//atef
الرئيسيةدراساتسياسية

حول الشراكة الكوريّة-الأفريقيّة: العوائد، التحديّات، الدروس المستفادة

إعداد: نِهاد محمود

باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الأفريقية العليا، جامعة القاهرة

 

في ظل المساعي الكوريّة الجنوبية اللافتة نحو الانخراط بالقارة الأفريقية، والتي بدأت بصورة جديّة منذ العام 2006م؛ الذي تم تخصيصه كعام للصداقة (الكوريّة) مع أفريقيا، يسعى هذا التقرير إلى الإجابة عن تساؤلات عدّة كاشفة لطبيعة التوجّه الكوري الجنوبي نحو القارة الأفريقية، من حيث ما يميز هذه الشراكة عن غيرها من الشراكات التي تنخرط بها القارة، طبيعة هذه الشراكة فيما يتعلق بتوطين التكنولوجيا، أسباب تنافس القوى الدولية والإقليمية على القارة، المطلوب من أفريقيا للاستفادة من هذه الشراكة، التحديّات التي قد تقف عائقًا أمام العوائد المأمول جَنيّها من التواجد الكوري بالقارة، والذي تأكد بشكل لا يدع مجالًا للشك به خلال الآونة الأخيرة، لاسيّما مع عقد أول قمة كورية-أفريقية بسيول، خلال يومي 4-5 يونيو 2024م الفائت.

اقرأ أيضا: طالع العدد التاسع والعشرين من مجلة العرب للأبحاث عن شهر يونيو 

  • ما الذي يميز الشراكة الكورية الجنوبية مع أفريقيا عن غيرها من الشراكات الدولية والإقليمية؟

تعدّ هذه الشراكة نافذة جديدة للقارة الأفريقية من أجل ضخ مزيد من الموارد، لاسيما التنموية لها، وهو ما تحقق بالفعل من خلال إعلان الرئيس الكوري الجنوبي “يون سوك يول” زيادة المساعدات التنموية لأفريقيا بمبلغ 10 مليارات دولار، على مدى السنوات الست المقبلة، ما سيساهم في تلبية متطلبات وأزمات عدة للبلدان الأفريقية، التي تواجه بالفعل العديد من التحديّات الآخذة في التصاعد. وبالطبع تختلف هذه الشراكة عن غيرها من الشراكات الإقليمية والدولية، خصوصًا في طبيعة الأولويات التي يتم التركيز عليها من الجانب الكوري؛ على سبيل المثال تركز كوريا الجنوبية على الارتقاء بالزراعة، وتحقيق الأمن الغذائي للقارة والتي برزت خلال إطلاقها لمبادرة “حزام الأرز الكوري” في يوليو 2023م، مع ثماني دول أفريقية هم: السنغال، غامبيا، غينيا، غانا، الكاميرون، أوغندا، كينيا، غينيا بيساو، بغيّة تحقيق الأمن الغذائي للدول الثماني، عبر المساعدة في إنتاج 30 مليون طن من الأرز. وهي بذلك تختلف عن غيرها من الشركاء بالقارة، كالشريك الصيني الذي يركز على البنية التحتية وربط الطرق بغرض تسهيل التبادل التجاري والاستثمارات، وهو ما يمكن رؤيته جليًا عبر مبادرة الحزام والطريق، أما الشريك الروسي فيركز بشكل أساسي على النواحي العسكرية والأمنية عبر أذرع متعددة، كفاغنر الذراع العسكري غير الرسمي لموسكو، سابقًا، والفيلق الأفريقي، الذي تم استبداله بمجموعة فاغنر، حاليًا، عقب مقتل مؤسسها يفغيني بريغوجين، أغسطس 2023م الفائت. كما تتفوق سيول في تقنيات الرقمنة، مؤكدة على أن لديها الكثير لتشاركه مع القارة في هذا الشأن.

  • ما طبيعة هذه الشراكة فيما يتعلق بنقل وتوطين التكنولوجيا؟

في هذا الإطار يمكننا الإشارة إلى مبادرات عدة تسعى كوريا الجنوبية لتنفيذها بالتعاون مع القارة الأفريقية؛ نذكر منها مبادرة “Tech4Africa”، التي تم تبنيها من قِبَل الزعماء الأفارقة، بهدف تعزيز التعليم والتدريب للشباب في أفريقيا. كما تعمل سيول على توطين التكنولوجيا بعدد من الدول الأفريقية، كلٍ على حدا، مثل كينيا التي استقبلت دعمًا كبيرًا من الدولة الكورية في إنشاء المعهد الكيني المتقدم للعلوم والتكنولوجيا (KENYA-AIST) الذي سيتم افتتاحه قريبًا وفقًا لما ذكره الرئيس الكيني “ويليام روتو” للرئيس الكوري “يون” خلال القمة الكورية-الأفريقية 2024م، التي عُقِدَت بسيول، على غرار المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، وهو مؤسسة محورية في التحول الاقتصادي في كوريا، كما دعا “روتو” الرئيس الكروي لحضور مراسم افتتاح المعهد خلال الفترة المقبلة. كما أنه وعلى هامش القمة الكورية-الأفريقية وقّعت نيروبي وسيول على تمويل تنموي مُيَسّر بقيمة 485 مليون دولار (63 مليار شلن كيني) بينهم 238 مليون دولار (30 مليار شلن كيني) لتنفيذ مشروع مدينة كونزا للإعلام الرقمي. وقال الرئيس “روتو” إن المشروع سيعزز النظام البيئي الرقمي في البلاد، وهي مبادرة حكومية رئيسية تهدف إلى توسيع فرص الاقتصاد الرقمي والإبداعي للشباب في كينيا، في كونزا تكنوبوليس “Konza Technopolis، وهي مركز تكنولوجي كبير يقع بمقاطعة ماتشاكوس جنوب نيروبي. وفي تونس وبتمويل من صندوق التعاون الكوري الأفريقي (KOAFEC)، أطلق البنك الأفريقي للتنمية، بالتعاون مع مدينة بوسان الكبرى، وبوسان تكنو بارك، مشروعًا تجريبيًّا باستخدام تكنولوجيا الطائرات بدون طيار لتطوير الزراعة في تونس، بما في ذلك من جمع البيانات والتحليل، ورصد المناطق المرويّة، وطبقات المياه الجوفية، وتأثيرات تغيّر المُناخ، وتدهور الأراضي، والتنوع البيولوجي، وملء السدود وتراكم الطمي، والإنتاج الزراعي الإجمالي، والذي تم إطلاقه في يوليو 2018، بحفلٍ في تونس.

  • لماذا تتنافس القوى الدولية والإقليمية على أفريقيا؟

تتنافس القوى الدولية والإقليمية على القارة الأفريقية لأسباب عدّة يمكن إجمالها، في أهداف تُمَثِّل الركيزة للتنمية والاقتصاد يأتي أبرزها ضمان الموارد الطبيعية والمعادن الحيوية الهائلة التي تتمتع بها القارة واللازمة لقطاعات وصناعات متنوعة لهذه القوى، وهو ما يمكن تفهّمه بالنظر إلى أن القارة تحتوي على حوالي 85% من المنجنيز الموجود في العالم، و80% من البلاتين والكروم، و47% من الكوبالت، فضلاً عن رواسب هائلة من الليثيوم والفوسفات والنيكل. كما تُمَثل القارة الأفريقية سوقًا استهلاكيًا كبيرة، لا يُمكِن إغفالها، ما يفيد في تصدير ما تنتجه هذه القوى (الدولية والإقليمية) لهذه الأسواق. وهنالك أهداف سياسية تتصل برغبة بعض الفاعلين الدوليين والإقليميين المنخرطين بالقارة في ضمان الكتلة التصويتية الكبيرة التي تتمتع بها القارة، بما يعني الاستفادة من هذه الكتلة واستمالتها خلال إصدار القرارات الهامة بالمحافل الدولية، لاسيما الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها. كما حدث في تصويت بعض الدول الأفريقية لإدانة الممارسات الروسية تجاه أوكرانيا، في جلسة لمجلس الأمن، عُقِدَت في مارس 2022م، وبين 54 دولة أفريقية، لم يؤيد القرار حوالي 25 دولة، حيث امتنعت 17 دولة عن التصويت، فيما تغيّبت 8 دول عن التصويت. أما الهدف الأخير فيتمثل فيما تمثله القارة من بوابة لتعزيز تطلعات هذه القوى لتجسيد صورة الدولة المحورية صاحبة النفوذ والتأثير بدوائر عدة، لاسيما الجنوب العالمي.

  • ما المطلوب من دول القارة للاستفادة من التوجه الكوري الجنوبي نحو القارة؟

المطلوب -أو ما نأمله- ألا يُخطئ زعماء القارة مجددًا كما فعلوا مع فاعلين آخرين في مناسبات عدة سابقة، بالسماح لهم بالسطو على مقدرات القارة الطبيعية والمعدنية وغيرها دون اتفاقيات عادلة تضمن حقوق القارة الأفريقية، وتسمح بالمزيد من فرص التنمية الحقيقية دون الاعتماد على الهِبات الخارجية، التي هي في الأساس جزءًا بشكل أو آخر من ثروات ومزايا القارة. لذا على الدول الأفريقية بذل الجهود اللازمة لضمان أن هذه الشراكة مع الجانب الكوري ستعتمد بشكل أساسي على المنافع المتبادلة بين الطرفين، على قدم المساواة. ولا داع للقول بأنه يجب ألا تسمح الدول الأفريقية من جديد للتدخل في شؤونها لأنه يبدو مع اندلاع موجة الانقلابات العسكرية بغرب ووسط القارة، لاسيما منذ انقلاب مالي، أغسطس 2020م، أنها بالفعل استوعبت الدرس جيدًا، وهو ما تجسّد في العزوف اللافت مؤخرًا عن الشركاء التقليديين كفرنسا والولايات المتحدة، لما تمارسه هذه القوى من سياسات (مشروطيات) بات يراها جليًا أبناء القارة على أنها غير ملائمة، تمس السيادة الوطنية للدول الأفريقية، وتنهب ثرواتها، لذا ذهب الزعماء الأفارقة عوضًا عن ذلك لقوى أخرى معروف أنها لا تتدخل بالشؤون الداخلية لشركائها، كروسيا والصين، والآن كوريا الجنوبية.

  • هل هناك حاجة لتطوير آليات التعاون المؤسسي الإقليمية للاستفادة من الشراكات الدولية؟ وما تحديات ذلك؟

بالطبع هنالك ضرورة لتطوير آليات التعاون الأفريقية، وخصوصًا المنظمات الإقليمية الأفريقية، فبعضها تراجع لديه القدرة على تنفيذ القرارات (كما لاحظنا في إيكواس خلال انقلابات بعض دول الساحل الأفريقي)، لغياب وسائل التأثير على هذه الدول، أو لنقُل لرغبة الأخيرة في التمسك التام بسيادتها دون أي تفريط بجزء منها مقابل تحقيق مزيد من التكامل الأفريقي، عبر تمرير أدوات التمكين لهذه المنظمات بما يحقق السلم والأمن المنشودين، وهي الأهداف الإقليمية والدولية غير المختلف بشأنها، والتي تُمَهِّد لاحقًا لكافة أشكال الشراكات الدوليّة البناءّة. علاوة على ما ذُكِرَ أعلاه، في كثير من الأحيان لا يتم التنسيق جيدًا لما يتم اتخاذه من سياسات، بما يؤدي لتداخلها والتضارب بينها، ومن ثمّ تعطيل تحقيق الأهداف المشتركة، وإهدار الموارد. وتقف تحديّات عدة أمام قيام هذه الآليات بمهامها، كالاضطرابات التي تعصف بعدد كبير من بلدان القارة، من أزمات حدودية، حركات تمرد، تنامي المد الإرهابي وانتقاله من الشرق الأوسط لأفريقيا، وخاصة غرب القارة، الصراع على الموارد، كما أنه على صعيد تطوير آليات التعاون أو الاستفادة من الشراكات تقف البنية التحتية المتهالكة ضمن أبرز المسببات المعرقلة وهو ما تضعه القوى الكبرى ضمن أولوياتها خلال لمزيد من التسهيل لكافة أشكال التعاون بينها وبين بلدان القارة، أضف إلى ذلك أن بعض من البروتوكولات والاتفاقات التي يتم وضعها لحل المشكلات الأفريقية لا تعدو سوى أن تكون مجرد توصيات لا ترتقي إلى التنفيذ الحقيقي على أرض الواقع، كما أنه في كثير من الأحيان يتم تبني حلول لكنها لا تناسب ديناميات الواقع الأفريقي، لذا ننادي بأفرقة مقاربات الاستجابة لما تواجهه القارة من تحديات. ولمقارنة الوضع مع البلدان الأكثر تقدمًا، من حيث آليات التعاون والتكامل لديها، نجد أنه يختلف عن نظيره في أفريقيا، لأن هذه البلدان المتقدمة تتمتع بالاستقرار السياسي، ولديها اقتصادات متقدمة، فضلًا عن توافر مؤسسات وهياكل مستدامة تتمتع بالكفاءة والشفافية، وهو ما تفتقر إليه أفريقيا في كثير من الأحيان. وبعبارة أخرى، فإن بعض الأساسيات المطلوبة لتحقيق الاستفادة الأمثل من التعاون الجماعي في أفريقيا لاتزال غائبة.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى