تمهيد:
إذا كانت الكثير من الدراسات قد اختارت التطور في الناتج المحلي والتضخم كمتغيرات اساسية للحكم على مدى تحسن الاداء الاقتصادي الكلى. فانه يمكن القول ان هذه المؤشرات هى نتاج حزمة من السياسات الاقتصادية والتى تتفرع الى سياسات نقدية ومالية وتجارية. وعليه فان اى تحسن فى الاداء الاقتصادى ومؤشراته يعنى نجاحا فى وضع واداء تلك السياسات. اى ان العلاقة ما بين السياسات الاقتصادية وايجابية الاداء الاقتصادي الكلى امرا بديهيا، كما يسهل التدليل عليه. الا ان ما نسعى الي توضيحه هو تلك العلاقة الجديدة ما بين السياسات الاقتصادية المختلفة، من ناحية، والسياسات والاشتراطات والمعايير البيئية، من ناحية اخرى. فاذا كانت السياسات النقدية تسعى الى مكافحة التضخم وتحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي، وإذا كانت السياسات المالية تسعى الى رفع معدلات التوظف ومكافحة البطالة وتحقيق التوزيع الامثل للموارد فان السياسات البيئية تسعى ايضا الى التوزيع الامثل للموارد ومكافحة البطالة فضلا عن تحقيق اهداف مالية. وإذا كانت السياسات الاقتصادية عموما تسعى الى تحقيق التنمية الشاملة، فانه من خلال السياسات البيئية يمكن تحقيق التنمية الشاملة المستدامة.
اقرأ أيضا: قانون الحجاب الجديد في إيران قراءة للدكتور مصطفى عيد إبراهيم
لذا فاننا نتطرق تحليليا للعلاقة المتبادلة بين السياسات الاقتصادية المختلفة والسياسات البيئية. اى تاثير السياسات النقدية على البيئة وسياستها، والى أي مدى يؤثر سعر الصرف والفائدة ونسبة الاحتياطى والائتمان على البيئة وقوانينها. ايضا كيف تؤثر السياسات المالية من خلال النفقات والايرادات المختلفة على البيئة واشتراطاتها وسياساتها، والعكس. واخيرا العلاقة المتبادلة ما بين التجارة والبيئية.
أولا: البيئة بين السياسات والمعايير
– مفهوم السياسة البيئية:
لا يخرج مفهوم السياسة البيئية عن اية مفهوم لاية سياسة اخرى اللهم فى ارتباطها وتاثيرها على البيئة , كما انها ليست سياسة منفردة لا تؤثر او تتأثر بالسياسات الاخرى.
لذا فهي مجموعة من الوسائل والطرق والاجراءات التي تستخدمها او تسنها السلطات من اجل تنظيم علاقة الانسان بالبيئة، وهذه العلاقة تشمل كافة الانشطة والعمليات سواء المتعلقة بالانتاج اوالاستهلاك اوالتوزيع اوالمخلفات.
وتتم اى سياسة بيئية على مرحلتين:-
الأولى، هي إقرار المعايير اللازمة لتحقيق الجودة البيئية، أي اهداف يتم وضعها وينبغي الوصول اليها او تحقيقها.
الثانية، هو وضع نظام تشريعي يتضمن الوسائل والسبل التي تكرس لتحقيق المعايير البيئية ,,
والواقع ان اقرار المعايير هى القواعد الرئيسية التى تحاول الدولة تنفيذها من خلال ادوات معينة وهي تنبع من مصادر عديدة قد تكون دولية بحكم ان التلوت لا يحترم الحدود السياسية للدول , وقد تكون اقليمية او قومية وطنية , وهذه المعايير تعتمد او تختلف باختلاف المقدرة العلمية والتكنولوجية والوعي والإدراك تجاه المسالة البيئية , ومدى الاولوية التى تعطى لتلك المسالة في اهداف الخطة القومية. وايضا مدى تاثير الجمعيات الاهلية والمجتمع المدني وجمعيات أنصار البيئة وجماعات الضغط المختلفة بالدولة.
والسياسات البيئية فى مضمونها تنبع من مجموعة من المبررات والدوافع سواء للمحافظة على صحة الانسان كهدف اساسى , حيث ان حماية البيئة ليست هدفا فى حد ذاته , او لرفع مستوى الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للانسان, او قد يكون الهدف مالى فى شكل فرض ضريبة او لتفادى اية نفقات توجه للعلاج من امراض يكون سببها الاساسى هو التلوث. وعليه فان اى استراتيجية بيئية لابد وان تضع فى قمتها الاهداف المرجو تحقيقها.
وان تكون الاهداف وفق المفهوم الاقتصادى المعاصر هو ضرورة التعامل مع المسالة البيئية كقضية اقتصادية وليست اخلاقية وعليه محاولة تخفيض التلوث قدر الامكان وليس منعه-لاستحالة منعه – وضرورة التعامل معه بالادارة الرشيدة , ثم يتم وضع المعايير وفق هذه الاهداف , ويتم اختيار الاداة الانسب لتحقيق الاداة الانسب لتحقيق المعايير.
ويمكن توضيح ما سبق كما يلى :-
الأهداف المنشودة من وراء حماية البيئة
هدف حماية الانسان
هدف رفع مستوى المعيشة
هدف مالي
هدف سياسي وهدف دعائي
وضع المعايير
معايير محددة من اتفاقات دولية.
معايير تحددها الكفاءة التكنولوجي.
معايير تحددها القدرة الاقتصادية ومدى حاجاتها لرؤوس الأموال.
معايير تحددها جماعات الضغط وأنصار البيئة والوعي البيئي.
وضع الأدوات
أدوات اقتصادية
أدوات قانونية تنظيمية
أدوات تعليمية وإعلامية
انواع السياسات والتدابير البيئية
ليس هناك هدف يمكن تحقيقه بوسيلة واحدة , بل ان السياسة الناجحة هى ماتتمتع بالمرونة الكافية والتعدد فى الوسائل , الا ان هناك مجموعة من العوامل التى تحدد القدرة على اختيار وسيلة او مجموعة وسائل معينة , ومن هذه المحددات حجم التلوث الذي تواجه الدولة ومدى الاحساس بخطورته على كافة المستويات الشعبية والتنفيذية ودرجة النمو الاقتصادى والخطوات التى تم تحقيقها على سلم التنمية وايضا حجم الضغوط الخارجية ومدى ارتباط حركة الاستثمارات والمعونات بشروط بيئية معينة. ويمكن توضيح السياسات والتدابير البيئية المختلفة كما يلي: –
- تطوير السوق كاداة لسياسة حماية البيئة
والمقصود ان هناك اقتصاد يهيمن عليه اليات السوق ونظام الاسعار وقوى العرض والطلب , والمنافسة وكافة عناصر السوق الحر , وانه يمكن تطوير النظم القائمة بالفعل لكي تتمكن من استيعاب الاثار الخارجية وحتى تعكس التكلفة الحقيقية لعناصر الانتاج وذلك من خلال: –
– توسيع نطاق حقوق الملكية الخاصة.
ويمنح هذا الحق صاحبه حرية استعمال واستغلال والتصرف فيما هو مملوك له فى الحدود التى يرسمها القانون , كما ان هذا الحق يعد ركن اساسى فى نظام السوق حيث يسمح بالتعرف على صاحب الحق فى الاستفادة من المنافع الناجمة عن الشئ المملوك , ومن ثم ايضا المسئول عن المضار الناجمة عن نفس الشئ. فالوظيفة التخصيصية الرئيسية لحق الملكية هى فى الواقع استيعاب واسناد الاثار الخارجية النافعة او الضارة المترتبة على استخدام الموارد والاشياء. والحقيقة ان هذا يمثل مشكلة فى نظر بعض الاقتصاديين , حيث موارد لا تحكمها حقوق ملكية خاصة وبالتالى تكون غير محمية. فالملكية الجماعية تقود فى راى أنصار نظام السوق الى خراب جماعى محقق لذا فان الماء والهواء سيلعبان دور ” سلة النفايات ” العالمية. وان سبب الفجوة بين النفقة الخاصة والنفقة الاجتماعية تنجم من غياب الملكية الخاصة.
– التفاوض والمساومة بين الملوثين والمتضررين.
وصاحب هذه النظرية هو Coase حيث حاول ان يبرهن على ان ترك الاطراف المعنية تتفاوض فيما بينها لهو كفيل بان يحقق الوضع الامثل بدون تدخل من جانب الدولة ومن خلال اليات السوق وحدها , كما انه رفض الضريبة ويرى انها لاتحقق العدالة.
– سوق حقوق التلويث.
اقترح الاقتصادي الكندى DALES ان تقوم السلطات العامة بتحديد مقدما كمية التلوث المسموح به فى البيئة ثم قيامها لاحقا ببيع صكوك هى بمثابة حقوق تلويث بكميات معادلة لمقدار التلوث الذي اعتبرته مقبولا. ويملك كل من يحصل على هذه الصكوك الحق فى تلويث البيئة فى حدود ما يحوزه من صكوك ويتعين عليه فيما يتجاوز ذلك الامتناع عن تلويث البيئة وبذلك تنشأ بورصة للتلوث يتحدد فيها السعر عن طريق قوى العرض والطلب.
ويرى بعض الاقتصاديين فى مجرد تطوير اليات السوق التقليدية وسيلة كافية لاستيعاب كافة النفقات الخارجية والحفاظ على نوعية البيئة، ولكن يؤخذ علي أساليب تطوير السوق مايلى:-
-بالنسبة لتوسيع حقوق الملكية الخاصة نجد انه ليست كل الموارد البيئية تقبل التملك ملكية خاصة , كما ان النزاع القانونى حول الملكية وحقوقها مكلف ماديا ومهلك للوقت , كما قد يتعارض تعزيز حقوق الملكية الخاصة مع العدالة الاجتماعية.
-اما عن التفاوض والاغراء بالتعويض ,كما انه قد لايؤتى بنتائج مرجوة فضلا عن تطلبه لمحددات معينه فى المجتمع من حيث درجة الوعي والتعليم … الخ.
-واما عن صكوك التلوث , فقد يصعب على الدولة الرقابة المستمرة على كمية الصكوك التى يحوزها كل ملوث , كما انها وسيلة قد تسمح لاقلية من الملوثين بشراء الحق فى ايذاء الاغلبية.
- الأدوات الاقتصادية:
أما الأدوات الاقتصادية هي التي تؤثر على ميزانية الدولة , والتى قد يتم اللجوء اليها فى نظام اقتصادى قد يتمتع باليات السوق الحر بشكل كامل او بشكل جزئى , وقد يكون التطبيق لأداة واحدة او أكثر من اداة فى نفس الوقت, والحقيقة ان نظام الادوات الاقتصادية قد لا يوجه الى حماية البيئة بالدرجة الاولى , ولكنه يوجه الى تعظيم المنافع الاقتصادية , وبالتالى فانه من المتوقع الاستجابة لهذه الادوات أكثر من الاستجابة لاعتبارات حماية البيئة.
كما ان مدخل الادوات الاقتصادية يقوم بترجمة نظرية التكاليف الخارجية فى عملية صنع القرار وذلك عن طريق مبدأ الملوث يدفع , وهذا المبدا يقضى بان المنشاة المسئولة عن تولد الاثار الخارجية السلبية عليها ان تتحمل كل التكاليف.
وقد يساعد هذا النظام الى البحث والتطوير للتوصل الى حلول ذات كفاءة اقتصادية , كما ان هذا النظام يؤكد على مستويات مرتفعة من الجودة البيئية , وتعد حافز مستمر للمنشاة للحد من التلوث بالاضافة الى تطوير واستخدام تقنيات حديثة تقلل من التلوث فضلا عن ان تطبيق الادوات الاقتصادية لايحتاج الى اعباء ادارية معقدة او دقيقة. ولعل من اهم الادوات الاقتصادية التى يجب ان نتعرض لها ما يلي: –
الضرائب البيئية:-
وهي عبارة عن اعباء مالية تفرض على المدخلات اوالمخرجات والتى من شانها ان تولد اثار سيئة على البيئة بهدف احداث تغيرات فى انماط الاستخدام نتيجة تضمين نفقات التلوث ضمن نفقات الانتاج.
والضريبة البيئية مصدر من مصادر الايرادات التى تستخدم لتغطية النفقات والبرامج البيئية , ويرى البعض انها سهلة التطبيق والتحصيل وتتسم بالمرونة، وهي من الوسائل التى تعبر عن كفاءة النظام الاقتصادى وتطوره , وعلى الجانب الاخر نجد ان اسلوب الضرائب اسلوب غير مرغوب فيه سياسيا واجتماعيا وأحيانا اقتصاديا.
كما أن فرضها لا يعنى بالضرورة إحداث تغيرات في نمط الإنتاج , حيث قد يكون مقدار العبء الضريبى ضعيف بالنسبة لامكانيات المنشاة , ناهيك عن ان فكرة الضريبة البيئية ذاتها تثير الجدل حول طبيعتها؟ فالضريبة لا تخصص لإنفاق معين وهي من اهم خصائصها العمومية. وقديحتاج هذا الى تطوير الفكر الضريبى نفسه , وان يكون هذا بداية لظهور انواع من الضرائب المتخصصة التى تخدم مجالا بعينه , شريطة ان تكون هناك ضمانات تشريعية لتوجيها لهذا المجال. والواقع يشير الى انه في الآونة الاخيرة قد جرى العمل على التخفيف من قاعدة عدم التخصيص , حيث اخذت العديد من الضرائب “التخصيصية “او “التخصصية “فى الظهور ضمن إطار سياسة الدولة التدخلية ويستفيد من ناتجها هيئات ومؤسسات معينة ومحددة سلفا
ولقد سلم بهذا الفكر المالى الحديث ووجد فى الضريبة البيئية مساهمة اجبارية على الاشخاص او المشروعات التى تسبب اضرارا بيئية تستخدم حصيلتها فى تمويل جانب من الاعباء المترتبة على سياسة حماية البيئة وأطلق عليها الفقيه المالي الفرنسي Asmelek الاعباء شبه الضريبية. وعليه أصبح النظام الضريبي الحديث يشمل الضرائب التقليدية وامثال الضرائب والرسوم الضريبية وبصورة عامة كافة الاقتطاعات الاجبارية التى تقوم بها الدولة سواء كانت مقابل منفعة او خدمة او بدون وكان العالم الاقتصادى “بيجو”اول من اوضح ان الضريبة يمكن ان تشكل وسيلة لاستيعاب النفقات الخارجية وان تكون عند سعر مناسب باستيعاب اجمالى نفقة الاضرار الناجمة عن التلوث. اما عن السعر الامثل فانه يتحدد عند مستوى تعادل النفقة الحدية لتخفيض التلوث مع النفقة الحدية للأضرار البيئية. وكما سبق وذكرنا ان الاقتطاع الذي نطلق عليه تعبير ” الضريبة البيئية” قد لا يكون ضريبة بالمعنى الحرفى للمصطلح كما يحدده الفقه المالى لانه يشكل فى جزء هام منه مقابل الانتفاع بالموارد البيئية، كذلك فانه ليس رسما خالصا حيث ان مبلغ الاقتطاع يتجاوز مقابل التلوث –وهذه الزيادة تعد ضريبة. ليس هذا فقط , بل ان وعاء الضريبة على عكس الشائع لايتحدد بقيمة نقدية ولكن بوحدات مادية مثل حجم المخلفات او كمية الملوثات والاصل هو وجود علاقة واضحة بين الوعاء الضريبي والاذى الذي يصيب البيئة.
كما ان فكرة ” المقدرة التكليفية” التي تقوم عليها الضريبة وعدالتها قد يرى البعض انها لاتستوعب الظواهر الطبيعية والمحافظة على البيئة من الناحية الفنية. وان انعدام المقدرة التكليفية وطبيعة كل ممول والعمر والسن والحالة الاجتماعية وكل هذا ينتفي وجوده مع الظواهر الطبيعية , وقد يلحق اصحاب المقدرة التكليفية المنخفضة الضرر أكثر من اصحاب المقدرة المرتفعة مثل اصحاب الورش والصناعات الصغيرة بحكم ان هذه الورش والصناعات الصغيرة قد تؤدى الى حالة أكبر من التلوث .
الحوافز والدعم.
وهذا النوع من الادوات له أكثر من شكل لعل من اهمها: –
– المنـــــــــــــــــــح: وهي منح مادية او عينية وعادة ما تعطى لتشجيع البحث العلمى للتصدى للمشاكل التى تؤثر سلبا على البيئة لايجاد حلول لها , سواء بايجاد تقنية حديثة سليمة بيئيا او لحث المنتجين لإنتاج المنتجات الصديقة للبيئة.
– القروض الميسرة: وهي عبارة عن قروض تتميز بانها منخفضة سعر الفائدة مع طول فترة السماح وتوجه اساسا لشراء كافة المعدات والاجهزة التى تحافظ على البيئة.
– الحوافز الضريبية: وهي إما أن تقوم الحكومة بتخصيص مبالغ معينة لبعض الممولين فى شكل كوبونات تخصم عند استحقاق الضريبة عليها , وذلك نتيجة قيام الممول ببعض الانشطة الاقتصادية التى ادت الى الحفاظ على البيئة او حمايتها او تخفيض انتاج منتجات ضارة بالبيئة او ايجاد منتجات صديقة للبيئة بديلا عنها. واما ان تقوم الحكومة بتخفيض الضريبة المستحقة على الممول حين وجوب سدادها وذلك للوصول لنفس الاهداف السابقة.
– تخفيض الرسوم الجمركية: أي تخفيض الرسوم الجمركية على المعدات والاجهزة والمواد المستخدمة او اللازمة لمكافحة التلوث , او على السلع البديلة الصديقة للبيئة.
- سياسة نظم الضمانات (التامين) على المواد التى يعاد استخدامها او التى يعاد تدويرها.
وهي عبارة عن تامين يفرض على بعض المواد , لكى يتمكن من اعادة استخدامها مرة اخرى , وعدم طرحها في البيئة. وبالطبع هناك علاقة طردية بين مبلغ الضمان ومعدلات استعادة المواد.
سندات الأداء البيئي.
حيث يقوم المستفيد او المتعامل بتقديم سندات يلتزم بموجبها بمبلغ معين , يغطى التكلفة اللازمة لاعادة تاهيل الموقع او المنطقة التى تم فيها العمل , وفى حالة ايفاء المتعاملون بالتزاماتهم تجاه البيئة واعادة تاهيل الموقع كما كان , فان هذه السندات ترجع إليهم، وان كان من الممكن الاحتفاظ بجزء من هذه السندات لضمان علاج المشاكل او التاثيرات السلبية التى تظهر بعد فترة.
والواقع انه قد يصعب تحديد التكلفة اللازمة لاعادة تاهيل الموقع او المنطقة , كما قد يندر وجود المنشات المالية القادرة على اصدار هذا النوع من السندات.
رسوم الاستخدام.
هي رسوم تدفع مقابل استخدام او الاستفادة من بعض المناطق او المعالم البيئية مثل رسوم زيارة المحميات الطبيعية, او مقابل الصيد لضمان استمرار التنوع البيولوجى وحمايته.
التاميـــــــــــن.
فرض مبالغ مالية كبيرة على الانشطة ذات الاحتمالية الكبيرة فى احداث اضرار كبيرة على البيئة , مثل ناقلات البترول , وهو مايعنى ان القائمين على هذه الانشطة يقومون بشراء وثائق تامين بمبلغ يكفي لإصلاح الضرر المتوقع حدوثه.
رسـوم التلوث.
هي رسوم تدفعها الوحدات الصناعية مقابل كل وحدة من وحدات الانبعاثات الملوثة , اى ان الوحدة الصناعية تتحمل رسوم تدفعها مقابل المخرجات الثانوية المصاحبة لمخرجاتها الاساسية , وبالتالى فان ذلك يمثل زيادة فى التكاليف الصناعية للمنتج , الامر الذى يحث المنتجين للتقليل من الانبعاثات لتخفيض تكلفة المنتج, ويجب ملاحظة ان هذه الرسوم ليس الغرض منها هو زيادة الموارد المالية , ولكن يجب ان تصمم بطريقة تدفع المنتجين لمعالجة هذه الانبعاثات او تدفعهم الى تغيير انماط صناعاتهم وذلك بتحديد قيمة هذه الرسوم بمستويات تفوق تكاليف المعالجة.
الأسعار التصاعدية.
عبارة عن فرض او تحديد اسعار تصاعدية للمستويات المختلفة من استهلاك المادة او السلعة او المورد , بهدف ترشيد الاستهلاك والحفاظ على الموارد , كتحديد اسعار متزايدة لكل مستوى معين من استهلاك الكهرباء او المياه. وهنا يجب مراعاة محدودى الدخل , والتصنيف العلمى لكل مستوى استهلاك , والمرونة فى تحديد المستوى الاستهلاكى وضرورة مراجعته كل فترة زمنية.
تصاريح التلوث القابلة للتداول.
قيام الجهة المسؤولة على تنفيذ السياسات البيئية بتحديد المقدار الكلى المسموح به من التلوث بنوع معين من الملوثات وفى منطقة معينة ومعرفة التاثيرات الصحية لكل نوع من انواع التلوث. ثم اصدار تصاريح يسمح فيها بمقدار معين من التلوث فى منطقة ما , وتسلم تلك التصاريح اما بالبيع او بمنحها مجانا. بعدها يكون للمنشاة الحق فى التلوث في حدود ما حصلت عليه من تصاريح.
ويتوقف هذا الاسلوب على الكفاءة الفنية والادارية وتحديد مستويات التلوث الغير ضارة , وايضا عدم وجود اية محسوبيات او ضغط من الشركات الكبرى. اما فى حالة طرح التصاريح فى مزايدة فقد تلجا جمعيات حماية البيئة الى شرائها وعليه منع العملية الانتاجية تماما.
- التنظيم كاداة لحماية البيئة:
التنظيم هو الإطار القانوني واللائحى وهو من أكثر ادوات حماية البيئة استخداما. الا ان نجاح هذا الاسلوب يفترض ان تحوز السلطة المختصة معلومات كافية عن الانشطة المولدة للتلوث، كى يتسنى تحديد ومن ثم فرض المعيار المحدد للتلوث المسموح به واسلوب الرقابة.
ورغم انه اسلوب يعتمد على التنظيم اللائحى والإداري والتحكم والمراقبة، الا انه ينعكس على الحياة الاقتصادية. فتقرير معيار يحدد نسبة ثانى اكسيد الكربون التى يبثها مصنعا ما فى الجو يعنى فرض نفقة على الانشطة الاقتصادية التى تؤدى الى هذا , وهذه النفقة تاخذ شكل اقامة تجهيزات مضادة للتلوث او تخفيض النشاط والكف عنه وبالتالى يؤثر على اعادة تخصيص الموارد الاقتصادية.
اما عن انواع هذه المعايير, فوفقا لتعريف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية , فهى اما معيار الاصدار حيث تلزم المنشاة بالا تلقى فى الوسط البيئى المحيط بها ما يتجاوز كمية محدده من العناصر الملوثة مقاسة بوحدة زمنية او بوحجة انتاجية. وهناك معيار الطريقة , حيث يتم إلزام منشاة معينة بالاخذ ببعض الشروط المتعلقة بطرق تخفيض ما يصدر عنها من مواد ملوثة سواء على مستوى طرق الانتاج او تجهيزات تنقية التلوث. ومعيار المنتج , حيث يحدد الخصائص التى يجب ان تكون عليها المنتجات التى قد تؤذى البيئة سواء عند الاستعمال او كمخلفات مثل فرض خصائص فنية يلزم توافرها فى السيارات. ومعيار النوعية او النتيجة، حيث يتم تحديد الخصائص التى ينبغى ان تكون عليها الاوساط البيئية المتلقية (هواء-ماء-تربة) تاركا للمنشاة حرية اختيار الطريقة التى تضمن احترام هذه الخصائص دون تدخل من الدولة.
اما عن مراحل التنظيم, فيبدأ بتفهم ودراسة المشاكل البيئية , ثم التخطيط لعلاج تلك المشاكل واعداد التشريعات وفرض المعايير البيئية , ثم فى مرحلة لاحقة يتم منح التراخيص للمنشات فى ضوء المعايير السابق تقريرها. ثم تستمر الرقابة بعد ذلك تليها فرض العقاب على المنتهك. والواقع ان ادوات التحكم والمراقبة هي من ادوات التدخل الحكومى فى سياسة حماية البيئة. ويحدث ذلك غالبا فى حالة غياب حقوق الملكية الخاصة فيما يتعلق بوجود بيئة نظيفة. فيرى بعض المحللين انه عندما تغيب القواعد القانونية التى تحدد للافراد وللمشروعات على السواء مايجوز لهم فعله ومالايجوز , فان ذلك من شانه ان يزيد من حجم تلوث البيئة مما يدفع الحكومة الى التدخل بادوات التحكم والسيطرة لاجبار الافراد على اتباع سياسة صديقة للبيئة عند التصرف فى ممتلكاتهم. ايضا من الاسباب التى تدفع الدولة الى تبنى سياسة معيارية هو وجود خطر جسيم سوف يترتب على التلوث لو لم يتم وضع هذه المعايير , كما ان هناك بعض الموارد والنباتات والحيوانات لايمكن حمايتها من التلوث الا من خلال وضع القواعد والمعايير البيئية.
وهذا الأسلوب له العديد من المحددات التى بدونها قد لايكتب له النجاح , مثل ضرورة حصر المنشات والجماعات المستهدفة وفقا لخصائصها الاقتصادية والفنية, وتحديد اولويات التحرك واختيار الادوات القادرة على وضع التنظيم موضع التنفيذ وتشجيع المواطنين والتعاون التشاور الحقيقى مع المنشآت المسببة للتلوث ونشر المعلومات.
اما عن مزاياه فيرى البعض توافر العدالة والموضوعية التي تطبق على كافة المشروعات التى تتوافر فيها الشروط المطلوبة لتطبيق تلك المعايير. الا انها قد تفتقد الى المرونة الكافية مما يقيد اصحاب هذه النشاطات في اختيار أفضل الاساليب الممكنة لعملية الانتاج , كما يؤثر على نفقات المشروع الامر الذي قد يدفع المستثمرين الى تحويل استثماراتهم من هذا المجال الى مجال اخر أخف قيدا. ايضا وحدة المعاملة بالنسبة لكافة المشروعات قد تكون عيبا. فرغم ملاءمتها لعدد من المشروعات , الا انه لا يمكن تطبيقها على كافة المشروعات حيث ان بعض هذه المشروعات قد يحتاج الى معاملة مغايرة من حيث طبيعة النشاط وطبيعة وحجم المعايير البيئية التى ينبغى توافراها فى منتجات هذا المشروع.
- الادوات الاتفاقية والإرادية:
وهي وسيلة من وسائل حماية البيئة بطرق اتفاقية وارادية بين الاطراف المعنية. وهذه الاستراتيجية تاخذ صور عديدة منها المفاوضات والاتفاقيات على المستوى المحلى , والتعاون على المستوى الدولى.
فالمفاوضات الثنائية تقوم على اساس وجود تفاهم بين الشخص او المنشاة التى تتسبب فى احداث التلوث وبين المتضرر من هذا التلوث. ويمكن اللجوء الى هذه الوسيلة عندما تكون حقوق الملكية واضحة بما فيه الكفاية.
وفى توضيح ل Coase ذكر الى انه في ظل وضوح حقوق الملكية الخاصة فان هناك توزيع أمثل للدخل سوف يتحقق بغض النظر عن من يحوز حقوق هذه الملكية.
كما يمكن ايضا ان تعقد بعض المشروعات الصناعية اتفاقات مع الحكومة بموجبه تتعهد المشروعات او الشركات بان تقوم باتخاذ الاجراءات الكفيلة بحماية البيئة من التلوث عند قيامها بعملية الانتاج. وهو مايسمى بالتشريع الذاتى.
ولكن هذا النوع لا يتم بمحض ارادة المشروعات وانما بإيحاء من الدولة. حيث تقوم الدولة بوضع الإطار التنظيمي والاهداف الاساسية البيئية ثم تقوم المنشات باختيار الاجراءات والوسائل التى يمكن من خلالها تحقيق هذه السياسة دونما تاثير كبير على مشروعاتها الانتاجية. وهذا الاسلوب يواجه العديد من المشكلات منها الاختلاف فيما بين المنتجين من حيث طبيعة واختلاف نوعية النشاط او الانتاج مما يتطلب تباين فى النصوص والالتزامات المطبقة على كل منتج. ولاننسى دور المنافسة وحجم الشركات ووجود شركات عملاقة من عدمه. ناهيك عن ان المستهلكين أنفسهم قد لا يقبلون المنتجات الجديدة التي تستخدم فى انتاجها موارد ومواد صديقة للبيئة مما يؤثر على ارباح المنتجين وبالتالى يؤثر فى التزاماتهم المنصوص عليها فى الاتفاقية. ايضا قد لاتتوافر البدائل الجيدة لمواد الانتاج وعليه يمثل عقبة في طريق تطبيق الاتفاقية.
ونجد ايضا فى الاساليب الاتفاقية والارادية, بعدا لايمكن تجاهله وهو البعد الدولي. حيث ان التلوث لايحترم الحدود السياسية للدول , فضلا عن انه يحتاج الى جهود دولية متكاتفة ومتعاونة للحد منه. حيث مايحث فى الشرق الادنى يمكن بسهولة ان يؤثر على الشرق الاقصى خاصة مع السهولة الفائقة فى النقل والشحن, ولهذا كان هناك العديد من المؤتمرات الدولية بدءا بستكهولم مرورا بريودى جانيرو وجوهانزبرج والقاهرة للسكان وغيرها. وتبنت المنظمات الدولية نهجا اقتصاديا ذو ابعاد بيئية مما يؤثر فى تصنيف الدول وكيفية التعامل معها واسلوب المنح والمساعدات.
الا انه وعلى الرغم من اهمية التعاون والتنسيق الدولي والذي يتم بالفعل , الا ان فعالية هذه الاتفاقيات يراها البعض انها لاتتم على المستوى المطلوب لانه لايوجد مايجبر بعض الدول على الانضمام لمثل هذه الاتفاقيات , وصعوبة المراقبة فى تنفيذ نصوص الاتفاقية والواقع ان هذه تعد مشكلة فى القانون الدولى العام وكافة فروعه ومنها القانون الدولى للبيئة والتى تعد الاتفاقيات ركن هام فى مكوناته. بل ان تطبيق الاتفاقيات او عدم تطبيقها قد يظل رهين ارادة بعض الدول الكبرى ومدى ملائمة التطبيق لمصالحها الذاتية.
ايضا تظل قدرة الدولة على تنفيذ بنود لبعض من هذه الاتفاقيات رهين المقدرة المالية والتكنولوجية ولهذا لابد من دور ايجابى للدول الصناعية الكبرى لمساعدة تلك الدول ماليا وفنيا حتى تتمكن من تطبيق المعايير البيئية المطلوبة للحفاظ على الغلاف الحيوى الذي نحيا جميعا فيه.
السياسات البيئية والسياسات النقدية
تــؤدى السياسة النقدية دورا هاما فى تحسين مستوى كفاءة الاقتصاد القومى , حيث ان استقرار هذه السياسة يعد أحد العوامل الرئيسية لتنشيط الاقتصاد.
وتحاول السياسة النقدية تحقيق استقرار الاسعار من خلال التوازن بين اجمالى السيولة المحلية وبين ما يعرضه الجهاز الانتاجى , نظرا لان زيادة السيولة المحلية عن المقدار المناسب تؤدى الى ارتفاع الاسعار , وقد يؤدى هذا الى ضرورة اللجوء الى تغيير سعر الصرف بالانخفاض او الى رفع سعر الفائدة.
والواقع ان اى تحسن فى الاداء الاقتصادى الكلى مقاسا بانخفاض التقلبات فى الناتج والتضخم معا يمكن ان يشيرالى تحسن فى السياسات التى ساهمت فى تحسن الاداء , وهو الامر الذي تبنته بعض الدراسات الحديثه والتى عملت على قياس كفاءة السياسة النقدية كواحدة من السياسات التى يستطيع بها المخطط الاقتصادى التحكم فى معدلات الاداء الاقتصادى بما تتضمنه من ادوات مؤثره إذا ما استخدمت فى توقيت ملائم لتحقيق الاهداف المرجوه.
السياسات المالية والسياسات البيئية
الواقع يثبت انه ليس هناك عملية تثير الانتباه أكثر من العملية المالية، فطبيعتها تفرض نفسها على واقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , فالاعتمادات التي ترصدها الدولة لشق الطرق او لانشاء كوبري او لبناء المدارس والمستشفيات وتشييد المصانع. وكل ذلك من المشروعات والامور التى يتطلع اليها افراد المجتمع وينشدون فيها اشباع حاجاتهم ورغباتهم. وكذلك المطالبة بزيادة الاجور والمرتبات ,والشعور بمدى ثقل العبء الضريبي على الافراد.
وهكذا فان جوانب النشاط المالى من الامور التى تمس الفرد عن قرب , وتحيط به فى حياته اليومية وتؤثر فى اوضاع المجتمع الذي يحيط به , وفى العلاقة التى تربطه بالبلد الذي يعيش فيه. ومن ثم فان هذه الجوانب تعكس وبجلاء الصورة الحقيقية لمدى قيام الدولة بدورها فى خدمة الافراد, او لمدى قيام هؤلاء الافراد بالالتزام في العبء العام للدولة التى ينتمون اليها.
وتغطى دراسة المالية العامة والسياسات المالية كل ما يتصل بالنفقات العامة للدولة وايراداتها وميزانياتها. وقد شهد علم المالية العامة تطورا ملحوظا ليعكس بوضوح التحولات الاجتماعية والسياسية التى حدثت فى عصرنا الحالى , فضلا عن انفتاح هذا العلم على علوم اخرى بحيث يمكن القول انه أصبح بمثابة نقطة الالتقاء التى نجد عندها تلك العلوم والفروع , سواء من خلال موضوعاته وقواعده أو من خلال تاثيراتها على جوانب البحث بشكل ظاهر. وإمتدت هذه العلاقة لترتبط بعلم الاجتماع وعلم النفس والاحصاء والقانون الدولى والاقتصاد وأخيرا ارتباط السياسات المالية من خلال التأثير والتاثر بعلم الاقتصاد الاجتماعى أو الاقتصاد البيئى اى على البيئة وسياساتها.
ولعل من أهم الارتباطات والعلاقات التى ينبغى دراستها فى هذا المضمار هو دراسة الاهداف العامة للسياسة المالية ، ثم علاقة السياسات المالية بالنقدية، واخيرا علاقة السياسات المالية بالسياسات البيئية.
الأهداف العامة للسياسة المالية .
الحقيقة ان السياسات المالية والنقدية ترتبطان الى حد كبير , ويكمل بعضهم بعضا فاذا كانت السياسة النقدية تلعب دورا محوريا فى تحقيق اهداف السياسة الاقتصادية بحيث توصف بانها سلسلة من الاجراءات والوسائل التى تتخذها السلطات النقدية متمثلة فى البنك المركزى بهدف الرقابة على الائتمان والتاثير فيه سواء من حيث القدر المتاح منه وتكلفته وشروط منحه. وتدور اهداف هذه السياسة حول استقرار قيمة النقد او مكافحة عوامل التضخم لتحقيق سياسات تنموية متوازنة. اى ان وظيفة هذه السياسة يكمن فى تحقيق الاستقرار النقدى ومكافحة التضخم من اجل تحقيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وتتعدد اهداف السياسات النقدية ويتسع نطاقها مما يمثل مشكلة جوهرية غالبا ما تواجه السلطات نتيجة صعوبة تحديد الخط الفاصل بين اهداف هذه السياسة ووسائل تحقيقها.
وفى ظل تزاحم الاهداف مع الوسائل , ونظرا لا عتبار السياسة النقدية أحد مكونات السياسة الاقتصادية لذلك فإنها تشترك مع السياسات المالية فى تحقيق الاهداف العامة المتمثلة فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى وارتفاع معدلات التوظف واستقرار الاسعار وسعر الصرف وتحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي.
أما السياسات المالية فتهدف بدورها الى تقليل التفاوت في توزيع الدخل والى التخصيص الامثل للموارد وتحقيق الاستقرار الاقتصادى والحد من التضخم والبطالة. والمشكلة ان هذه الاهداف لا تكون متوافقة بطبيعتها حيث ان تحقيق احداها قد يكون سببا فى الاخفاق لتحقيق الاهداف الاخرى. وهنا تثور مشكلة تحديد الاولويات التى تحتلها كل من هذه الاهداف مع عدم التضحية ببعضها حتى لا يحدث اختلالا اقتصاديا. فقد تعطى الاولوية لتلبية حاجات الانفاق , وقد يتعارض امر تحقيق العدالة فى توزيع الدخل مع تحقيق معدلات نمو عالية فى المدى البعيد , الامر الذى يحتم على السياسة المالية صياغة نموذج متكامل ياخذ فى اعتباره الحجم الكلى للموازنة العامة والتغيرات التى تطرا عليها وفقا للظروف السياسية والاقتصادية .ونظرا لمواكبة السياسات المالية للتطورات الاقتصادية التى انصب اهتمامها مؤخرا على آليات تخفيض العجز فى الموازنة من خلال تحديد سقفا فى عجز الموازنة , فقد تحولت هذه السياسة من اسلوب التمويل بالعجز الى اسلوب تكييف الموازنة لخدمة الاهداف الاقتصادية الكلية .
ومن أوجه التعارض في تحقيق أهداف السياسة المالية , نجد انه عند تمويل العجز الحكومى , قد تلجأ الاوساط المالية الى الاقتراض قصير او متوسط الاجل لتغطية الانفاق الجارى دون الاخذ فى الاعتبار ظروف الركود والنمو البطء والذي يتطلب ضرورة التركيز على الاقتراض للانفاق الاستثمارى وتحريك الطلب العام ودعم المسيرة التنموية وخلق المزيد من فرص العمل. وعندئذ لا تتناسب اولويات السياسة المالية مع متطلبات التنمية طويلة الاجل. ونجد التعارض يمتد الى السياسة النقدية ايضا خاصة مع تعزيز نزعة الاجهزة النقدية تجاه الاستقلالية وغياب التنسيق بين الاسواق النقدية والمالية.
اما عن اهمية السياسة المالية , فهناك ميل بان السياسة المالية أكثر فاعلية من السياسة النقدية، حيث ان السياسة المالية بادواتها المختلفة من نفقات عامة وضرائب ورسوم وقروض والمعبر عنها فى شكل الموازنة العامة , قد تكون اهدافها منتجة او مستهلكة او موزعة. ومن وجهة النظر المالية فان السياسات المالية تسعى الى تحقيق أكبر حصيلة ممكنة , ومن وجهة النظر الاجتماعية فانها تسعى الى تحقيق العدالة الاقتصادية وتوزيع أمثل للموارد , ومن وجهة النظر الاقتصادية العامة فان لها اثارا على الاقتصاد القومى والتوظف والاستهلاك والادخار والاستثمار. من خلال الاهتمام بركائز التنمية من خلال تاثير السياسات المالية على الانتاج واستغلال الموارد , وتحقيق الاستثمار , وتحقيق التوظف الكامل. ومن هذا يتضح ان السياسات المالية لها تاثير على البيئة وعملية التنمية المستدامة , سواء على نحو غير مباشر , او على نحو مباشر.
التأثيرات الغير مباشرة للسياسات المالية على البيئة وسياستها.
البيئة بالمفهوم الواسع تشمل العدالة والحكم الرشيد والتوزيع الامثل للموارد والتوظف والحفاظ على الموارد ورفع كفاءة الطاقة البشرية, ولذلك فان الارتقاء بعناصر التنمية الاقتصادية والاجتماعية له تاثيرات بيئية كبيرة تتعلق بالتاثير على كمية الموارد الطبيعية , والمستوى الصحي والتعليمي , ورفع مستوى الدخل ومكافحة الفقر. وباختصار فان السياسات المالية تعطى الفرصة للاختيار وتخفيف الضغط على البيئة مما يؤدى الى تحاشى التدهور البيئي.
ويمكن توضيح تلك التاثيرات من خلال توضيح تأثير السياسات المالية على: لموارد الطبيعية – الانتاج – التوظف …..,,,,, وذلك كما يلى :-
دور السياسة المالية فى استغلال الموارد الطبيعية: الموارد الطبيعية هي هبات الطبيعة التى لم يوجدها عمل انسانى مثل الارض والمناجم والغابات ومساقط المياه والبترول والغاز الطبيعي. فالاستثمارات فيها ذو عائد كبير وينطوى استغلالها تحت مفهوم تعبئة الفائض ولكنها تتعدى ذلك من الناحية الاقتصادية والاجتماعية , واستغلالها يساعد فى عملية التنمية وتهيئة ركائزها. اما عدم الاستغلال الامثل لها فيرجع لطبيعة الملكية والتقنية المستخدمة وسوء التنظيم وضعف الاستثمار. فهذه الموارد هى التى تمكن الانسان من انتاج سلع وخدمات لسد حاجاته. ويمكن للسياسة المالية ان تساهم بدور كبير فى تشجيع استغلال الموارد الطبيعية وتشجيع المشروعات والافراد على الاستثمار فيها , فعن طريق السياسة الضريبية يمكن تشجيع استغلال الموارد الطبيعية عن طريق الاعفاءات *سواء بالتخفيض او التدريج. كما يمكن للسياسات المالية ان تمد مساهمتها فى استغلال الطبيعة عن طريق سياسة الانفاق العام من خلال تقديم اعانات مخصصة للاستثمار فى مجال الموارد الطبيعية وخلق فرص عمل جديدة واضافة موارد للاقتصاد لم تكن مستغلة من قبل. كذلك يمكن استخدام سياسة القروض لتشجع الاستثمار في هذه المجالات بفوائد مميزة وعلى فترات طويلة , وكذلك المساعدة فى ادخال التقنية الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة فى هذا المجال عن طريق اعفاء المعدات والآلات او منحها اعانات قروض.
دور السياسة المالية فى زيادة الإنتاج: السياسة المالية يجب ان تكون من الحكمة لكي تشجع العملية الانتاجية , والا تدمر الشجرة لتحصل على الثمرة. ومن ثم فان أفضل نظام هو الذي يعطى أفضل الاثار الاقتصادية او اقلها سوءا. فالضرائب يمكن ان تؤثر على العمل والادخار , فهى يمكن ان تقلل قدرة الفرد على العمل إذا غابت العدالة، كما انها تثقل كاهل الفقراء واصحاب الدخول الصغيرة. كما لابد وان يراعى مرونة السلع عامة والسلع الاستهلاكية خاصة , اما الضرائب التى تصيب الادخار فهى تراعى اصحاب الدخول الكبيرة حيث ان اصحاب الدخول الصغيرة في الغالب لا يدخرون. وهنا يثور تساؤل, هل تدفع بعض الضرائب الافراد لمزيد من العمل لتعويض العبء الضريبى وللمحافظة على مواردهم , وبشكل عام , فان الضرائب تقلل من رغبة الناس في العمل والادخار.
اما تاثيرها على الرغبة فى العمل والادخار فيعتمد على طبيعة الضريبة وردود فعل الفرد تجاه الضرائب والذي يتوقف بدرجة كبيرة على مدى مرونة طلبه على الدخل والمجهود الذي يبذله لكي يحصل عليه , وهنا نجد مشكلة اخرى وهى اكتشاف كيفية اختلاف مرونة الطلب على الدخل وفقا لطبقات الناس المختلفة. وهناك ضرائب ليس لها اى تاثير على الرغبة فى العمل والادخار مثل الضرائب على الكسب المفاجئ لعدم توقعها , وهناك الضريبة على المحتكر التى لا تؤثر على تغيير انتاجه او سعر بيعه بل يعمل أكثر.
وقد تؤدى الضريبة بشكل عام الى اثار انكماشية , وإذا لم تصحح النفقات العامة هذه الاثار فان رد الفعل فى الانتاج سيكون فى اتجاه الانكماش خاصة وان الضريبة تقلل من الميل لبذل المزيد من الجهد الإنتاجي. لذا نجد ان هناك اثارا للانفاق العام على القدرة على العمل والادخار, حيث انه يزيد من القدرة على العمل والادخار بزيادة المنح النقدية مثل المعاشات والاعانات العائلية والخدمات التعليمية والطبية والاسكان مما يمكن ايضا من زيادة القدرة على الادخار. كما ان الانفاق العام يزيد من توقع المزايا المرتقبة والمتوقعة من هذا الانفاق , مثل ما يمكن ان يدفع فى حالة المرض او البطالة الاجبارية.
كما يساعد الانفاق العام على تحويل الموارد الاقتصادية بين الاستخدامات والمواقع المختلفة , وهي تحدث اما عن طريق تقديم الاعانات للمشروعات الخاصة او القيام بمشروعات عامة تهدف لزيادة الانتاج. كما ان التحولات يمكن ان تزيد الانتاج فى بعض السلع الاستهلاكية الخاصة والخدمات , او تحويل للموارد من الاستعداد الحاضر للمستقبل لبناء قوة انتاجية مستقبلية
والواقع ان اشكال الانفاق العام مرغوبة من الناحية الاجتماعية لانها تزيد من الطاقة الانتاجية حيث انها قد تعنى تسديد الدين مما قد يؤدى الى استثمار تلك الاموال المسددة من جديد , وقد تعنى مشروعات لتطوير السكك الحديدية والرى والزراعة وزيادة المعرفة بتشجيع البحث العلمى والاختراع والتعليم والتدريب لخلق كوادر فنية والاهتمام بالصحة العامة. ولكن لا يمكن تصور إنفاق دون حد , وهنا يثور تساؤل حول ما إذا كان الهدف يتحقق بشكل أفضل عن طريق تقديم الدعم او بتغييرات في الضرائب.
وقد تؤدى سياسة الانفاق فى سلع وخدمات معينة الى انخفاض الاسعار مما يولد ضغوطا على الطلب , كما لا ينبغى ان يتم تشجيع نمو راس المال المادى على حساب راس المال البشرى او المعرفة لانه سوف يميل الى تقليل الانتاج لا الى زيادته. وعموما فان الانفاق العام قد يوجه الى اعادة دفع الدين العام الذي ليس له اصول عامة. او يوجه لشراء راس مال حقيقى , او لخلق سلع انتاجية جديدة.
دور السياسات المالية فى تحقيق التوظف الكامل: التوظف الكامل هو أحد المطالب الاساسية للتنمية الاقتصادية وركيزة اساسية لنجاحها ومحور ادائها.
لكن تحقيق التوظف الكامل قد يتصارع مع تحقيق اهداف اخرى مثل ضبط التضخم. والحقيقة ان هناك صعوبات تكتنف هذا التعريف , كما ان النظرة للتوظف يجب ان تتعدى النظرة لعنصر العمل فقط ليشمل كافة الموارد الاقتصادية.
وعموما فان هناك ” فرضيين اساسيين ” لتتمكن الانظمة المالية الحكومية من الحفاظ على المستوى الكلى للإنتاج والتوظف.
الاولى: – يفترض ان الانشطة المالية الحكومية تستطيع ان تشجع الوحدات الاقتصادية على تغيير اجمالى انفاقها النقدى على السلع والخدمات.
الثانية: يفترض انه بفضل التاثير على الانفاق النقدى الكلى فانه يمكن المحافظة على الانتاج والتوظيف من الهبوط وللمحافظة على الأسعار.
ولكن يجب ان نعى ان الاختلاف فى معدل تراكم السلع الراسمالية يمكن ان يحدث تغيرات مصاحبة فى الطلب على الموارد, وقد لا يكون العمل المالى قادرا على موازنة تلك التباينات دون تشجيع البطالة او زيادة الاسعار.
وعموما فانه امام السياسة المالية طريقتان لعلاج الكساد (الازمة الحالية) :
الاول: تتمثل في زيادة الاستهلاك الخاص والانفاق المباشر على الاستثمار , بتخفيض الضرائب حتى يسمح بقوة شرائية أكبر للافراد.
الثانى: الزيادة المباشرة فى الانفاق الحكومى ذاته.
فتخفيض الضريبة فى اوقات الكساد يشجع على الانفاق. وان استعمالها سيزيد من اشتداد البطالة بتخفيض النفقات الاجمالية , والغرض العام لخفض الضرائب فى حالة الركود الاقتصادى الفعلى , هو ترك الاموال فى ايدى الافراد والمشروعات والتى يمكن ان ينفقوها , وقد يكون هذا أفضل للحكومة لا نخفاض قدرتها على توجيه الانفاق لقنوات خاصة. وبالتالي إذا نشأ في الاقتصاد قوى تدفع نحو الكساد فان تشجيع الاسواق يمكن ان يتم بواسطة خفض الضرائب , اما إذا كان التضخم متوقعا فيمكن محاربته بزيادة الضرائب. ولكن فعالية برامج الضريبة دائما ما تكون مرتبطة بالميل الحدى للاستهلاك ومرونة الطلب والبنيان الاقتصادي ومرونة الجهاز الإنتاجي.
كما انه لا يمكن النظر بشكل عام لعملية تخفيض الضريبة , فهناك تخفيض على الدخل , فنجد ان الاثر الانفاقى يختلف من اصحاب الدخول العليا والمتوسطة والمنخفضة. وهيكل الدخل , وحجم التهرب الضريبى , حتى نتوقع من التخفيض ان يؤتى ثماره من عدمه. وهناك تخفيض ضريبى على السلع حتى يشجع عملية الشراء والانفاق , ويعتمد هذا على طبيعة السلع التى تعرضت للتخفيض وحجم الانتاج منها حتى لا تؤدى زيادة الاستهلاك منها الى رفع مستوى الاسعار.
اى ان انخفاض الضريبة للحث على زيادة الانفاق والخروج من دائرة الكساد امر مرهون بعوامل اخرى كثيرة , كما انها ترتبط بالتدهور البيئى من ناحية اخرى , فقد يؤدى انخفاض الضريبة الى مزيد من الاستهلاك من موارد طبيعية , او من سلع ملوثة , او من سلع ذات نفايات اعلى. وهو ما يعنى ضرورة دراسة عملية التخفيض بناء على دراسات علمية دقيقة ومركزة وبناء على اهداف مسبقة.
أما زيادة النفقات الحكومية فيعنى زيادة الاموال المتاحة لشراء السلع والخدمات , كما ان الانفاق يساعد فى تشجيع الاستثمار الخاص لتوفير التوظيف الكامل. ويؤثر الانفاق الحكومى على السوق من خلال التاثير على المعروض النقدى ومستوى الانفاق الاستهلاكى , حيث يمكن زيادة دخول المستهلكين القابلة للانفاق ويستطيع فائض الميزانية ان يقلل من الدخول القابلة للإنفاق. او من خلال تغيير وتوزيع الدخل القابل للانفاق وتغيير تركيب المتحصلات والنفقات الحكومية.
والنفقات قد تكون ذو ميول تحويلية او تقوى مشتريات الحكومة. وإذا كانت النفقات ذات ميول تحويلية فان الاثر على الاسواق يعتمد على الميول النسبية للانفاق من جانب من يتم تحصيل النقود منهم ومن تدفع لهم. اما إذا كانت توجه للسلع والخدمات فان الاثر على الاسواق يكون مزدوجا , فالاسواق تقوى مباشرة نتيجة مشتريات الحكومة كما انها تتاثر نتيجة اعادة توزيع الدخل القابل للانفاق.
ونتيجة هذا ان نمط , ومستوى النفقات على السلع والخدمات يمكن ان يتغير نتيجة لاعادة توزيع الدخل , كما ان تحويل القوة الشرائية من اصحاب الدخول العالية لاصحاب الدخول المنخفضة قد يؤدى الى توسع فى اجمالى النفقات المالية على السلع والخدمات , اما إذا حدث العكس , فقد يؤدى هذا الى حدوث انكماش.
ويمكن للحكومة ان تعمل على زيادة الدخل القومى ومكافحة البطالة عن طريق زيادة انفاقها على مختلف الخدمات العامة كالصحة والتعليم والدفاع او زيادة استثماراتها فى تمهيد الطرق والرى والصرف والاستصلاح وبناء كافة المرافق. ويتخذ الانفاق عدة اشكال منها , الاعانات المباشرة وتتميز بانها أسرع وأكثر مرونة ويمكن توفيقها بسهولة ولا تنافس المقاولات الخاصة , ولكنها قد تؤدى الى فقد المهارات والرغبة فى العمل. وهناك اسلوب الاشغال العامة , وهو يخدم مهارات العمال وزيادة الولاء والانتماء وانتاج بعض المشروعات المفيدة بتكلفة منخفضة، وهي ما تسمى بالاستثمارات التعويضية , أي قيام الاقتصاد العام بأنشاء منشات عضوية ثابتة مثل المشروعات العامة والطرق. وان التوسع فى هذا النوع يزيد من التوظف لان الحكومة توسع دورها كمنتج وكصاحب عمل. ويلاحظ ان الاشغال العامة تحتاج لفترات طويلة يحتمل ان يكون فيها الكساد قد انتهى.
وعموما فان السياسات المالية وهي تهدف الى تحقيق حالة من التوظف ومواجهة البطالة , قد تسعى الى تحقيق نوعا من العدالة الاجتماعية من خلال تطبيق الضرائب التصاعدية والنفقات التحويلية , ومراعاة ان تتم سياسة التوزيع على المستوى القومى بدراسة واعية وعلمية حتى لا ينتقل الفقراء الى المناطق التى يحدث فيها كثير من اعادة التوزيع.
أما عن دور السياسات المالية فى تحقيق التنمية الاقتصادية.
النفقات العامة , نجد ان هناك ما يسمى بالنفقات الجماعية التى تئول الى المشروعات الانتاجية الخاصة او العامة والتى لا يمكن اعتبارها كمقابل او عوض اقتصادى لاموال او انشطة للمستفيدين منها.
وعموما فان أكثر نماذج الانفاق شيوعا فى تحقيق التنمية الاقتصادية ” الاعانات المباشرة” والتى تتخذ اشكال اعانات الانتاج , اعانات التصدير , اعانات رأسمالية بفائدة مخفضة.
فالنسبة لإعانات الانتاج تهدف الى تشجيع المشروعات على زيادة انتاجها , واعانات الانتاج المباشرة تعمل على تشجيع الانتاج الجديد , اما غير المباشرة فتعمل على مساعدة الانتاج القائم. وكلاهما يعمل على تيسير الحصول على عوامل الانتاج او على الاقل المحافظة على الانتاج القومى , حيث ان وظيفة الدولة هى الحث ودفع الموارد الانتاجية نحو الاكثر نفعا , وان يحكم تصرف الدولة مبدأ المنفعة الاجتماعية وليس مبدأ الربحية. والاثر المباشر للاعانات هو تغيير شروط تكوين الاسعار وتنظيم الانتاج وتكون ذو ميزة أكبر عندما تكون مخصصة للانتاج المفيد ذي العائد المتزايد. وعمليا تحقق فعاليتها إذا استخدمت كمحرض للإنتاج ذو المنفعة المباشرة والربحية طويلة الامد , وكذلك لحماية المشروعات الناشئة.
اما اعانات التصدير , فهى تمنح للمنتجين الوطنيين تبعا لصادراتهم , فهى لا تشجع الانتاج فقط، ولكن ايضا تشجع الصادرات وتتجه لتحسين ميزان المدفوعات , الا ان فائدتها قد تتجه للخارج وقد تؤدى الى ارتفاع الاثمان في الدول المصدرة. لان الصادرات تقلل عرض الاموال بالداخل , كما ان اعانة التصدير تعد نفقة حقيقية. كما ان هناك الاعانات الرأسمالية بفائدة مخفضة. اما عن أثر الاعانات على الموازنة العامة فقد تمثل عبء اضافى على الموازنة العامة وقد تؤدى الى حدوث خلل فى الاقتصاد القومى , لذا لابد من استخدام الاعانات فى ظل دراسة وخطة واستراتيجية عامة.
أما الضريبة , فتعد من وسائل التمويل المتاحة خاصة فى ضوء انخفاض الادخار الاختيارى وصعوبة تحقيق الادخار القهرى التضخمي , ويقرر أحد الاقتصاديين انه إذا كانت الضريبة غير قادرة على تمويل الاستثمارات الضرورية وتقليل عدم المساواة الاجتماعية فان سبب ذلك ليس هو ان المادة المفروضة عليها الضريبة تكون ضعيفة جدا , وانما سبب ذلك بصفة جوهرية هو ان الحكومات ليست لديها الارداة او السلطة لفرض جهد ضريبى جاد وتوجيه الضريبة نحو التنمية الاقتصادية.
وواقع الحال انه عندما يكون الاقتصاد ضعيفا فان الضريبة تكون ضعيفة ويمكن استخدام الضريبة فى تقييد او تخفيض الاستهلاك وفى تحويل الموارد من الاستهلاك للاستثمار , وتستخدم فى زيادة الحافز للادخار والاستثمار , وفى تحويل الموارد من ايدى الافراد الى يد الدولة لجعل الاستثمار ممكنا وفى تضييق الفوارق الاقتصادية وتحقيق قدر من العدالة.
كما يمكن الاخذ بالضريبة الجمركية بغرض تشجيع اقامة مصانع جديدة ونظام السماح المؤقت حيث يسمح باقامة صناعات موجهة نحو تمويل الاسواق الخارجية لسماحه بالاستيراد دون دفع ضرائب على الموارد الاولية والمنتجات نصف المصنوعة الضرورية اللازمة للتصنيع , اما عن نظام الاعفاءات فلابد وان يكون بحرص شديد حتى لا يتحمل نتيجتها الاقتصاد فى مجمله بما فيهم الفقراء.
ويتضح من هذا أن السياسات المالية بشقيها النفقات والضرائب (الايرادات) يمكنها ان تلعب دور مباشر فى جذب الاستثمارات ودور مباشر وغير مباشر فى الاهتمام بالبيئة وجوانبها المختلفة. فالاهتمام من خلال النفقات العامة بتشييد البنية الاساسية ورفع المستوى التعليمى والصحى يعد فى جوهره اهتماما بالنواحى البيئية ورفع مستوى الموارد البشرية وان لم يتم الاعلان عن هذا صراحة فى تصريحات المسئولين ومتخذى القرار. كما ان الدور الذي يمكن ان تلعبه الضريبة فى استغلال الموارد المختلفة والتحويل بين هذه الموارد يساهم ايضا فى الاهتمام بالبيئة , فضلا عن الاهتمام بجذب المزيد من الاستثمارات يتيح الفرصة للاستخدام الامثل للموارد ورفع مستوى الدخول مما يحد من الفقر – السبب الرئيسي في التدهور البيئي. ويمكن جذب المزيد من الاستثمارات عن طريق رفع مستوى الموارد البشرية وعن طريق المزايا الضريبية والجمركية , كأن يتقرر اعفاء كلى او جزئى من الضرائب الجمركية على بعض السلع والخدمات بمراحلها المختلفة أو لاقامة مشروعات نظيفة, أو عن طريق تقديم مزايا واعفاءات او تخفيضات او ارجاء الضريبة. او بعمل نظم خاصة تعطى امتيازات خاصة حسب اهمية المشروعات الاستثمارية.
ويجب ان يهدف النظام الضريبى عموما الى : اما عمل اجراءات من اجل خلق واعداد جيد لوحدات اقتصادية لتشجيع النمو بمنح اعفاءات مؤقته وهو الاسلوب الذى تتبناه الحكومات المصرية المتعاقبة , او ان تهدف الى اجراءات لتشجيع وخلق انشطة اقتصادية من خلال اعطاء اعفاءات وتشجيعات ضريبية مثل اعفاء الارباح الناشئة عن تشييد العقارات او لتشجيع التجارة الخارجية او لتنقية المياه, واخيرا قد تستهدف عمل اجراءات لتشجيع الادخار والاستثمار للعمل على تحديث الاجهزة والمعدات وتشجيع الادخار القهرى والغاء الازدواج الضريبى وعمل حوافز للاستثمار.
ومن هنا نجد ان للسياسات المالية دور كبير فى جذب الاستثمارات وفى اعطاء اللبنات الاولى للاهتمام بالبيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية والبشرية.
تأثير السياسات المالية المباشر على البيئة : لا يقف الأمر في تأثير السياسات المالية على البيئة عند حد النواحى غير المباشرة , والتى لا تقصد البيئة وسياساتها على نحو مباشر من خلال فرض ضريبة على سلعة معينة بهدف زيادة الموارد المالية , او بهدف الحد من عرضها فى الاسواق , او للتاثير على الاستهلاك . ولا يكون هناك قصد عند فرض هذه الضريبة للحد من اثارها البيئية كان تكون سلعة ملوثة او لانها ضارة بالصحة او لانها مستنزفة للموارد بشكل يفوق العائد منها. اما التاثيرات المباشرة فيقصد بها وجود النية المبيته فى ربط السياسات المالية بالبيئة وسياستها واشتراطاتها.
فنجد ان المشرع يلجأ الى الضريبة البيئية، وهي تختلف في فرضها واستخداماتها عن الضريبة العادية والمعتاده فى الفقه المالي الكلاسيكي. حيث ان الضريبة البيئية لا تعتمد على المقدرة التكليفية للممول ولكن على كمية التلوث , كما انها مخصصة فى استخداماتها في الاهتمام بالبيئة فقط.
ايضا نجد انه يمكن استخدام اسلوب الاعانات والدعم بما يتفق والاتفاقات الدولية , لمساندة المشروعات على التخلص من التلوث او بالحد من استنزاف او تلويث الموارد الطبيعية , وكذلك دعم الانشطة والمصانع التى تستخدم تكنولوجيا صديقة للبيئة والتى حصلت على شهادة دولية فى مجال الادارة البيئية.
كما يمكن استخدام الاعفاءات الضريبية على المعدات والالات وقطع الغيار والاسمدة والبذور وغيرها من مدخلات العمليات الانتاجية المختلفة التى من شانها عدم الاضرار بالبيئة وتخرج الحدود الدنيا من الاثار الثانوية على المجتمع الخارجي.
السياسات البيئية والسياسات التجارية
ونتعرض هنا بالدراسة والتحليل لسياسات التجارة الخارجية وعلاقتها الممكنة بالسياسات البيئية , وكذا لعملية الانتاج والاستهلاك وعلاقتها ايضا بالسياسات البيئية. وقد يرى ان التعرض بالدراسة والتحليل لسياسات التجارة الخارجية وما تتضمنه من دراسة لعمليتى التصدير والاستيراد قد تغنى عن دراسة الانتاج والاستهلاك , الا اننا لا نرى ذلك. حيث انه ليس كل ما ينتج يصدر , وليس كل ما يستهلك يستورد ومن ثم لابد من دراسة كل منهما على حده.
سياسات التجارة الخارجية وعلاقتها بالبيئة وسياستها.
تلعب التجارة الخارجية دورا هاما في اقتصاديات اى دولة , والدارس لنظريات التجارة الخارجية البحته, يلاحظ انها تهتم بالاساس المجرد لشرح اسس وعائد الاشتراك فى ممارسة التجارة الخارجية سواء كانت تصديرا ام استيرادا.
وتجمع نظريات التجارة الخارجية على الافتراض القائل بان دخول ومشاركة الدولة فى عمليات التجارة الخارجية له اثاره الايجابية على نحو يجعل الدول عامة في وضع أفضل عما لو امتنعت عن المشاركه فيه , ولكن هذه بالطبع نتيجة عامة , فلقد تستفيد دولة أكثر من دولة. بل الاكثر من ذلك فقد تستفيد قطاعات معينة داخل نفس الدولة عن قطاعات اخرى. وعملية التجارة الخارجية لا تسير بشكل عشوائى رغم الدعاوى المرفوعة والمعروفة بضرورة تبنى وتطبيق مبادئ حرية التجارة بين الدول , ونشأة المنظمات التى تحاول ان ترسخ تلك المبادئ. فنظرا لاختلاف المصالح وتباينها لابد من وجود نوعا من السياسات التى تحكم عملية التجارة الخارجية فى ظل مبدأ عام هو ” حرية التجارة “. والسياسات هى نوع من الوسائل والاجراءات من جانب الحكومة , وتخضع فى تكوينها لقرارات سياسية واجتماعية معينة , وعلى الرغم من ان اساسها يكون سياسيا , الا ان الاقتصاديين يكون لهم الدور الاكبر فى التوجيه والارشاد بالنتائج المتوقعة على قطاعات الدولة المختلفة بالشكل الذي يسمح للقرار السياسي بإعادة التفكير بناء على هذه التاثيرات. وباختصار فان السياسات فى مجال التجارة الخارجية هى منهاج مخطط تضعه الادارة الاقتصادية والذي يؤدى تطبيقها الى التاثير على مستوى ومكونات تجارتها الخارجية لتحقيق اغـــراض او اهــداف اقتصادية معينة.
وسياسات التجارة الخارجية لا تتنافى مع مبادى الحرية التى تدعو اليها المواثيق والاتفاقيات الدولية , حيث انها ليست بالضرورة تدعو الى تقييد عملية التجارة ولكن الى تنظيمها. وهذه السياسات قد تتخذ شكل قومى مثل سياسات الرقابة على التجارة الخارجية والتمييز السعري , وقد تكون اقليمية اى تتخذ بالاتفاق مع الدول الاخرى لتحقيق بعض المصالح المشتركة او سياسات دولية بشأن تنظيم التجارة الخارجية او تنظيم العلاقات النقدية الدولية.
وتخضع سياسات التجارة الخارجية لمجموعة من معايير التقييم مثل مدى القدرة على تحقيق اقصى كفاية ممكنة من حيث استغلال الموارد , والقدرة على تحقيق العدالة فى التوزيع , وتحقيق نوعا من الثبات والاستقرار الاقتصادى , ومدى تحقيق اثارا ايجابية على عملية النمو الاقتصادي. ولعل التنسيق بين سياسات التجارة الخارجية ومجموعة السياسات الاقتصادية الاخرى من اهم عوامل نجاح هذه السياسات.
وهناك العديد من العوامل التى تؤثر على شكل ومضمون هذه السياسات , مثل مستوى التنمية الاقتصادية والظروف والاوضاع الاقتصادية القائمة , ومدى وفرة او ندرة عوامل الانتاج , وحجم ونطاق السوق الداخلى.
وفى العموم, لا نرى الا فيما ندر , وقد ينعدم في ادبيات وسلوكيات الدول النامية , ربط الحكم على فعالية سياسات التجارة الخارجية وكفاءتها بالسياسات البيئية.
ولقد شهدت العقود الاخيرة دعاوى لتحرير التجارة (قبل فترة ترامب الاولي ثم الثانية التي تبدأ في يناير2025). فلقد اصبحت مسألة تحرير التجارة احد وابرز خصائص العولمة , ولقد اضطلع معظم البلدان النامية في مختلف المناطق بعملية تحرير شامل للتجارة منذ مطلع الثمانينات كجزء من عمليات اوسع لإصلاح السياسات، رغم ان عمليات الاصلاح الاقتصادي وتحرير التجارة قد اديا الى نتائج متفاوتة من حيث النمو الاقتصادي المستدام والتحسن في مؤشرات التنمية الانسانية الا انه في العموم يعد تحرير التجارة والتعرض للمنافسة الدولية نتيجة اصلاح الاقتصاد وتحريره مصدرا هاما للنمو الاقتصادي وان كانت هذه العلاقة لا تتطور بصورة تلقائية وانما ينبغي ان تكتمل بتدابير اخرى في مجال السياسات العامة ويقع جزء كبير منها خارج نطاق السياسة التجارية .
وإذا كانت التجارة لا تشكل هدف فى حد ذاتها , فهى لا تتعدى كونها وسيلة للمساهمة فى احداث تنمية متوازنة عادلة ومستدامة. كما تشير بعض التجارب الناجحة لبعض البلدان حديثة العهد بالتصنيع لانتهاجها استراتيجية فعالة ازاء التجارة واصلاح السياسات التجارية والتى تركز على الجمع والتنسيق بين تحرير التجارة والسياسة التعريفية والصناعية لجنى المكاسب الانمائية من التجارة الدولية وتدفق الاستثمارات .
ولكي يتم وضع السياسات التجارية فى موضع استراتيجى ضمن الاستراتيجيات الانمائية فان الامر يقتضي اتباع نهج منسق ازاء ثلاث قضايا اساسية ومترابطة وهي:
- توجيه السياسة التجارية لكيتكون فعالة في توسيع نطاق الاسواق فى وجه الصادرات وتحسين الظروف الخارجية امامها من خلال السعى الى ازالة العقبات التى تعرقل دخول الاسواق الرئيسية.
- جعل السياسات الاقتصادية تدعم تنويع الاقتصاد , وتعزيز قدرات التوريد وتهيئة الظروف التى تشجع الاستثمار وتحسين القدرة التنافسية للشركات.
- اتخاذ تدابير ملازمة على صعيد السياسة العامة فيما يتعلق بوضع سياسات ملائمة فى مجال الهياكل الاساسية المادية والمرتبطة بالتجارة وسياسات اجتماعية ومالية (وبيئية)
وترتبط التجارة بالبيئة من عدة نواحى منها غير المباشر ومنها المباشر , وعن العلاقة غير المباشر نرصد ارتباط التجارة بالسياسة الانمائية وهي من اهم القضايا المثارة , وهي مسالة ادارة التفاعل بين التجارة والسياسة الانمائية على الصعيد الوطنى وكيفية التفاعل مع العمليات الاقتصادية العالمية. والى اى مدى تؤثر هذه العمليات فى الاستراتيجيات الانمائية الوطنية للتجارة الدولية , وفى النظام المالى والنقدى , وفى الاسواق الدولية للتجارة. وعليه وضع هذه السياسات وفق الاوضاع الداخلية مع مراعاة الظروف الدولية المحيطة.
والواقع يثبت ان هناك حتمية للانفتاح بشكل أكبر على التجارة والاستثمار , ومع شمولية نطاق النظام التجارى الدولى وشدة الضغط على حرية الاقتصاد , تبرز ضرورة ايجاد المرونة والمجال الملائمين لوضع خيارات للسياسة الانمائية بحسب مستويات التنمية.
وحيث ان التجارة ليست هدفا فى حد ذاته , بل لابد وان تستخدم من خلال النهج الانمائى الذى يعمل على القضاء على الفقر ، وليس الى زيادة الدخل القومى فقط , الامر الذى لن يحدث الا من خلال معاملة خاصة وتفضيلية من جانب العالم المتقدم للعالم النامي. ولقد أكد برنامج عمل الدوحة اهمية المعاملة الخاصة والتفضيلية بالنسبة للبلدان النامية وكونها مبدأ رئيسيا لنظام منظمة التجارة العالمية , ويؤكد هذا البرنامج من جديد ان ” الاحكام التى تنص على المعاملة الخاصة والتفضيلية جزء لا يتجزا من اتفاق منظمة التجارة العالمية ” وان هناك مراجعة دائمة بغرض تعزيز هذا المبدأ وجعله أكثر دقة وفاعلية وقابلية للتطبيق.
ويتجلى عن هذا ان اهم تاثير لسياسات التجارة الغير مباشرة على البيئة تنبع من النهج الإنمائي للمدخل التجاري والذي يهدف بالأساس للقضاء على الفقر , والفقر هو التحدي الاكبر الذي يواجه المجتمعات النامية. وان هناك حالة عامة من الفقر , تتعدى كونها حالة اقتصادية , وكل هذا يزيد من التعامل الجائر مع البيئة. وتنعدم قدرة المجتمع على الاختيار , ويدفعه تجاه تحقيق التنمية باية ثمن حتى ولو كانت على حساب الاجيال القادمة , بل وأكثر من ذلك على حساب التنمية والموارد البشرية الحالية.
وتساعد التجارة ايضا فى توفير قدر من العملات الاجنبية من خلال زيادة الصادرات , الامر الذي يقلل من عجز ميزان المدفوعات , ويساعد على تقليص المديونية الخارجية , ورفع درجة التوظف. وكلها امور تحد من التعدى على البيئة وتعطى فرصة لوضع سياسات وقوانين واشتراطات بيئية مع تفعيل هذه الامور.
كما تساعد عملية تحرير التجارة على زيادة المنافسة – ونظريا- فان المنافسة تساعد على تحسين الانتاج والتوزيع الامثل للموارد وتقليل الدعم وعمليات التسعير , وكل هذا لصالح البيئة وسياستها. ولكن يظل هذا رهن تحقيق مستويات عالية من التنمية حتى لايدفع ثمنها الفقراء وتؤدى الى حدوث قلائل سياسية واقتصادية واجتماعية تؤدى الى المزيد من التدهور البيئى.
ولكن هناك نوعا من التسليم بارتباط التجارة بالبيئة , حيث ان التجارة الدولية تجلب تغييرات فى أنماط الانتاج الوطنى للسلع والخدمات , وهو ما يؤدى الى إحداث نوعا من التأثير في البيئة. وللانظمة البيئية الداخلية دور رئيسى في الصدى لهذه الاثار. كما أنه من شأن تحقيق مكاسب التجارة ان تتيح الموارد اللازمة للحفاظ على البيئة. وعلى صعيد اخر نجد ان البيئة والمشاكل البيئية تؤثر أيضا فى التجارة, فالبيئة الطبيعية أساس الانتاج للعديد من الصادرات , ووسيلة هامة لتحقيق التنمية المستدامة.
وعلى صعيد العلاقة المباشرة بين التجارة والبيئة , نجد العديد من الاجراءات التى تسعى لربط التجارة بالبيئة وقوانينها , من خلال ربط التجارة بالعنصر الاجتماعى , واسلوب التصنيع المرتبط بالإنتاج وغير المرتبط بالإنتاج. والعنونة البيئية والملكية الفكرية وشهادات الاداء البيئى , وكلها عوامل ذات تاثير كبير على التجارة وسياستها. مما يؤثر على حجم التجارة وحجم العائد المتوقع،الامر الذي يؤثر مرة اخرى على البيئة عن طريق الفقر. حيث تقل العوائد من العملات الاجنبية وتزداد المديونية وينخفض الدخل القومي وتزيد البطالة.
وخلاصة هذا ان السياسات البيئية ذات تاثير مباشر على السياسات التجارية بداية من حقبة السبعينات من القرن الماضى وتعاظم هذا الامر فى بداية هذا القرن لربط القيود والاشتراطات البيئية بالصادرات , وحتى الان يعد هذا عبء كبير على الدول النامية ومنها مصر , واصبحت القيود البيئية بمثابة قيود جمركية غير تعريفية , وامتدت لتشمل البعد الاجتماعى , وهذه الوتيرة تتجه للازدياد لا الى التناقص , وهو ما يستدعى الاهتمام من جانبنا بتلك الامور البيئية اذا كنا نريد حجما متزايدا من الصادرات وموقعا متميزا من خلال نوعية جادة من السلع والخدمات , واقتصادا قويا من خلال جلب المزيد من العملات الاجنبية وزيادة الدخل القومى , وتنمية متواصلة ومستدامة وعادلة من خلال الاهتمام بالعد البيئى .
سياسات الإنتاج والاستهلاك والسياسات البيئية.
عملية الانتاج من أكثر العمليات ارتباطا بالبيئة , خاصة فى مصر , حيث ان معظم ما يتم انتاجه يرتبط بشكل مباشر بالموارد الطبيعية , ومن ناحية اخرى ان ما ينجم من العملية الانتاجية من اثار ثانوية ذات تاثير ايضا على البيئة, كما ان عملية الاستهلاك تؤثر فى البيئة وسياستها من خلال المخرجات (نفايات واثار ثانوية) اخذا فى الاعتبار القدرة الاستيعابية للبيئة.
والانتاج او الانتاجية ما هـى الا انتاجية العمل البشرى وانتاجية الاصول الثابتة (راس المال الثابت) وانتاجية مستلزمات الانتاج السلعية , فضلا عن انتاجية الأراضي.
ويمكن قياس الانتاجية على اساس نسبة المدخلات من هذه العناصر الى المخرجات منها , ولا يجب ان ينظر الى هذه المخرجات كحجم فقط , ولكن يجب معرفة التاثيرات النافعة والضارة على المجتمع. فكلما تعاظمت المخرجات النافعة والمفيدة , كلما ارتفعت الانتاجية الحقيقية وانخفضت معها تكلفة الاضرار الناجمة عن عملية الانتاج , الامر الذى يساعد على الاستغلال الامثل للموارد , وزيادة الدخل وتخفيف حدة الفقر , كما ان انتاجية العامل البشرى لن تزيد الا من خلال رفع كفاءة هذا العامل صحيا وتعليميا وفنيا.
الخاتمة:
وخلاصة التعرض لهذا هو وجود علاقة مابين السياسات الاقتصادية المختلفة من ناحية , والسياسات والاشتراطات البيئية من ناحية اخرى . حيث وجدنا ان السياسات النقدية بادواتها المختلفة ( سعر الصرف- نسبة الاحتياطى – الائتمان – سعر الفائدة ) تهدف الى الاستقرار النقدى ومكافحة التضخم , الامر الذى يؤدى الى زيادة الاستثمار المباشر . ووجدنا ضرورة توافق اى سياسة بيئية سليمة مع السياسة النقدية , وان تعمل على توجيه الاستثمار الناتج على النحو غير الضار بالبيئة , وان يؤخذ فى الاعتبار التاثيرات على الموارد البشرية والطبيعية عندما يتم تحريك اى اداة من ادوات السياسة النقدية. والسياسات المالية (الانفاق – الضرائب-القروض) التي تعمل على تحقيق العدالة فى توزيع الدخل , والتوظف , والتاثير على الانتاج , والتوزيع الامثل للموارد. وهنا نجد ان السياسات المالية أكثر أرتباطا بالسياسات البيئية عن السياسات النقدية , حيث نجد إمكانية إاستخدام الضريبة البيئية كأداة مباشرة من أدوات السياسة المالية , كما يجب ان يوجه الانفاق تجاه المشروعات التى تحافظ على الموارد الطبيعية , وترفع من كفاءة الموارد البشرية , وذات تاثيرات ثانوية منخفضة على المجتمع خاصة وان التى تقوم بتنفيذ تلك المشروعات الحكومة. اما السياسات التجارية. وهي الاكثر ارتباطا بالسياسات البيئية من السياستين السابقتين , ومرجع هذا هو ارتباط السياسة البيئية بالسياسة التجارية من خلال الارتباط بالسلعة والخدمة ذاتها , فضلا عن وجود تاثيرات وضغوط خارجية لقبول السلعة او رفضها وفق اشتراطات بيئية معينة , وضرورة ان تخضع السلعة او الخدمة لقياسات بيئية علمية حتى لا تضر بالمستهلك المحلى , وحتى لا ترفض من الاسواق الخارجية. وما يترتب على ذلك من إنفاق على الرعاية الصحية وانخفاض الانتاجية وانخفاض العوائد من العملات الاجنبية وازدياد العجز التجاري.
هوامش:
- التضخم الركودى هو وصول ارتفاع اسعار السلع او الخدمات او هما معا الى حالة تؤدى الى انصراف الناس عن شرائها , الامر الذى سؤدى الى حدوث ركود فى تلك السلع والخدمات وعدم تصريفها او استخدامها.
ومكمن الخطورة فى التضخم الركودى هو انه يؤدى الى وقف الاستثمارات او الانخفاض الكبير فيها , كما يؤدى هذا بدوره الى انتشار البطاله وتدهور قيمة العملة والتوجه الى اكتناز الاموال فى صورة مجمدة كالعقارات رغم عدم وجود عائد اقتصادى لها فى بعض الاحيان , ويؤدى هذا الى زيادة نسب الفقر وانتشار الفساد والجريمة والاقتراض للدولة واستنزاف احتياطها من العملات او الموارد.
*الاستقرار الاقتصادى تكمن عناصره الداخلية فى التضخم والدين الداخلى واحكام الافلاس وعجز الموازنة واداء الجهاز المصرفى والمالى. اما عناصره الخارجية فتكمن فى ميزان المدفوعات والدين الخارجى والاحتياطيات الدولية وتدفقات الاستثمار الاجنبى.
- .
- توظيف الودائع على نحو امثل يعنى:
- ان يكون هناك هامش للوساطة المالية , وهو الفرق بين الفائدة على القروض والفائدة على الودائع , ويعد مقياسا لكفاءة الجهاز التمويلى بصفة عامة كلما انخفض هذا المقياس , كما انه يؤدى الى ارتفاع درجة المنافسة.
- ان تنعدم نسبة القروض المشكوك فى تحصليها.
- ان تتجه للقطاعات الانتاجية وان تساهم فى العملية التنموية.
- ان تقوم بتشجيع القطاع الخاص والصناعات الصغيرة.
- ان تعطى اولوية للكفاءة البيئية .
- ان تساهم فى تحقيق الاستقرار النقدى.
المراجع:
– ابراهيم حلمى عبد الرحمن ( دكتور), اقتصاديات البيئة والتنمية, بعض القضايا المثارة بشانها, معهد التخطيط القومى, القاهرة, 1982.
– ابراهيم محمد يوسف الفار (دكتور) دور التمويل الخارجى فى تنمية اقتصاديات البلاد النامية مع دراسة تطبيقية خاصة بجمهورية مصر العربية ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1985 .
-ابو بكر متولى ( دكتور), مبادىء النظرية الاقتصادية, مكتبة عين شمس , القاهرة, 1982.
– احمد فؤاد باشا ( دكتور) ، اساسيات العلوم المعاصرة فى التراث الاسلامى – دراسة تاهيلية – دار الهداية بالقاهرة 1997 .
– احمد فؤاد باشا ( دكتور) ، التراث العلمى للحضارة الاسلامية ومكانته فى تاريخ العلم والحضارة ، القاهرة ، 1983.
-احمد جامع ( دكتور), الراسمالية الناشئة , مكتبة التنمية والتخطيط , دار المعارف بمصر, القاهرة, 1986
-احمد جامع ( دكتور), المذاهب الاشتراكية , مكتبة دار الشعب, القاهرة , 1969.
– احمد جامع (دكتور) , النظرية الاقتصادية , الجزء الاول , دار النهضة العربية, القاهرة, 1984.
– احمد عبد الكريم سلامة(دكتور), قانون حماية البيئة الاسلامى مقارنة بالقوانين الوضعية, دار النهضة العربية, القاهرة , 1995.
– احمد على دغيم , الطريقة الى المعجزة الاقتصادية وتحول الدول النامية الى دول متقدمة, الشركة العربية للنشر والتوزيع, القاهرة, 1994 .
-احمد عبد الوهاب (دكتور) تلوث المسطحات المائية واثارها الاقتصادية والاجتماعية ، معهد التخطيط القومى.
– اسماعيل صبرى عبد الله ( دكتور) ، تنظيم القطاع العام ، الاسس النظرية واهم القضايا التطبيقية ، دار المعارف 1969.
– ال جور – ترجمة عواطف عبد الجليل , الارض فى الميزان, مركز الاهرام للطبع والنشر, القاهرة , 1994 .
– السيد احمد عبد الخالق(دكتور), التاثير المتبادل بين السياسات البيئية والتجارة الدولية, دراسة تحليلية, دار النهضة العربية, القاهرة, 1994 .
– السيد خليل هيكل ( دكتور)، الرقابة على المؤسسات العامة الانتاجية والاستهلاكية –دراسة مقارنة من الناحيتين القانونية والتنظيمية ، منشاة المعارف بالاسكندرية ، 1971.
– السيد عطية عبد الواحد(دكتور), الضريبة البيئية , مجلة العلوم المالية والاقتصادية, يوليو 2001.
– السيد عطية عبد الواحد(دكتور), السياسات المالية والتنمية الاقتصادية , كلية الحقوق , جامعة عين شمس, القاهرة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب