرضى بما قسم الله له، ويعيش مطمئنًا سعيدًا في حياته، يؤدي تكاليف العبادات كما بيـّنها لنا رسولنا الكريم بالجهد والإخلاص، فيتحقق له الأمن والسلامة يوم القيامة، ويكافئه الله بالجنة ونعيمها.

وإليكم الحلقة الخامسة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”.

لقد بعثَ اللهُ سُبحانَهُ وتعالى مُحمَّدًا صلّى اللهُ عليه وسلّم ليَحملَ للناسِ كافة، كتابًا مباركًا، ليُخرجَهم من الظُلماتِ إلى النُّورِ، وليهديهَم طريقَ الخيرِ وَالصَلاحِ، إذ يخاطب سُبحانَهُ وتعالى رسولَه مُحمَّدًا صَلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ﴿كِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أولُو الْألْبَاب﴾ (ص 29).

يخاطب الله سبحانه بهذه الآية العقل الإنساني الذي فضل به عباده على كافة مخلوقاته، وأودع فيه كل العلوم من الحكمة والمعرفة عند خلق (آدم) التي ستظل تنتقل لعقول أبنائه حتى قيام الساعة، ومنحه الإدراك على التعرف على مراد الله من آياته وتشريعاته لصالح الإنسان ولما يحقق له العيش الكريم حافظا حقوقه في كل زمان ومكان، يتحقق له وبه الأمن والسلام، وأمره بالتدبر في القرآن الكريم وآياته وما يحمله من نور للإنسانيةِ جمعاء، يستعينون به ليضـيءَ لهم طريق الخيـر والصلاح في الحياة الدنيا، فالله يريد للناس أن يتفكّروا فيما خلق الله تجلّت قدرته، ويستنتجوا بعقولهم عظمة خلقه، ويدركوا ويتدبّروا آياته وفهم مراد الله لخلقه ليتحقّق لديهم اليقينُ المطلقُ بأن الله وحده لا إله إلا هو لا شريك له ربّ السَماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير، ليدرك الَإنسان قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَألْتَهُمَ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اَللَّـهَ قُلْ أفَرَأيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أو أرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (الزمر 38)، تبين لنا هذه الآية عدم اللجوء لغير الله في الضيق والضرر إذا أصاب الإنسان فليدع الله الذي يكشف عنه ضره، ووحده سبحانه سينزل على الإنسان رحماته، فالله قد قال لرسوله ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾ (البقرة 186).

يريد الله لعبادِهِ أن يعلّمهم حركة الحياة للإنسان، وتطورها منذ ولادته حتـى وفاته، حيث يقول سبحانه ﴿هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (غافر 67). تلك رحلة الإنسان في الحياة الدنيا ليضعها نصب عينيه، فلا يفرح بما كسب ولا يحزن إذا جانبه الحظ والتوفيق، فلا ييأس على ما فات ويغتنم اللحظة التي يعيشها بالبر والتقوى والخلق الكريم والإحسان للناس جميعا يعيش سعيدا في حياته الدنيا آمنا يوم الحساب.

يريد الله سبحانه، بهذه الآية أن يدركَ الناسُ تطوّرَ حياةِ الإنسان منذُ ولادِتهِ، حيثُ تختزلُ الآية حياة الإنسان الممتدّة منذ ولادته، والتطوّر الذي يحدث للإنسان في مختلف مراحل عمره، إلى أن يصل إلى مرحلة الشيخوخة، وهي بداية النهاية، ولذا فالله يأمرنا بأن نتفكّر في حياتنا القصيرة فلا خلود فيها بل تبدأ من ضعف إلى قوة، ثم ضعف ثم الفناء، وبعد ذلك يأتي أجله الذي لا نعرفه، وعلينا أن نتدبّر مراد الله من آياته حتـى لا يطغى الإنسان في حياته وهو يعيش رحلة قصيرة فيها ولا يتكبـر ولا يغتـرّ بما وهبه الله من سلطة وقوة وصحة ونعمة، فكل ذلك إلى زوال، وإذا تدبّر الإنسان ما سيحل به منذ ولادته، فسيتعرف على خارطة الطريق لحياته التي تساعده في مسيرته، يؤدي تكاليف العبادات ويعامل الناس بالحسنى والعدل، لا يظلم أحدًا ولا يغش إنسانًا ولا يتجبـّر أو يتكبـّر، فيرضى بما قسم الله له، ويعيش مطمئنًا سعيدًا في حياته، يؤدي تكاليف العبادات كما بيـنها لنا رسولنا الكريم بالجهد والإخلاص، فيتحقق له الأمن والسلامة يوم القيامة ويكافئه الله بالجنة ونعيمها.

وعلى المسلمين أن يلتزموا بدعوة الله لهم بأن يتفكّروا فيما خلق ويتفاعلوا مع آياته، ليستنبطوا بأنفسهم حقائق الكون والحياة واكتشاف كنوز الأرض ونعم الله على عباده فوق الأرض وباطنها، وأن يتعرفوا على مراد الله من تشريعاته للناس ومقاصدها لخير الإنسان وسعادته، وأن لا ترتهن عقولهم لأقوال مجهولة، وروايات مسطورة، وأساطير مدسوسة، لا تتفق مع العقل والمنطق الذي يدعونا الله إليه بالتدبّر والتفكّر في آياته، والآيات التالية تؤكّد دَعوة المولى -عز وجَل- لعبادهَ للتفكّر والتدبّر في آياته، حيث قوله تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم 12)، لأن الله سبحانه أكثر حرصا على عباده في حمايتهم مما يضرهم ويرشدهم لما يسعدهم، لأنه خلقهم ولا يستوي المخلوق كالخالق، فالمخلوق تسيره الأهواء والأطماع والأنانية والتكالب على اكتساب المصالح دون الاهتمام بحقوق الآخرين، ولو أدى ما يحقق أهدافهم إلى السرقة والقتل وارتكاب الجرائم بكل أشكالها، فكيف نأخذ منهم النصح والوعظ من روايات مسمومة امتلأت خبثا وسوء النوايا، ونترك آيات الله ونتبع من لا يريدون خيرا للناس من رواة مجهولين وإسرائيليات تفتري على الله ورسوله كذبا وظلما. ليعيث الناس في الأرض فسادا وظلما وعدوانا باسم الإسلام رمز الأمن والسلام، ولذلك تدعو الآيات التالية فريضة من الله على المسلمين إلى التدبر والتفكر في آيات الله كما يلي:

قال سبحانه ﴿وَهُوَ الَّذي مَدَّ الأرضَ وَجَعَلَ فيها رَواسِيَ وَأَنهارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فيها زَوجَينِ اثنَينِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾ (الرعد 3).

وقوله تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاَتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الجاثية 12 و13).

وَقوله تعالى ﴿أيَوَدُّ أحَدُكُمْ أنَ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ (البقرة 266).

وقوله تعالى ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ وَاختلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾ (آل عمران 190 و191).

وقوله تعالى ﴿لَوْ أَنزَلنَا هَـذَا القرآن عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاَسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الحشر 21).

وقوله تعالى ﴿قُلِ انظُروا ماذا فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما تُغنِي الآياتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوَمٍ لا يُؤمِنونَ﴾ (يونس 101).

وقوله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذي أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأخرَجنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيءٍ فَأَخرَجنا مِنهُ خَضِرًا نُخرجِ مِنهُ حَبًّا مُتَراكِبًا وَمِنَ النَّخلِ مِن طَلعِها قِنوانٌ دانِيَةَ وَجَنّاتٍ مِن أعنابٍ وَالزَّيتونَ وَالرُّمّانَ مُشتَبِهًا وَغَيرَ مُتَشابِهٍ انظُروا إلى ثَمَرِهِ إِذا أثمَرَ وَيَنعِهِ إِنَّ في ذلِكُم لَآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾ (الأنعام 99)، وقوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الْإنسان إلى طَعَامِهِ﴾ (عبس 24)، وقوله سَبحانه وتعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الْإنسان مِمَّ خُلِقَ﴾ (الطارق 5).

وقوله سَبحانه تعالى: ﴿قل أرَأيْتُمْ إِنَ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمَ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أفَلَا تَسْمَعُوْنَ قُلْ أرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهَ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ القصصَ (71-73).

وقوله سَبحانه تعالى ﴿وَهُوَ الَّذي يُرَسِلُ الرِّياحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ حَتّى إِذا أقَلَّت سَحابًا ثِقالًا سُقناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأنزَلنا بِهِ الماءَ فَأَخرَجنا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخرِجُ المَوتى لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾ (الأعراف 75).

وقوله سَبحانه تعالى ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (آل عمران 191).

وقوله سَبحانه تعالى ﴿اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأُنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِل الْأخْرَى إلى أجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الزمر 42).

وقوله سَبحانه تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرَوم 21).

وقوله سَبحانه تعالى ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ (سبأ 46).

وقوله سَبحانه تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَاَ مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأبْصَارِ﴾ (النور 43).

وقوله سَبحانه تعالى: ﴿أَلَم يَرَوا إلى الطَّيرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ السَّماءِ ما يُمسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾ (النحل 79).

وقوله تعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمَ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ (يس 71-72).

وقوله سَبحانه تعالى: ﴿أَوَلَم يَنظُروا في مَلَكوتِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِن شيء وَأَن عَسى أَن يَكونَ قَدِ اقتَرَبَ أجَلُهُم فَبِأيِّ حَديثٍ بَعدَهُ يُؤمِنونَ﴾ (الأعراف 581).

وقوله سَبحانه تعالى: ﴿أَفلَم يَنظُرُوا إلى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾ (ق 6)، وقوله سَبحانه تعالى: ﴿أفَلَا يَنظُرُونَ إلى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وإلى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ (الغاشية 17-20).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِندَ اللَّـهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذينَ لا يَعقِلونَ﴾ (الأنفال 22).

وقوله تعالى: ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أو آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج 46).

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الغافِلونَ﴾ (الأعراف 179).

المسلمون: الخطاب الديني والإلهي

تؤكّد الآياتُ الكريمة فيما سبق أنَّ اللهَ سبحانَه يخاطب العقول داعيًا عبادَه إلى التفكّر في رسالته وما تضمّنته من آيات تنير للعقول طريقَ الحياة وتهديهم الصراط المستقيم، وتدعوهم لما يصلحهم ويعينهم في الدنيا والآخرة، فليس من المعقول وليس من الدين أن يستسلم عقل الإنسان لروايات نتاج بَشَري مجهولة المصدر مفتقدة المصداقية نُقلت للناس بعد قرنين من الزمان من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، تناقلتها الفرق المختلفة وأسندتها لأكثر الصحابة قربًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقوية إسنادها وإقناع المتلقّين لتوثيق مصداقيتها بأنّها روايات صحيحة، طالما أنَّها منسوبة للصحابة، وفي كل الأحوال لا يمكن أن يتساوى الُـمنتَجُ الفكريّ البشري برواياته مع كلام الله وآياته الذي اتّسقت آياته ووضحت مقاصدها لخير الإنسان، وارتقت معانيها وتضمنت تشريعًا راقيًا ينظم علاقة الإنسان بخالقه، ويحقّق التوازن بالرحمة والعدل بين البشر، على أساس المساواة دون تمييز أو محاباة لأحد لتحقيق التعايش المشترك بين جميع بني الإنسان دون تفرقة لدين أو مذهب أو طائفة أو لون أو ثقافة أو لغة.

ماذا يريد المسلمون من خالقهم أكثر وضوحا من ذلك بعدم اتباع البشر في أقوالهم وتفسيراتهم التي تتناقض مع أوامر الله وتوصياته حرصا على المسلمين من التفرق والضياع بالرغم من تنبيه الله لهم؟

فقد حسم الله سبحانه بأنَّ قولَ الرسول عليه الصلاة والسلام هو ما أنزله عليه من قرآن كريم فقط، تأكيدًا لقولهِ سبحانَه ﴿إِنَّهُ لَقَولُ رَسولٍ كَريمٍ﴾ (التكوير 19)، نقله جبريل عليه السلام إلى رسول الله، فكل مَن نَسَبَ إلى الرسول قولًا غير آيات القرآن فقد افترى على الله وَرسوله ويحذرهم الله يوم القيامة بقوله تعالى ﴿وَيَومَ القِيامَةِ تَرَى الَّذينَ كَذَبوا عَلَى اللَّهِ وُجوهُهُم مُسوَدَّةٌ ألَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوًى لِلمُتَكَبِّرينَ﴾ (الزمر 60).

إنني أسأل كلَّ مَن وضع نفسه في صدارة علماء الدين ووعاظه ودعاته، كما وأسأل كلَّ مَن تصدّى للفتوى والتفسير ما يلي:

  • أولًا: لماذا تمّت مخالفة أوامر الله بكل التحدي والصَّلف والعناد في دعوته لعباده بالتدبُّر في آياته والتفكر في مقاصدها، وسمحوا للروايات بأن تطغى على الآيات لتحقيق مصالح سياسة ومادية واجتماعية، مهَّدت الطريق لتفريق المسلمين فرقًا وطوائف، وأوجدت حالة صراع دائم بينهم وجدال عنيف وصدام فلسفي التبس فيها الحق بالباطل وولَّدت الأحقاد وتسبّبت في الاقتتال بينهم فمزقهم التنازع والإصرار على الخلاف وعصوا أمر الله الذي يأمرهم بالاعتصام بحبله المتين القرآن الكريم وتطبيق ما فيه من تشريعات تحقق الأمن والسلم والوحدة بينهم؟
  • ثانيًا: لماذا أغفل المسلمون مرجعية القرآن، في استنباط التشريعات لتنظيم العلاقة بين الله وعبادِه، التي وضع الله لها في تشريعه قواعد العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، مبنـية على العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان في حرية العقيدة وحرية العمل وحق الحياة وكسب الرزق وتحقيق الأمان لأفراد المجتمع دون تمييز؟
  • ثالثًا: لماذا الدفاع المستميت عن الروايات كلّما ذُكرت آيات الله وما تحمله من تصويب للخطاب الديني وتقويم المصطلحات والمفاهيم الضالة التي شوهت سماحة الإسلام ورحمته ودعوته للعدل؟!
  • رابعًا: لماذا لم يدرس علماء المسلمين وفقهاؤهم الأحداث التاريخية الكارثية، التي وقعت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتـى اليوم لمعرفة المتسبّب الرئيسي لكل الفتـن، وما أورثته لنا من صراع مستمر وقتال مدمّر يأكل الأخضر واليابس حتـى اليوم؟
  • خامسًا: ألم يتّهمكم رسول الله، فيما تزعمون وتقدّسون ما نُسِبَ إليه من روايات، تتناقض مع ما حمله من رسالة الله للناس ويشتكيكم إلى الله يوم القيامة؟! عندما هجرتم القرآن واستبدلتموه بالروايات والإسرائيليات الملفّقة والمشبوهة، كما جاء في القرآن العظيم قوله تعالى ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القرآن مَهْجُورًا﴾ (الفرقان 30)؟ فماذا سيكون موقفكم يا علماء المسلمين أمام الواحد القهّار يوم الحساب؟ وكيف سيكون دفاعكم عن عدم تدبركم لآيات القرآن؟ ومَن يحميكم من غضب الله عليكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم؟
  • سادسًا: ما رأيكم في قوله تعالى ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ (الجاثية 6).

يؤكد لنا الله سبحانه وتعالى في الآية المذكورة، استفسارًا استنكاريًّا، أي حديث يعلو على آيات الله التـي أنزلها الله على رسوله بالحق مهما كان مصدرها؟ ألم تكتمل بالآيات رسالة الله وخطابُه الإلهي للناس، عندما تلَا على المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجّةِ الوداع: ﴿الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا﴾ (المائدة 3)؟ ألا تعني الآية المذكورة أعلاه أنَّ الله قد أكمل رسالته للناس وارتضى لهم الإسلام دينًا؟! ألم يدعوهم للتفكر والتدبّر في آياته الذي يؤدي بهم إلى الإيمان ويستيقنوا بأن لا حديث بشري بعد كلام الله وآياته؟!

جاء الخطاب الإلهي ليخاطب العقل، وجاء لتحرير الإنسان من العبودية والأصنام وأشباه الأصنام، وتحرير الإنسان من الكهنة، والأحبار وشيوخ الدين الذين احتكروا فهم القرآن وسيطروا على عقول الناس وجعلوا أنفسهم أوصياء على الناس

لذلك فقد جاء الخطاب الإلهي ليخاطب العقل، وجاء لتحرير الإنسان من العبودية والأصنام وأشباه الأصنام، وتحرير الإنسان من الكهنة، والأحبار وشيوخ الدين الذين احتكروا فهم القرآن وسيطروا على عقول الناس وجعلوا أنفسهم أوصياء على الناس، ووكلاء عن الله وأوصياء على البشر يكفِّرون مَن يشاؤون ويحاسبون مَن يكرهون على عقائدهم، ويمنحون الجنة مَن يتبعهم ومَن يزيد في نفاقهم وتقديسهم فليحرِّر الإنسان عقلَه للتفكر في كتاب الله ليطلق عقله بكل الحرية للتدبّر في كتاب الله، ويحيا حياته بما أمر الله له من كرامة ليعيش هانئًا مطمئنًا برعاية الخالق له، يحفظ له صحته ويعينه على تأمين رزقه، يعامل الناس بالمحبة والتراحم، يعين فقيرهم ويعين المظلوم ويزور مريضهم وينشر السلام أينما حلَّ وأينما رحل، يشارك مجتمعه السَّراء والضَّراء.

فإذا ما اتبع ما أنزل الله للناس من آيات كريمة وتدبَّر في مراد الله منها للإنسان، فإن محصّلة تفكيره ستعينه على اتباع منهج الله في الحياة وتحقق له الأمن النفسي ويبقى متصلًا بنور الآيات الكريمة تضيء له حياتَه وتمنحه السعادةَ والتفاؤل والأمل، وترتقي بأخلاق القرآنِ وفضائله المجتمعاتُ الإنسانيةُ ليسودها السَلام والعدل والرحمة، وقال تعالى ﴿اتَّبِعوا ما أنزِلَ إِلَيكُم مِن رِبّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أوِلِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ.﴾ (ص 29)

والله سبحانه يأمرنا بأن نتبع قرآنه فقط ولا نتبع ما يصلنا من أقوال البشر مهما حاول الأدعياء والأعداء أن يحيطوهم بهالة من القداسة واختزالهم للحقيقة ومعرفتهم بالقرآن محصورة عليهم لأنهم أولياء الله الصالحين، والله في الآية المذكورة يحذرنا من اتباعهم، لأنه سبحانه يعلم نواياهم الخبيثة في السعي لنشر الفتن والعداوة بين المسلمين وسعيهم في إبعاد المسلمين عن الخطاب الإلهي القرآن الكريم، وقال سبحانه وتعالى للمسلمين ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾ (الأنعام 153)، ماذا يريد المسلمون من خالقهم أكثر وضوحا من ذلك بعدم اتباع البشر في أقوالهم وتفسيراتهم التي تتناقض مع أوامر الله وتوصياته حرصا على المسلمين من التفرق والضياع بالرغم من تنبيه الله لهم؟ وبالرغم من المآسي والكوارث التي حلت بهم في الماضي وما يجري عليهم من كوارث في الحاضر إلا أنهم مستمرون في عنادهم بعصيان أوامر الله واتباعهم للروايات وأولياء الشيطان، إن ما ذكرته الآية أعلاه إنما هو أمرٌ من اللهِ جلَّ وعلا لرسولهِ بأن يُبلّغ الناسَ جميعًا بألا يتبعوا غير كتاب الله، وأن يَتدبّروا آياتِه وما فيها من عِبرٍ وتعاليمَ، وقيمٍ وتشريعاتٍ تُنظّم العلاقاتِ الاجتماعيةَ بينَ الناسِ على أساسِ التعاونِ والمحبةِ والعدلِ لبناء مجتمعاتِ الأمنِ والسَلامِ، تعيشُ في وئامٍ وتسعى للخـيرِ، تتحدُ لدفع الضّرر، وتتبعُ الله فيَما أمر، تنفيذًا لأمرهِ تَعَالى في سورةِ المائدة الآية الثانيةِ حيثُ جاءَ في سياقِها ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْـبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة 2)، هل اتبع المسلمون أمر الله بالتعاون بينهم على البر والتقوى منذ أربعة عشر قرنا؟ كلا، بل اتخذوا سبيل الشيطان، وحل التنافر والصراع والاختلاف بدلا من التعاون، والتقاتل فيما بينهم بدلا من البر، وتعاونوا مع أعداء الإسلام ضد إخوانهم في الدين والعروبة، وسفكوا الدماء بينهم حتى تلونت الصحراء بلون الدماء، وسقط فيهم آلاف الأبرياء، لم يراعوا دينا ولا ضميرا ولا أخلاقا ولا رحما ولا جيرة، فعصوا الله فيما أمر فاستحقوا غضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة.

وهناك جزء ثان للحلقة الخامسة عشرة من الخطاب الإلهي سوف نواصل نشره في الحلقة القادمة بإذن الله.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى