الرئيسيةساحة الفكرمقالات الشرفاء الحمادي

الكاتب العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب.. المستفيدون من «الروايات»

لماذا يصر البعض على التمسك بالخطاب الديني وتجاهل القرآن الكريم؟

كيفَ عَميتْ أبصار من يروجون إلى قداسة الحسين بن علي بن أبي طالب وأنه يملك النفع والضر لأتباعه من الشيعة، عن قوله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دَونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَاَلُكُمْ فَاَدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيَبُوا لَكُمَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. أَلَهُمْ أرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ أيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ أعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ).. (الأعراف: 195 – 194)

وقوله تعالى:

(له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).. ( الرعد: 14)

اقرأ أيضا: الكاتب العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب.. الأخسرون أعمالا

وبهذه الآية يتحدّى اللهُ سبحانه عباده بأنّ الذين يدعونهم من دونِ اللهِ عِباد أمثالُهم لا يستطيعون لهم نفعًا ولا ضرًّا، وإذا كانوا قد عجزوا عن نفع أنفسهم وجاءهم الموتُ ولم يستطيعوا إنقاذ أنفسهم منه فكيف يستطيعون أن يُنقذوا الآخرينَ من غضبِ اللهِ وعذابِه يومَ الحسابِ، وهم أنفسهم لا يعلمون مَاذا أعدّ اللهُ لهم يومَ القيامةِ تأكيدًا لقولهِ يخاطب رسوله:

 

(قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ).. (الأحقاف:9)

 

وقوله تعالى في وصف أولئك الغافلين:

 

(ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون).. (الأعراف: 179)

 

فإذا كان الرسول ــ عليهِ الصلاةُ والسلام ــ لا يعلم ماذا سيفعل الله به وبالناس ولا يعلم جزاءه عند ربّه، فكيف للحُسين أنْ تكون لديه القدرة وهو ميّت في قبره لا يملك من أمره شيئًا أنْ يبلغ زائر قبره بأنّ اللهَ قد غفر له ذنبه.

 

واللهُ تعالى يتحداهم في الآية السابقة علَّهم يدركون ما يفعلون ويستيقظون مِن وَهمِهم ويُطَهّرون أنفسهم من الشرك بالله ويحررون عقولهم من الارتهان لروايات الخرافة ليصححوا إيمانـهم بالله الواحد الأحد لا شريك له يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، تأكيدًا لقوله تعالى:

 

(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أو يَأْتِيَ رَبُّكَ أو يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أو كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ).. (الأنعام: 158)

والرواية السابقةُ عن (جابر بن يزيد الجعفي) تمَ تسويقُها للناس والأميين، الذين لا يُحسنون قراءة القرآن والتدبر في آياته ولم يكتسبوا من معرفة حقيقة الإسلام شيئًا.

يستغلونهم بتلك الروايات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والذين وضعوا الحُسين مكانة أعلى من النبي المُختار ــ عليه الصلاة والسلام ــ، بتسويق هذا الخطاب للتغرير بالمؤمنين به، وليتحقّق للقائمين على الخطاب الشيعي، علماؤهم وشيوخهم، الطاعة والاتباع ويستمتعون بالمكانة الاجتماعية التي يتعامل الناس معهم بالتقدير والإجلال يرضون بها غرورهم. يَسُوقون أتباعهم كما تُساق الماشية ليتحقق للأئمة في المذهب الشيعي قولٌ مطاع، ومكانة لها قُدسية، واتباعهم عبادة وطاعتهم من الإيمان.

كما أن تلك الدعوات إنما تستميل الناس لِتُخفف عنهم أعباء تكاليف العبادات وما تتطلبه من مجاهدة للنفس وكبح جماحها، حيث ما يدعونهم علماؤهم باتباع التعليم الديني المبني على أمثال روايات الإمام جابر أبي يزيد الجعفي ــ المشار إليه سابقًا ــ ترفع عنهم تكاليف العبادات والتزاماتها وتفتح لهم بابًا للمغفرة دون تحمل مشاق العبادات والسيطرة على أهواء النفس قبل يوم الحساب.

تمامًا كما حدث في القرون الوسطى في أوروبا عندما تم تسويق صكوك الغفران، ولذلك يقبلون أكثر الناس على التصديق بتلك الادعاءات فَيُقدّسون أئمتهم ويعظمونهم لأنَّـهم سيرفعون عنهم أوزارهم يوم القيامة وسيدخلون الجنة بغير حساب.

وينقسم المذهب الشيعي وطوائفه المتعددة ومنها على سبيل المثال كما يلي:

(1)  الاثنا عشرية

(2) الإسماعيلية

(3)  البُهرة

(4)  الزيديّة

(5)  العلاهية

(6) الطريقة الصفوية

(7) العلويّون

(8)  الناوسيّة

(9) جُند السماء

(10) الحسينيون

(11) الحشاشون

(12) الباطنيّة

وكما استطاع الفريقان ــ اليهود والمجوس ــ صرف المسلمين عن القرآن بواسطة روايات مكذوبة ومسمومة تنفيذًا لمخطط شرير للانتقام من العرب حملة الرسالة الإسلامية، وصرف أنظارهم إلى حلقة مفرغة من الروايات المختلفة يختلفون فيها ويتصارعون عليها نقلها أناسٌ منذ قرون يتسببون في تقاتل المسلمين فيما بينهم.

 

يضربون أعناق بعضهم في سبيل تعصب كل منهم بمرجعيته الدينية التي يعتقد بأنها صاحبة الحق الأصيل في حماية الإسلام والدعوة إليه بما يملكون من قدرات علمية في تفسير آيات القرآن الكريم وفهم مراد الله فيه لعباده. وغيرهم كفرة ــ ليسوا مسلمين ــ ولا يعرفون عن الإسلام شيئًا وجهادهم فرض عين وقتالهم واجب. وكل طائفة وحزب استبد بقناعته، وكل حزب بما لديهم فرحون.

 

نتج عن تلك المواقف تشويه الرسالة وإبعاد الناس عنها حينما يرون القتل والتدمير ووحشية السلوك والإجرام باسم الإسلام، مما يجعل الناس تبتعد عن الإسلام، ويكرِّهون الناس فيه ويعتبرونه مصدر خوف وفزع وإرهاب.

 

فبدلًا من أن يُقْبِلَ الناس على الإسلام بما فيه من رحمة وعدل وسلام، جعلوهم يَفِرون حتى من سماع كلمة الإسلام في المجتمعات غير الإسلامية.

 

لم يكن مُصطلح (السُّنَة) موجودًا في صدر الإسلام، فكان الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ مركز الدعوة الإسلامية وأساسها القرآن الكريم، تأكيدًا لقوله سبحانه مخاطبًا رسوله الكريم:

 

(كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين).. (الأعراف: 1)

 

وقوله تعالى:

 

(إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).. (الأنبياء: 92)

 

وقوله تعالى:

 

(وأن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم).. (الزخرف: 64)

 

وقوله تعالى:

 

(ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيل).. (الأنعام: 153)

 

حينها لم يكن مصطلح (السُّنة)  موجودًا في صدر الإسلام، بل كانت التسمية لكل من ارتضى الإسلام دينًا (المُسلم) دون مُسميات أخرى، وهو ما دعا إليه الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ وتأكيدًا لقوله سبحانه:

 

(وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير).. (الحج: 78)

لقد ظهر اسم (السُّنة) في منتصف العصر العباسي، حيث نشأت المذاهب السنية المتعددة منها: (الأشاعرة، والحنفية، والمالكية، والحنابلة، والشافعية)، وغيرها من المذاهب.

 

وقد تقرر تثبيت المذاهب الأربعة في عصر الظاهر بيبرس أثناء حكمه لمصر، للتعبد بها رسميًّا واتباعها كأساس للنظام الاجتماعي في العبادات والمعاملات والتقاضي بين الناس.

 

وقد اعتمد تأسيس المذهب السُّـنِّـي على روايات استندت ونُسبَت لصحابة الرسول، وأصبحت المرجع الأساسي للمذهب السُّـنِّـي، وقد تفرعت منه مدارس شتى اتخذ بعضها شعار التكفيـر عقيدة، والقتل قضاءً، والحقد شعارًا، وخطاب الكراهية سلوكًا.

 

وتعددت الطوائف السُّـنِّـيَّـة بمرجعيات مختلفة كما يلي:

 

 

 

1)  الأحناف

 

2) الأوزاعية

 

3)   المالكية

 

4)  الشافعية

 

5)   الحنابلة

 

6) الأشاعرة

 

7)   الماتريدية

 

8) الظاهرية

 

9)   الوهابية

 

10) جماعة الإخوان

 

11)  أهل الحديث

 

12)  التبليغ والدعوة

 

13)   الجمعية الشرعية

 

14)  أنصار السنة

 

15)  الصوفية

 

16) حزب التحرير

 

17)  التكفير والهجرة

 

18) جند الصحابة

وأنصار كلتا الطائفتين (السُّـنَّـة والشيعة)، اعتمدوا في عقائدهم على روايات ضالة، وآمنوا بمرجعياتٍ متضادةٍ لمَن تمّ تصنيفهم، بعلماء الدين أو شيوخ الإسلام تبنوا آراءهم دون تمحيص وتدقيق بعيدًا عن شريعة الله، ورسالة الإسلام التـي أنزلها الله على رسوله في كتاب كريم. فتمّ استدراج الطائفتين (السنة والشيعة) إلى نفق مظلم استنفدوا دماءهم وطاقاتهم واقتصاداتهم، وتمّ نشر الكراهية والحقد بيـنهما من أعدائهما.

 

فقد حادت الطائفتان عن الطريق المستقيم وهجرتا القرآن الكريم واتبعوا الشيطان الرجيم وأتباعه الضالين، فحدث بينهم الخلاف والتنازع الذي أدى إلى اقتتالهم فتحطمت مدنهم وقراهم وتم نهب ثرواتهم، وكل منهما لجأ إلى أعداء الإسلام يستمد منه الدعم والعون ضد إخوانهم من المسلمين، يستمتعون بتدمير أوطانـهم، مستأنسين لسرقة ثرواتهم، فرحين بالدماء البريئة التي تسيل في الصحاري والوديان، بالرغم من أنَّ الله سبحانه حذر المسلمين في كتابه المبين بقوله سبحانه:

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).. (المائدة: 51).

 

عَصَوا الله ولم يتبعوا تحذيره فعاقبهم بما كَسَبَت قلوبهم وأيديهم ما يعيشونه اليوم من صراع واقتتال وتناحر فيما بينهم، متخذين اليهود والنصارى أولياء وسيوردونهم مواطن الهلاك. وقد حذر اللهُ المسلمينَ بقوله سبحانه:

 

(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء).. (إبراهيم: 42-43)

 

كما تمّ عصيانُ أمرِ اللهِ من قِبَلِ الطائفتيْن (السنة وفرقهم والشيعة وطوائفهم) في قولِهِ تعَالى:

 

(وَاعَتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أعْدَاَءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).. (آل عمران: 103)

 

ونظرًا لعدم التزامهم بأمر الله بالوحدة التي تتحقق نتيجة لتمسكهم بالخطاب الإلهي- كتابه المبين- اشتعلت الفتنة بينهم، مما أدى إلى الصراع والقتال فيما بينهم خلال أربَعَةَ عَشَرَ قرنًا أو يزيد. وقد توعّدهم اللهُ سبحانَهُ وتعالى بقولِهِ:

 

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شيءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون).. (الأنعام: 159)

 

وبهذِهِ الآيةِ يحذّرُ اللهُ سبحانَهُ المسلمينَ بأنَّ الرسول الذي جاء بدعوة التوحيد يدعوهم للتمسك بكتاب الله الذي يوحدهم ويحميهم من الفرقة والتنازع فيما بينهم لم يتبعوا ما بلغهم به من آيات الله التي تَحُث على الوحدة، وتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا. فلم يَعُد الرسول منهم لأنهم اتبعوا روايات البشر وشياطينهم، فلم يَعُد المسلمون يتبعون الرسول بتفرّقهم وتشرذمِهم، وهو الذي يدعو للوحدةِ والتعاونِ والتآزرِ وعدم التفرّق فيما بينهم.

 

غضب الله عليهم عندما اشتعلت الفتن والحروب فيما بينهم، يدمِّرون أوطانهم ويقتلون أطفالهم ويستحيون نساءهم، ويسقط ملايين الضحايا الأبرياء، تسيل دماؤهم ظلمًا وعدوانًا لأنهم هجروا القرآن ولم يتبعوا المنهج الإلهي، فحذرهم الله بقوله تعالى:

 

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ).. (طه: 124)

 

لذا فإنه لا يوجد نَص في القرآن الكريم باتباع أي من المذاهب التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأن الخطاب الإلهي يدعو الناس كافة إلى الإسلام ووحدة الصف والاعتصام بحبل الله، ويحذر من تَفَرق المسلمين إلى فِرَق وطوائف وشِيَع مختلفة، بل الالتزام بتسمية واحدة هي (المسلمون)، والتي بالتمسك بها تزول أسباب الفِرقَة والتحزب، وأن يكون الانتماء فقط للإسلام، تأكيدًا لقوله تعالى:

 

(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).. (آل عمران: 85)

 

فبهذه الآية، لن يقبل الله تعالى من المسلمين يوم القيامة أن يبعثون بمسميات ومصطلحات غير الإسلام دون مذاهب اختلقها البشر لأسباب سياسية أو لتحقيق مصالح دنيوية، بل المسلم الحق هو من اتبع المنهج الإلهي في القرآن الكريم، واتبع ما علَّمهم رسول الله- عليه الصلاة والسلام- في كيفية إقامة الشعائر الدينية وتطبيق السلوك الأخلاقي، واتباع الفضيلة، والالتزام بالعدل في المعاملات، والعلاقات الإنسانية أساسها الرحمة والإحسان والابتعاد عن الظلم بكل أشكاله

وللخروج من هذا المأزق، على المثقفين والعلماء من المسلمين جميعًا تشكيل مجلس مُوحَد يتخذ من القرآن مرجعًا وحيدًا في البحث عن عناصر المنهج الذي وضعه الله تعالى للناس تشريعًا للعلاقات الإنسانية وضابطًا للمعاملات بينهم، وأساسًا لأخلاقيات كريمة في التعامل بينهم، وقيمًا نبيلة تحقق التقارب والمودة والتراحم بين الناس جميعًا، وقواعد تشريعية تحافظ على أمن المجتمعات الإنسانية وتحقق العدالة وتنشر السلام، وإعداد دستور إسلامي مبني على مقاصد الآيات القرآنية الكريمة لصالح العِباد جميعًا. لا ظلم فيه ولا طغيانَ قَوْم على غيرهم، يحمي عقائد الناس المختلفة، ويحمي حرية الإنسان ويَكْفُل له الحياة الآمنة، ويحافظ على حقه في الحياة والسعي في الرزق دون عدوان، ليؤدي المُسْلِم تكاليف العبادات كما أمر الله وعلَّمهم رسوله ممارسة الشعائر الدينية دون استعلاء على غيرهم من الأديان.

 

فالله تعالى وحده سيفصل بالحق بين الناس يوم القيامة، ولم يكلف الله أحدًا من رسله أو عباده بأن يكونوا أوصياء على الناس في أديانهم، بل أمر رسله بأن يبلغوا الناس خطابه وهو وحده المتكفل بحسابهم لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي استقرَّت في أذهان الناس قرونًا طويلة.

 

وآن الأوان لتصحيح المسيرة باتجاه الشريعة القرآنية، والاتفاق على إمام واحد للمسلمين هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم الالتفات للروايات المنقولة كافة من المُنتمين للسُّـنَّـة أو المُنتمين للشيعة، فكل الروايات دون استثناء اُستُحدثت لهدم رسالة الإسلام وخلق الفتنة بين المسلمين جميعًا، فالماضي يُقِر بذلك والحاضر نعيشه بكل مآسيه.

 

وماذا ننتظر وإلى متى سنظل نعيش في الظلمات، والله تعالى يدعونا بقرآنه ليخرجنا إلى النور؟

 

وهكذا استطاع علماء اليهود والمجوس، أن يُغرِقوا العرب المسلمين في قتالٍ دام أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، وما زال مستمرًّا إلى اليوم نتيجة لما تُسببه الروايات المختلقة والمنسوبة للرسول الكريم ظلمًا وعدوانًا.

 

ويَشهَد على ذلك ما يجري في سوريا وفي العراق واليمن والصومال وليبيا، والبقية في الطريق إذا لم نُصحح مسار البوصلة لتتجه إلى ما أمرنا الله باتباعه، والتمسك بكتابه والتقيد بمنهجه.

 

ولذلك حَذرنا اللهُ سبحانه بأنَّ على المسلمين اتباع الآيات وليست الروايات، بقوله تعالى لرسوله:

 

(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ).. (الجاثية: 6)

 

وقال سبحانه مخاطبًا رسوله:

 

(كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين).. (الأعراف: 2)

 

وقوله تعالى في تبليغ الناس رسالة الإسلام بالقرآن:

 

(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين).. (المائدة: 67)

 

والله سبحانه يدعونا إلى اتباع القرآن ولا شيء غيره بقوله:

 

(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكرون).. (الأعراف: 3)

 

توضح الآيات السابقة أن المُهِمّة التي كَلَّف الله تعالى  بها رسولَه هي أن يبلغ الناس كافة رسالته بالقرآن فقط، ويُعَلمَهم مقاصد آياته لخير عباده، ويهديهم سُبُل السلام، ويبين لهم شعائر العبادات والقِيَم النبيلة التي تؤسس للمجتمعات الإنسانية طريق الحياة، لتكون الأخلاق والفضيلة والرحمة أساس العلاقات فيما بينهم.

 

واستبق الله سبحانه بِعلمه الأزلي بأن المسلمين سيهجرون القرآن بقوله تعالى:

 

(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القرآن مَهْجُورًا).. (الفرقان: 30)

 

تحذير من الله تعالى قبل أربعة عشر قرنًا للمسلمين بأن الرسول سيشتكي قومَه لله يوم القيامة بأنَّـهم هجروا القرآن، فماذا سيكون موقف دعاة الإسلام، وكيف سيدافعون عن أنفسهم أمام الله يوم الحساب؟

وما مبررات الصدود عن كتاب الله واتخاذ الروايات بدلًا عن الآيات؟

وبالرغم من أن الله سبحانه أمر الرسول- عليه الصلاة والسلام- بدعوة المسلمين للتمسك بالقرآن والتدبر في آياته واتباع المنهج الإلهي، إلا أنهم قد خالفوا أمر الله بقوله سبحانه:

«وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودًا».. (النساء: 61)

إلا أننا لا زلنا ماضين خلف الروايات، نستمتع في أن نستمر في حياة الظلام كالخفافيش، ونُردّد ما يُراد لنا من تغييب للعقل وانصرافنا عن القرآن، لنتوه في أعماق الماضي ونُهمل الحاضر وما يتطلبه من التمسك بالمنهج الإلهي حتى يستطيع العرب المسلمون تحقيق أهداف التطور والتنمية، والاكتفاء الذاتي في المأكل والمشرب، والمشاركة الإيجابية في تطور الحضارة الإنسانية لما ينفع الناس، حيث يأمرنا الله سبحانه بإعمال العقل والتفكيـر في آيات الله ومراده فيها لعباده من خيرٍ وصلاحٍ وأمنٍ وسلامٍ وتعاونٍ ورحمةٍ. حتى يستطيع المسلمون تصحيح المفاهيم المُراد لها تشويه رسالة العَدل والإسلام والحرية، واعتماد العقل الذي سيقودهم بتفاعله مع المنهج الإلهي إلى إدراك حقيقة رسالة الإسلام حين يُخاطبه الله سبحانه بَقوله تعالى:

(أوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شيءٍ وَأنْ عَسى أنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أجَلُهُمْ فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).. (الأعراف: 185)

ويقول الله تعالى في سورة الأحزاب الآية:

(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رجالكم وَلَكِن رَّسُولا للَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمًا).. (الأحزاب: 40)

بهذه الآية الكريمة يريد الله سبحانه عدم توظيف أي بشر من خلقه في الانتماء إلى نَسَب رسول الله حتى لا يتم اتخاذ أحفاد الرسول أو أقربائه بعلاقة النسب أن تكون لهم مكانة مقدسة تُستَغَل من قبل الحاقدين على الإسلام بتقديمهم كشركاء في الرسالة السماوية وأنَّـهم معصومون، ولهم مكانة خاصة عند الله سبحانه حتى لا يتم استخدامهم بواسطة روايات مزوَّرة ومبالغات لا تتفق مع القواعد القرآنية لأغراض سياسية أو مصالح دنيوية، والتي تؤكّده الآية الكريمة أعلاه بأنّ الله سبحانه اختار محمدًا عليه الصلاة والسلام وحده فقط لتبليغ الخطاب الإلهي للناس.

والهدف من هذه الآية قطع الطريق على المتربصيـن بالدين الإسلامي في توظيف أقرباء الرسول وأحفاده في خدمة مآربهم الشيطانية، لخلق فِـرق دينية تتناقض مع رسالة محمد- عليه الصلاة والسلام- وتصطدم مع المنهج الإلهي لينصرف الناس عن القرآن الكريم ويُحدِثُوا البلبلة بيـن الـمسلمين، التي تؤسس القواعد للفتـن والصراع.

ومثال على الخطاب الديني عند الشيعة الذين قدَّسوا (الحُسين) وجعلوه شريكًا لله في معرفة الغيب ولديه القدرة على التوبة عن المذنبين والمغفرة عن المخطئين يتوسط لهم عند الله بقبول توبتهم وإلغاء عقوبتهم بما ارتكبوا من آثام وذنوب. وبذلك يجعل التابعين للمذهب الشيعي يستسهلون ارتكاب المعاصي طالما (الحُسين) سيرفع عنهم العقوبة بمجرد زيارة قبره.

تلك عقيدتهم التي تعتبر ميلاد دينٍ موازٍ لدين الإسلام يتحقق به للفُرس المنافسة على الدين الذي أنزله الله على الرسول العربي تحقيقًا لانتصارهم على العرب، وعقابًا لهم بما ارتكبوه من إسقاط الإمبراطورية الفارسية.

وعندما نَنْظُر إلى الآية الكريمة التالية، نجدها تدحض كل الروايات والادعاءات الباطلة، وتنسف الافتراءات على الحسين وأبنائه، حيث يقول الله سبحَانه:

(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلونَ).. (المؤمنون: 101)

ويقول سبحانه:

(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا).. (الإسراء: 13)

وقوله سبحانه:

(ولقد جئتمونا فُرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وظل عنكم ما كنتم تزعمون ).. (الأنعام: 94)

فيوم الحساب سيحاسب كل إنسان بعَمَلِه وما قدَّم من خير أو شَر، إذ لا قيمة يوم الحساب لانتساب الإنسان لنبي أو رسول، بل كل بعمله، كالذين يدعون أنفسهم بالأشراف والسادة وانتسابهم لأهل البيت فلا ميزة لهم في الحياة الدنيا ولا يسْتَعلُون على الناس. فَكُلُّهُم بشر، والكُل يتساوون أمام القانون في الحياة الدنيا، والكُل متساوون أمام الله تعالى يوم الحساب. فلا وساطة لقريب أو صديق يوم الحساب تأكَيدًا لقوله تعالى:

(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأمِّهِ وَأبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ(37).. (عبس: 33-37)

وقوله تعالى:

(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرُا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).. (الزلزلة: 7-8)

ذلك أنّه يوَمَ الحسابْ لن يُستثنى أحدٌ من البشر، وكل الناس سواء، والجميع دون استثناء لرسول أو نبي أو عالم أو رجل صالح بمَن فيهم المجرمون والمذنبون يقفون حفاة عراة ينتظرون قضاء الله ورحمته. كما قال سبحانه:

(وَأشْرَقَتِ الأرْضَ بِنُورِ رِبّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّيـنَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظلمُونَ).. (الزمر: 6)

لم يستثن الله سبحانه وتعالى أحدًا من خلقه تأكيدًا لعدلِه وتحقيقًا للمساواة بين عباده، فلا ميزة لأحد، كلهم سواء أمام الخالق الجبَّار، يطلبون رحمته واثقين بعدله وقضائه يوم الحساب. فلا وسيط يومئذٍ غير عمل الإنسان تأكيدًا لقوله سبحانه:

«يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم».. (الشعراء: 88-89)

ولذلك فالله- سبحانه- يحذّر الناس من تصديق الروايات أو المقولات ولا يلقون بالًا إلا للآيات حتى لا ينصرفوا عن القرآن الكريم الذي جاء معه النور ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.

وأمر سبحانه عباده بأن يستمسكوا بالعُرْوَة الوثقَى، كتاب الله، الذي يربط بينهم وبين خالقهم، وَجَاءت الآية الكريمة في سورة آلَ عمران تأكيدًا لذلك:

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَليْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلوبِٰكُمْ فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخَوَانًا وَكُنتُمْ عَلىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).. (آل عمران: 103)

إنَّ مراد الله تعالى من هذه الآية الاعتصام بحبل الله، وهو القرآن الكريم والعروة الوثقى التي تربط الإنسان بخالقه مما يجنّبهم العداوةَ والبغضاءَ ويؤلف بين قلوبهم ليصبحوا إخوانًا، لأنَّـهم سيكونون جميعًا تحت مظلة واحدة وهدف واحد، يتبعون النور الذي أنزله الله على رسوله الذي يحقق لهم الأمن والسلام، حيث يقول سبحانه في وصف قرآنه:

«يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».. (المائدة: 16)

إنَّ ظهور المذاهب المختلفة من سُنَّـة وشيعة وغيرهما من المذاهب، كان دافعه السياسة والتمييز وخلق طوائف متعددة، كل طائفة تستند إلى مرجعية ابتدعت روايات ما أنزل الله بها من سلطان، واختلقت أخبارًا وأحاديث منسوبة للرسول- صلى الله عليه وسلم- من أجل أن يجعلوها قاعدة لبناء فقه ديني خاص لكل منهم يختلف عن الطائفة الأخرى، مما أدى إلى تفرق المسلمين شيعًا وأحزابًا.

والهدف من ذلك تحقيق غاية أعداء الدين الإسلامي، في جعل الـمسلمين ينصرفون عن القرآن الكريم ليسهل عليهم تفريقهم، وزرع بذور الفتن فيما بيـنهم.

وهكذا أصبح حال المسلمين في تنافر وصراع وقتال إلى العصر الذي نعيشه، حين نشأت فرقٌ جديدة ترفع شعار الإسلام وتغتال قيم الحرية وحقوق الإنسان وترتكب أبشع الجرائم، بِجَز أعناق الأبرياء وتدمير القرى والمدن واغتصاب الأطفال والنساء.

يعيثون في الأرض فسادًا ولا يهتمون بحق الإنسان في الحياة، ولم يراعوا أوامر الله في عدم الاعتداء على الناس، ولم يتبعوا ما جاء في أمْر الله باتباع المنهج الإلهي الذي يدعو إليه سبحانه بقوله:

(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وْلَاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الْدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرضِ إنَّ اللَّـهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ).. (القصص: ٧٧)

هذه أوامر الله للناس جميعًا، فهل اتبعت الفرق الإرهابية أمثال «داعش»، و«الإخوان»، و«النصرة»، و«التكفيـر والهجرة»، و«السلفية»، و«القاعدة»، وغيرهم ممن هم على شاكلتهم ما جاء في المنهج الإلهي في هذه الآية؟

وهل بمخالفة أوامر الله سبحانه سيدخلون الجنة بأعمالهم الإجرامية؟ أم سَيُلقَون في جهنم وبئس المصير بما ارتكبوا من الفساد في الأرض عندما لبّوا دعوة الشيطان واتبعوه، حَيث يقول الله سبحانه:

«وَقالَ الشَّيطاَنُ لمّا قُضِيَ الأمرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأخلَفتُكُم وَمَا كانَ لِيَ عَليَكُم مِن سُلطانٍ إِلَّا أن دَعَوتُكُم فَاستجَبتُم لي فَلَا تَلوموني وَلوموا أنفُسَكُم ما أنا بِمُصرِخِكُم وَما أنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنّي كَفَرتُ بِما أشرَكتُمونِ مِن قَبلُ إنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ».. (إبراهيم:22)

فلا سبيل للمسلمين من الخروج من النفق المظلم الذي عشناه ونعيشه اليوم إلا بالعودة للخطاب الإلهي – القرآن الكريم- نستمد منه النور الذي سيضيء به عقولنا وترتقي معه نفوسنا تمتلئ بالرحمة والمحبة والعدل، نستلهم من كتاب الله سُبُل السلام ونستوعب مراد الله من آياته لخلقه عيشًا هنيئًا وسعيًا مشكورًا وطاعة مقبولة وأجرًا عظيمًا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من عمل صالحًا واتقى الله واتبع هداه.

 

لذا فإنني أقترح في الوقت الذي يبحث فيه المسلمون تجديد الخطاب الديني بضرورة التوقف عن استخدام مصطلح «الخطاب الديني»، لأنَّ كل مَن هبَّ ودبَّ وجاء برواية أو حكاية أو خرافة اندرجت تحت الخطاب الديني، بينما الأصل الذي يحمل رسالة الإسلام للناس هو الخطاب الإلهي، كلمة الله وآياته.

 

فلنفكر جميعًا بأن نستدعي لحظات تاريخية قبل أربعة عشر قرنًا نتصور فيها أنفسنا في حضرة رسول الله- صلى الله عليه وَسَلمْ- يُبَلِغَنا رسالة الله في كتابه المبين، ويتلو علينا القرآن الكرَيم كما أمره اللَه بقوله تعالى:

 

«لقَدْ منَّ اللَّـهْ على المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أنفُسِهِمْ يَتْلو عَليْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ».. (آل عمران: 164).

 

فنتلقّى منه- صلى الله عليه وسلم- ما يُنَزّله الله تعالى عليه من آيات كريمة، ونتعلم منه الحكمة، ويوضح لنا ما جاء في كتاب الله من حكم وموعظة وقِيَم، يعلمنا شعائر العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج بيت الله وتشّريعات تبين الحلال والحرام، حيث كلفَه الله بمسئولية إبلاغ الناس كافةً بالمنهج الإلهي بقولهَ تعالى:

 

﴿يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزِلَ إِليْكَ مِنْ رَّبِّكَ وْإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ﴾.. (المائدة: 76)

 

وقوله تعالى:

 

﴿فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَليكَ البَلاغُ المبُيـنُ﴾. (النحل: 82)

 

وقوله تعالى:

 

(وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب).. (الرعد: 40)

 

فنظلّ نستمع إلى ما يتلوه علينا رسولُ الله- صلى الله عليه وسلّم- آيات من القرآن الكريم ويُفسّر لنا مقاصدها التي تدعو الناس لما يصلحهم ويحقّق لهم المنفعة والأمن والسلام في لحظات لم تكن تلوثت بمذاهب ولم تكن فيها طوائف وفرق متصارعة.

 

نتعلم منه- عليه الصلاة والسلام- منهج الخطاب الإلهي الذي يأمر عباده باتباع القرآن وعدم الاعتماد على استنتاجات بشرية نسبت إلى الصحابة أو غيرهم ممن نَصَّبوا أنفسهم أهلَ العلم والمعرفة وعلماء الدين وشيوخ الإسلام، فلا يوجد شيوخ للإسلام ولا أئمة ولا كهنة ولا أحبار، بل عباد لله مخلصين له الدين يتبعون رسولًا كريمًا، حيث قال تعالى:

 

«اتَّبِعوا ما أنزِلَ إِليكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أولِياءَ قَليلا ما تَذَكَّرونَ».. (الأعراف: 3)

 

فلا اجتهادات بشرية أو خطابات دينيّة متعدّدة، بل كان خطابًا إلهيًّا واحدًا ورسولاً وإمامًا واحدًا يتلو على الناس آيات الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور، يُعلمَهم دينهم الذي ارتضى الله لهم ويحذرهم من الابتعاد عن كتاب الله وما جاء به من تشريعات للبشرية تحقّق لهم الأمن في الدنيا والآخرة وتحميهم من عدوان بعضهم على بعض ليعيشوا في رخاء وسلام.

 

وبعدما استلم القيادة من بَعده بعض من صحابته الذين عايشوا النبي أثناء بعثته وحاربوا معه دفاعًا عن رسالة الإسلام، واُستُشهد منهم الكثير دفاعًا عن رسالة الإسلام تلقوا منه ما تلاه عليهم من آيات الذِّكر الحكيم، وتعلموا منه فقه العبادات، ووضَّح لهم التشريعات وأهداف المنهج الإلهي حتى وفاته صلى الله عليه وسلم.

 

عندها اشتدت الظلمة عليهم بعد غيابه وأصابتهم الحيرة وتغـّير المنهج الذي كانوا يعيشونه ويتفاعلون معه، وفرضت المفاهيم الدنيوية الجديدة نفسها على الواقع، فتراجع التفاعل مع كتاب الله والالتزام بأحكامه والتقيد بشريعته، وتحكمت النفوس والهوى في قيادة المشهد.

 

فقد نشأت طوائف متعدّدة ومعتقدات خاصّة بها ترتب عليها نشوء فرق دينية سياسية تسبّبت في الاقتتال بين المسلمين، بما أملت عليهم ظروف الواقع والصراع على السلطة، فطغت عليهم الدنيا وسخّرت العقول لخدمتها، وأصبحت الغايات تبـرر الوسائل حينما خَفَتَ صوت القرآن والتبست عليهم الأفهام لرسالة الإسلام، عندما أهالوا على الآيات ركامًا من الروايات فتراجعت مقاصد الرسالة لخير البشرية، وتزاحم الرواة في سرد آلاف الأساطير، وأضافت إليها الإسرائيليات مزيجًا من الخرافة وتغييب العقل وإثارة النعرات لخلق الفتنة بينهم، فاستحكمت بعقول صفوة علماء الدين تلك الروايات والأقوال ومنحوها المصداقية لأنها منسوبة لأحد الصحابة.

فكيف استطاعوا التأكد من مصداقيتها بعد أكثر من قرنين من الزمان، حيث برزت طبقة مميزة في المجتمع الإسلامي احتكرت المعرفة والقدرة على تفسير القرآن وتوضيح مقاصد آياته، واعتمدت الروايات مرجعًا لفهم نصوص القرآن وتفسيره، وغابت عنهم حقيقة الخطاب الإلهي لخلقه.

المسلمون اليوم أمام طريقين لا ثالث لهما:

أولًا: إما أن نَتّبع ما بَلّغنَا به رسولُ الله من آيات كريمة في كتاب كريم، أن نؤمن بالله الواحد الأحد ربًّا وبكتابه هاديًا ومُرشدًا وبرسوله نبيًّا وإمامًا وداعيًا إلى الله وسراجًا منيرًا يدعو لعبادة الله الواحد الأحد  ويأمر المسلمين بالاعتصام بكتاب الله الكريم، وأن يكون القرآن وحده مصدر التشريع لهم، وأن يضعوا تشريعاتهم حسب متطلّبات عصرهم، مسترشدين بالتشريعات الإلهية في كتابه الكريم، أساسها العدل والمساواة والرحمة، والامتناع عن الفساد في الأرض، وعدم العدوان على النفس وعلى الممتلكات دون وجه حق اتباعًا للمنهج الإلهي، متخذين القرآن منهجهم ورسول الله قدوتهم بعمله وسلوكه وسيكون جزاؤهم يوم القيامة كما قال تعالى:

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير).. (البروج: 11)

ثانيًا: وإمّا أن نتّبع الروايات والذين روجوا لها على لسان الصحابة ممّن يُسمَّونَ علماء الدين وعلماء الحديث وشيوخ الإسلام، وأقحموها في قناعات المسلمين فَفَرّقَتهم شيعًا وأحزابًا يضربون أعناق بعضهم بعضًا، وكلُّ منهم يحمل شعار الله أكبر، ويدّعي أنه صاحب دعوة الحق وما عداه كافر، مُعَرّضين أنفسهم لغضب الله وعقابه في الدنيا ويوم الحساب، وما زال المُسلمَون يعانون من نتائجها حتى اليوم، حيث سيكون جزاؤهم عند الله سبحانه بقوله:

«ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى».. (طه: 124)

ذلك سيكون جزاء الذين أعرضوا عن القرآن والتدبر في آياته واتباع أوامر الله التي تدعو الناس لما ينفعهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وحتى لا يستمرّ توظيفُ الرواياتِ المزوّرةِ وما تتلوهُ الشياطينُ من أساطيرَ مدبَّرة من أجلِ التغريرِ بالناسِ وخداعِهم ليبتعدوا عن رسالةِ الإسلام والمنهجِ الإلهي الذي حملَهُ رسولُ اللهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ليبلّغَهُ للناسِ لتحريرِ عقولهِم وتطهيرِ نفوسِهم والارتقاءِ بهم لتكونَ علاقتُهم مع اللهِ مباشرةً دونَ وسيط من بني البشرِ، ليحميَهم من استغلالِهم في تحقيقِ أهدافٍ دنيويةٍ لصالحِ المدّعينَ بدعاة الإسلام وشيوخِهِ وعلمائِهِ، وحتى لا يُفاجَأَ الناسُ يومَ الحسابِ ويكتشفوا- بعد فَوَاتِ الأوانِ- بأن لَا رصَيدَ لهم من الحسنات عندَ اللهِ يحميهم من العذابِ، كما قَالَ سبحانَهُ وتعالى:

(فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون).. (الأنعام: 44)

ومن أجلِ ذلك وحمايةً لمجتمعاتِنا من الإرهاب وقتلِ الأبرياءِ ووأدِ الفتنِ وإيقافِ الصراعِ المستمرّ منذُ أربعةَ عَشرَ قرنًا ووقفِ نزيفِ الدمِ وسرقةِ ثرواتِ الوطنِ العربيِ من خلالِ مشترياتِ السلاحِ التي تستنزفُ ميزانيةَ الدولِ العربيةِ.

فبدلًا من أن توظَّفَ المليارات في تنميةِ المجتمعاتِ العربيةِ تكونُ نهبًا للصوصِ، كشركاتِ تصنيعِ السلاحِ وسماسرتِهِ، يدفعوننا لنتقاتل به، تاركين أعداء العروبة والإسلام يستمتعون بدمائنا تسيل، وثرواتنا تنهب.

فلا سبيلَ إلى الخروجِ من المأزقِ التاريخيِ والموروث الفكري الذي أسّسَ المكوّنَ الثقافي للإرهاب وأدّى كذلكَ إلى تخلّفِ العربِ، فبدلًا من أن يتبعوا كتابَ اللهِ في الارتقاءِ بالعقلِ، حيث جعل الله التدبر والتفكر في كتابه فريضةً إلهية، وما يدعو إليه المسلمونَ في اتباعِ المنهجِ الإلهي في البحثِ العلميِ بتعميرِ الأرضِ والتمسكِ بالأخلاق والفضائلِ والتقيد بتشريعاته التي أنزَلَها اللهُ على رسولِهِ في كتابٍ مبينٍ ليضَعَ أمامَهم خارطةَ طريقٍ تكونُ نبراسًا للناسِ يحيون فيها حياةٍ طيبةٍ يسودُها الرخاءُ والعدلُ والأمنُ والرحمةُ والسلام.

لذا فَعَلى القياداتِ الثقافيةِ والدينيةِ أن تسعى بكلِّ السبلِ لتسليطَ الضوءِ على الخطابِ الإلهي واستنباطِ كلِ ما له علاقةُ في تأسيسِ ثقافةٍ دينيةٍ واعية مدركة لمقاصد الخطاب الإلهي للناس وما فيها من خير وصلاح لكي يعود المسلمون إلى القرآن الكريمِ ليصبح مرجعًا وحيدًا للعباداتِ والقيمِ النبيلةِ والفضائل لإحياءِ الضميرِ الإنسانيِ لتتكوَّنَ عندَ الإنسان مناعة طبيعية من كل ما حرّمَهُ اللهُ واتباعِ كلِ ما أمَرَ بِهِ من خُـلقٍ عظيمٍ لتطهير النفس من كل النقائص وتزكيتها بالصدقة والرحمة والإحسان، وهو السبيلُ الوحيدُ للخروجِ من ظلامِ الرواياتِ ليكونَ القرآن للمسلمينَ نورًا وهاديًا ليبدّدَ الظلامَ ويسطعَ نورُهُ في القلوبِ فتنشرح بهِ الصدورَ وتتطهرَ بِهِ القلوبُ وترتقي بِهِ النفوسُ ويتواصلَ الناسُ بالرحمةِ ويختفيَ بِهِ خطابُ الكراهيةِ ليحلَ محلَّه خطابُ المحبةِ والسلامِ من كلِ البشرِ، حينَها ينزّلُ اللهُ عليهم رحمتَهُ وبركاتِهِ، حيثُ وعدَهم اللهُ بقولِهِ:

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رِبّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)..(محمد: 2)

أدعو اللهَ أن يتقبّلَ هذا الجهدَ في سبيلهِ واتبّاعًا لقولهِ تعالى:

﴿وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.. (فُصلت: 33)

وأن يَهدي كلَّ المخلصين لدينهم وقيمه النبيلة والمتجردين من هوى النفوس وإغوائها من المثقفينَ والمفكّرينَ وعلماءِ المسلمينَ إلى ما أمرَ اللهُ بها باتّباعِ قرآنِهِ الكريم، إيمانًا وقولًا وعملًا وتشريعًا.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى