جمال المحلاوي يكتب.. البعد السيكولوجي في قرارات الرئيس الأمريكي ترامب كيف يتم التعامل معه

لم تثر شخصيات (44) رئيس اميركي من الجدل السيكولوجي كالذي اثارته شخصية الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.. دونالد ترامب. يكفي ان نشير الى ما نشره عميد كلية الطب بجامعة (هارفارد) بصحيفة ” لوس انجلس تايمز” بأن ترامب (شخصية مصابة بالأضطراب النرجسي)، ب فيما رد بروفيسور آخر بالطب النفسي(جولدنبرغ) بأن وصف ترامب بالنرجسي (لا يفسر بالشكل المناسب سلوكه أو يعطي مثالا عن الحالة)،وأنه يعلم من معالجته لأشخاص نرجسيين بأنه ( لا يوجد واحد منهم يحرض علنا على العنف، أو يفتري على المجموعات الإتنية). ومع ذلك فأن البروفيسور نفسه حكم عليه بأنه ( لا يناسب المهمة، ولا يجدر به أن يصبح رئيسا لأنه يحتقر النساء ويشوه سمعة المكسيكيين والمسلمين، ويسخر من ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى كونه يشيطن الإعلام ويجرح من يتحداه). وراح آخرون يحللون شخصيته من شكل: الأنف (يشير الى اعتداده بذاته)،الفم (يدل على التشاؤم)،الحاجبين(قوة السيطرة)، الأذنين، العينين، الذقن، شكل الرأس.
اقرأ أيضا: فلسطين في أسبوع.. ترامب يخطط لشراء غزة.. وشاحنات المساعدات والوقود تتدفق على القطاع
وبرغم ان جمعية الأطباء النفسيين الأمريكية اوصت بعدم اصدار اي تحليل نفسي للمرشحين الرئاسيين التزاما بمعيار اخلاقي يعود لعام 1964الذي ينص على “عدم إعطاء أراء مهنية لم نتفحصها شخصيا” و فقا لـ(قاعدة غولدوتر)، فان عددا من المعنيين بالتحليل النفسي اشاروا الى ان ترامب(مسكون باضطرابات شخصية متعددة)..وصفات أخرى في شخصية ترامب تفضي في خلاصتها الى ان الرجل لا يصلح ان يكون رئيسا للولايات المتحدة لأسباب سيكولوجية وعقلية!.فيما وصفه آخرون بالمشاكس و الخطر والمتهور..والمجنونة
ففيما يخص الأفكار فان ترامب هو الشخصية الأكثر وضوحا وصراحة في تاريخ الرئاسات الأمريكية، للمواصفات السيكولوجية التي ذكرناها ، لكن مشكلته ان لديه افكارا كثيرة وخيالات واسعة تتطلب حلولا كثيرة يكون من الصعب التنبؤ بقراراته ، فضلا عن انه يتصف بالسرعة في اتخاذ القرارات، بدليل انه اتخذ خمسين قرارا تنفيذيا في اول اسبوع لرئاسته في سابقة ما حصلت من قبل في البيت الأبيض.على ان الأخطر من ذلك هو انه مصاب بعقدة (اسلاموفوبيا) وانه يبررها بأنها المطلب الرئيس لتحقيق الامن داخل اميركا، وقد نفذها عمليا باصدار قراره بمنع دخول مواطني سبع دول اسلامية، وانه مهما اشتد السخط والضغط فأنه لن يتراجع مطلقا الى انتهاء مدة التسعين يوما ليعرض على الكونغرس. ومشكلة اخرى فيه انه يحمل فكرة عن نفسه بأنه (سوبرمان) عززها فيه مناصروه وطاقمه الانتخابي..ما يعني ان فيه احدى اهم خصائص الشخصية النرجسية المتمثلة بشعارها (أنا مميز).غير انه يحمل، من جانب آخر، افكارا (وردية) عن مستقبل اميركا تجعله ينشغل بها،امنيا واقتصاديا وخدميا، اكثر من اي رئيس اميركي سبقه،وانه يريد ان يجعل من اميركا صورة مطابقة لمواصفات شخصيته الاستثنائية في طموحها. والخطر في ذلك ان سيكولوجيا طموحه الأقتصادي تغريه بتطبقها في ميدان السياسة.. وفي هذا مجازفات أخطرها ان دافع كراهيته لأيران يدفعه الى الانتقام منها..ولكن على ارض العراق..يكون الضحية الأكبر فيها.!. وفيما يخص المكون الثاني للشخصية (الانفعالات)، فان اخطر انفعالات ترامب على ادائه السياسي هي سرعة الغضب التي قد تدفع به الى اتخاذ قرارات غير مدروسة،ومن دون اكتراثه بأحاسيس ومشاعر الناس الذين تطالهم تلك القرارات.غير ان ترامب سيشعر بفرح غامر لكل قرار يعجب به الآخرون،وانه ممثل بارع في نشر الفرح بين مريديه بطريقة استعراضية يكون فيها هو مركز الانتباه وحديث الناس. ولأن طبيعة الأفكار ونوعية الأنفعالات تحدد السلوك، فان الذي يعنينا هنا هو القرارات التي سيتخذها. وتفيد قراءتنا لشخصية ترامب بأنه لن يلتزم تماما كما فعل سابقوه بمبدأ الحكم في اميركا القائل بأن الرئيس سواء أكان جمهورياً أم ديمقراطياً لا بد له من الانصياع لمؤسسة الحكم في الولايات المتحدة تحدد له ما يجب أن تكون عليه سياسته وفقا لأطر ثابتة .. ليس فقط لأنه يتصف بالعناد والثقة المطلقة بالذات وعدم الأخذ برأي منتقدي سياسته، ولأنه يرى أن مؤسسة الحكم هذه كانت هي السبب التي اطاحت بعظمة اميركا.
في ضوء ذلك نخلص الى ان الغالب في شخصية ترامب هو توليفة من ثلاث شخصيات
: النرجسية بالمواصفات اعلاه،والتسلطية الاستعلائية التي تتسم بانفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها وتصنيفها الناس بثنائيات في مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء ،و الاحتوائية التي تعني السيطرة على الآخرين باحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية.. وقد عكسها توقيعه الذي يبدأ بقمة عالية وينتهي بقمة عالية وما بينهما ملفوفة التواءات مضغوطة ومستسلمة!. ولأن ترامب يريد ان يعيد لأميركا عظمتها بالصورة التي تطابق صفات شخصيته بالكارزما الأمريكية،فانه وطاقمه الذي اختاره من اكبر اثرياء اميركا واشهر جنرالاتها المحالين على التقاعد، سيركز جهوده على بناء اميركا اقتصاديا و سيتخلى ،ولو جزئيا،عن الدور الذي كانت تلعبه اميركا بوصفها شرطي العالم) ،والقائمة التي كان يضعها البيت الأبيض بأزاحة رؤساء دول، الا في الحالات التي تهدد أمن اميركا تحديدا.وهذا يعني ان حقيقة ترامب ليست بحجم الصورة(البشعة) التي تشكلت عنه بأنه : فاشي،يميني محافظ حد النخاع،ثور هائج ينطح كل من يقف أمامه ،وان موجة الاحتجاجات ستطيح به قبل ان يكمل مدة رئاسته.. لأن الأمريكيين (القوميين) سيكونون معه، ولأنه سوف لن يشكل خطرا على جهوده على تحقيق شعاره العالمي (Again Great America Make
، ولان معظم الآمريكيين قد سئموا من تدخل امريكا في شؤون الدول الأخرى،وضجروا من اربعين مليون مهاجر، وكرهوا سيكولوجيا معظم رؤساء دولتهم. لكن الخطر في هذه التوليفة بشخصية ترامب على مستوى القرارات التي تخص العالم، انها تستقطبها خاصية الاستبداد بالرأي وتحيط نفسها بمستشارين يقولون لترامب ما يحب ان يسمعه،ولأنه رجل زئبقي أدخل الناس في سيكولوجيا المفاجئات،فأنه وضع العالم كله في حالة انذار
ترامب من وجهة نظر المدرسة السلوكية
ولد دونالد ترامب في كوينز بنيويورك إبنا لفريد ترامب الذي عمل كمطور عقاري ناجح والأم ماري ماكيلود هاجرت من اسكتلندا 1929 وتزوجت من فريد 1936 .
درس ترامب في كوينز ثم أرسله والده إلى الأكاديمية العسكرية للدراسة في سن الثالثة عشر .
درس في جامعة فورد هام لمدة عامين ثم قرر العمل في العقارات التجارية , والتحق بكلية وارتون جامعة بنسلفانيا وحصل على بكالوريوس في علوم الاقتصاد للعمل في مجال العقارات والتمويل مع والده.
العمل السياسي عند ترامب :
تولى منصب حاكم نيويورك 2006 وفاز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 بالرغم الانتقادات التي وجهت له ووصف تصريحاته بالكذب في وسائل الإعلام ثم عاد رئيسا للولايات المتحدة للمرة الثانية في 2025 متبنيا القومية والفكر الشعبوي الذي يطمئن الجماهير عند سماعها عن حل جميع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية .
شخصية ترامب:-
من أهم سماته جنون العظمة والذي يظهر من خلال رفضه للأخذ بنصائح المقربين أو النظر إلى آرائهم ‘يتسم بالأنانية والاعتزاز بالذات والنفس والعدوانية والهجوم المتكرر على خصومه وخاصة الصحافة ‘ كما يشعر بالاضطهاد والتصريحات المتكررة لوجود مؤامرات ضده ومن يتربص به .
يتمتع بالنرجسية من خلال تبذيره للثروة ورغبته في الحصول على الإعجاب واعتقاد أنه محور العالم وذلك من خلال تغريداته التي تحدث فيها عن إنجازاته ليحصل على إعجاب الآخرين وهو عنصري سواء في مقترحاته لبناء جدار يفصل المكسيك و الولايات المتحدة أو كراهيته للأجانب وتصريحاته ضد الجالية الإسلامية , متعجرف ويعتقد أنه متفوق على الآخرين وأن الناس أقل شأنا منه ويحتقرهم ويعتقد أنه فريد وقوي وأفضل من الآخرين . وهو سلطوي متحيز ضد المرأة يهين الآخرين يفتقر إلى التعاطف .
كيف تؤثر سيكولوجيته على قراراته السياسية :-
يطغى علي سياسته الجانب الاقتصادي والمكاسب الدائمة من علاقته مع الدول ومنفعة ومصلحة أمريكا أولا .
يظهر لديه الجانب العسكري أكثر من الدبلوماسي لكونه كان يعمل في المدرسة العسكرية مدربا
وظهر من خلال سياساته الداخلية والخارجية الغرور والعدوان والعجرفة .
تميزه بالعنصرية ضد السود واتهامه لهم بالكسل كسمة أساسية لدرجة أنه رفض الإيجار للمستأجرين السود في عقاراته .
طغت سيكولوجيته في التعامل مع قضية الهجرة والإرهاب وإغلاق تام ضد دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة وترحيل المهاجرين .عارض ترامب فكرة تقديم الولايات المتحدة المساعدات لدول أمريكا اللاتينية .
وفيما يخص القضية الفلسطينية :-
يظهر أنه أكثر المنحازين لإسرائيل وتأييدها والسعي نحو تقوية التحالف معها . ومن أهم قراراته الجنونية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها . يكره ترامب المقاومة الفلسطينية لأنها مسلحة من ناحية وإسلامية من ناحية أخرى ويرى وضوح النزعة السلمية لدى إسرائيل وشكك في الجانب الفلسطيني . وموقفه من تهجير سكان غزةإلى مصر والأردن وتحويل غزة إلى ريفيرا الشرق وليذهب الفلسطينيون إلى مكان آخر . نلاحظ هنا ظهور النزعة الاقتصادية فهو يعتمد على مبدأ الصفقة الذي يقتضي عدم دخول الولايات المتحدة في صراع طويل الأمد ويعود على الولايات المتحدة بمنافع اقتصادية واستراتيجية ا
وعلى ماسبق نجد أن السمة الأساسية لترامب هي العقلية القومية والتي تعني انتهاج سياسة إنعزالية تعتمد على الاهتمام بالشؤن الداخلية واستخدام القوة الصلبة ففكرة التعاطف مع الآخرين ونشر الديمقراطية في البلاد لم تكن الفكرة المحورية عند ترامب ‘ ويعد رجلا جاذبا للمشاكل منهجه دبوماسية الاستعلاء والتنمر عديم الاتزان حيث اصدر العديد من قراراته من خلال تغريدات وعلى ذلك نخلص إلى أن التعامل مع تلك الشخصية يعتمد على فكرة الصفقة وأرى أن الحل في كبح جماح هذا المقامر المغامر هو البرجماتية النفعية الكاملة بمعنى ربط أي استثمارات مالية يريدها في بلاده بمواقفه من القضية .
والتعامل معه بهدوء وحذر شديدين وكسب الوقت لحين انتهاء وقت اللعبة فبالرغم من خطورة الموقف إلا أنه يعد فرصة سانحة يستطيع العرب فيها فرض رؤيتهم .
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب