الرئيسيةدراساتسياسية

الدور التركي في الصومال «تنمية أم طموح»

د. مصطفي عيد إبراهيم- خبير في الشئون الدولية

عززت تركيا شراكتها مع الصومال في الأشهر الأخيرة تحت شعار مساعدة وتمكين الصومال من الدفاع عن مياهها الإقليمية وسيادة أراضيها. كما وقعت تركيا مع الصومال اتفاقية لاستكشاف النفط والغاز قبالة سواحل الدولة الواقعة في شرق أفريقيا. وفي ذات الوقت، وردت تقارير عن وجود مناقشات متقدمة لإنشاء تركيا موقعًا لاختبار الصواريخ والقذائف في الصومال، وذلك بعد ان تم توقيع اتفاقية للدفاع المشارك بين البلدين في أوائل العام الجاري.  وتؤكد هذه الاتفاقيات على التطلعات الاستراتيجية والاقتصادية لتركيا في منطقة القرن الأفريقي الأوسع. وخلال السنوات الأربع الماضية، كان هناك زيادة مطردة في الشراكات والاتفاقيات التركية لتصدير المنتجات المتعلقة بالدفاع إلى المنطقة. وشمل ذلك استخدام الطائرات بدون طيار التركية في مناطق الصراع، مثل ليبيا وإثيوبيا. ويشير افتتاح منشأة تدريب في مقديشو إلى زيادة العمق الاستراتيجي لتركيا في القرن الأفريقي، مما أدى إلى توجيه البلاد نحو كل من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والمحيط الهندي.

اقرأ أيضا: مفهوم الردع لدى العقلية السياسية والأمنية الإيرانية.. دراسة للباحث: مصطفى عيد إبراهيم

العقوبات الاقتصادية الإدانة الحرب

لماذا الصومال؟

في بيان أصدرته وزارة الخارجية التركية بشأن توقيع الاتفاقيات مع الصومال، إشار الى عمق وتاريخ العلاقات بين البلدين والتي ارجعتها الخارجية التركية  إلى عهد الإمبراطورية العثمانية. وأشار البيان الى افتتاح السفارة التركية في مقديشو عام 1979، وأغلقت عام 1991 بسبب الحرب الأهلية وأعيد فتحها في 1 نوفمبر 2011. وفي 1 يونيو 2014، بدأت القنصلية العامة التركية في هرجيسا عملياتها. كما قام رئيس جمهورية تركيا طيب أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، بزيارة تاريخية إلى الصومال في أغسطس 2011. وبعد هذه الزيارة، أجرت وكالة التعاون والتنسيق التركية والهلال الأحمر التركي والمنظمات غير الحكومية التركية أكبر عملية مساعدات دولية لتركيا. ومنذ ذلك الحين، تجاوزت المساعدات الإنسانية والتقنية التركية المقدمة للصومال مليار دولار أمريكي. وفي هذا السياق، تم استكمال مشاريع التنمية في مجالات مختلفة مثل الصحة والتعليم والخدمات البلدية والبنية التحتية. وأشار البيان أيضا الى ان الرئيس أردوغان، قد قام بزيارة الصومال مرتين في عامي 2015 و2016. وخلال زيارته في عام 2016، تم افتتاح أكبر مجمع سفارات تركي في العالم رسميًا في مقديشو. ومنذ عام 2013، تولت تركيا دورًا تسهيليًا في المحادثات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وإدارة أرض الصومال. وقد نفذ هذه العملية السفير أولجان بيكار، المبعوث الخاص لوزير خارجية تركيا للمحادثات الصومالية – أرض الصومال.

وعلى الصعيد الاقتصادي أوضح بيان الخارجية التركية بان حجم تجارتنا الثنائية مع الصومال قد بلغ 187.3 مليون دولار أمريكي في عام 2018 و250.850 مليون دولار أمريكي في عام 2019. في حين بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات التركية في الصومال 100 مليون دولار أمريكي. وتدير شركات تركية في الصومال مطار مقديشو الدولي وميناء مقديشو البحري. ومنذ عام 1992، حصل 1092 طالبًا صوماليًا على منح دراسية للتعليم العالي في تركيا. ويبلغ عدد المنح الدراسية المخصصة للصومال خلال العام الدراسي 2019-2020 98 منحة.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، يعود اهتمام تركيا بالصومال إلى عامي 2010 و2011. في ذلك الوقت، كانت الصومال تكافح الآثار المدمرة لحرب أهلية استمرت عشرين عامًا، وتدخلات دولية فاشلة وظهور جماعة الشباب الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة. بالإضافة إلى ذلك، دمرت المجاعة البلاد وأودت بحياة أكثر من 250 ألف شخص. قدمت الصومال لتركيا العديد من الفرص لتأسيس بصمة في منطقة ذات قيمة جيوستراتيجية عالية، وتعزيز صورتها في أفريقيا والعالم. ومن ثم استغلت تركيا نقص الاهتمام الإقليمي والدولي بالصومال التي لم تهتم الا بمبادرات مكافحة القرصنة في خليج عدن وتركيز الولايات المتحدة على الحرب على الإرهاب. اما العالم العربي، فكان منشغلا بالأحداث التي المت به خلال هذه الفترة وتداعياتها التي ما والت مستمرة حتى الان

مما سمح لتركيا ان تنتهج نهجاً متعدد الأوجه في الصومال. وشمل هذا المساعدات الإنسانية والمبادرات الدبلوماسية والاستثمار الاقتصادي. كما دعمت تركيا جهود بناء الدولة وإعادة بناء جهاز الأمن الصومالي.

 

ويعد الاهتمام التركي بالصومال مدفوعا أيضا بالموارد المالية والسياسية التي استثمرتها تركيا في الصومال لاعتبارات سياسية محلية واقليمية. فلقد كانت الفترة من 2016 إلى 2021 فترة توتر بين وبعض الدول العربية، مما حول الصومال الى ساحة للمنافسة بينهم وفرصة لتعزيز مكانة الحزب الحاكم في تركيا بقيادة اردوغان. حيث يلعب التواجد في الصومال دوراً مهماً في رواية النخب السياسية التركية المرتبطة بالحزب الحاكم في تركيا، حزب العدالة والتنمية. ولهذا، تقاربت المصالح الخارجية والداخلية لتركيا مع سياسة الحكومة لدعم المجتمعات المسلمة المنكوبة بالأزمات. ويشمل هذا المجتمعات في الصومال. وهنا، صاغت تركيا مشاركتها باعتبارها قصة نجاح سياسي وإنساني. وينظر إليها الجمهور التركي على هذا النحو.

ومن هذا المنطلق، تمكنت تركيا من تعزيز علاقاتها الأمنية والدفاعية بوتيرة سريعة. حيث توصلت وكالة الصناعات الدفاعية التركية التابعة مباشرة للرئيس في عام 2017والتي تأسست في عام 1985، الى إبرام اتفاقيات الدفاع مع الصومال. كما استغلت تركيا الفرصة لزيادة مشاركتها في قطاع الطاقة. حيث تطلع تركيا إلى لعب دور محوري كمركز رئيسي للطاقة في المنطقة الأوسع. لقد فكرت في إنشاء عمليات استكشاف قبالة سواحل الصومال. وهذا يفسر صفقة التنقيب عن النفط والغاز التي أبرمتها في يوليو 2024 مع الصومال.

اتفاقية الدفاع المشترك

وقعت تركيا اتفاقيات عسكرية واقتصادية مهمة مع الصومال في فبراير 2024، مما يسمح لها بأن تكون لاعباً رئيسياً في سياسة القرن الأفريقي. ووفقاً للاتفاقية التي تستمر لمدة 10 سنوات، ستساعد تركيا الصومال في الدفاع عن بحريتها ضد القرصنة والتهريب والتدخل الأجنبي من إثيوبيا. كما تلتزم تركيا بموجب شروط هذه الاتفاقية بتدريب وإعادة بناء القوات البحرية الصومالية. وتشمل عملية إعادة البناء تسليح القوات البحرية الصومالية بأسلحة تركية مصنعة محلياً. وتشمل هذه الأسلحة فرقاطات تم بناؤها بشكل أساسي للبحرية الصومالية، مما يعني أن الصادرات العسكرية التركية ستشهد زيادة في الطلب على منتجاتها في السنوات القادمة. وهذا من شأنه أن يحفز الدول الأخرى على شراء الأسلحة التركية، خاصة إذا أثبتت الأسلحة التركية كفاءتها في تأمين البحرية الصومالية. كما تمكن هذه الاتفاقيات تركيا من العمل على استخراج الموارد الطبيعية من المياه الإقليمية الصومالية مقابل نسبة متفق عليها لتركيا. وكشفت بعض التقارير أن تركيا ستحصل على 30٪ من عائدات المنطقة الاقتصادية الصومالية. كما سيتم فتح المجال الجوي الصومالي بالكامل للاستخدام العسكري التركي. وتعد هذه اتفاقية الدفاع ايضا 2024 بمثابة نقطة تحول مهمة في التعاون بين تركيا والصومال لتقديم التسهيلات الضرورية في مراقبة ساحل الصومال الممتد على مسافة 3333 كيلومترًا. وتركز تركيا على الأنشطة البحرية. وهذا خيار استراتيجي متأثر إلى حد كبير بالظروف غير المستقرة في الصومال، حيث يصعب فرض السيطرة على الأراضي. وتعد الاتفاقية هي استجابة للتغيرات في المشهد الإقليمي وإعادة تشكيل ديناميكيات القوة الجارية في منطقة القرن الأفريقي. وشمل ذلك: اتفاقية يناير 2024 بين إثيوبيا وأرض الصومال، وهي دولة انفصالية لا تتعرف بها الصومال او المجتمع الدولي.

وتلعب تركيا دور في ملء الفراغات الاستراتيجية من خلال تقديم نفسها كبديل للقوى الغربية عبر المساهمة في دعم الأنظمة السياسية ومحاربة الإرهاب ودعم الحلفاء ضد أعدائهم. ونظرًا لأن تركيا تعتبر الصومال بوابتها إلى شرق أفريقيا، فإنها تسعى إلى الحفاظ على الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، حتى تتمكن من ضمان تسليم سفنها التجارية للمنتجات المصدرة إلى الصومال دون استهدافها. وكذلك فتح أسواق جديدة للسلاح التركي خاصة وان سوق الأسلحة العالمية تنافسية للغاية ومن الصعب على القوى الصاعدة إيجاد أسواق لأسلحتها المصنعة محليًا.

وعلى صعيد التحديات التي يمكن ان تواجه الاتفاقية الدفاعية المشتركة، وبعد توقيع هذه الاتفاقيات، فانه يمكن لأنقرة التعامل قانونيًا مع البحرية الصومالية كمناطق سيادة لا يمكن التنازع عليها. وبما أن الصومال وقعت هذه الاتفاقية ردًا على الصفقة الإثيوبية مع أرض الصومال المعلنة بالحكم الذاتي، فمن المتوقع أن تعمل تركيا بشكل مباشر على منع إثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر، مما قد يؤدي إلى تدهور العلاقات بين تركيا وإثيوبيا. وهذه نقطة صعبة بالنسبة لتركيا لأنها ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين، وهو ما يفسر لماذا لا تريد تركيا تدهور علاقتها مع إثيوبيا. كما تزود تركيا إثيوبيا بطائرات بدون طيار ودعمت حرب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في إقليم تيجراي. وبناءً على ذلك، فإن أفضل خيار لتركيا هو إقناع إثيوبيا بتعليق أو إلغاء صفقتها مع أرض الصومال والتفاوض مع الحكومة الفيدرالية الصومالية بشأن تأجير ميناء لأغراض اقتصادية.

وختاما، فان السياسة الخارجية التركية تبدي اهتماما كبيرا بالقارة الافريقية بشكل عام ومنطقة القرن الافريقي على نحو خاص لما يمنحها من فرص استراتيجية للتواجد في ملفات المضايق والمياه الإقليمية والدولية. وإظهار تركيا بدور الدولة المسؤولة التي تعمل على حماية السلم والامن الدوليين ومحاربة الإرهاب وتمكين الدول المنهارة من إعادة البناء، والتواجد في ملفات الطاقة وذلك عبر استغلال اي مساحات في الفناء الخلفي وبعيدا عن أوروبا لكي تستطيع ان تكون لاعبا مؤثرا في الملفات الإقليمية والدولية الحيوية وبما يمكنها من تحقيق أهدافها الحيوية سواء تجاه أوروبا أو تجاه الدول الأعضاء في حلف الناتو. أو تجاه روسيا الاتحادية والصين او تجاه بعض الفاعلين الإقليميين من الدول العربية وبما يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية لتركيا والحزب الحاكم بها. وان تحقيق هذه الأهداف في افريقيا سوف يصطدم ببعض التحديات التي قد تطلب منها التدخل لإيجاد حل وسط او تقديم بعض التنازلات التكتيكية لتحقيق اهداف استراتيجية مثلما الحال في التوازن بين مصالحها في الصومال واثيوبيا.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى