رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. انهيار العناصر الخمسة للقوة الأمريكية وإرهاصات الحرب الأهلية “الجزء الأول”

أمريكا بدأت تفقد عناصر هيمنتها الخمسة (الدولار، والمخابرات، والجيش، والإعلام، والحلفاء).
اهتز عنصر قوتها الأول “الدولار”، فالدول بدأت تتخلى عن تسعيرة صادراتها بالدولار، وتنقل استثماراتها خارج أمريكا، وهذه عملية ستقوم بها كل الدول، لأن الاقتصاد تحكمه المصالح وليس الصداقات.

اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي يكتب.. محاولات لتنصيب عميل

الدول اكتشفت خديعة طباعة ورق الدولار دون أن تقابلها سلع أو خدمات، مما رفع الدين العام الأمريكي إلى أرقام فلكية 34.1 تريليون دولار وخدمة الفوائد 1.3 تريليون دولار سنويا، كما أن سياسة العقوبات وعسكرة الدولار، ومقولة سداد الديون “مسألة كرم وليست واجباً” دفعت الدول لسحب أرصدتها، حيث سحبت روسيا كل مدخراتها وخفضتها الصين لتصبح 782 في المرتبة الثانية بعد اليابان 1.2 تريليون.
وتشكل الاستثمارات السعودية 51% من الاستثمارات العربية بقيمة 128 مليارا والإمارات 62 والكويت 43 وليبيا 37 مليارا بينما قطر 260 ملايين فقط.
أما مخابراتياً فقد فضحتها المقاومة الفلسطينية وضربت قاعدتها في فلسطين دون أن تتوصل إلى اكتشاف ذلك، كان الأمريكيون يريدون مشروع القرن وتصفية القضية الفلسطينية.. فكانت الضربة المفاجئة المخابراتية من غزة والهزيمة القوية للصهاينة.
عسكريا ركعها اليمنيون الفقراء المحاصرون، ونفذوا قرار الجمعية العامة لإجبار الصهاينة على وقف العدوان، فكانت إرادتهم أقوى من الفيتو الأمريكي، فرضوا سيطرتهم على الممرات البحرية وقصفوا البوارج الأمريكية، فكان (إدماء لأنف الأسد) المهم إهانته وليس بالضرورة الانتصار عليه.
الآلة الإعلامية التي كانت تشكل العقول، سقطت أمام الإعلام الشعبي، حيث أصبح كل مواطن يحمل في يده مكتبة وإذاعة مرئية ومسموعة وصحيفة ووكالة أنباء وإستوديو خيالة.
هذه العوامل الأربعة التي بدأ تأثيرها يتلاشى، أدى إلى انفراط الحلف العسكري في أوروبا، ودفع غيرهم إلى التحرر من هيمنتها، وعدم الرضوخ لإملاءاتها كتبني سياسيات احتكارية تسحق مواطنيها لصالح الشركات الاحتكارية عابرة الحدود، أو بعدم التعاون مع روسيا والصين.
علاوة على هذه العناصر الخمسة فقد بدأت بوادر (ربيع أمريكي) سيكون أعنف وأشد من الربيع العربي وستكون تداعياته انهيار الاتحاد الأمريكي.
هذا التشقق لم يبدأ ولن ينتهي عند تكساس التي تمرد رئيسها على بايدن، واستنفر مع 25 ولاية أخرى الحرس الوطني في وجه القوات الفيدرالية، ورفض تنفيذ حكم المحكمة العليا.
فعلاوة على تململ الولايات الغنية من الإنفاق الخارجي في التسليح والمعونات كأوكرانيا والكيان، ومن أعباء الولايات الفقيرة، فتوجد جذور عميقة لانشقاقات المجتمع الأمريكي بفعل البروتستانتية البيضاء الأنجلو ساكسونية (واسب)، الذي بدأ حين انتصر الصهاينة على العرب في حرب 67، فيما كانت أمريكا تتلقى الهزائم والمذلة في فيتنام، فسرى حديث أن الرب ساند إسرائيل، وفارق أمريكا، ولهذا قويت شوكة التيار الإنجيلي الذي بلغ أوْجَه في زمن ريغان وبوش الابن، الذي خيل إليه أنه مبعوث العناية الإلهية لانتشال أمريكا من انكسار 11/ 9، والصعود بها إلى مكانة الأمة القائدة إنجيلياً.
شكل انتخاب ترامب عام 2016 تتويجا للشعبويّة الجاكسونيّة، القليلة الاهتمام بالسياسة الخارجيّة، مقابل التركيز على الداخل، ورفع شعار البلد تتعرّض لهجوم من قبل أعداء داخليين، كالنخب أو المهاجرين من مختلف الأصول ما جرى في 6/1/2021 ليس إلا قمة جبل الثلج، فالمجتمع الأمريكي ينزلق في دائرة الكراهيات الشعبوية، والعداءات الطبقية ودعوات الانفصال لدرجة أنهم أثناء اقتحامهم للكونجرس رفعوا أعلام “الكونفدرالية” الشعبوية الجاكسونية – التي يعتبر ترامب استمرارا لها -، لا تريد الاعتراف بالأمريكيين من أصول إفريقيّة، أو لاتينيّة، أو بالأمريكيين الأصليين، وبالأمريكيين المسلمين. يريدون تنظيم أنفسهم حول جذورهم الإثنيّة الأوروبيّة وهويّتهم البيضاء. يتشبّثون بالسلاح أو بالدين أو بالكراهيّة تجاه البشر الذين ليسوا مثلهم، كحركة (حياة السود مهمّة).
وصل حدة التطرف والغضب أن قام الشاب (جاستن موهن) من ولاية بنسيلفانيا في بث مباشر بقطع رأس والده، لأنه موظف بالحكومة الفيدرالية، وإلقاء بيان لمدة 14 دقيقة، دعا فيه إلى ثورة لتطهير البلاد من أي شخص يعمل بالحكومة الفيدرالية، ودعا الأمريكيين لحمل السلاح، والثورة ضد إدارة بايدن، وإعدام المهاجرين، والمثليين جنسيا، وأعضاء حركة “حياة السود مهمة”، وعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، ومسؤولي الضرائب، والقضاة الفيدراليين، وغيرهم بسبب “خيانة بلادهم”. على حد قوله.
نشرت مجلة “نيوزويك” أن الأمريكيين اشتروا في عام احتلال الكونجرس 40 مليون قطعة سلاح، وفي 2021 اشتروا 20 مليون أخرى، أي مئة مليون قطعة سلاح في أيدي الأمريكيين بحزبيهم، هذه الأسلحة تنتظر ساعة الصفر التي هي انتخابات هذا العام، وأضافت أن المسلحين يتساءلون “هل سنسمح لبايدن بمواصلة التدمير، أم أننا بحاجة للتخلص منه؟”.
الجاكسونيون يعتبرون أنّ التعديل الثاني [الذي يضمن حقّ الأمريكيين في اقتناء السلاح] هو حق مقدسة وأهمّ ما في الدستور الأمريكي.
يرى هؤلاء الأمريكيون أنّ الحقّ بالثورة، المنصوص عليه في إعلان الاستقلال، هو الملاذ للدفاع عن أنفسهم ضدّ الطغيان؛ بحمل السلاح دون الاعتماد على الدولة. كما حذر جنرالات كبار من حدوث تمرد داخل الجيش، وذكروا بأن ربع مقتحمي الكونجرس كانوا ذوي خلفيات عسكرية.
سيلحق الجزء الثاني: حول نبوءات المفكرين بتفكك أمريكا ومصائر المتغطين بها.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى