الرئيسيةدراساتسياسية

مفهوم الردع لدى العقلية السياسية والأمنية الإيرانية.. دراسة للباحث: مصطفى عيد إبراهيم

الكاتب  خبير في العلاقات الدولية

إن النهج الإيراني في الردع ينتج عن طريق خلق تهديد رادع بطريقتين أساسيتين ــ السعي إلى امتلاك ترسانة نووية واستخدام الوكلاء والعملاء لتعزيز مصالحها الاستراتيجية في مختلف أنحاء المنطقة. إن الحصول على سلاح نووي يشكل خياراً جذاباً للردع لأن إنشاء ترسانة نووية يكلف أقل من الحفاظ على جيش تقليدي. كما يشكل السلاح النووي رادعاً أكثر تأكيداً، حيث يمكن التغلب على الجيش التقليدي في حالة الحرب. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحفاظ على ترسانة نووية من شأنه أن يخلق حالة كبيرة من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت إيران ترغب في الحد الأدنى من الردع النووي، دفاعي أو هجومى.[1]

العقوبات الاقتصادية الإدانة الحرب

إن استخدام إيران للوكلاء والعملاء في جميع أنحاء المنطقة يغذي عدم الاستقرار ويمنح إيران نفوذاً في الشؤون الداخلية لجيرانها. وإن استخدام إيران للوكلاء يخدم أغراضًا متعددة، فاضافة الى اكتساب نفوذ كبير، يمكن للوكلاء تشتيت انتباه الدول الإقليمية، وإجبارها على تخصيص الموارد للصراعات وعدم الاستقرار الناتج عنها وتدفقات اللاجئين. ويمنح إيران حلفاء في جميع أنحاء المنطقة من خلال القوة بالوكالة عبر التاثير في السياسة أو الجيش للدولة التي تعمل فيها الوكلاء.

أسس استراتيجية الدفاع الإيرانية

تسعى إيران إلى تحقيق أهداف أمنها القومي من خلال صياغة استراتيجية دفاعية “متنوعة” لمواجهة التهديدات من القوى الأجنبية “مثل الولايات المتحدة الامريكية وان هذه الاستراتيجية تخدم أيضًا الميول الإيديولوجية التي قد يُنظر إليها على أنها هجومية بطبيعتها. حيث إن بقاء النظام وتعزيز الثورة هما الهدفان الأساسيان للاستراتيجية، والعمل على وضع إيران كـ”قوة أولى” في المنطقة وعلى المسرح العالمي يشكل أيضاً هدفاً رئيسياً. وتتبع إيران استراتيجية رباعية الأبعاد. أولاً، تكلف القوات العسكرية وقوات إنفاذ القانون والمخابرات والقوات شبه العسكرية بالحفاظ على الاستقرار الداخلي والوحدة و”حماية الحكم الإسلامي والسيادة على إيران”، وهو ما يشمل حماية “السلطة السياسية وسيادة النظام” وتستخدم الأذرع الأمنية للدولة لقمع التهديدات الصادرة عن المعارضين السياسيين، والجماعات العرقية الأقلية، والأنشطة الإجرامية عبر الحدود والداخلية.

كما تسعى إيران إلى ردع العدوان ضدها باستخدام المبالغة والغموض والتعتيم حول قدرتها على انتزاع تكلفة باهظة من المعتدين المحتملين، وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. من بين أمور أخرى، تجمع إيران بين التصريحات الرسمية والاستعراضات التي تحظى بتغطية إعلامية جيدة والتدريبات المحددة وعروض القوة واختبارات الأنظمة المتقدمة مثل الصواريخ الباليستية متوسطة المدى لردع الخصوم عن بدء الصراع. إن اعتماد إيران على الردع ــ يوفر الدافع لإيران للسعي إلى امتلاك الأسلحة النووية. وثالثاً، إذا حدث العدوان، فإن القوات العسكرية الإيرانية سوف تسعى إلى الدفاع بقوة عن نفسها وتلجأ إلى ما وصفه قائد الحرس الثوري الإيراني السابق اللواء يحيى رحيم صفوي بأنه “استراتيجية هجومية ذات آثار مدمرة”.[2]

الردع في العقيدة الايرانية

وفقا للمفهوم الفريد في تعريف الامن لدى النظام الايراني . فان الردع في العقيدة الايرانية ، هو ما يمكن استنباطه من السلوك الفعلي والعملي للنظام الايراني، وهو ان النظام الايراني يضع في حسبانه انه يواجه العديد من التنهديدات وفي نفس الوقت يمثل هو في حد ذاته تهديدا على بعض الدول والانظمة بالمنطقة.

ويعد ” الردع” اساس لفهم الامن في النظام الايراني والذي تشكل من خلال المشكلات الامنية التي واجها النظام الايراني خلال العقود الاخيرة. فلقد مثل الاتحاد السوفيتي قبل انهياره تهديدا لايران . ثم الولايات المتحدة الامريكية بعد اندلاع الثورة الايرانية، ونظام صدام حسين واندلاع الحرب العراقية الايرانية والتي تعد اطول حرب بالشرق الاوسط بالعصور الحديثة. والتي تاثر بها مفهوم الردع في العقيدة السياسية والامنية الايرانية الى حد كبير.

كما تنظر ايران لاسرائيل على انها قوة عسكرية خاصة من خلال تعاونها مع الولايات المتحدة الامريكية والذين يعملان على تقليص دور ايران الاقليمي. كما يتاثر الردع الايراني بعدد من التنظيمات الفاعلة من غير الدول اقليميا وعالميا.

ولقد شهد الوضع بايران قدرا من التحسن تجاه مواجهة خصومه خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ولم تعد ايران تنظر بنفس النظرة الى روسيا الاتحادية. كما ان العراق بات تحت هيمنة ونفوذ لايران. وعليه فان مصفوفة التهديدات لايران باتت منحصرة في الولايات المتحدة والتى يراها النظام الايراني اكثر خطورة من الاتحاد السوفيتي السابق. وذلك في اطار سيطرة الولايات المتحدة على مناطق نفوذ لجيران ايران سواء العراق او افغانستان او وجود حلفاء للولايات المتحدة بالمنطقة.كما تعتقد ايران ان للولايات المتحدة نوايا حقيقية في السعي نحو الاطاحة بالنظام الايراني وممارسة سياسة الضغط القصوى على النظام.

وعمليا، فان ايران ليس لها حلفاء حقيقيين على مستوى الدول والتي يمكن ان تكون على استعداد حقيقي للدفاع عنها او معها وقت الحاجة الفعلية لهذا. ويمكن استثناء الحالة السورية فقط في هذا السياق، الا ان سوريا نفسها باتت تمثل عبء على ايران منذ عام 2013 . وانه رغم تعاون كل من الصين وروسيا الاتحادية مع ايران، الا ان هذا لا يمنح النظام الايراني ضمانا كافيا لتقديم ايا منهما اي مساعدات حقيقية للتصدي مثلا للولايات المتحدة الامريكية او اسرائيل باستثناء القيام بهذا على الصعيد الدبلوماسي نكاية في الولايات المتحدة وليس دعما لايران.

واخيرا، فان ايران تقف على مسافة بعيدة من المنافسة في مجال الاسلحة التقليدية وخاصة في القوة الجوية التي تعاني من عدم التحديث لعقود خاصة اذا ماتم مقارنتها بدول كثيرة من جيرانها بالمنطقة. لذلك نجد ان ايران لاتصعد مواجهتها لاسرائيل في الاراضي السورية.

اركان سياسة الردع الايرانية

من خلال دراسة النموذج الايراني، نجد ان تصور التهديد لديه ينبع من ادراكه من انه يواجه خصوم او اعداء اقوى منه. لذلك فان مفهوم الردع لدى ايران ياخذ في اعتباره التفوق التكنولوجي والقوة العسكرية الامريكية ومن ثم حاجة النظام الايراني الى ضرورة تواجد ” الرد المتناسب” في ظل وجود المزايا لدى الخصوم. وان سياسة ” الرد المناسب او المتناسب” في نظام الردع الايراني يعتمد على ما يلي[3]:

الحروب اللامتماثلة لمواجهة العدو. فمن ناحية ، نجد ان هذا المفهوم يتطلب من ايران ان تحدد نقاط الضعف التكنولوجية والعسكرية لدى خصومها. ومن ناحية اخرى، فان ايران تعمل على تعظيم قدراتها ومزاياها من خلال تطبيق عنصر المفاجاة حتى مع تيقنها من انها الطرف الاضعف. مع قيامها بذلك من خلال استخدام اسلحة بسيطة ولكنها قاتلة ومن خلال مواجهات غير متوقعه. وان يكون هذا عبر تطبيق ادوات تكتيكية تقليدية والعمل على تحييد نقاط القوة لدى الخصم او العدو.

تطوير النظام الصاروخي، كما عملت ايران على استخدام سياسة الردع عن طريق تطوير نظامها الصاروخي لمدى يصل لنحو الفي كم او اكثر. والعمل على الحد من تفكير الخصوم او الاعداء من القيام بمهاجمتها . وكذلك وضع حد لاستخدام سياسة الضغط القصوى عليها اقتصاديا او القيام بمهاجمتها او مهاجمة اهدافها في سوريا والعراق او بالداخل الايراني. والحيلولة دون تشكيل اي قوة بالخليج وربما بالتعاون مع اسرائيل للحد من سلوك ايران بالمنطقة.

معايير الردع في العقيدة الايرانية[4]

وفي ضوء هذا، ووفقا للثقافة السياسية والاجتماعية بالشرق الاوسط. فان مفهوم الردع لدى النظام الايراني يعتمد بشكل كبير على خصائص الدولة . فهي دولة كبيرة جغرافيا وديموجرافيا. وطبيعتها الجغرافية تمنحها ميزة الردع وكذلك قدرتها على تجنيد الملايين من السكان في الوقت الذي تقوم بتطوير برنامجها النووي مع استخدامها للسلاح العقائدي من واقع انها اكبر دولة شيعية.

ولقد تاثرت معايير الردع لدى العقيدة الايرانية بعوامل عدة منها: اندلاع الثورة الايرانية وتغير مفهوم وطبيعة الخصوم والاعداء لدى ايران الثورة. ثم الحرب مع العراق والذي اظهر فشل او اخفاق منظومة الردع الايرانيه تجاه العراق.

مثلث الردع ايراني[5]

من خلال تعرضنا لاهداف ومفهوم ومعايرر الردع في العقيدة  السياسية والامنية الايرانية . نجد ان استراتيجية الردع لدى ايران تعتمد على مثلث اضلاعه الثلاثة هي:

الاول: ضرورة الاعتماد على الذات. حيث لا يوجد لايران حليف بالمعنى الاستراتيجي للكلمة على مستوى الدول.

الثاني: الاختراق. بمعنى ان تعمل ايران على اختراق الخصوم او الاعداء عبر البعد الديني.

الثالث: خلق توازن ردع. من خلال معرفة نقاط القوة والضعف لديها ولدى خصومها واعدائها . وعبر هذه المصفوفة تخلق توزان يحقق اهدافها واستراجيتها.

نظام الصواريخ في سياسة الردع الايرانية

عند اندلاع الحرب الايرانية العراقية ، لم يكن لدى ايران منظومة للسلاح الباليستي باستثناء صواريخ قصيرة المدى. في حين كان العراق يمتلك صواريخ سكود التي حصل عليها من الاتحاد السوفيتي السابق. فقامت ايران بشراء صواريخ من كوريا الشمالية وليبيا وسوريا وبدأت في بناء مشروعها لنظام الصواريخ الباليستية منذ عام 1988 وبدات وقتها ما يعرف بحرب المدن مع العراق والتي ساهمت في الاسراع بوضح نهاية للحرب الاطول بالشرق الاوسط.

كما تعلمت ايران من وقتها الدرس. فعلى الرغم من عدم قدرة ايران على مهاجمة الدول الغربية بالصواريخ مثلا. الا ان هذا لا يمنعها من تهديد او وجود نية لاستهداف اهداف غربية وامريكية او مهاجمة الحلفاء للولايات المتحدة بالشرق الاوسط والخليج. ولذلك تعمل ايران على تطوير ترسانتها من الصواريخ من خلال اتباع الاستراتيجيات التالية:

  • التنوع: تنويع ترسانتها من الصواريخ سواء الارضية او الجوية او البحرية والتي تسهدف السفن والحركة التجارية بالخليج.
  • الدقة: العمل على تطوير وتحسين دقة الصواريخ في اصابة الاهداف.
  • التعزيز: من خلال تزويد ميليشيات شيعية بالصواريخ على ان تأتمر ، بامرها في الاستخدام.
  • التكيف: من خلال تطويع المنظومة الصاروخية لاستخدامها في برنامج ايران النووي.

ومن ثم فان نظام الردع الصاروخي لدى ايران يتسم بالديناميكية والتغيير السريع عبر الزمن. وقامت ايران باستخدامه بالفعل في يناير 2020 بعد مقتل سليماني وفي سوريا اعوام 2017،2018 وفي الجولان 2018. ويلاحظ ان لدى ايران سياة في استخدام الصواريخ في الردع عبر ضبط النفس وعدم الانجرار نحو التصعيد ومن خلال توجيه رسائل استراتيجية للخصم في اطار لعبة الجبناء chicken game . كما استخدمته في ضرابات لإسرائيل في 2024. شرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية، رسماً بيانيّاً لتسعة صواريخ قالت إنها قادرة على الوصول إلى إسرائيل. ومن بين هذه الصواريخ، “سجيل” القادر على قطع 17 ألف كيلومتر في الساعة وبمدى يصل إلى 2500 كيلومتر، و”خيبر” بمدى يصل إلى ألفي كيلومتر و”الحاج قاسم” بمدى 1400 كيلومتر. ويحمل هذا الصاروخ اسم قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي قتل في غارة أمريكية بطائرة مسيرة في بغداد.[6]

 

الردع النووي

في عام 1953 ساعدت مجموعة من الاستخبارات الامريكية والبريطانية الجيش الايراني للاطاحة بمحمد مصدق على اثر قيام مصدق بتاميم شركات النفط. وفي عام 1954 وقع شاه ايران بضغط امريكي بريطاني على اتفاق 54 والذي منح كل من امريكا وبريطانيا وفرنسا اربعين بالمائة من ملكية قطاع النفط لمدة عشرين عاما. اما في عام 1957 ، فقد تم توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة وايران لتدشين البرنامج النووي الايراني للاستخدامات السلمية للذرة ” الذرة من اجل السلام” ولقد زودت الولايات المتحدة، ايران بمفاعلات وادوات لتخصيب وقود اليورانيوم. وفي عام 1972 قام الرئيس نيكسون بزيارة لايران بغرض حماية المصالح الامريكية بالشرق الاوسط وامكانية تزويد ايران باسلحة غير نووية.

وفي عام 1987، تجدد ملف البرنامج النووي الايراني في ظل نظام راديكالي ايدلوجي ثيوقراطي. واعلن عندئذ ان تبني البرنامج النووي لايران بهدف مواجهة النظام العراقي. الا ان حقيقة الامر ان تبني ايران لسياسة الردع النووي تنبع من سعيها نحو تعزيز نفوذها بالمنطقة.

الا ان الردع النووي ، لا تشكل اداة رئيسية في منظومة الردع الايرانية، نتيجة المخاطر الجمة التي يمكن ان تترتب على تفعيل او استخدام هذه المنظومة. وان اللجوء الى استخدامها ضد الخصوم او الاعداء قد يكلف ايران الدولة وايران النظام ، تكاليف باهظة. يدركها النظام الايراني ذاته. ويشار في هذا السياق الى ان كل من مصر وسوريا قد قاما بحرب اكتوبر 1973 ، على الرغم من معرفتهما بان لدى اسرائيل سلاح نووي ومن منطلق اساسي هو ان اسرائيل لن تقدم على استخدامه الا في الحالات الضرورية جدا ، وهو ما يمكن ايضا تطبيقه على النموذج الايراني.

الردع الجوي

تعد القوات الجوية هي النقطة الاضعف في منظومة الردع الايرانية . لذلك لا نجد ايران فاعلة من خلال مواجهة مع اسرائيل في الساحة السورية. فالقوة الجوية الايرانية غير محدثة تكنولوجيا وليس لديها اية طائرات حديثة وطياريها بعيدون كل البعد عن استخدام تكنولوجيا الطائرات الحديثة، ووفقًا للإحصائيات الحديثة، تمتلك إيران 541 طائرة حربية، مما يضعها في المرتبة 21 على مستوى العالم[7] . ولذلك تعمل ايران على تطوير الردع النووي عبر نظام الطائرات غير المأهولة والتي استخدمتها من خلالها اصابة اهداف بالمملكة العربية السعودية في 2019.

الردع البحري

يدخل الردع البحري ضمن الادوات الفاعلة في معادلة الردع الايراني خاصة وان ايران تتحكم بشكل او باخر في عنق الزجاجة بالخليج الممثل بمضيق هرمز ولديها قوارب صاروخية والغام بحرية وغواصات وقوات كوماندوز تابعة للحرس الثوري. ويعد الردع البحري هام في منظومة الردع الايراني في اطار ادراك النظام الايراني لسياسة استخدامه من حيث التوقيت والكيفية وتجنيب حالة التصعيد. وعلى الصعيد البحري.. فإن البحرية الإيرانية، تحتل المرتبة 32 على مستوى العالم، حيث تمتلك 101 وحدة بحرية، تضم 7 فرقاطات و3 كورفيتات و19 غواصة، بالإضافة إلى سفن الدورية وكاسحات الألغام البحرية.[8]

 

الردع عبر الميليشيات

بدات ايران في تطوير سياسة الردع عبر الميليشيات التابعة لها منذ عام 1980. ووجدت انه سلاح فعال في منظومة المواجهة الجديدة وذو تكلفة اقل وارتباط اكثر بالنظام الايراني عبر ايران الثورة اكثر من ايران الدولة. وظهر حزب الله في لبنان وميلشيات متعدة في العراق وباكستان وافغانستان نهاية بالحوثيين باليمن فضلا عن تزويد فصائل بفلسطين ” سنية” بمنظومة الصواريخ الايرانية.  ولهذه الميليشيا خبرات تراكمية في الحروب اللامتماثلة والتي تحقق الاهداف الايرانية التي سبق الاشارة اليها عاليه.

ان سياسة الردع في العقيدة السياسية والامنية الايرانية تدرك اهدافها، ونقاط القوة والضعف لديها. وايضا تدرس نقاط القوة والضعف في خصومها واعدائها. ومن هذا المنطلق تعظم استخدام منظومة الصواريخ والردع البحري واستخدام الميليشيات . كما انها تدرك تعاظم دور الحروب اللامتماثلة وتجنب الحروب التقليدية . لذلك تقوم بايران باستخدام عنصر المفاجاة ، في اطار تفعيل سياسة “المناطق الرمادية” و”عدم اليقين”.  من ايران تفعل او لا تفعل. وكيف تفعل؟ عن طريق الحرس او الميليشيات؟ وهل تأتمر الميليشيات بامرها؟ ام بعضها يخرج عن امرها؟ ولماذا؟ تلك الدوائر المفرغة تستخدمها ايران بحكمة بالغة في سياسة الردع لديها بالمنطقة.

كما تستفيد ايران من نقاط ضعفها جيدا وتدرك ان الخصوم والاعداء لها ، يخشون إحداث اي فوضى بها في ظل نظام عالمي غربي يعاني من شيخوخة النظم الديموقراطية واثار الكوفيد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والهجرة غير المشروعة والدول الفاشلة والدول العاجزة. كما تدرك ايران مواطن القوة لدى خصومها واعدائها جيدا. وفي ظل هذا المعادلة الامنية المعقدة ، نرى ما يمكن ان نعتقده حرص امريكي غربي وربما اسرائيلي على استمرار النظام الايراني. ونرى ضبط نفس ايراني تجاه اعدائه على نحو يجنبه اية تصعيد قد يجهز على نظامه. وفي اطار معادلة الردع هذه تظل المنطقة بعيد عن حالة الاستقرار الاستراتيجي والذي يفقدها الامن الجماعي المستدام.

واخيرا، فان ايران تستفيد ايضا من الفارق التنموي بين نموذجها ، ونماذج اخرى بالمنطقة وتدرك ان النماذج الاخرى تخشى من اى فوضى او مواجهة بالمنطقة قد تكلف تلك النماذج تكاليف واعباء اقتصادية كبيرة. وعليه فان سياسة الردع الايرانية تستفيد ايضا من نقاط القوة لدى الاخرين لتجعلها نقطة قوة لديها.

التحديات امام ايران

إن استراتيجية إيران بها عيوب وتحديات خطيرة. وعلى الرغم من أن ايران تتمتع بمستوى من الإنكار المعقول من خلال هذه العلاقات، فمن غير الواضح مدى استدامة هذه السياسة. أولا، يتعين على إيران أن تحقق توازنا دقيقا في استخدامها للعملاء، بحيث لا تؤدي تصرفات العملاء إلى إثارة رد فعل عدواني ضد إيران. فقد تؤدي الاستفزازات المستمرة على مستوى منخفض، مع مرور الوقت، إلى خلق حوافز كافية للتصعيد. وبالتالي، فإن حسابات إدارة المخاطر على المستوى العملياتي تشكل أهمية بالغة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. كما أنه من غير الواضح إلى أي مدى قد تحتفظ إيران بالنفوذ في سوريا ما بعد الصراع. وتفرض طموحات إيران النووية ضغوطا على جهود منع الانتشار. وتزعج قدراتها الصاروخية الجهات المسؤولة عن مراقبة الأسلحة ومبادرات نزع السلاح. ويشكل الوكلاء والعملاء تحديا للاستقرار الإقليمي ويعقدون العلاقات بين الحلفاء[9].

وختاما، لقد فشلت سياسة الردع التي تقودها الولايات المتحدة عمليا ضد إيران.  حيث ان الاستراتيجية الإيرانية تعمل على توطين الصراع وتجنب التصعيد الإقليمي مع منع اندلاع حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط. وأن حسابات النظام الإيراني مدفوعة في المقام الأول ببقاء النظام. وعلى هذا النحو. يرى بعض المراقبين ان إسرائيل اخطأت أيضا في حساب استراتيجيتها تجاه إيران. فمثل الولايات المتحدة، ركزت إسرائيل على استهداف وكلاء إيران بدلاً من ربطهم بالدولة الراعية لهم. وتحقيقا لهذه الغاية، تجنبت إسرائيل استراتيجية أوسع نطاقا لمحاولة زعزعة استقرار النظام.

لذلك قد تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل الآن إلى تبني استراتيجية أوسع وأكثر شمولاً تجاه إيران ووكلائها. وسيستلزم هذا توسيع إسرائيل لقوتها لاستهداف المنشآت الإيرانية على الأراضي الإيرانية وبمساعدة مباشرة من الولايات المتحدة وهو ما يمكن ان يجد استجابة في عهد ترامب.[10] الا ان عواقب هذا السيناريو قد تكون سيئة على المنطقة بأثرها. وان تبني هذه الاستراتيجية قد تتغير إذا استطاعت إدارة ترامب ان تتوصل لاتفاق تسوية مع إيران مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران ومن خلالها يتم ضمان امن إسرائيل وامن الخليج.

 

[1] -https://georgetownsecuritystudiesreview.org/2020/01/03/irans-approach-to-deterrence/

[2] – https://www.jstor.org/stable/10.7249/mg781af.11?seq=3

[3] – https://rawabetcenter.com/archives/177621

[4] -https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/The-Change-in-Iranian-Military-Doctrine-during-the-Syrian-War.aspx

[5] -https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/The-Change-in-Iranian-Military-Doctrine-during-the-Syrian-War.aspx

[6] -https://www.dw.com/ar/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%86%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%B1%D9%88%D8%AE%D9%8A%D8%A9/a-68813550

[7]https://search.app/wuXoCYS8KqY4kN9T7

[8] -https://d-dall.com/%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b1%d9%86%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84/

[9] – https://georgetownsecuritystudiesreview.org/2020/01/03/irans-approach-to-deterrence/

[10] – https://henryjacksonsociety.org/wp-content/uploads/2024/05/HJS-Restoring-Deterrence-%E2%80%93-Destabilising-the-Iranian-Regime-Report-web.pdf

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى