إن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل “ثابت كالصخر” بهذه الكلمات الكلمات المقتضبة التي اطلقها ألرئيس الامريكي جو بايدن بعد العملية العسكرية التي قامت بها حركة حماس في الداخل الاسرائيلي صبيحة يوم 7 اكتوبر وهي العملية التي اطلقت عليها “طوفان الاقصي “ تبعه بعد ذلك العديد من التصريحات الاعلامية الداعمة لإسرائيل والمتهمة لحماس بأنها كيان ارهابي ولم يقف الامر عند ذلك بل ان الامر تعدي اكثر من ذلك عندما توعد أي طرف آخر معاد لإسرائيل ان يسعى للحصول على ميزة في هذا الوضع مردفا بالقول “إن دعم حكومتي لأمن إسرائيل قوي للغاية ولا يتزعزع” .
واتساقا مع هذا الموقف المتشدد ارادت أمريكا بلغة استعلائية إجلاء رعاياها من حاملي الجنسية الأمريكية والذين يقدر عددهم بحوالي 130 شخص معظمهم من الفلسطينيين قد وصلوا إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح حيث انتظروا هناك عدة ساعات لكنهم عادوا أدراجهم مع تعذر دخولهم إلى المعبر بسبب الموقف المصري
وأمام هذا الموقف الامريكي المنحاز استخدمت مصر “ الدبلوماسية الخشنة” عندما أعلن الرئيس السيسي عن رفض السلطات المصرية السماح بدخول الذين يحملون الجنسية الأمريكية إلى معبر رفح إلا في إطار اتفاق أشمل يخفف من وطأة المعاناة الإنسانية في قطاع غزة بل امتد هذا الموقف المصري المشرف في التعبير عن استياء القاهرة من التصريحات والتحركات الامريكية تجاه القضية الفلسطينية عندما قرع الرئيس المصري مسامع وزير الخارجية الامريكي” بلينكن “ أمام شاشات التلفزيون تعليقا على قول وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته إلى إسرائيل إنه «شخص يهودي» عندما قال انا ممتن لأن أكون هنا في إسرائيل.. اتحدث بشكل شخصي،وأتيت كيهودي مكررا الإدعاء بأن “حماس” ذبحت الأطفال وحرقهم فكانت كلمات الرئيس السيسي موجه له بشكل مباشر تحدثت وقلت أنك إنسان يهودي اسمح لي أقول لك إنني مواطن مصري نشأت في حي جنبا إلى جنب اليهود في مصر ولم يتعرضوا لأي شكل من أشكال القمع أو الاستهداف واستطرد الرئيس قائلا لم يحدث في المنطقة العربية والإسلامية استهداف لليهود في تاريخهم القديم والحديث ربما حدث استهداف في أوروبا أو إسبانيا أما في دولنا العربية والإسلامية فلم يحدث هذا الأمر
لم يعهد الجانب الامريكي هذه المواقف الخشنة من ادارة العديد من الدول العربية ولكن مصر قيادتها الداعمة الاولي للقضية الفلسطينية لها مواقف مشرفة في هذا الامر
وأمام تزايد الهجمات الاسرائيلية التي تستهدف المدنيين الابرياء في فلسطين المحتلة وخاصة “مستشفي المعمداني” والذي استقبل المئات من النازحين الذين فرّوا من منازلهم بسببِ القصف الجوى للطائرات الإسرائيلية التي تجبرهم على تهجيرهم عمدًا ولم يمنع كونه مشفى ومعروفة إحداثياته من أن يتعرض لقصفٍ إسرائيلي جانبي في وقت متأخر من يوم 17 أكتوبر ما أدى إلى سقوط قرابة 500 قتيل وغيرهم من الجرحي قرر الرئيس السيسي بالتنسيق مع ملك الاردن الملك عبدالله بن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس ابومازن علي إلغاء القمة الرباعية مع جو بايدن والتي كان مقرر لها ان تعقد في اليوم في عمان كرد فعل قوي ورسالة شديدة اللهجة ضد ما تقوم به إسرائيل مدعومة بمواقف امريكية واوروبية عمياء وهو جعل الرئيس الامريكي في موقف لا يحسد عليه فقرر مفاجاة زيارة إسرائيل دعما لها
ولم تكن الدبلوماسية الخشنة محصورة في هذه المواقف فقط فعندما حضر رئيس المانيا الاتحادية “اولاف شولتس “ حيث أكد الرئيس السيسي في مؤتمر صحفي دولي خارجا عن التقاليد الدبلوماسية موجها عدة رسائل هامة وهي أن تصفية القضية الفلسطينية أمر في غاية الخطورة مشيرا إلى أن ما يحدث الآن في غزة يهدف إلى تهجير الفلسطينيين لمصر مؤكدا أن ملايين المصريين مستعدون للتظاهر رفضا لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة
فضلا عن ضرورة التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور شامل ومتكامل يضمن حقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها “القدس الشرقية” كما أكد علي رفض مصر لتصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية وأن هذا سيوسع من نطاق الحرب ويعمل علي إدخال قوي إقليمية في هذا الصراع الذي لايحمد عقباه
و أمام هذا الموقف المتشدد من مصر قابله نوع من التغير في الموقف الاميركي من يتابع تصريحات الرئيس الامريكي بايدن منذ احداث 7 اكتوبر وبداية هجوم حماس علي إسرائيل يجد ان لغة الحوار كانت متعنتة وحادة واستمر الحال حتي أنه قال “ او لم توحد إسرائيل لاوجدنا اسرائيل في اشارة واضحة علي تصفية حماس الارهابية كما يطلق عليها ولكن ثمة تغييرا ما طرأ على الموقف الأميركي منذ يوم الأحد الماضي إذ دعي بايدن في مقابلة مسجلة مع برنامج «60 دقيقة» التلفزيوني إسرائيل إلى ضبط النفس وحماية المدنيين في غزة وهو مالم يكن معلن قبل ذلك وهذا ما يفسر الضغط الذي عاشته الادارة الامريكية جراء الدبلوماسية الخشنة التي استخدمتها مصر في رفضها السماح لحاملي الجنسية الامريكية في العبور من منفذ رفح دون دخول المساعدات الانسانية الي قطاع غزة فضلا عن رفض مصر و الدول العربية لفكرة التهجير القسري لسكان غزة الي سيناء فهذه التطورات تفرض نفسها على الدبلوماسية الأميركية التي تحتاج إلى مخاطبة متلقين متعددين ومختلفين فوجب عليها موازنة الدبلوماسية الأميركية الهادئة للتأثير على طبيعة الرد الإسرائيلي الغاشم على هجمات حماس بدبلوماسية ذات مفردات أخرى تؤكد لحكومات المنطقة جدية التزام الولايات المتحدة بحماية المدنيين من طرفي الصراع وهو ما سمح للعديد من الاطراف التي لها وزن نسبي لدي حماس مثل قطر في المساهمة بالافراج عن سيدتين كانتا رهينتين لديهم وعودتهما الي تل ابيب
فسياسة حافة الهاوية التي تنتهجها أمريكا في دعمها لإسرائيل خلقت حالة الاستقطاب السياسي في المنطقة و احرجت العديد من حلفاء امريكا في عدم الضغط على إسرائيل ولهذا تحتاج الولايات المتحدة إلى إظهار قدرتها على العمل مع إسرائيل ومصر وغيرهما من الدول والمنظمات والحركات الفاعلة في المنطقة لكي تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في غزة وهو ماتم التأكيد عليه في اتصال بايدن بالرئيس السيسي والتأكيد علي مرور المساعدات الانسانية لغزة بشكل مستمر
وقد تزداد الحاجة إلى الدبلوماسية العامة الأميركية لمنع اتساع نطاق الصراع خاصة في تعرض الدعم الأميركي لإسرائيل حالياً لضغط مكثف من جانب الرأي العام الداخلي والخارجي
في الوقت نفسه فإن الحرب البرية الإسرائيلية في غزة والتي تم تأجيلها لعدة مرات ستؤدي إلى مزيد من القتلى واشتعال نيران العداء لأميركا في الخارج وانقسامات داخل الولايات المتحدة وزيادة الضغط على دول المنطقة العربية لاتخاذ خطوات تظهر دعمها للفلسطينيين ولهذا تبنت أمريكا سياسة التهدئة حتي لا ينفلت الآمر والتحول إلي حالة من الكراهية من الشعوب العربية كما حدث لفرنسا في منطقة الساحل الافريقي
وعلي الرغم من التغير الملحوظ في الموقف الأميركي فإن قدرة الولايات المتحدة على التأثير على إسرائيل على المدى القريب يبدو محدوداً فرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو حذر من أن رد بلاده على هجمات حماس الارهابية سيتردد صداه لأجيال عديدة وهو ما تحاول ان تغلفه أمريكا بنبرة من التصريحات الاعلامية الموزونة و الداعمة لدخول المساعدات الانسانية لقطاع غزة وبناء ثقة بين الاطراف المعنية من اجل الحيلولة دون اراقة المزيد من دماء الابرياء كعقاب جماعي للفلسطينين
خاصة ان الهجوم الاسرائيلي علي مستشفي المعمداني ومن بعده مجمع ناصر الطبي قد زاد من مشهد زيارة بايدن لإسرائيل تعقيدا
وهو ما انعكس علي خطابه في اليوم التالي لرحلته إلى إسرائيل و الذي دعي إلى تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين ومع استمرار إسرائيل في قصف قطاع غزة والتحضير لغزو بري شدد بايدن بشكل متزايد على الخسائر البشرية المميتة التي خلفها الصراع بين المدنيين هناك قائلاً إنه “ينفطر قلبه بسبب الخسارة المأساوية في أرواح الفلسطينيين” وقال بايدن: “إن إسرائيل والفلسطينيين يستحقون على حد سواء العيش في أمان وكرامة وسلام” كما حذر من تصاعد موجة معاداة السامية والإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة مشيراً إلى مقتل وديع الفيومي وهو صبي أميركي من أصل فلسطيني يبلغ من العمر 6 سنوات استهدف 26طعنة من رجل يعادي المسلمين .
نجحت مصر بشكل لافت في الفترة الأخيرة في إدارة الملفات الخارجية مثل غزة وشرق المتوسط وليبيا بفضل انتهاجها الدبلوماسية الخشنة بغية اتخاذ خطوات جدية نحو حل هذه الأزمات ونجحت مصر كذلك في استعادة حرارة العلاقات مع بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وتطبيع العلاقات مع دول أخرى مثل قطر وتركيا ويعود هذا النجاح إلى نشاط “الدبلوماسية الرئاسية” للرئيس عبد الفتاح السيسي واستخدام “الدبلوماسية الخشنة” في بعض الملفات و”الصبر الاستراتيجي” في ملفات أخرى إلى جانب تشعب علاقات مصر الخارجية و”خبراتها المتراكمة” و”سياساتها المعتدلة” في الإقليم.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب