إدريس أحميد يكتب.. العدوان الإسرائيلي على إيران: نيران فوق أنقاض النظام الإقليمي

لم يكن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران حدثًا عابرًا، بل جزءًا من خطة محكمة ومدروسة تهدف إلى تفكيك أدوات القوة الإيرانية، وإعادة صياغة التوازنات في المنطقة وفق معادلات جديدة تصبّ في صالح إسرائيل، وتعيد تثبيت هيمنتها.
الضربات، التي استهدفت مواقع نووية وعسكرية حساسة، وقيادات رفيعة من الحرس الثوري، تمت بدقة عالية، ما يشير إلى اختراق استخباراتي داخلي عميق للموساد داخل إيران، وإلى احتمال وجود تنسيق مباشر أو دعم ضمني من الولايات المتحدة.
انهيار الجبهة السورية… وفتح الأجواء بلا رد
سوريا، التي كانت تمثّل عمقًا استراتيجيًا لإيران، تحولت إلى ساحة مفتوحة أمام الطائرات الإسرائيلية، بعد انهيار منظومة الحكم الفعلية رغم بقاء الشكل السياسي للنظام. ورغم أن إسرائيل شنّت غارات عديدة على مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية سابقًا، فإن ما نراه اليوم هو استباحة شاملة ومعلنة، تعكس حجم الانهيار والتواطؤ.
حزب الله: من ورقة ضغط إلى هدف مكشوف
حزب الله اللبناني، الذي كان يُعد قوة ردع إقليمية، يتعرض اليوم لاستنزاف متعدد الأوجه؛ من الاستهداف المباشر لقياداته، وصولًا إلى تصعيد المعارضة الداخلية له، ومرورًا بضغط أمريكي مكثف لنزع سلاحه.
كما أن التطورات السياسية الأخيرة في لبنان، مثل فرض رئيس للجمهورية دون توافق، وتشكيل حكومة خارج السياق التقليدي للمحاصصة، تشير إلى خطة لعزل الحزب وتقليص نفوذه، ما يتركه مكشوفًا سياسيًا وعسكريًا، ويُضعف قدرة إيران على الردع من خلاله.
الحوثيون… الورقة الأخيرة تحت الضغط
في اليمن، لا يزال الحوثي يُمثل الورقة الأخيرة لإيران، لكن هذه الورقة تعاني من ضعف اقتصادي وعسكري، وبدأت تتأثر بالوساطات الإقليمية والدولية، ما يجعل تأثيرها محدودًا. وهكذا، باتت جميع أذرع إيران الإقليمية تتعرض للشلل أو التفكيك.
الموساد في قلب طهران
الهجوم الأخير وما سبقه من اغتيالات لعلماء نوويين وقادة في الحرس الثوري، وآخرهم إسماعيل قاآني، تؤكد حجم الاختراق الإسرائيلي داخل العمق الإيراني. هذه الضربات، الدقيقة والمؤلمة، لم تكن لتتم لولا وجود عملاء أو ثغرات أمنية داخل الدولة الإيرانية، وهو ما يشكل تهديدًا وجوديًا للمنظومة الأمنية هناك.
نتنياهو… من مأزق إلى انتصار مؤقت
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا شعبية وقضائية، خاصة فيما يخص فشل حكومته في إنهاء ملف الرهائن لدى “حماس”، ومطالبات بوقف الحرب على غزة. وجاء هذا الهجوم ليُعيد له جزءًا من الشعبية والدعم السياسي، ويمنحه أوراقًا قوية أمام الداخل الإسرائيلي، ويُظهره كمن يوجّه ضربات استراتيجية ضد العدو الأكبر.
مفاوضات أم تصعيد؟ أمريكا ترسم حدود اللعبة
إيران اليوم بين خيارين:
العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أمريكية صارمة،
أو الاستمرار في برنامجها النووي، مع خطر تلقي ضربات متكررة تُفقدها قدراتها.
تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي أكد فيها أن إيران “ستتخلى عن برنامجها النووي في النهاية”، لم تأتِ من فراغ. بل أشار إلى امتلاك إسرائيل قدرات تدمير عالية يمكنها القضاء على المنشآت النووية الإيرانية، ما يرجّح أن واشنطن كانت على علم بهذه العملية، بل وربما شريكة فيها.
وفي ظل الأنباء عن تدمير منشآت، واغتيال خبراء، وخلل في البنية التقنية، يُطرح السؤال المشروع: هل تستطيع إيران أصلًا مواصلة برنامجها النووي، إذا كانت منشآتها قد أصيبت فعليًا بما يجعل الاستمرار فيه مستحيلًا؟
قراءة أوسع: تحجيم إيران وتكريس التفوق الصهيوني
نعتقد بأن الوضع في الشرق الأوسط قد أُعد له مسبقًا بدقة، بهدف ضمان استمرار السيطرة الصهيونية، وتكريس أطماعها التوسعية، في ظل انكفاء عربي رسمي، وتراجع أدوات المواجهة. إضعاف إيران – القوة الإقليمية الأكبر – يُعتبر شرطًا أساسيًا لخلق خلل دائم في ميزان القوى لمصلحة إسرائيل.
خاتمة: نار تُعيد تشكيل الشرق الأوسط
العدوان الإسرائيلي على إيران لا يُقرأ فقط من زاوية الردع أو الانتقام، بل كخطوة حاسمة في رسم خريطة جديدة للمنطقة.
في هذه الخريطة، تتراجع إيران، وتتفتت أدواتها، بينما تتقدم إسرائيل بثقة تحت مظلة أمريكية، وسط عجز دولي، وغياب عربي شبه تام.
إنها مرحلة يعاد فيها ترتيب كل شيء: التحالفات، والساحات، ومعسكرات الصراع.
ومرة أخرى، يُفرض منطق القوة على حساب منطق التوازن، ويُرسم مستقبل الشرق الأوسط من فوهة بندقية، وصوت صاروخ، وقرار استخباراتي جريء.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب