رأي

أكرم بركات يكتب.. الصراع الإيراني الإسرائيلي: مواجهة إقليمية بآثار عالمية

في قلب الشرق الأوسط، يتصاعد صراع خفيّ أحياناً ومعلن أحياناً أخرى بين إيران وإسرائيل، يتحكم بمصائر دول المنطقة ويُهدد بتفجير مواجهة كبرى ذات تداعيات عالمية. هذا الصراع ليس مجرد خلاف بين دولتين، بل هو معركة جيوسياسية تشمل أبعاداً أيديولوجية وعسكرية واستخباراتية، تُدار على أكثر من جبهة، من سوريا إلى لبنان، ومن العراق إلى اليمن، وحتى في عمق الأراضي الإيرانية والإسرائيلية نفسها.

اقرأ أيضا: السعودية في أسبوع.. المملكة و20 دولة تدين الهجوم الإسرائيلي على إيران وغرفة خاصة للحجاج الإيرانيين

من التحالف إلى العداء

قبل ثورة 1979، كانت إيران تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي حليفاً استراتيجياً لإسرائيل، حيث تعاونت الدولتان في المجالات الأمنية والاقتصادية، خاصة في قطاع الطاقة والتجارة العسكرية. لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية، تحولت إيران إلى عدوّ لدود لإسرائيل، وتبنّت خطاباً معادياً للوجود الصهيوني، مع دعمها المعلن لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

ومع تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة عبر “محور المقاومة” (حزب الله، حماس، الحوثيون، والفصائل المسلحة في العراق وسوريا)، رأت إيران في إسرائيل “عدواً وجودياً”، بينما اعتبرت إسرائيل أن طهران تشكل التهديد الأمني الأكبر لها.

أوجه الصراع: من البرنامج النووي إلى الحروب بالوكالة

يُعد البرنامج النووي الإيراني أحد أبرز نقاط الاحتكاك بين طهران وتل أبيب. حيث تُصر إسرائيل على أن امتلاك إيران سلاحاً نووياً يشكل خطراً مباشراً على وجودها، بينما تؤكد طهران أن برنامجها سلمي. وقد شهدت السنوات الماضية، هجمات إسرائيلية على منشآت نووية إيرانية، مثل تفجير منشأة نطنز عام 2021، واغتيال علماء نوويين إيرانيين في عمليات نُسبت إلى الموساد. بالإضافة لمعارضة إسرائيل الشديدة لاتفاقية 2015 النووية، ودعمها لانسحاب الولايات المتحدة منها عام 2018.

في السباق تجنب الطرفان المواجهة المباشرة، لكنهما كان يخوضان صراعاً غير معلن عبر وكلاء، حيث دعم إيران حزب الله في لبنان، الذي يمتلك ترسانة صاروخية كبيرة موجهة نحو إسرائيل. في المقابل شنت إسرائيلية ضربات متكررة ضد مواقع إيرانية في سوريا، بهدف منع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله.

دعمت إيران المجموعات المسلحة في العراق واليمن، والتي تشكل تهديداً غير مباشر لإسرائيل. مؤخراً واثناء اشتباكات حماس وإسرائيل اتهمت تل أبيب طهران بتسليح حركة حماس في غزة.

الصراع بين إيران وإسرائيل لم يكن صراع عسكري فحسب بحل طال الاقتصاد ايضاً حيث فرض عقوبات غربية مشددة على إيران بدعم إسرائيلي، مستهدفة قطاعات النفط والبنوك. اعقبها هجمات إلكترونية متبادلةـ مثل اختراق إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية عبر فيروس “ستوكسنت”. بالإضافة لعمليات التخريب والاغتيالات مثل مقتل العالم النووي محسن فخري زادة عام 2020.

التأثير الإقليمي

أدت المواجهة غير المباشرة بين إسرائيل وإيران إلى تفاقم الأزمات في لبنان وسوريا واليمن، وزادت من حدة الصراعات الطائفية والسياسية. ومع تصاعد التهديدات، زادت دول المنطقة من إنفاقها العسكري، وباتت تبحث عن أسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

كما تحولت القضية الفلسطينية إلى ورقة ضغط في الصراع الإيراني الإسرائيلي، حيث تستخدمها إيران لتعزيز نفوذها، بينما تحاول إسرائيل عزل طهران عن حلفائها العرب.

مع تزايد الضربات بين الطرفين مؤخراً عقب الهجوم المباشر الذي شنه إسرائيل في 13 حزيران، والذي يعد لأول من نوعه حيث تحول الحرب الوكالة إلى حرب الاصلاء، قد تشهد المنطقة مواجهة مفتوحة، خاصة إذا قررت إيران الرد بقوة على هجمات إسرائيلية، أو إذا سعت إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية.

يظل الصراع بين إيران وإسرائيل أحد أخطر الملفات في الشرق الأوسط، حيث تتشابك فيه المصالح الإقليمية والدولية مع الأيديولوجيا والأمن القومي. في حين أن المواجهة المباشرة قد تكون مكلفة للطرفين، إلا أن استمرار الحرب بالوكالة يزيد من تأجيج التوترات ويهدد بانفجار واسع النطاق.

وهنا تطوف إلى الواجهة اراء القائد عبد الله أوجلان، حيث يرى القائد عبد الله أوجلان أن التصعيد تجاه إيران ليس مجرد حدث معزول، بل هو جزء من مشروع أوسع لإعادة تشكيل خارطة النفوذ في الشرق الأوسط. يعتقد أن هذه الاستراتيجية لن تقتصر على إيران، بل ستمتد لاحقاً إلى دول أخرى مثل تركيا، ما يفسر قلق أنقرة المتزايد.

ويؤكد القائد عبد الله أوجلان إن جوهر أزمة إيران لا يكمن في التخلف الثقافي أو الاجتماعي، بل في تطبيق نموذج الدولة القومية والحداثة الرأسمالية، التي يعتبرها أكثر قسوة من أشكال السلطوية التقليدية. فهو يرى أن إيران بطبيعتها دولة متعددة القوميات والمذاهب، وأن الحل يكمن في نموذج الحداثة الديمقراطية، الذي يسمح بالتعددية والاعتراف المتبادل بين مختلف المكونات.

أما إسرائيل، فيصفها بأنها “نتاج لحروب الدولة القومية”، ويعتبر أن تأسيسها جاء ضمن مشروع استعماري أوسع، تزامن مع تشييد الدول القومية العربية.

يركز القائد عبد الله أوجلان على نموذج الأمة الديمقراطية، كبديل للدولة القومية، حيث يتعايش المجتمع بحرية من خلال مجالس محلية تعتمد على الإدارة الذاتية، بعيداً عن الهيمنة القومية والدينية. ويعتبر أن إيران، بتنوعها العرقي والمذهبي، أرض خصبة لتطبيق هذا النموذج، الذي يمكن أن يكون مخرجاً عملياً وعادلاً لأزمات المنطقة.

بشكل عام، يدعو القائد عبد الله أوجلان إلى تجاوز المفاهيم التقليدية للدولة القومية، والانتقال إلى نظام تعددي يضمن العدالة والتوازن الاجتماعي، مع التركيز على إرادة الشعوب في بناء مستقبل أكثر إنصافاً.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى