رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. انتخابات الرئاسة التركية: بين الدين والقومية والثأر والبراغماتية

انقسم الليبيون حول الانتخابات الرئاسية التركية إلى فئتين، إحداهما تتمنى فوز أردوغان ظنا منهم أنه حليف دائم لهم، قياساً على موقفه السابق من جماعة الإخوان وحمايته لحكومة الدبيبة وجعله تركيا ملاذاً آمنا للهاربين من الإخوان والزنادقة، وللأموال المنهوبة، أو من أنشطة مافيات تجارة البشر والمخدرات والتهريب، هؤلاء صبغوا على الانتخابات صبغة دينية، ودعوا لأردوغان (المسلم) بالفوز على خصمه الذي وصفوه (بالعلماني والكافر).

اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي يكتب.. منظمات المجتمع المدني ومحاولة يائسة لشرعنة الإنفلات
والمفارقة أن هؤلاء يدعمون نظام الحكم الرئاسي في تركيا، الذي أسسه أردوغان عام 2017 بتعديلات دستور 1982 التي منحته صلاحيات دكتاتور، تولى منصب رئيس الوزراء والجمهورية، وامتلك حق تعيين نواب الرئيس والوزراء وكبار الموظفين، وهيمن على القضاء من خلال تعيين أكثر من ثلث أعضاء المحكمة العليا. وعلى النقيض من ذلك يعارض الإسلامويون انتخاب رئيس في ليبيا بحجة أن النظام الرئاسي ينتج دكتاتور.. فئة أخرى من الليبيين يتمنون هزيمة أردوغان- لأسباب ثأرية- لأنه مارس الخديعة بسفينة المساعدات الإنسانية لمصراته، وساهم في غزو ليبيا عام 2011، ودعم أعداء الشعب الليبي من تنظيمات إسلاموية وتكفيرية وإرهابية، وتحالف مع أمريكا وبريطانيا عام 2019 في منع القوات المسلحة من تطهير طرابلس وافتكاكها من سطوة الإرهاب ومافيات النهب.
أما داخل تركيا فيلعب العامل القومي والديني دورا مهما، وخاصة بعد إعلان أوغلو أنه علوي من أصول قرشية، وخدم في جيش الشاه، وهذا استفزاز للشعب التركي السني، الذي يحمل حقدا ضد العرب لأن الشريف حسين تحالف مع الإنجليز والفرنسيين في الحرب الأوروبية الأولى للإطاحة بالخلافة العثمانية.. الواقع أن الاتجاهات الثلاثة أخطأت في تقدير الموقف تجاه أردوغان لأنه شخصية براغماتية ذرائعية.
البراغماتية تعني المفاضلة بين الأفكار والسياسات حسب معيار قابلية تطبيقها العملي، ومدى تحقيقها للغاية المرجوة، وهي لا تولي المبادئ والعقيدة أو الأخلاق أي اهتمام، أو ما تفرضه الأفكار السابقة أو الإيديولوجيات، وتقوم بتبرير السياسات التي اتبعتها بناءً على النتائج العملية، ورغم الادعاء بالحرص على مصلحة الشعب فإنها تخدم المصالح الشخصية للأفراد.
البراغماتي لا يهتم بمصدر الأفكار، ولا بكيفية ظهورها، وإنما يهتم بنتائجها العملية المؤثرة على السلوك والحياة، الفكر البراغماتي يجعل من الحاضر لحظة إعداد؛ لتحقيق برنامج للمستقبل.
البراغماتية نقيض الأيديولوجية سواء الاجتماعية أو الوطنية أو القومية أو الدينية، فأردوغان ليس إسلاميا ولا ينتمي فكريا لجماعة الإخوان، بل استخدمهم لتحقيق مآربه، وبدأ يتخلى عنهم بمجرد انقضاء مصلحته منهم، وهكذا رأيناه يطرد إخوان مصر ويضيق عليهم ويمنعهم من القيام بأعمال تضر بالأمن القومي المصري، وطبع علاقته بالسعودية وإيران، وممكن أن يشارك في اجتماع رباعي في روسيا يجمع السعودية وإيران وسوريا وتركيا. وممكن أن يسحب قواته من سوريا.
اقتنع أردوغان البراغماتي أن أوروبا لن تقبل تركيا ضمن الاتحاد الأوروبي مهما قدمت من تنازلات، وأن العداء بين تركيا وجوارها متجذر منذ هيمنة الإمبراطورية العثمانية. ويستعد لنهاية اتفاقيةِ المضائقِ بمرور 100 عام عليها في 2023.7.24 التي كانت تمنع حريّة العبورِ والملاحةِ عبرَ المضائقِ أثناءَ السلمِ والحربِ، واعتبار شواطئَ البوسفورِ والدردنيلِ والجزر المجاورة في بحريْ إيجة ومرمرةَ منزوعةَ السلاحِ. أردوغان لم يتحالف مع الغرب في الحرب الأوكرانية ولم يعاد روسيا، بل استخدم بلاده بوابة لتصدير الحبوب، وكسر قواعد الناتو فاستورد منظومة الدفاع الجوي الروسية (إس 400)، ولهذا انحاز الغرب إلى منافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية.
السؤال الواجب طرحه أيهما أفضل لليبيين استمرار حكم أردوغان إلى 2029 أم حكم أوغلو؟ نحن عندنا عدو محلي (تكفيري وجاهل وعميل ونهاب) متمثل في الإسلامويين وعائلة (الدبيباتشيلد)، هؤلاء يتمنون فوز أردوغان، وعندنا عدو تاريخي خارجي متمثل في الغرب المتمني هزيمته. وبنظرة لطبيعة أردوغان البراغماتية؛ فلو قام في ليبيا نظام وطني يحرص على سيادة ليبيا لأمكن من استغلال الطبيعة النفسية البراغماتية لأردوغان بإقامة علاقة ندية تقوم على تبادل المصالح، وقد ننجح في إجبار تركيا على الاعتذار والتعويض عن أربعة قرون من الاستعمار التركي المتخلف، وممارسات الخوزقة والعوشرة، والسلب والإبادة والتهجير، وقد نرى الأتراك في خدمات فندقية وشركات بناء مثلما كانوا قبل 2011، وليس محتلين وسادة يتملق لهم التكفيريون والعملاء والفاسدون الذين سلموا لهم مقاليد ليبيا ومكنوهم من احتلالها ونهب مواردها.
الخلاصة أنه دون قيام قيادة وطنية تؤمن بسيادة ليبيا، وتحقق إرادة شعبها، وتصون مواردها، وتحترم عقيدتها، سيكون الأمر سيان، ولا فرق بين فوز أردوغان البراغماتي أو أوغلو الغربي.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى