دراساتسياسية

تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على القارة الأفريقية ( كونفدرالية دول الساحل نموذجاً )

إعداد الباحث: محمود سامح همام

يشهد العالم اليوم ديناميات متلاحقة ومتسارعة، تدفعها تحولات جذرية طالت بنية النظام الدولي، وتعمّقت من خلال أزمات سياسية واقتصادية متداخلة. وفي ظل هذه التغيرات، أصبحت الأزمات الدولية والحروب ليست مجرد أحداث إقليمية محدودة، بل باتت تشكل ركائز أساسية في إعادة رسم خارطة التحالفات والمصالح العالمية. ووسط هذه المشهدية المعقدة، تبرز الأزمة الروسية الأوكرانية كواحدة من أبرز الأزمات المعاصرة التي تلقي بظلالها الثقيلة على النظام العالمي، ليس فقط على مستوى أوروبا الشرقية التي كانت الساحة الأساسية للصراع، بل أيضاً على أقاليم بعيدة مثل القارة الأفريقية.

اقرأ أيضا: محمود سامح همام يكتب.. التحديات الكبرى للتنمية في القارة الأفريقية “الإرهاب والأمراض والاضطرابات السياسية”

وفي سياق متصل, باتت إفريقيا تمثل ساحة جديدة للصراع بين القوى المتنافسة، حيث تتداخل فيها الأسلحة الدبلوماسية والأيديولوجية بشكل لافت. تسعى كل من روسيا وأوكرانيا، بدعم من حلفائهما، إلى توسيع نفوذهما في القارة السمراء عبر توظيف كافة الأدوات المتاحة، من التحالفات السياسية إلى التأثيرات الاقتصادية، في محاولة لتضييق الخناق على الطرف الآخر. وتعد دول كونفدرالية الساحل في غرب أفريقيا مسرحاً رئيسياً لهذه المواجهة، حيث تتسابق القوى الكبرى على استغلال الفراغات الاستراتيجية التي أوجدتها النزاعات العالمية، بهدف تعزيز نفوذها وتوطيد مصالحها في هذه المنطقة الحساسة, إن هذا التنافس الدولي على إفريقيا يعكس بوضوح كيف تحولت الأزمة الروسية الأوكرانية من صراع إقليمي إلى قضية ذات أبعاد عالمية متعددة، تساهم في إعادة صياغة التوازنات الدولية وتشكيل المستقبل الجيوسياسي للقارة, مما يجعلنا نطرح جملة من التساؤلات بشأن ماهية تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على القارة الأفريقية وخاصة على كونفدرالية  دول الساحل.

 

وسنحاول في هذة المقالة تسليط الضوء على تداعيات الأزمة بين البلدين على القارة الأفريقية بالإضافة إلى محاولة التعرف على ماهية كونفدرالية دول الساحل من خلال المحاور التالية:

 

أولاً : أسباب انتقال النزاع الروسي الأوكراني إلى الساحة الأفريقية

ثانياً : ماهية كونفدرالية دول الساحل : الخلفية والدوافع والتحديات

ثالثأً : انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على كونفدرالية دول الساحل

 

 

أولاً : أسباب انتقال النزاع الروسي الأوكراني إلى الساحة الأفريقية

شنت روسيا اجتياحاً عسكرياً كبيراً على أوكرانيا في فبراير 2024 بحجة أنها تهدف إلى نزع السلاح وإزالة النفوذ النازي من أوكرانيا، وكان هجوم مفاجئ دون إعلان حرب، مما يمثل تصعيداً حاداً للصراع الذي بدأ في عام 2014, ويمككنا اعتبار هذا الغزو بأنه أكبر هجوم عسكري تقليدي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. (1)

استكمالاً, قامت العديد من الدول والمنظمات الموالية لكييف باتخاذ العديد من الأجراءات تجاه روسيا بهدف إلحاق أكبر الخسائر بالاقتصاد الروسي وتجميد أموالها,  وعلى غرار ذلك منذ غزو روسيا لأوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب دول من بينها أستراليا وكندا واليابان، أكثر من 16500 عقوبة على موسكو, كما تم تجميد احتياطيات النقد الأجنبي بقيمة 350 مليار دولار (276 مليار جنيه إسترليني) – أي ما يقرب من نصف إجمالي احتياطيات روسيا, فضلاً عن ذلك قام الاتحاد الأوروبي بتجميد نحو 70% من أصول البنوك الروسية أيضا، وتم استبعاد بعضها من خدمة سويفت, وفي سياق متصل, كانت صناعة النفط الروسية هدفا رئيسيا آخر لدى الدول الغربية, حيث قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بحظر استيراد النفط والغاز الطبيعي الروسي، كما حظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الخام المنقول بحرا, بالإضافة إلى اتخاذ مجموعة الدول السبع الكبرى اجراءً في محاولة لتقليص أرباحها بفرض سعرا أقصى قدره 60 دولارا أمريكيا للبرميل على النفط الخام الروسي. (2)

وفي سياق ما ذُكر من عقوبات على العديد من القطاعات الاقتصادية الروسية، مثل الطاقة والبنوك، وتجميد الأصول، وفرض قيود على التجارة الدولية، واستبعادها من المنظمات الدولية. دفعت كل هذه الظروف موسكو للبحث عن بدائل لتعزيز اقتصادها ودورها العالمي، وكان التوجه نحو القارة الأفريقية أحد الخيارات الإستراتيجية المهمة, وعلى هامش أن الأسواق التقليدية الأوروبية والأمريكية مغلقة أمام المنتجات الروسية، لا سيما النفط والغاز والمعادن, جاءت القارة الأفريقية كشريكة اقتصادية وتجارية جديدة ووجهة جذابة نظرًا لأنها تحتوي على دول تمتلك احتياجات ضخمة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا, هو ما يمكن لموسكو أن تساهم فيه من خلال صادراتها وخبراتها, ويمكننا تسليط الضوء على أن روسيا ستستفيد من إفريقيا من خلال إيجاد شركاء دوليين يدعمون موقفها في المحافل الدولية, وأن الدول الأفريقية ستشكل درعًا دبلوماسيًا لروسيا في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة, وعلى صعيد أخر تتميز القارة الافريقية بغناها بالموارد الطبيعية بامتلاكها 60% من الموارد العالمية, وبالحديث عن الجانب الروسي مما لديه من خبرة واسعة في استغلال هذه الموارد، سواء من خلال الشركات الحكومية أو الخاصة, ومع تضييق الخناق الاقتصادي عليها من قبل الغرب، سعت روسيا إلى تعزيز استثماراتها في مجالات التعدين والطاقة في أفريقيا.(3)

يمكننا القول أن توسع الصراع الروسي الأوكراني  ووصوله إلى القارة الأفريقية يعكس تعقيدات السياسة الدولية وتداخل المصالح بين القوى الكبرى. العوامل الجيوسياسية، والاقتصادية، والبحث عن النفوذ.

 

ثانياً : ماهية كونفدرالية دول الساحل : الخلفية والدوافع والتحديات

في يوليو الماضي، أعلنت القيادات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو عن تشكيل اتحاد للتنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي، وأطلقت عليه اسم “كونفدرالية دول الساحل”، واتخذت من نيامي، عاصمة النيجر، مقرًا لها. هذا التحالف يقع في منطقة الساحل الأفريقية التي شهدت في السنوات الأخيرة تدهوراً كبيراً في الاستقرار، بسبب الانقلابات العسكرية والعنف المتطرف والفقر المتفشي، مما أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة وضعف الأمن الإقليمي, كما تشترك الدول الثلاث في معاناة اضطرابات سياسية خلال السنوات الأخيرة، حيث شهدت جميعها انقلابات عسكرية أطاحت بالحكومات الديمقراطية السابقة. هذه الانقلابات جاءت جزئيًا نتيجة للإحباط الشعبي من عدم قدرة تلك الحكومات على معالجة التحديات الأمنية وتحسين مستويات المعيشة. إلى جانب ذلك، تتشارك هذه الدول تاريخاً مشتركاً من الاستعمار الفرنسي، وبعد عقود من السيطرة الفرنسية على اقتصاداتها، تمكنت القيادات العسكرية الحالية من طرد النفوذ الفرنسي من أراضيها, وفي يناير 2024، أعلنت هذه الدول الثلاث انسحابها من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهي منظمة إقليمية تربطها علاقات وثيقة بفرنسا. جاء هذا الانسحاب كنتيجة لعدم رضا هذه الدول عن البنية الأمنية الإقليمية الحالية ورغبتها في تحقيق مزيد من الاستقلال والسيادة بعيدًا عن النفوذ الرأسمالي الغربي. (4)

استكمالاً, يُرى أن سلطات البلدان الثلاثة ( بوركينا فاسو ومالي والنيجر) لديها رغبة متحمسة للغاية لمشروع التحالف, وتتعزز هذه الرغبة في التسريع بعدة دوافع تعزز رغبة السلطات في تنفيذ مشروع التحالف في إطار هيكل مؤسسي, ولعل ابرز هذة الدوافع تتمثل في ضرورة التنمية الاقتصادية, لاعتبار البلدان الثلاثة من بين أفقر بلدان العالم، وأنها تعاني من ضعف في الاقتصاد الزراعي وضعف القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. ويشكل التحالف وتجميع الثروات والإمكانات هى الفرصة الوحيدة أمام هذه البلدان للتغلب على هذا الوضع. وفي سياق متصل يهدف التحالف إلى الاستفادة المثلى من الترابط الاقتصادي والتكامل, لاسيما أن اقتصادات البلدان الثلاثة تتكامل في كثير من الأحيان، مع تنوع الموارد الطبيعية والإمكانات الصناعية, وتقوم الدوافع السياسية للتحالف على الرغبة في تعزيز الاتحاد السياسي والأمني الذي من شأنه أن يساعد في تعزيز دور البلدان الثلاثة في تحقيق الاستقرار الإقليمي. ومن شأن مثل هذا الاتحاد أن يدعم الاستقرار في المنطقة، من خلال تنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب وتسهيل الحل السلمي للصراعات عبر الحدود, بالإضافة إلى تميز دول التحالف بالموقع الجيوستراتيجي الهام في غرب إفريقيا، ومن شأن الاتحاد بين هذه البلدان أن يعزز ثقلها السياسي والاقتصادي على الساحتين الإقليمية والدولية. (5)

وعلى هامش تسليط الضوء على مدى فاعلية كونفدرالية دول الساحل وفوائده في حالة نجاح سياساته في المنطقة, إلا أن هناك أيضًا تحديات كبيرة ينبغي أخذها في الاعتبار, كصعوبة التماسك الداخلي, حيث أن تحقيق التوازن بين المصالح الفردية لكل دولة عضو والأهداف الجماعية للاتحاد أمر بالغ الأهمية. ومن الممكن أن تعيق التوترات التاريخية والتنافس على الموارد هذا التعاون, وعلى صعيد أخر فإن معالجة الأسباب الجذرية ونجاح نظام الضمان الاجتماعي في الأمد البعيد يعتمد على قدرته على معالجة القضايا الأساسية التي تغذي عدم الاستقرار في المنطقة، مثل الفقر والفساد والتوترات العرقية.(6)

 

 

ثالثأً : انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على كونفدرالية دول الساحل

في عالم اليوم المترابط، تخلق الطلقات التي تُطلق في أحد أركان العالم تأثيرات متتالية في أماكن أخرى بعيدة,  فلم تسلم البلدان الأفريقية، رغم أنها تبعد أميالاً عن بعضها البعض من توابع الازمة الروسية الأوكرانية, وفي حين أنه يُرى أن الكثير عن التعقيدات السياسية والسياسية المحيطة بالصراع أكبر قدر منها في اوروبا، فإن التأثير الحقيقي والملموس على حياة العديد من الأفارقة العاديين مثير للقلق بنفس القدر, ولاسيما في دول غرب أفريقيا بالتحديد في كونفدرالية دول الساحل. (7)

بداية, أثرت الأزمة الروسية الأوكرانية بشكل كبير على الجانب الاقتصادي في القارة الأفريقية، حيث تسببت في ضغوط ناجمة عن تقلبات أسعار الصرف وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما أدى إلى وصول معدل التضخم إلى نسب مزدوجة في 40% من الدول الأفريقية. كما أن سبع دول أفريقية كانت تعاني من أزمة ديون اعتبارًا من يناير 2023، في حين تواجه 14 دولة أخرى خطرًا كبيرًا من الوقوع في أزمة ديون، مما يحد من قدرتها على اتخاذ تدابير فعالة للتخفيف من تداعيات الأزمة.

بالإضافة إلى ذلك، تعرضت أنظمة الغذاء في أفريقيا لصدمات كبيرة، فرغم أن القارة تمتلك أكثر من 65% من الأراضي غير المزروعة في العالم، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على استيراد الغذاء، مما جعلها تتأثر بشدة بارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية، وهو ما أدى إلى تفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي. ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، شهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية في أفريقيا ارتفاعًا بنسبة 23.9% في عام 2023، وهي أعلى نسبة منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.(7)

في سياق متصل, وفي الأونة الأخيرة زادت روسيا من انخراطها في شؤون الساحل الأفريقي في الأونة الأخيرة من خلال الدعم العسكري والتعاون الأمني مع بعض الحكومات خاصة عبر ذراعها المسلح “فاغنر”, ودعم حركات الانقلاب في دول الساحل ( كونفدرالية دول الساحل حالياً), مقدمة نفسها كحليف للشعوب الأفريقية في مساعيها للتحرر من النفوذ الغربي وضمان حقوقها. هذا التقارب الجديد بين روسيا وكونفدرالية دول الساحل منح موسكو ورقة ضغط إضافية في مواجهة كييف في المنطقة, تلك العلاقات المتوطدة حديثاً بين روسيا وكونفدرالية دول الساحل, جعلت من ذلك التحالف ورقة ضغط لموسكو ضد كييف في المنطقة, وعلى الجانب الأوكراني تورطت كييف في هجوم شنته مجموعات إرهابية مسلحة مما أدى إلى مقتل عشرات من قوات الدفاع والأمن المالية في تينزاواتين، فضلا عن وقوع أضرار مادية, وعلى أثر ذلك قامت السلطات المالية بطرد السفير الأوكراني والتنديد بما أحدثته كييف في البلاد, وتباعاً قامت كل من النيجر وبوركينا فاسو بطرد السفراء الأوكرانيين لديهما،(8) وبذلك يمكن اعتبار هذا التقارب الروسي الأفريقي ضد الغرب وأوكرانيا في ظل الأزمة المستمرة وإقامة علاقات استراتيجية مع كونفدرالية دول الساحل، تمكِن روسيا من تعزيز موقفها في المفاوضات الدولية واستخدام هذه التحالفات كورقة لموازنة العقوبات المفروضة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن توسيع النفوذ الروسي في أفريقيا يعزز موقف روسيا كمورد رئيسي للأسلحة والشركاء الأمنيين، مما يؤثر على التوازنات الإقليمية والدولية في النزاع الأوكراني.

 

ختاماً, يتضح لنا أن الأزمة الروسية الأوكرانية قد تركت أثراً عميقاً على القارة الأفريقية، ولا سيما على دول الساحل التي أصبحت ساحة جديدة للتنافس الدولي. ففي ضوء العقوبات الغربية على روسيا، سعت موسكو إلى توطيد علاقاتها مع هذه الدول لتعزيز نفوذها وتأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية. هذا التحول قد يحمل فرصًا وتحديات لدول الساحل، إذ يمكن أن يوفر دعماً أمنياً واقتصادياً لكنه في الوقت ذاته قد يعرضها لمزيد من التدخلات الخارجية والصراعات الجيوسياسية. وفي خضم هذه التحولات العالمية على هذه الدول أن تسعى جاهدة للحفاظ على توازنها وحماية استقرارها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

 

1) https://www.britannica.com/event/2022-Russian-invasion-of-Ukraine

2) https://www.bbc.com/news/world-europe-60125659

3) https://css.ethz.ch/content/dam/ethz/special-interest/gess/cis/center-for-securities-studies/pdfs/CSSAnalyse318-EN.pdf

4) https://www.middleeastmonitor.com/20240710-african-sahel-countries-establish-new-confederation/

 

5) https://www.policycenter.ma/publications/alliance-sahel-states-confederation-sahel-states-road-clear-full-traps

6) https://www.specialeurasia.com/2024/05/24/confederation-alliance-sahel/

7) https://www.un.org/africarenewal/magazine/february-2023/one-year-later-impact-russian-conflict-ukraine-africa

8) https://www.un.org/africarenewal/magazine/february-2023/one-year-later-impact-russian-conflict-ukraine-africa

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى