في هذه الحلقة السادسة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء سننشر الجزء الثاني من موضوع “التكليف الإلهي” الذي يطالب فيه المسلمين بالرجوع إلي التكليفات الإلهية الواردة من قبل رب العالمين ودعوتهم للخير والرحمة والعدل والسلام بعيدا عما استحدثه الرواة والفقهاء من روايات دست علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ويطالب المسلمين بالرجوع إلى التكليف الإلهي (القرآن الكريم) في شئون حياتهم طاعة والتزاما بأوامر الله تعالى.
وإليكم الحلقة السادسة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”
بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام تفرَّق المسلمون، واُستُحدثت عشرات الآلاف من الروايات على لسان النبي، وظهر الخطاب الديني معتمدًا على مرجعيات بشرية ومفاهيم قصرت عن إدراك مراد الله من آياته لصالح خلقه، وتمّ عَزلُ القرآن، الخطاب الإلهي، الذي كلَف الله سبحانه رسولَه أن يبلّغه للخلق.
توفي الرسول عليه الصلاة والسلام بعد حجة الوداع، بثلاثة أشهر عندما اكتملت الرسالة وسلم الأمانة بقول الرسول بما أنزل عليه من ربه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا) (المائدة: 3).
وفي تلك اللحظة انقطع الوحي بعدما أنجز ما أمره الله به وبما أنزله على رسوله من كتاب مبين، وقد كلف الله رسوله بما يلي:
قوله سبحانه وتعالى:
(وَأنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِماَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاُءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فيما آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إلى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة: 48).
وقولة تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة: 67).
وقوله تعالى:(كِتَابُ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتَنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (الاعراف 2) اتَّبِعُوا مَا أنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)
(الأعراف: 3).
وقوله تعالى: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أو كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ أنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (الاعراف 37).
وقوله تعالى: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أو كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ )(يونس71).
وقوله تعالى:( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ الظُّالِمِينَ) (يونس39).
وقولهَ تعالى:( فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أنَّمَا أنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (هود14).
وقوله تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرجِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِبِإِذْنِ رِبّهِمْ إلى صِرَاطِ الَعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم 1).
وقوله تعالى: (وَمَا أنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحُل46).
وقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شيء وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى للمسلمين) (النحل89).
وقوله تعالى: (إِنَّ هَذَاَ القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء9).
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القرآن لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا) (الإسراء41).
وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَاعَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةَ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أدْبَارِهِمْ نُفُورًا) (الإسراء:46).
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القرآن مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) (الإسراء89).
وقولة تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) (الإسراء: 106).
وقوله تعالى: (وَمَنْ أَظَلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَضِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إلى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أبَدًا) (الكهف75).
وقوله تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (يس:69:70).
وقوله تعالى: وَكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِيُ الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ(الشورى7).
وقوله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (34) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزَخرف44).
وقوله تعالى: ( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق45)
لقد جاء في الآيات السابقة ما يؤكّد أنَّ اللهَ سبحانهَ وتعالى كلّف رسولَه بأن يبلّغ الناس آيات اللهِ ويحدّد لهم خارطة الطريق المستقيم لحياة الإنسان ليتمتع بنعيم الدنيا وما أحلّه الله له، ويبتعد عمّا حرّمه الله عليه. ليعيش سعيدًا في حياته الدنيا ويكون آمنًا يوم الحساب، وكانَ القرآن هو الكتابُ الذي أمر الله رسوله بإبلاغه للناس، تأكيدًا لقوله تعالى (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) (الانعام :19).
إن هذه الآية قد حسمت مسؤوليةَ الرسولِ عليه الصلاة والسلام وحددت وظيفته بأن يتقّيد في تبليغ رسالة الله التي تضمّنها القرآن الكريم في آياته، ولذلك فقد انحصرت مَهمّة الرسول في التذكير بالقرآن وشرح مراد الله منها لخلقه، فإذا كانت مهمة الرسول حددّها اللهُ سبحانه بإبلاغ الناس بالرسالة فمن أين أتى منشئوا الروايات
إن هذه الآية قد حسمت مسؤوليةَ الرسولِ عليه الصلاة والسلام وحددت وظيفته بأن يتقّيد في تبليغ رسالة الله التي تضمّنها القرآن الكريم في آياته، ولذلك فقد انحصرت مَهمّة الرسول في التذكير بالقرآن وشرح مراد الله منها لخلقه، فإذا كانت مهمة الرسول حددّها اللهُ سبحانه بإبلاغ الناس بالرسالة فمن أين أتى منشئوا الروايات وافتروها على الله ورسوله واختطفوا الرسالة بأ قوال وأكاذيب باطلة فأصمَّت الآذان وأعمت الأبصار وغيَّبت العقول للذين تصدّوا للدعوة والوعظ آمنو بها و بما يتلقونه من افتراءات وأكاذيب تسعى للنيل من القرآن ومن الرسول؟! وساد الباطل في المجتمع الإسلامي، عندما تمت تنحية القرآن الكريم كمرجع للتشريع القانوني والاجتماعي لضبط المعاملات بين الناس ونور من الله يضيء للناس سبل الحياة.
والسلام فتراجع المسلمون في شتى علوم الحياة وتراجع التفكير في البحث والإبداع، وأصبح المسلمون بما وهبهم الله من ثروات وخيرات تعينهم على الاختراعات والتميز والإنتاج والإسهام في تقدم الحضارة الإنسانية في مختلف العلوم التي يعتبرها الدين الإسلامي أحد عناصر العبادة وطاعة الله في التفكر والتدّبر فيما خلق ليوظفوا ما يتحقق لهم من نتائج الابحاث العلمية تستفيد بها البشرية،فنرى المسلمون اليوم يتلقون فوائض ما تجود به أسواق الغرب عليهم ويدفعون لهم ثرواتهم ثمنًا مضاعفا وانسحبوا من حركة التطور الحضاري عندما عصوا الله في أمره لهم بالتدبّر والتفكر وخسروا ما وهبهم الله من رزق وثروة ورضوا بالروايات التي شلّت التفكير وحلّ محلّه التكفيرُليتحقّق التشرذم والتقاتل بين المسلمين فينشغلون بأنفسهم، وغيرهم يعمل بجهد واجتهاد في تطوير العلوم وتنمية الأوطان لتحقيق الرفاهية لشعوبهم، ونحن رضينا بالدماء تروّي الأرض بغيًا وظلمًا وتخلفًا، عندما تركنا منهج رسالة العلم والإيمان والرحمة والعدل والسلام، وحلّت مكانَها دعوة القتل والترويع والبغي والطغيان.