منوعات

دكتورة فينوس فؤاد تكتب.. الذكاء الاصطناعي.. انطلاقة جديدة في عالم الفن التشكيلي

انطلق يوم الاربعاء ١٦ اغسطس بالقاعة الرئيسية لجاليري بيكاسو للفنون بالزمالك معرض الدكتورة علية عبد الهادي بعنوان انا والذكاء الاصطناعي ويعد هذا المعرض هو الاول من نوعه في هذا المجال الحديث نوعا ما ، فاستخدام التكنولوجيا في مجال التطبيقات الفنية بدأ في مجالات عديدة وان ظلت محدودة بالمجال التطبيقي وتصميماته اكثر من مجال المعارض التشكيلية. ، كما انه ظهر جليا في مجال الاعلان بنوعيه الخارجي والداخلي وكذلك مجال النشر، وايضا يستخدم بكثافة في مجال التصميمات الخارجية والداخلية الخاصة بالعمارة الداخلية والخارجية وتصميم الاثاث واشهر تلك البرامج الاوتوكاد والفوتوشوب وفي مجال التحريك الفينال كت والعديد والعديد من البرامج الخاصة بالمعالجات المختلفة باختلاف انواعها التي يلجأ اليها المصممون لمعالجة تصميماتهم من حيث، ضبط المسافات والابعاد والكسوات والحشوات مما يساهم في ابراز اعمالهم بصورة عرض جيدة.

وقد كتبت عبد الهادي لتقديم هذا المعرض الناتج من رحلتها مع الذكاء الاصطناعي ” تعاملت مع تطبيق الذكاء الاصطناعي باعتباره لعبة ممتعة لاستكشاف امكانياته الفنية ، وواصلت التجربة بلا كلل حتي حدث شئ لايمكن تصوره، فقد نتج عن ذلك نوع من التفاهم المتبادل بيننا، من جهتي طورت صياغة مطالبي وفقا لما اردت الوصول اليه، وفي نفسه طور البرنامج في مخرجاته لتحقق ما طلبته منه” كما وصفت علية عبد الهادي ما انتجه الذكاء الاصطناعي من لوحات طبقا لتوجيهاتها بانه جزء من رحلتها التجريبية مع الذكاء الاصطناعي.

وهنا اتوقف قليلا عند مصطلح التجريب فتعريف و معنى التجريب في معجم المعاني الجامع
ومصدرها جَرَّبَ بمعني وضعه تَحْتَ التَّجْرِيبِ : تَحْتَ الاخْتِبَارِ وَالامْتِحَانِ وهي احد مراحل عمليّة تبنِّي الأفكار المستحدثة يحاول فيه الفرد تطبيق الفكرة المستحدثة وتجديد فائدتها والتأكُّد من مناسبتها لظروفه الخاصّة وهذا ما قصدته علية عبد الهادي في هذه التجربة تحديدا وهو تطبيق المعني الحرفي للتجريب.

وان كنت اظن انها كانت تعني المعني الاوسع للتجريب المتبع في المجالات التشكيلية

الذكاء الاصطناعي الفن التشكيلي

التجريب الفني من منظور مختلف:

ارادت عبد الهادي ان يشمل التجريب في معرضها ما يتم تطبيقه في المنهج العلمي، فالتجربة في هذا السياق هي مجموعة أفعال أو عمليات رصد، تتم ضمن سياق حل مسألة معينة أو تساؤل لدعم أو تكذيب فرضية تتعلق بظاهرة ، حيث تعتبر التجارب اساس ركن المدرسة التجريبية للحصول على معرفة أعمق حول العالم الطبيعي، وهي عبارة عن إجراء يُنفذ من أجل تدعيم فرضية أو تفنيدها أو التحقق من صحتها. لتقدم التجارب نظرة مستبصرة في السبب والنتيجة (العلة والمعلول) من خلال إظهار المحصلة التي تنتج عند معالجة عامل معين. وهذا ما اشارت اليه عبد الهادي في عرض تجربتها حيث انها كانت تغير صياغة الاوامر المدخلة للبرنامج ليقوم هو بتغيير مخرجاته او بالاحري التفاعل المستمر مع اوامر مختلفة الصياغة للوصول الي نتائج مختلفة الرؤي.

فتختلف التجارب إلى حد كبير في هدفها ومقياسها، لكنها تعتمد دائمًا على إجراء قابل للتكرار وعلى التحليل المنطقي للنتائج.

تصنيف التجارب:

يمكن تصنيف التجارب وفقًا لعدد من الأبعاد، المعتمدة على المعايير الاحترافية والمقاييس في المجالات المختلفة للدراسة. وتعتبر التجربة الحقيقية، في بعض المجالات بمثابة منهج للبحث الاجتماعي، إذ يوجد نوعان من المتغيرات. يتعامل المُجرِب مع المتغير المستقل ويُقاس المتغير التابع. وتعتبر السمة المميزة للتجربة الحقيقية هي التحديد المتغير للموضوعات من اجل تحييد أو إضعاف تحيز المُجرِب، ولضمان أنها تحكم كل العوامل المربكة، خلال عدد كبير من تكرار التجربة و هذا تحديدا ما فعلته عبد الهادي في تجربتها وكان سببا في خروج نفس المعطيات (الموضوع) بمعالجات مختلفة وفقا للحدود الشكلية واللونية والمنهجية في التلوين واساليب المعالجة التي ظهرت مختلفة حتي مجتمعيا وحضاريا من لوحة الي اخري وفقا لما ارادت عبد الهادي استخدامه كفرضيات لقياس نجاح التجربة ، في هذا المفهوم التجريبي لا يمكن أن يقوم الباحث بإطلاق الأحكام من خلال التعميم، بل يتوجب النظر بشكل منفرد لكل تجربة ومعطياتها علي حدي ؛ لأن أداء واختيار معين لشخص واحد لا يدل على الإبداع كما لو قام شخص غيره بنفس الأداء، وبالتالي قد تكون الاختلافات الجماعية في الإبداع موجودة منذ البداية.

فالتجريب لدي عبد الهادي هو أحد أساليب الأداء الفني، ونشاط إبداعي قد يكون في مجموعة التخطيطات التي تسبق إنجاز العمل الفني بحثاً عن جوانب تشكيلية مختلفة أو إبداعية جديدة، وقد يكون في إظهار الرؤى الجمالية المختلفة للموضوع، مما يهيئ العقل والحس للممارسة التشكيلية بحثا عن حلول متعددة ومختلفة، إما في إطار خبرتها الفنية الحاضرة، وإما نتيجة لمرورها بخبرات فنية سابقة، فتقدم حلولاً جديدة بتصميمات مستحدثة.

الذكاء الاصطناعي الفن التشكيلي

ويؤكد “جون ديوي” على أن التجريب من السمات الجوهرية للفنان وبدون هذه السمات يصبح الفنان مجرد أكاديمي، وإذا كان الفنان ملزما بأن يكون مجربا فذلك لأن عليه أن يعبر عن خبره ذات طابع فردي عميق وهذا ما حققته عبد الهادي بجدارة في اعمالها الفنية.

كما أن منطلق التجريب يعد معادلا سيكولوجيا للعمليات الدينامية التي تنتج عنها تنظيم المثيرات الإدراكية في الأنظمة الحيوية، وهذا في مجمله يعني استراتيجيه حديثه للصياغة التشكيلية في العمل الفني “شكل – ومضمون”، وتطلق على تلك العملية بالموازاة بين الحيز الداخلي للشكل وبين المكان الحيوي. بمعنى انه كلما كان النظام المكاني في الحيز الفني يقتفي أثر القوانين الإيقاعية والوظيفية الظاهرة لها دلالتها التعبيرية أدى ذلك على دخول الأجزاء المتعددة بما فيها الخامات المتنوعة في مسار دينامي بشكل يجعلها واضحة، ثم تخف حدة التوتر في الحيز فينصرف المدرك إلى إعطاء قيمة أو دلاله معينه لذلك الحيز لتؤكد وحدته.

تؤمن علية عبد الهادي بأن التجريب في الفنون التشكيلية يتيح مجالاً واسعاً واتجاهات متشعبة أمام الفنان، في تعامله مع عناصر التشكيل وأسس البناء الفني، لتحقيق الغرض أو المضمون الرمزي للعمل، وتتحقق الأساليب والاتجاهات الفنية من خلال التجريب في المحاولات المتعاقبة التي تسلكها بحثاً عن توافقات وتبادلات تشكيلية تحقق لها القناعة بتكامل العمل الذي أنتجته بواسطة الذكاء الاصطناعي.

فن التصوير والذكاء الاصطناعي :

أن التجريب – كأحد متغيرات فن التصوير يختلف في أسلوب وتناول وترتيب وصياغة عناصر العمل الفني. ويتضح ذلك في سعي الفنان للحصول على حلول جديدة مبتكرة للوصول إلى أهدافه – كأن يبدأ بالطبيعة وينتهي بالتصميم – وقد استطاع الفنان موندريان “Mondrian” خلال رؤيته الفنية أن يقدم حلولاً تشكيلية للمسطحات والخطوط، وأوضاعاً مختلفة للشكل والفراغ مستخدما التجريب والتحليل الرياضي في ذلك. وهذا لا يختلف في هذا العصر مع ما تقوم به برامج الذكاء الاصطناعي خصوصا التي تعمل في تطبيقات الفنون التشكيلية، حيث تضمنت معظم تجارب الفنون التشكيلية مخزون المعلومات التي تغذي ذاكرة هذه البرامج للتعامل مع الاشكال ويعني هذا أن التجربة في هذه الحالة تخضع لعمليات فكرية متداخلة، تسمح بالحذف والإضافة، وقد تكون غير محددة الخطوات، أو تسمح بتقديم خطوة على أخرى، وعنها تنشأ العلاقات التشكيلية الجديدة التي يكون عنصرها الاساسي من بنات افكار عبد الهادي.

امنت عبد الهادي بان الفكر التجريبي هو إمتداد لمناهج الفكر التي ظهرت في أوروبا بمطلـع القـرن الماضى، حيث دعت الحاجة لوضع مناهج للبحث تفي بحاجات ومتطلبات العصر.من هنا كان”للتجريب قدرة أساسية ومكتسبة تتيح الفرصة للتجديـد في نمـاذج التفكير المختلفة .ومع التدريب على ممارسة التجريب وإيجاد بعض الحلول وراءفكـر معين، ينشط الميل للتعرف على مزيد من العلاقـات التـي تشـكل في حـد ذاتهـا خـبرة معينة في السلوك,وتنمي الرؤية الفنية الواعية والملاحظة الدقيقة لمتغيرات الظـواهر وهذا ما اتاحه برنامج الميد جورني لعبد الهادي فاستخدمته كوسيط اساسي للتجربة الابداعية الخاصة بها.

الذكاء الاصطناعي الفن التشكيلي

الذكاء الاصطناعي وهوية الفنان :

يطرح المعرض الأول لنتاج الذكاء الاصطناعي اشكاليات جديدة تحتاج الي حوار مجتمعي يتعلق بتحقق هوية الفنان داخل العمل واحقيته في الملكية الفكرية لما ابدعه نتاجا لتجربته الخاصة ، وهنا لابد ان يشمل النقاش مدي الاختلاف الذي يقدمه المبدع ويستحق ان ينسب اليه واعتقد ان هذا سيتشابه مع حقوق الملكية الفكرية لما يتم اقتباسه بتصرف من اعمال عالمية (اذا استدعي الأمر الاستعانة بمصادر مغايرة عن الابداع الاصيل للفنان).

ان الذكاء الاصطناعي اصبح لغة يتعلم مفرداتها العالم اجمع، ولكن تظل الملكية الفكرية لاسلوب صياغة تلك اللغة ومفرداتها لتنتج جملا ذات معاني جديدة لم تطرح من قبل.

الابداع والذكاء الاصطناعي :

ادهشني ما طرحه البعض من انكار اقتران الابداع بالذكاء الاصطناعي، وهنا يحضرني مجال الاعلان بانواعه المختلفة وما يستخدمه من برامج للمعالجات التقنية والفنية ينتج عنه اشكال لانهائية من الاختلافات والابداعات، وما تتضمنه مناهج كليات الفنون الدولية الحديثة من مناهج اساسية لدراسة تلك البرامج وتطويعها لخدمة إبداعات الطلاب لتخريج مبدع متفاعل غير منفصل عن العالم المحيط به.

فالتعليم الحالي لتلك البرامج يشمل ابداع الطالب لجزء من العمل بالتنفيذ المباشر ثم اضافة معالجات جرافيكية متعددة لتنتج اشكالا جديدة مبتكره.

فهل تلك الجامعات الدولية تهدف الي تدمير الابداع ام الي تطويعه؟

من المؤكد ان البرامج الحديثة ساهمت في خلق اجيال تستوعب اهمية الفن والجمال اجيال قادرة علي الخلق والتطوير فاختراع الكاميرا لم يقضي علي الفن التشكيلي ولكنه كان سببا في تطويرها وظهور المدارس الحديثة مثل التاثيرية والتكعيبية والسريالية.. والعديد والعديد من المدارس والاتجاهات الفنية.

ان الساحة مفتوحة الان لتوثيق هذه التجربة التي سيسجلها التاريخ كما سجل من قبل تاريخ الحركات الجديدة في الفن والواجب علينا الآن ان لا نقف موقفا سلبيا من تلك التغيرات المتلاحقة بل وجب علينا ان نتكاتف لخلق حوار ثقافي شامل للايجابيات ومحاولة تجنب السلبيات لاستحداث تشريعات جديدة تعمل علي وضع ضوابط للاقتباس وحماية حقوق المبدع المادية والادبية.

الاستاذة الدكتورة علية عبد الهادي اعطتنا جميعا درس في العزيمة والإصرار علي اكتشاف كل ما هو جديد في عالم الفن.. اعطتنا نموذج في الجرأة في البحث والمشاركة في الحوار بلغة راقية وتحضر دون ضجة اعلامية.. قدمت الطرح و تركت لنا التفكير.. فتحت لنا افاق جديدة تجمعنا كتشكيليين علي مائدة حوار واحدة يقودها الاحترام والمودة.. سيكتب التاريخ ان معرض انا والذكاء الاصطناعي هو اول معرض لم يخشي الهجوم بل اهتم بالمفهوم وتوسيع المدارك حول الفن واليات تطويره..

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى