حول المبادرة الإفريقية لحل الأزمة الروسية الأوكرانية.. هل تكون إفريقيا بداية لمسار الحل للأزمة المعقدة؟
"المبادرة بداية تأثير للكتلة الإفريقية في نظام عالمي جديد مرجح له الظهور"
رامي زهدي- خبير الشؤون الإفريقية، رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بمركز العرب للأبحاث والدراسات
يبدو بأن إفريقيا 2023 تختلف كثيرا عن قبل ذلك، رغم الأزمات المستمرة والمزمنة بالتوازي مع اليأس في أحيان كثيرة من الحل او التغيير، ورغم ان ازمات القارة في ظل الصراع الدولي القائم والأزمات الإقتصادية العالمية أصبح أكثر عمقاََ وبعدت الأزمات عن فرص الحلول القريبة، وعانت القارة التي تعاني في الأساس من تدهور الأمن والغذاء والطاقة والأزمات الإنسانية، رغم ذلك إلا أن إفريقيا دخلت العام 2023 بشكل أكثر تأثيراََ في العالم، وامتلكت فرص تفاوضية أكبر وأصبحت طرف أصيل في نظام عالمي جديد مرجح له الظهور في السنوات القادمة، ولأول مرة يظهر دور مؤثر للكتلة السياسية والإستراتيچية الإفريقية، ظهر هذا في مبادرة إفريقية طموحة وتحمل قدر كبير من الموضوعية والنزاهية عن التحيز او المصالح الخاصة لحل الأزمة الروسية الأوكرانية.
“المبادرة”
المبادرة هي عبارة عن تحرك سياسي افريقي لعدد 6 دول إفريقية، تقدمت بالنيابة عنهم جنوب إفريقيا، حيث قدم الرئيس الجنوب إفريقي رامافوزا نيابة عن نظرائه في زامبيا والسنغال والكونغو وأوغندا ومصر، وتلقي قبولاََ شكلياََ ومن حيث المبدأ من كلاََ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فلاديمير زيلينسكي، خلال مكالمة هاتفية أعربا خلالها عن استعدادهما لقبول وساطة رؤساء الدول الإفريقية في مبادرة السلام، الرامية لحل الأزمة الأوكرانية”.
“لماذا إفريقيا ولماذا الأن؟”
من حيث الشكل الإطاري، تمتلك افريقيا الحق في طرح مبادرة بمثل هذا الحجم لأن متضررة وبشدة مما يحدث، وقد أدت الحرب إلى نقص نحو 30 مليون طن من الغذاء في إفريقيا، كذلك زيادة الأسعار بنسبة 40% بأسعار الغذاء في القارة، هذا بجانب نقص شديد في إمدادات الغذاء إلى دول القارة وانخفاض المساحة المحصولية بنسبة 25%، وانخفاض حجم الإنتاج بنسبة 37% فاقم أزمة الغذاء في عدة دول، ووضع بعضها على حافة المجاعة، إضافة لذلك، نقصت القدرة التصديرية عن العام السابق على الحرب، وارتفعت تكاليف سداد قيمة المواد الغذائية نتيجة لارتفاع أسعار الحبوب والأرز والقمح.، وليست فقط التهديد للامن الغذائي والطاقي والإقتصادي، بل ان الأمر وصل الأن وقل يصل مستقبلا لدرجات أصعب من محاولات نقل الصراع الدولي لصراع علي القارة الإفريقية، وتهديد مباشر للأمن والسلم في القارة الإفريقية والتي قد يكون احد اسباب الصراعات فيها الأن هو امتدادات لصراعات الدول الكبري خارج القارة.
أيضا.
“ماهو الإختلاف في المبادرة الإفريقية عن غيرها؟”
ظهرت قبل المبادرة الإفريقية، عدة محاولات منها المبادرة الصينية من 12 بند لمحاولة الحل، ومشروع مبادرة برازيلية تضم عدد من الدول من خارج دائرة الصراع، ومحاولة تركية لتنظيم لقاء روسي اوكراني علي ارضها، واخري من الفايتكان لإحلال الأمن والسلم، وأحداها سعودية اماراتية لتبادل رهائن بين الطرفين، ولقاء بين مسؤولين من الطرفين في بيلاروسيا، الا ان المبادرة الإفريقية في الشكل والمضمون والدوافع تختلف عن كل هذه المبادرات، لأن افريقيا ليست طرف صراع مباشر او غير مباشر وغير متصلة بالحل او تأثيره ولا تتبني آليات معينة محددة مسبقاََ للتفاهم، كما ان افريقيا تعاني من الأزمة وتعاني كذلك من ضغوط الطرفين لمحاولة فرض إرادة سياسية وقرار علي الإرادة الإفريقية وإستمالة افريقيا لدعم وتأييد صريح لاي من الطرفين ومما يصعب الأمر علي افريقيا انها 55 دولة مختلفة في الأهداف والتحلفات والمصالح مما يهدد حتي وحدة الصف والشأن الإفريقي، ان افريقيا بهذه المبادرة توضح انها تتوسط مابين الحرب والسلام وليست مع طرف ضد آخر، بل هي مع الطرف الأكثر صدقاََ وسعياََ للسلام وإنهاء الأزمة، وتسعي افريقيا بشكل واضح لإنهاء الحرب بغض النظر عن شكل آليات الإتفاق.
“ماهي فرص نجاح المبادرة الإفريقية”
بالتأكيد حظيت المبادرة الإفريقية بالنجاح بشكل مبدئي ورمزي، اذ نجحت في ابداء الرأي والتعبير عن الموقف الإفريقي ورمزية السعي الإفريقي للسلام، لكن لايتوقع نجاح حاسم للمبادرة الإفريقية وإن ظلت جزء محتمل من مسار الحل وفرصة للأطراف المتنازعة لقبول مبادرة بهذا الشكل لاتحتمل اي مصالح او توجيه ذاتي او خارجي، كذلك من الأمور السلبية في المبادرة الإفريقية ورغم ثقل الدول القائمة عليها خاصة جنوب افريقيا ومصر الا انها لاتعبر عن كل الدول الإفريقية ولم تخرج من الإتحاد الإفريقي رغم وجود السنغال من ضمن الدول الستة الداعية للمبادرة وهي رئيس حالي للإتحاد الإفريقي، حتي ان هناك دول افريقية معينة منها المغرب علي سبيل المثال اعلنت عن عدم دعمها للمبادرة من منظور ان كثرة وتعدد المبادرات تعيق الحل وتعقد الأمور وتعطي فرص لأطراف الصراع لإستنفاذ الوقت والجهد لحين تحقيق أهدافهما الإستراتيچية والسياسية.
أخيرا، ورغم كل شئ، يحمد للقارة الإفريقية حسن المسعي ونزاهة الغاية، ويقدر للدول الإفريقية محاولة المساهمة الإيجابية في السلم العالمي، وقد تسير الأمور علي نحو أفضل وربما تنضم دول افريقية أخري لهذه المحاولات وبقي ان الأمر مرهون بمدي تعاطي الأطراف المتصارعة مع الأمر، ولو ان هذه الاطراف أيقنت إستحالة الحسم او إرتضت بالنتائج التي وصلت اليها فربما تصبح المبادرة الإفريقية في هذه الحالة ملاذ آمن لبدء عملية تفاوض ثم سلام.