محمد فتحي الشريف يكتب.. الانتخابات الليبية في 2024 والعملية السياسية التي يبحث عنها الشعب ماتت
ملخص النص
يبقى الحديث عن تأثير الحرب بين روسيا والغرب على الملف الليبي ممتدا، لأن إجراء الانتخابات في ليبيا لن يتم قبل مطلع عام 2024، لأن العملية السياسية التي يبحث عنها الليبيون أصبحت ميتة حرفيًا بسبب عدم إجراء الانتخابات.
النص كامل
“المجتمع الدولي يدير الأزمة الليبية ولا يسعى لحلها” عبارة دائما أرددها في كل المقابلات الصحفية والتلفزيونية، ويأتي ذلك من خلال قناعات شخصية لدي بأن (من يهدم لا يبني ومن يفسد لا يصلح ومن يخرب لا يعمر)، فالحالة الليبية من عام 2011 عندما أسقط مجرمو حلف الناتو الدولة الليبية وهي تعيش في أزمات متعاقبة، وتخرج من حرب إلى حروب ومن تدهور إلى انهيار، والسبب يرجع إلى التدخلات الخارجية وجماعة الإخوان والمتآمرين والخونة في الداخل.
ومع كل هذا المشهد الضبابي نجد أن ليبيا بعد عام 2014 ظهرت بها قوة وطنية علق عليها الشعب الليبي الآمال، من أبرز القوى الوطنية في ليبيا القوات المسلحة العربية الليبية التي يقودها المشير خليفة حفتر وجاءت من رحم مجلس النواب السلطة التي انتخبها الشعب وأصبحت لها حاضنة شعبية قوية، أرغمت المجتمع الدولي على النظر إليها ووضعها في كل الحلول السياسية الدولية والتي أفرزت حكومات عملت لصالح القوى الأجنبية.
قال لي أحد الأصدقاء في ليبيا وهو يشغل منصبا تشريعيا مرموقا (إن ليبيا تحت الوصاية الدولية، والسفير الأمريكي وسفراء الاتحاد الأوروبي هم من يديرون تلك الحكومات العملية).
أعود إلى الموضوع الرئيسي الذي أرغب الحديث عنه اليوم وهو هل الفجوة الحالية بين الغرب وروسيا سوف تؤثر على العملية السياسية في ليبيا؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب بحثا قد تتجاوز كلماته العشرين ألف كلمة، لذلك سوف أتناول الإجابة في عدة حلقات من خلال عرض بعض التقارير والتعليق عليها وخاصة في المسار السياسي والأمني في ليبيا والمعالجات الدولية الأخيرة للأزمة.
الحرب الروسية الأوكرانية، وضعت أغلب قضايا الشرق الأوسط داخل (صندوق الصراع) بين القطبين (الغربي والشرقي)، وخاصة ملفات الدول التي قد تفيد في الصراع، وأعتقد أن الملف الليبي أصبح مهما جدا، وخاصة أن ليبيا قد تكون بديلا مهما للغرب في صراع الغاز والنفط والتخلص من سلاح العقوبات الروسية الوحيدة، لذلك ظهر في الملف الليبي عدد من التغيرات المهمة أجملها في التالي.
ظهور الإنجليز بقوة في الملف الليبي، والإنجليز معروفون أنهم أفضل من يصنع حكومة الظل، ولذلك ظهر دعمهم لعبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المنتهية منذ حدوث الانسداد السياسي الأول وإيقاف الانتخابات في 24 ديسمبر العام الماضي بسبب القوة القاهرة.
تركيا تدعم الدبيبة في الخفاء، وظهر ذلك في اتصال وزير الدفاع التركي بالدبيبة وظهور المرتزقة الأتراك في المشهد الليبي في رمضان وتسليط الضوء على إفطارهم المجمع.
عودة أمراء الحرب إلى طرابلس في الفترة الأخيرة بشكل معلن مثل بلحاج وغيره، كذلك اجتماع الدبيبة مع أمراء الحرب وقادة الميليشيات ومنحهم مناصب رسمية في الدولة، مع أنهم مجموعات إرهابية معروفة للجميع.
اتصال تركيا مع باشاغا يؤكد أن المخطط التركي يدار بشكل احترافي بهدف تعمية الرأي العام وإظهار أنفسهم بأنهم في المنطقة الرمادية.
دخول الصحافة والإعلام البريطاني في اللعبة بهدف تأجيج الموقف بين باشاغا وبين روسيا أحد أهم الفاعلين في الملف الليبي وذلك من خلال حرب الشائعات التي يجيدها الإعلام الغربي بشكل جيد ونسب تصريحات إلى فتحي باشاغا من صحيفة بحجم (ذا تايمزا) والتلاسن بين الصحيفة والحكومة والتي اعتبرها بالون اختبار للرأي العام في المقام الأول، وفي المقام الثاني محاولة النيل من العلاقات الليبية الروسية في هذا التوقيت الحرج وخاصة الحديث عن مجموعات فاجنر الروسية.
وكما أن قناة (البي بي سي) البريطانية الرسمية أنتجت فيلما وثائقي عن فاجنر تكلف مئات الملايين وفشلوا في التسويق له لأنه احتوى على مغالطات كثيرة.
أعتقد أن هناك حلفا جديدا في ليبيا دفعت به الولايات المتحدة الأمريكية لتحارب روسيا في ليبيا وهو الإنجليز والطليان والأتراك وهم يحاول اللعب بكل الأوراق في هذا التوقيت.
إن الإنجليز يحاولون اليوم بكل الطرق صناعة خلاف بين السيد فتحي باشاغا رئيس حكومة الاستقرار والمشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة لأن التوافق بين الشخصين الأكثر تأثيرا في ليبيا أصبح هدفا ضمن أهداف الغرب في ليبيا، لأن الخلاف سيعود بالنفع على معسكر الدبيبة والإخوان والميليشيات، وهو المسعى الحادث الآن، حتى إن هروب المساجين واندلاع الفوضى في الغرب هو من ضمن المخطط.
ويبقى الحديث عن تأثير الحرب بين روسيا والغرب على الملف الليبي ممتدا، لأن إجراء الانتخابات في ليبيا لن يتم قبل مطلع عام 2024، لأن العملية السياسية التي يبحث عنها الليبيون أصبحت ميتة حرفيًا بسبب عدم إجراء الانتخابات.
فالمشهد السياسي تحول من البحث عن إزالة أسباب القوى القاهرة في ليبيا التي منعت الانتخابات إلى البحث عن وجود أساس دستوري، وهذا يتطلب وقتا طويلا.
كما أن هناك احتمالات لنشوب صراع مسلح من جديد هذه المرة بين حكومة الاستقرار بقيادة فتحي باشاغا وبمساندة القوات المسلحة العربية الليبية والشعب الليبي في المنطقة الجنوبية والشرقية وبعض مناطق الغرب وبين حكومة الدبيبة والميليشيات والإخوان والمرتزقة وخالد المشري والمفتي المعزول الصادق الغرياني وأمراء الحرب.
في حال امتداد المشهد دون حرب ستكون المعالجات السياسية طويلة قد تتجاوز مدتها الزمنية لمعالجة المشاكل وإجراء الانتخابات عامين على الأقل. وفي حال نشوب حرب سوف يتغير المشهد في ليبيا على طريقة المشهد الروسي الأوكراني، ووقتها سيفرض المنتصر شروطه على المجتمع الدولي، وفي تلك الحالة ستكون هناك قوى شعبية كبيرة تتضافر مع القوات المسلحة وباشاغا حتى تصنع مشهدا وطنيا شعبيا بامتياز.
من ضمن إشكاليات المعالجة السياسية (النفط) الذي يمثل عقبة أمام الحل السياسي في ليبيا.
لذلك سأعرض لكم تقريرا صحفيا نشر في موقع “بوليتيكو توداي”، المتخصص في الشؤون العالمية حسب موقع قناة ((218 وإن كنت أشك في وجود موقع بهذا الاسم لأن معلوماتي تؤكد وجود صحيفة يومية أمريكية تصدر في واشنطن بهذا الاسم (بوليتيكو) وقد يكون هذا مقصدهم.
على كل حال سأعرض عليكم أبرز النقاط التي جاءت في التقرير:
قال التقرير إن صراع النفط هو الآخر يمثل عقبة أمام الحل السياسي، إذ يتوقع قائد الجيش خليفة حفتر أن تشعر الجهات الدولية الفاعلة بالقلق بشأن استعادة إنتاج النفط وسط أزمة الطاقة العالمية، ومن ثم يسعى الغرب إلى استرضائه من خلال نبذ الدبيبة حتى يترك الأخير منصبه، فالجهات الفاعلة الدولية قد وصل قلقها إلى ذروته لأن شاغلها الأساسي هو حماية مصالحها الذاتية بدلا من معاقبة أتباع روسيا في ليبيا، وذلك بحسب مزاعم التقرير.
وتابع التقرير: “هناك سيناريوهات عدة بناءً على مجريات الواقع الليبي، أولها أن يبذل اللاعبون الدوليون قصارى جهدهم لإحضار الدبيبة وباشاغا إلى طاولة المفاوضات لإيجاد مخرج دبلوماسي نهائي، وحل سلمي لإجراء انتخابات تحت رعايتهم، ويمثل السيناريو الثاني الاعتراف بشرعية فتحي باشاغا مع طرح منتدى جديد للحوار السياسي مع فريق ليبي معدل، مع عدم التخلي عن الخطاب الديمقراطي”.
بحسب التقرير يبدو أن الخيار الثاني أكثر جدوى بعد التفكير فيما حدث من حرب في العام 2019، حيث غضت الولايات المتحدة الطرف وعلقت المحاكمات حول جرائم الحرب في ليبيا قبل انتخابات 24 ديسمبر، فالأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا ودولاً أخرى قد تسعى إلى الشرعية المطلقة بأي وسيلة، وفي نظرهم فإن أي تضحية تستحق حماية للمصالح، بما في ذلك التضحية بالديمقراطية التي كانت ليبيا تحلم بها بعد عقد من الاضطراب.
في النهاية أقول إن هذا التقرير هو جزء من الحلول المقترحة والتي تحاول بعض الصحف طرحها على الرأي العام في صور تقارير وتحليلات، وهي في الحقيقة وجهات نظر دول تريد أن تمررها، ومع ذلك ينتظر أبناء ليبيا في كل مكان أن يكون الحل (ليبياً-ليبياً) من خلال الوطنيين فقط، وأن تنتهي حقبة التدخلات الدولية التي كبدت البلاد والعباد خسائر عديدة.. حفظ الله ليبيا وأهلها.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب