القاهرة – عبدالغني دياب
بعد أكثر من أسبوع على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي بدأت في أواخر شهر نوفمبر الماضي، ووسط مخاوف متصاعدة من احتمالات مد أمد الحرب التي تخوضها موسكو مع المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وقلق من انتقالها لمناطق جديدة في العالم خصوصا وأن الإدارتين الكبيرتين (واشنطن وموسكو) تتنافسان في مواقع مختلفة من الجغرافيا العالمية، خصوصا في أفريقيا.
ومع اندلاع الحرب صعدت مؤشرات القلق في دول القارة السمراء، فما بين بلدان تخشى من تأثير الحرب على أمنها الغذائي وأدائها الاقتصاد، وأخرى تتخوف من تصعيد عسكري محتمل على أراضيها بدعم من الفرقاء الدوليين الذين يتداخلون في مناطق عديدة ملتهبة في أفريقيا.
فمن ليبيا في الشمال إلى مالي وأفريقيا الوسطى في الغرب والوسط، مرورا بالقرن الأفريقي في الجنوب كلها مناطق تحاول روسيا العودة إليها بعد إهمال دام لثلاثة عقود منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، مطلع التسعينيات إلا أن المنافسة تدخل في حيز خطر مع تصاعد العمليات العسكرية في أوكرانيا.
المعركة الروسية الأوكرانية في أرقام
وحتى الآن أعلنت وزارة الدفاع الروسية، عن مقتل 498 شخصا وإصابة 1597 من العسكريين الروس أثناء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
وأكدت روسيا أن الخسائر في صفوف الجيش الأوكراني تتجاوز 2870 قتيلا وحوالي 3700 جريح، إضافة إلى أسر 572 عسكريا أوكرانيا.
وأسفرت الضربات، بحسب وزارة الدفاع الروسية، عن تدمير 1612 موقعا بينها 54 مركز قيادة ونقطة اتصالات تابعة للجيش الأوكراني، بالإضافة إلى 39 منظومة مضادة للجو من طرازات “إس-300″ و”بوك إم-1” و”أوسا”، إلى جانب إلى 52 محطة رادار.
بالإضافة إلى تدمير 49 طائرة أوكرانية على الأرض وإسقاط 13 طائرة في الجو، إضافة إلى 606 دبابات وآليات مدرعة أخرى، و67 راجمة صواريخ و217 مدفعا ميدانيا، و336 قطعة من العربات العسكرية الخاصة و53 طائرة مسيرة.
وفي المقابل قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن نحو 9 آلاف جندي روسي قتلوا منذ بدء الحرب في بلاده.
لكن تصريحات الرئيس الأوكراني جاءت مخالفة لما أعلنته وزارة الدفاع في بلاده التي قالت إن أكثر من 5840 جنديا روسيا قتلوا منذ بدء الحرب يوم الخميس 24 فبراير الماضي.
وأشارت خدمة الطوارئ الأوكرانية إلى مقتل ما لا يقل عن 2000 مدني وتدمير مئات المباني، بينها مرافق نقل ومستشفيات.
أثر الحرب على أفريقيا
ويرى مراقبون أن انتصار الروس في هذه الحرب وتمكنهم من الإفلات من العقوبات الأمريكية الأوروبية سيفتح شهية الرئيس فلاديمير بوتين على التوسع في بقع أخرى، خصوصا وأن موسكو باتت موجودة بقوة في أفريقيا خاصة في مناطق إنتاج الطاقة والدول المصدرة للنفط.
مناطق نفوذ الروس في القارة السمراء
تزامنا مع الحرب بدأت تقارير إعلامية دولية تتحدث عن مناطق النفوذ الروسي في أفريقيا، محذرة من تنامي التنافس الدولي في هذه البلدان وتأثير الصراع الروسي الأورأمريكي عليها، خصوصا مع دعم روسيا لعدد من الحكومات في غرب ووسط وشمال وشرق أفريقيا.
- اقرأ أيضا: عبد الغني دياب يكتب.. الليبيون يموتون مرتين
ففي وقت سابق قالت صحيفة التايمز البريطانية إن روسيا لم تكن تاريخيا دولة استعمارية في أفريقيا، ولكن اليوم تسعى لأن يكون لها نفوذ مشابه، ليس في أفريقيا فحسب، بل في الشرق الأوسط أيضا.
وتضيف إن توسع وجود روسيا العسكري والدبلوماسي أمر ينطوي على خطورة بالنسبة لدولة تخضع لعقوبات اقتصادية دولية، والخطورة أكثر على الدول الغربية عندما تسمح للكرملين بالتوسع عالميا.
واستشهدت الصحيفة باستضافة بوتين القمة الروسية الأفريقية خلال عام 2019، في منتجع سوتشي على البحر الأسود، بحضور 50 من القادة الأفارقة.
إضافة لذلك تقدم روسيا دعما عسكريا وسياسيا لبعض أطراف الصراع في ليبيا، إذ إنها ترفض تمدد جماعات الإسلام السياسي وحلفاء الدول الغربية المتمركزين في الغرب الليبي.
وعن ذلك تقول الصحيفة البريطانية إن التدخل الروسي في ليبيا كان دائما خفيا، ولكن يبدو أن الثقة دفعت بوتين إلى الخروج إلى العلن في هذا النزاع من خلال توفير أسلحة ثقيلة متطورة ودعم بشري لحلفائه.
وتقول الصحيفة إن أهداف موسكو في أفريقيا استراتيجية واقتصادية. فهي تبحث عن الموارد الطبيعية، مثل حقول النفط الليبية وسوق الطاقة في الجزائر. كما أنها تتعاون في مجال الطاقة النووية مع مصر والمغرب.
أفريقيا وأزمة أوكرانيا
وعلى الرغم من رفض غالبية دول العالم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إلا أن الموقف الأفريقي كان أقرب للحياد، فلم تعلن دولة رفضها للعملية بشكل علني سوى دولة كينيا، العضو غير الدائم حاليا في مجلس الأمن، التي أبدت معارضتها الشديدة للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، بينما جاءت المواقف الأخرى دبلوماسية بشكل كبير، مع الأخذ في الاعتبار رفض إريتريا قرارا يدين العملية، وعدم تصويت بعض الدول على القرار.
وفي المقابل جاء موقف الكيان الممثل للقارة، الاتحاد الأفريقي، خافتا إذ أعرب عن “عميق قلقه” إزاء ما يحدث، لكن انتقاده لروسيا كان هزيلا.
دولة جنوب أفريقيا، وهي شريكة لروسيا في مجموعة “بريكس” (التي تضم في عضويتها أيضا البرازيل والهند والصين)، طالبت موسكو بسحب قواتها من أوكرانيا، لكنها أردفت قائلة إنها لا تزال تأمل في التوصل إلى حل للأزمة من خلال التفاوض.
من ناحية أخرى، أشارت تقارير إلى أن رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أركانج تواديرا يدعم قرار روسيا الاعتراف بمنطقتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيتين بوصفهما دولتين مستقلتين.
وتزامنا مع العملية سافر محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس المجلس السيادي السوداني إلى موسكو على رأس وفد من بلاده للتوقيع على اتفاقيات تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين.
وجاء كأحد أوضح الأمثلة على حدوث تغيير في التحالفات في القارة الأفريقية قبل أسبوع فقط من الهجوم الروسي على أوكرانيا، مع انتهاء الدور الفرنسي في محاربة الجهاديين في مالي، إذ أكد رئيس وزراء مالي تشوغويل مايغا في مقابلة مع قناة “فرانس 24” أن بلاده وقعت اتفاقيات للتعاون العسكري مع روسيا. لكنه نفى أن يكون لشركة فاغنر الروسية العسكرية الخاصة المثيرة للجدل أي دور.
وتأتي المساعدات الروسية لمالي، فضلا عما تردد حول عرضها مساعدة الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو، في إطار نمط تكرر خلال الأعوام الخمسة الماضية لتكثيف روسيا خطواتها الرامية إلى توسيع قاعدة نفوذها في أفريقيا، سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد غير الرسمي.
حلفاء جدد
ويقول محللون إن روسيا ترى في القارة الأفريقية متنفسا ثريا للهروب من العقوبات الاقتصادية الغربية، خصوصا وأن أفريقيا بيئة خصبة لتصدير منتجاتها لاسيما المنتجات العسكرية، حيث تتصدر روسيا دول العالم في تصدير السلاح للدول الأفريقية بنسبة 49% من إجمالي السلاح الأفريقي، كما تعمل على الاستثمار في ملفات الطاقة الجديدة كالطاقة النووية، والطاقة الشمسية، ومشروعات البنى التحتية طويلة الأمد كما هو الحال في شمال أفريقيا.
وفي المقابل فإن الصورة الذهنية لموسكو في البلدان الأفريقية لا تزال جيدة، فالاتحاد السوفيتي كان أحد الداعمين لحركات التحرر الأفريقية، كما أن روسيا قدمت مساعدات عسكرية ومالية لكثير من دول القارة، وباتت شريكا لبعض الحكومات الأفريقية في مواجهات موجات التمرد الداخلية والحرب على الإرهاب.
ويقول المراقبون إن أفريقيا ترى في روسيا الصين بديلا جيدا للإفلات من الهيمنة الأمريكية والغربية التي تشترط على هذه الدول تبني نظم سياسية ديمقراطية وتعيب عليها دوما في ملفات حقوق الإنسان، بل وتفرض على بعضها عقوبات، وهو ما ترفضه كثير من العواصم الأفريقية وتراه ذريعة للتدخل في شؤونها ومحاولة للعدوان على سيادتها من قبل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ويؤكد الخبراء أن الموقف الأمريكي والأوروبي المتخاذل تجاه الاجتياح الروسي لأوكرانيا يعلى من أسهم روسيا التي يبدو حتى الآن أنها صامدة في مواجهة الغرب بشكل كبير وهو ما سيجلعها حليفا قويا لكثير من الأفارقة في حال خرجت منتصرة من الحرب، وتجاوزت العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.