بعد تجدد الاشتباكات بين المجموعات المسلحة بطرابلس.. الأزمة الليبية إلي أين؟

إعداد : نهى أحمد عبد الرحمن أبو العنين (باحثة دكتوراه في الشئون الأفريقية – جامعة القاهرة)
أدى مقتل عبد الغني الككلي زعيم جهاز الدعم والاستقرار، والتي تعد أحد أكبر الجماعات المسلحة في ليبيا ، ومقرها جنوباً في طرابلس (1) إلى اشتباكات مسلحة أدت إلى مقتل ستة أشخاص على الأقل في طرابلس ، حيث اندلع العنف في الضواحي الجنوبية بين الجماعات المسلحة من العاصمة والمنافسين من مصراتة ، وهي مدينة ساحلية على بعد 125 ميلاً شرقاً . (2)
وقد كان الككلي أحد أكثر قادة الميليشيات نفوذاً في العاصمة، وتورط مؤخراً في نزاعات مع جماعات مسلحة منافسة، بما في ذلك فصائل مرتبطة بمصراتة. يخضع جيشه التابع للمجلس الرئاسي، الذي تولى السلطة عام ٢٠٢١ مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، من خلال عملية معترف بها من الأمم المتحدة. (3)
- اقرأ أيضا: ليبيا في أسبوع.. طرابلس تنفي الاتفاق مع أمريكا لترحيل مهاجرين وحبس نائب رئيس الحكومة في قضايا فساد
الانقسام السياسي في ليبيا
منذ عام 2011 ، حكمت ليبيا حكومتان متنافستان: حكومة الوحدة الوطنية لعبد الحميد دبيبة ، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها في طرابلس (غرب) ، والسلطة التنفيذية في بنغازي (شرق) ، مع السيطرة على أكثر من 80 ٪ من البلاد ، بقيادة أسامة حماد ، الحكومة الشرعية الوحيدة التي ينتخبها البرلمان بدعم من الجيش الوطني الليبي ، التي تمكنت من هزيمة إرهابيي داعش.(4)
الاشتباك بين الفصائل المسلحة
شهدت الدولة الليبية العديد من الاشتباكات بين الفصائل المسلحة ، والتي كان أخرها ماتم منذ الأمس، فقد سادت الاشتباكات بين الميليشيات المدججة بالسلاح في العاصمة الليبية ، حيث سمع إطلاق نار وانفجارات في جميع أنحاء المدينة بعد مقتل عبد الغني الككلي ، بالإضافة إلى إن ستة أشخاص على الأقل قتلوا. ودامت الاشتباكات لعدة ساعات تضمنت أسلحة ثقيلة ، وقعت مساء الاثنين في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء وتركزت في حي أبو سالم الجنوبي بطرابلس. نشأ القتال عن مقتل عبد الغني الككلي يوم الاثنين من جانب ميليشيا منافسة. ووكالة الأمن القومي التي كان يديرها الككلي هي مجموعة شاملة من الميليشيات التي ارتفعت لتصبح واحدة من أقوى الجماعات في غرب ليبيا ، والتي لديها تاريخ من الفظائع وانتهاكات الحقوق خلال الصراع المستمر في البلاد. وقد اتهمت منظمة العفو الدولية الككلي ، المعروفة باسم “غينيوا ، ” بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات خطيرة أخرى للحقوق على مدى العقد الماضي. و قُتل الككلي في منشأة يديرها لواء 444 ، وهي بقيادة محمود حمزة ، أمير الحرب المقرب من رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة.(5)
إضفاء الطابع المؤسسي على الميليشات المسلحة الليبية
بعد قيام كل ائتلاف بإنشاء مؤسسات حاكمة وتعيين قادة عسكريين، واجه كلٌّ منهما انقسامًا داخليًا.(6) حيث سيطرت الجماعات المسلحة التي تشكلت في ليبيا منذ عام 2011 على الدولة تدريجياً. وتم إضفاء الطابع المؤسسي تدريجياً لهم ، ووصل ممثلوهم إلى أعلى مستويات الجيش والأجهزة الأمنية والحكومة المدنية. في الوقت نفسه ، مارسوا تأثيرًا كبيرًا على من يحصل على التعيينات الرئيسية وكيفية توزيع موارد الدولة. منذ منتصف عام 2022 ، اتسمت العلاقات بين الجهات الفاعلة الرئيسية بالترتيبات العملية. لكنها لا تزال تنطوي على إمكانات كبيرة للصراع حيث يمكن للصراعات على الموارد أن تؤدي بسرعة إلى مواجهة مسلحة.كما أن توطيد الجيوش الخاصة يقلل من أهمية إصلاح قطاع الأمن. (7)
ويتضح إضفاء الطابع المؤسسي في الروابط بين الميليشيات والدولة. حينما دخلت الجماعات المسلحة مؤسسات الدولة ، مدعية بذلك تمثيل الدولة. وشمل ذلك اعتماد أسماء رسمية مثل اللواء 116 “116 ”. بالإضافة لتعيين الضباط المحترفين كمسؤولين شكليين لهذه الوحدات من أجل إخفاء دور قادة الميليشيات الفعليين ، الذين كانوا مدنيين. الآن ، لم يبرز قادة الميليشيات أنفسهم كقادة رسميين لهذه الوحدات فحسب ، بل أيضًا كبار المسؤولين الحكوميين. ومن الأمثلة على ذلك وزير الداخلية في جنو عماد الطرابلسي ؛ نظيره في الحكومة المتنافسة في الشرق عصام بوزريبا – شقيق نائب قائد جهاز دعم الاستقرار حسن بوزريبا – ونائبه فرج الجميل. بالإضافة إلى ذلك،يدين عدد متزايد من كبار المسؤولين بمواقفهم لقادة المليشيات ، الذين يجمعون الآن حصة الأسد من أموال الدولة المختلسة. وبهذا المعنى ، لم يعد السعي وراء الجماعات المسلحة للحصول على الوضع الرسمي مسألة تمويه: فهي الآن تمثل بالفعل الدولة الليبية .(8)
الميليشيات المسلحة في ليبيا فوق القانون
أن زيادة الدعم الغربي للجماعات المسلحة يزيد من قوتها وإمكانية قيامها بانقلاب على الحكومة في أي وقت ، خاصة في ضوء سيطرة تلك الجماعات على الموارد وحصولها على الدعم المادي ، مايزيد من قوة تلك الميليشيات ، ويعزز من فرص انقضاضها على السلطة .
ووفقاً لتقرير لمنظمة العفو الدولية ، فقد أفاد بانتشار بوجود كيانات مسلحة (عسكرية وأمنية ) كانت تعمل خارج الأطر القانونية وذلك أثناء زيارة قام بها باحثون من المنظمة إلى ليبيا ، قاموا بزيارة 11 منشأة احتجاز في وسط وغرب ليبيا تستخدمها ميليشيات مختلفة ، منشأة واحدة منهم هي التي لم يبلغ فيها المعتقلون عن التعذيب وسوء المعاملة. غير أنه في العشرة الباقون ، أبلغ المعتقلون عن إصابات ناتجة عن الانتهاكات .وتعرض 11 شخصاً على الأقل احتجزتهم الميليشيات للتعذيب حتى الموت. أيضاً وجدوا خلال زيارتهم ، أن مئات الميليشيات المسلحة كانت تتصرف فوق القانون. ويرفض العديد من أفراد الميليشيات نزع السلاح (9)
فشل إقامة حكومة الوحدة الوطنية
في ديسمبر 2015 ، وقع مندوبون من الفصائل المتنافسة في ليبيا على الاتفاقية السياسية الليبية ، غير أن الاشتباكات اندلعت بين الطرفين حتى عام 2020 حين انسحبت القوات الليبية من غرب ليبيا وإنشاء الوجود العسكري الأجنبي على كلا الجانبين. منذ ذلك الحين ، حافظت القوات الأجنبية على توازن غير مستقر للسلطة: الجيش التركي يدعم الحكومة في طرابلس ، بينما تدعم مجموعة واجنر الروسية القوات المسلحة اللبنانية. كانت هناك عدة محاولات فاشلة تحت رعاية الأمم المتحدة لكسر هذا المأزق من خلال إجراء انتخابات وإعادة توحيد المحكمة. ومع ذلك ، فإن ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية (GNU) بقيادة عبد الحميد دبيبة ، التي تشكلت في عام 2021 ، تمسكت بالسلطة في طرابلس. على الرغم من أن حفتر لا يعترف بحكومة الدبيبة وبدلاً من ذلك يدعم حكومة موازية في الشرق (10) ولا تزال الجهات الفاعلة المحلية والدولية تختلف حول أفضل طريقة لإعادة البلاد إلى ظل حكومة واحدة ، سواء من خلال انتخابات جديدة أو صفقة لتقاسم السلطة أو دستور جديد.(11)
وختاماً ، فإن الأزمة في ليبيا قد شهدت العديد من الانقسامات السياسية والعسكرية منذ سقوط القذافي ، ما أدى إلى تعقيد المشهد وتأزمه ، نتيجة للأزمات المتلاحقة التي تطرأ على المشهد الليبي (12) وكان اخرها الاشتباكات التي حدثت أمس الاتنين بين اكبرالميليشات المتنافسة في العاصمة طرابلس ، وهو ماعقد المشهد المأزوم بالفعل ، وكانت عملية إضفاء الطابع المؤسسي على الميليشيات المسلحة هو ما أدى إلى نشوب الاشتباكات التي تتجدد من آن لآخر فهي تعد جيوش خاصة ، حتى أن تم دمجها في الإطار الرسمي ، ذلك لأن الحكومة لن تكون قادرة على تغيير قادتها .ولإيجاد حلٍّ للصراع وتشكيل حكومة وحدة وطنية، لابد من نزع السلاح عن الميليشات ، وإعادة دمجها تدريجياً في المجتمع ، وإيجاد مصلحة مشتركة بين الأطراف الخارجية الداعمة لكلا الحكومتين في الداخل الليبي حتى يتم الاستناد إليها لإقامة حكومة وحدة وطنية ، فتضارب مصالح الأطراف الخارجية الداعمة للحكومتين في ليبيا هي أحد الأسباب المؤدية لفشل قيام حكومة وطنية موحدة ، كما يعد نزع سلاح الميليشات في ليبيا الحل الأمثل لعدم تجدد الاشتباكات بين الفصائل المختلفة التي تعمل خارج الأطر القانونية وتم إضفاء الإطار المؤسسي عليها،و يتجاوز الصراع على السيطرة على ليبيا الخطوط القبلية والسياسية والدينية ، فهو صراع على الموارد والنفوذ في المقام الأول.
________________________________________________
(1) Clashes in Libyan capital, armed group leader killed: Media , ahram online , 13 May 2025.
(2) Violent Clashes Erupt in Libya After Top Official Assassinated , Newsweek , May 13, 2025 .
https://www.newsweek.com/libya-clashes-violence-assassinated-2071331
(3) Heavy gunfire, clashes in Libya’s Tripoli after killing of militia leader , Al Jazeera , 12 May 2025 .
https://www.aljazeera.com/news/2025/5/12/un-urges-calm-as-heavy-fire-clashes-erupt-in-libyas-tripoli
(4) Javier Fernández Arribas , The UN is responsible for the division in Libya , atalayar , Madrid , 10/03/2025 .
(5) SAMY MAGDY , A warlord and 6 other people killed as militia infighting rocks Libya’s capital, officials say , The Associated Press , May 13, 2025 .
https://apnews.com/article/libya-clashes-militias-tripoli-9ffda29d0071470df0b406e16f9cc8eb
(6) Civil Conflict in Libya , Center for Preventive Action , July 15, 2024 .
https://www.cfr.org/global-conflict-tracker/conflict/civil-war-libya
(7) Libya’s Militias Have Become the State , German Institute for International and Security Affairs , Berlin , 31.07.2023 .
https://www.swp-berlin.org/10.18449/2023C44/
(8) Ipid .
(9) Libya’s Violent Militias , Amnesty International UK , 16 Feb 2017 .
https://www.amnesty.org.uk/libyas-violent-militias
(10) ) Libya’s Militias Have Become the State , op. cit.
(11) Claudia Gazzini , Forming a Unity Government May be Libya’s Best Bet for Healing Rift , International Crisis Group , 07 August 2023 .
(12) دول الأزمات .. تسويات متعثرة وأوطان مهددة ، التقرير الاستراتيجي العربي 2024 ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، القاهرة ، صــ 125.