تقدير موقف

العلاقات المصرية – التركية وزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تركيا

إعداد- إدريس أحميد.. صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي

 

تكتسب الزيارات الرئاسية بين تركيا ومصر أهمية كبيرة للبلدين وشمال إفريقيا والشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وتلقى اهتمامًا إقليميًّا ودوليًّا، لأنها تجمع قوتين تحتلان موقعين استراتيجيين، فتركيا تمتد من أوروبا إلى آسيا، ومصر تمتد من البحر المتوسط والبحر الأحمر وإفريقيا! فالعلاقات المصرية التركية ضاربة في التاريخ عبر ميراث زاخر ثقافيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، إذ وقعت مصر تحت حكم الإمبراطورية العثمانية في عام 1517، في عهد المماليك حتى أصبحت تحت الحماية البريطانية عام 1917.

لقد تمازجت العلاقات والثقافات والحضارة، وأصبحت جزءًا مهمًّا من ذاكرة البلدين.

أحداث سياسية

تأثرت العلاقات بين البلدين بالأحداث السياسية الإقليمية والدولية، وأهمها الحرب العالمية الأولى 1914، وانهيار الإمبراطورية العثمانية، بعد هزيمة تحالف دور المحور الذي انضمت إليه ضد الحلفاء.

وبقيت مصر تحت النفوذ البريطاني حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، التي أطاحت بالنظام الملكي مما وتر العلاقة.

العلاقات بين مصر وتركيا

خلال فترة حكم الرئيس المصري أنور السادات (1970-1981) كانت العلاقات متميزة ومبنية على أساس من التعاون والتفاهم المتبادل، رغم بعض التحديات الإقليمية والدولية، بعد حرب أكتوبر 1973، حيث لعبت تركيا دورًا متوازنًا في التعامل مع الأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط، مما ساهم في استقرار العلاقات مع مصر.

وقد دعمت تركيا القرار المصري بالتحول نحو السلام مع إسرائيل، وهو ما كان خطوة جريئة في ذلك الوقت.

اقتصاديا في عهد السادات، كانت هناك محاولات لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لكن التعاون الاقتصادي لم يكن على مستوى كبير. كانت العلاقات التجارية محدودة نسبيًّا، حيث كانت مصر تركز بشكل أكبر على إعادة بناء اقتصادها بعد الحرب وتحقيق التنمية الداخلية.

في عهد حسني مبارك 

تميزت العلاقات بين مصر وتركيا خلال فترة حكم الرئيس المصري حسني مبارك (1981-2011) بتطور تدريجي وملحوظ في عدة جوانب، رغم التحديات والتوترات الإقليمية. بدأت في التسعينيات العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا تأخذ منحى إيجابيًّا، فتم توقيع عدة اتفاقيات تجارية، مما ساهم في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. كما بدأت الشركات التركية في الاستثمار في مصر، خاصة في مجالات النسيج والبنية التحتية.

وقد ساهمت وساطة الرئيس حسني مبارك عام 1998 في إنهاء أزمة كبيرة بين سوريا وتركيا، عندما هدد الرئيس “سليمان ديميريل” بعمل عسكري ضد سوريا التي كانت تدعم حزب العمال الكردستاني (pkk)، وطالبتها بطرد عبدالله أوجلان، وبفضل الجهود الدبلوماسية، تم التوصل إلى اتفاق “أضنة” بين سوريا وتركيا في 20 أكتوبر 1998، وبحكم الرئيس حافظ الأسد، وبذلك أسهم في تخفيف التوترات بين البلدين. 

اقتصاديا تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا في عام 2005، مما أدى إلى زيادة حجم التبادل التجاري بشكل كبير. أصبحت تركيا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لمصر في المنطقة.

على الصعيد السياسي، تعاونت مصر وتركيا في عدة ملفات إقليمية ودولية. كان هناك تنسيق في القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية والوضع في العراق.

أصعب مراحل العلاقة بين مصر وتركيا

حدثت خلال الفترة التي تلت ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، الذي كان مدعومًا من جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تحظى بدعم كبير من تركيا تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان.

ومن بين مراحل التوتر الرئيسية:

1. تصاعد التوتر الدبلوماسي: في أواخر عام 2013، قامت مصر بطرد السفير التركي في القاهرة، وخفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. تركيا ردت بالمثل، مما زاد من حدة التوتر بين البلدين.

2- الخلاف حول الملف الليبي: تصاعد التوتر بشكل أكبر مع دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليًّا في طرابلس، بينما كانت مصر تدعم البرلمان والقيادة العامة للجيش الليبي، هذا الخلاف أدى إلى توترات عسكرية ودبلوماسية بين البلدين.

3 – المواقف المتضاربة في المنتديات الدولية: كان هناك أيضًا توتر في المواقف في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة، حيث انتقدت كل دولة سياسات الأخرى علانية.

هذه المراحل كانت جزءًا من فترة توتر طويلة امتدت لعدة سنوات، قبل أن تبدأ عملية تحسين العلاقات بين البلدين تدريجيًّا في السنوات الأخيرة.

التقارب بين مصر وتركيا

التقارب بين مصر وتركيا جاء نتيجة مجموعة من المتغيرات الإقليمية والدولية التي دفعت البلدين لإعادة تقييم مواقفهما والعمل على تحسين العلاقات. من بين هذه المتغيرات:

  1. التغيرات في الأوضاع الإقليمية:

الأزمة الليبية: تزايد الضغط الدولي لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية دفع مصر وتركيا إلى تقريب وجهات النظر لتجنب المزيد من التصعيد العسكري، خاصة مع وجود مصالح استراتيجية لكل منهما في ليبيا.

التطورات في شرق المتوسط: توترات الغاز والموارد الطبيعية في شرق المتوسط، بما في ذلك التحالفات التي تشكلت بين مصر ودول أخرى مثل اليونان وقبرص، جعلت تركيا تدرك الحاجة إلى تقليل التوتر مع مصر لضمان مصالحها في المنطقة.

  1. التحديات الاقتصادية:

التدهور الاقتصادي العالمي: التأثيرات السلبية للجائحة والضغوط الاقتصادية جعلت الدولتين تعيدان النظر في العلاقات الاقتصادية وتعزيز التعاون لتحقيق منافع مشتركة.

التجارة والاستثمار: تركيا سعت إلى تعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية مع مصر كونها سوقًا مهمًّة في المنطقة، ما دفعها إلى تخفيف حدة التوتر.

  1. التحولات السياسية الداخلية:

التغيرات في الأولويات الداخلية: كل من مصر وتركيا بدأت تركز أكثر على الاستقرار الداخلي وتخفيف النزاعات الإقليمية، ما أدى إلى دفع الحكومتين إلى البحث عن علاقات أكثر استقرارًا.

تغييرات في السياسة الخارجية التركية: بعد سنوات من التوتر مع العديد من الدول في المنطقة، تبنت تركيا سياسة أكثر براجماتية تهدف إلى تحسين علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر.

  1. الدور الدولي والضغط من القوى الكبرى:

الضغوط الأمريكية والأوروبية: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعبا دورًا في تشجيع الاستقرار في المنطقة، وحثت هذه القوى على تخفيف التوتر بين حلفائهما، بما في ذلك مصر وتركيا.

  1. التطورات الجيوسياسية:

التهديدات المشتركة: ظهور تهديدات مشتركة مثل الإرهاب وتزايد الاضطرابات الإقليمية دفعا البلدين إلى إعادة التفكير في أهمية التعاون الأمني والسياسي.

هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تقريب وجهات النظر بين مصر وتركيا، ومهدت الطريق لبدء مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين.

ملفات زيارة الرئيس السيسي لتركيا

سياسيا: 

في لغة المصالح ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، لقد دخلت العلاقة المصرية التركية في تنافس شديد، فقد تعاملت مصر مع تبني تركيا للإخوان ودعمهم وإيوائهم بكل هدوء، وصمدت على مواقفها، لأنها تملك أوراق ضغط، من خلال حلفائها السعوديين والإماراتيين والتنسيق معهم في التعامل مع تركيا، بمعنى التضامن في اتخاذ أي خطوة تتخذها الدول الثلاث.

في المقابل تعاملت تركيا بذكاء في إطار مصالحها كدولة مهمة في المنطقة. أي الكل منتصر في مواقفه وسياساته، وهذا هو المدخل لتعزيز التعاون الاستراتيجي وفق الآتي:

1- إنهاء الخلاف والتفاهم حول الإخوان المسلمين.

2 – ملف الخلاف حول غاز شرق المتوسط بين مصر وتركيا واليونان وقبرص وليبيا، وقد أبدت مصر نوايا حسنة للحوار مع تركيا من أجل التعاون والاستثمار المشترك.

3- الملف الليبي: يمثل هذا الملف أهمية كبيرة، حيث آثار الخلاف بين البلدين، ويمتلك الطرفان علاقات مع الأطراف الليبية، وبطبيعة الحال استقرار ليبيا مهم لمصر ولدول الجوار والمنطقة، مما فتح المجال للنقاش وسهل التقارب بين البلدين.

ونعتقد بأن التفاهم التركي المصري له دور مهم في إنجاز حل للأزمة الليبية، على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بين البلدان الثلاثة، وأن هذا الدور أقرب إلى المصلحة الليبية في ظل فشل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا!

4- الملف الفلسطيني: يتفق الطرفان على رفض ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وضرورة وقف العدوان الإسرائيلي، ويتمسكان بضرورة قيام دولة فلسطينية وفق القرارات الدولية.

5- التفاهم السياسي بين البلدين في القارة الإفريقية من شأنه خدمة المصالح المشتركة، حيث تلعب مصر دورًا مهمًّا في إفريقيا، وتسعى تركيا إلى تعزيز مصالحها في إفريقيا، في ظل التكتلات الدولية.

اقتصاديا:

العلاقة السياسية غالبًا ما تكون الأساس الذي يتم بناء عليه التعاون الاقتصادي بين الدول. عندما تكون هناك علاقات سياسية قوية ومستقرة بين الدول، يزيد ذلك من الثقة بين الأطراف ويشجع على إقامة شراكات اقتصادية وتجارية.

وبذلك سوف تتوج هذه الزيارات لترسيخ أسس لعلاقة استراتيجية بين البلدين، من خلال “المجلس الاستراتيجي” لتعزيز التعاون المشترك في التبادل التجاري والاستثمار ليصل إلى أعلى مستوى من 7 مليارات دولار عام 2023 إلى 15 مليارًا خلال السنوات المقبلة.

ويتطلع البلدان إلى التعاون العسكري من خلال الاستفادة من الخبرة التركية في مجال الطيران المسير، والتعاون في مجال الصناعات العسكرية.

ويبقى التعاطي مع المتغيرات الدولية وطريقة تعامل الدولتين معها، وأولوية تفضيل مصالحهما العليا، وأهمية دورهما، من أجل تحالف استراتيجي.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى