رأي
د.محمد جبريل العرفي يكتب.. حكومة الدبيبة والمافيا: تصفية الخصوم مقابل التمويل
من يمتلك السلاح في ليبيا أربعة أصناف هي قوات مسلحة نظامية، وأخرى كرتونية، وجماعات مسلحة وميليشيات تحورت إلى مافيات، فلا فرق بين ميليشيا ومافيا، أصل مصطلح مافيا (معفى) أي لا يدفع رسوما ولا يخضع لسلطة، المافيا عصابة للجريمة المنظمة أشهرها الإيطالية والمالطية والروسية والكولومبية.
المافيا الليبية تفوقت على كل المافيات، بعد أن وثَّقَ قادة ميليشيات العلاقة مع مافيات دولية، فتحول البحر المتوسط إلى سوق شعبي لبضاعتها.
- اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي يكتب.. انهيار ترتيبات ما بعد انتصار دول الحلفاء
لا يشترط أن يكونوا أعضاء المافيا مجرمين محترفين، تغطي أجسادهم الأوشام، بل أحيانا يكونون رؤساء حكومات ووزراء ونوابا وضباطا وقضاة، وكل تلتقي مصالحهم مع مصلحة المافيا، فهم يسعون للحماية وهي تسعى للمال.
بعد 2014 تقلصت المافيا الليبية في “كارتل طرابلس” من المحافظ إلى عائلة (الدبيباتشيلد) إلى م.ط.ع وبارونات المخدرات في الشرق وشبكات تهريب الوقود في الجنوب وغيرهم، تسيطر المافيا على مؤسسات الدولة الإدارية والاقتصادية ومنظومتي الأمن والدفاع، تحت غطاء سلطة الدبيبات، دعم الإفتاء وتمويل المحافظ، فأصبحت هي القانون والقانون هي.
يجري توظيف مشترك من قبل الدبيبة والمافيا في مواجهة خصومهما. الحرب الحالية غرب طرابلس نموذج لتصفية أي خصم سياسي للدبيبة، ومنافس للمافيا، رغم تضليل (آلة اللافي الإعلامية) فمثلما أطلق الإعلام عام 2011 كذبة حماية المدنيين، يروج الآن محاربة المهربين.التي تصور العملية بغير حقيقتها.
كما نشبت الصراعات داخل طرابلس بين الميليشيات على خلفيات مذهبية، مثلما حدث بين الردع السلفية المدعومة أمريكياً و444 الوهابية المدعومة بريطانياً، وقد تنشب حرب أهلية، وفاقم الأزمة تفاهم الغرب مع بعض الميليشيات لحماية الحقول النفطية.
من الأنشطة المافيوية في ليبيا ما يلي:
الاتجار بالبشر: استغلت المافيا خطوط الهجرة من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية إلى أوروبا، وخاصة بعد فرض التأشيرات في بعض الدول، فتحول غرب ليبيا إلى سجن كبير، وسوق لبيع البشر والاغتصاب والدعارة، فمن يغادر بلاده طامعا في نعيم أوروبا يجد نفسه عبدا في جحيم ليبيا، إما ببيعه كاملا أو قطعا في تجارة الأعضاء.
التجارة غير المشروعة: يعد التهريب المصدر الأساسي للمافيا الليبية، مستغلة سيطرتها على موانئ ومطارات، بفرض إتاوات على المهربين، في ميناء مدينة الزاوية، يُنقل الوقود المدعوم بحماية غطاء من شخصيات معروفة في طرابلس، تستفيد المافيا من بيعه بسعر مرتفع في الخارج أو في الجنوب، وتطور الأمر إلى تهريب النفط الخام ومناجم الذهب الخام
المخدرات: تحولت ليبيا إلى كولومبيا إفريقيا، ومنطقة تجارة عبور المخدرات إلى دول العالم.
تهريب السلاح: نظرا لعلاقة المافيا بالتنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة والإخوان المسلمين، أصبحت ليبيا سوقا لتوفير وتهريب السلاح في المنطقة.
دفن النفايات: حيث يسممون السواحل والصحراء الليبية بالنفايات النووية والكيميائية.
عائدات المافيا من إلقاء النفايات في إفريقيا، تتجاوز 50 مليار يورو، حيث تكلفها 2 دولار للطن، مقابل 250 دولار في أوروبا، يزدهر هذا النشاط المافيوي في ليبيا لقربها من أوروبا وإطلالتها على ساحل المتوسط، وجود صحراء شاسعة، وكون حكومتها حاضنة للمافيا.
أثار مجلس النواب هذه القضية في قمة المناخ في روما عام 2021 حيث دعا إلى تجريم نقل النفايات النووية ودفنها في الدول النامية والضعيفة والدول التي تشهد صراعات مسلحة.
ابتزاز الفدية: الخطف والتعذيب والقتل نصيب من لا يجد من لا يدفع عنه فدية، وتجبر النساء على الدعارة لجمع الفدية، ويتم اغتصاب النساء وقتل أطفالهن وصلب الرجال.
تجارة الآثار: حيث يتم نهب الإرث الثقافي وتهريبه للخارج.
ترويج العملات المزورة: لم يقتصر ذلك على العملة الليبية، بل انخرطت في هذا النشاط مافيات عالمية بترويج عملات مزورة محلية مثل الدينار والجنيه، أو صعبة كاليورو والدولار.
يتورط في هذه العمليات قادة ميليشيات رغم أن بعضهم ملاحق بعقوبات دولية.
أشارت تقارير دولية إلى أنه يوجد بالغرب الليبي أكثر من 200 ميليشيا مختلفة التسليح والحجم، تتبع أشخاصا أو مدنا أو مناطق أو تيارات سياسية مثل جماعة الإخوان الإرهابية، بعضها يمتلك ويدير سجونا سرية ومراكز احتجاز خارج سلطة الدولة.
إن ما يحدث في ليبيا الآن ذكرني بمحاضرة لوكيل وزارة الخارجية الإيطالي عام 2013 حيث قال فيها: “احمدوا ربكم أنتم الآن تحت سطوة الميليشيات، والقادم هو حكم المافيات”، بعد عشر سنوات عشنا ذلك واقعاً ملموساً، حيث تحولت الميليشيات إلى مافيات تهدد وجود الدولة من أساسه، وتلحق الضرر بكل الليبيين وبمختلف توجهاتهم، أما الصراعات السياسية فهي مجرد أعراض لأمراض، لا تجدي معها انتخابات أو تشكيل حكومات، فلا يمكن استئصالها بغير استخدام القوة، وهذه مهمة تاريخية على عاتق القوات المسلحة العربية الليبية…. استودعكم الله.