رأي

د . أيمن ابراهيم الرقب يكتب.. الجنائية الدولية وميزان العدل الخادع

لقد ظهرت المحكمة الجنائية الدولية إلى الوجود بصفة قانونية في الاول من يوليو عام 2002م ، و ليس لها ولاية بأثر رجعي ولا يمكنها النظر في الجرائم المرتكبة قبل ذلك.

هذه المحكمة تختص في النظر في قضايا الإبادة الجماعية ، والجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الحرب وجرائم العدوان ، ويحيل لها مجلس الأمن القضايا للتحقيق والبث فيها بناء على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وقد صادق على قانون روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية 121 دولة قبل أن يصبح الان 123 دولة حيث انسحب دول و دخلت دول جديدة خلال الفترة الممتدة منذ تأسيس المحكمة حتى الآن.

كان أول حكم المحكمة في مارس 2012 ، ضد توماس لوبانغا ، زعيم إحدى المليشيات المسلحة في جمهورية الكونغو الديموقراطية ، بتهمة ارتكاب جرائم حرب تتعلق بإستخدام الأطفال في الصراع العسكري في الكونغو الديمقراطية وحكمة عليه بالسجن 14عاما .
كما أنه تم محاكمة رئيس ساحل العاج لوران غباغبو عام 2011, بتهم القتل والاغتصاب، كما تم التحقيق مع شخصيات أفريقية أخرى ، وتم إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير ، هذا السلوك من قبل الجنائية الدولية ضد زعماء وشخصيات أفريقية حدى بدول افريقيا لاتهام الجنائية الدولية بعدم النزاهة وأنها تستقوي على افريقيا وتتجاهل محاكمة ومقاضاة الدول الكبرى.

على هذه المحكمة مآخذ كثيرة أهمها ما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية حيث لم توقع على معاهدة روما إلا في نهاية حكم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ، و لم يصادق الكونغرس الأمريكي على هذه الخطوة ، وعارضها الرئيس الأمريكي جورج بوش و هدد بسحب القوات الأمريكية من قوة الأمم المتحدة في البوسنة ما لم يتم منح جنود الجيش الأمريكي الحصانة من المحاكمة من قبل الجنائية الدولية ، وقد صوت مجلس الامن رغم المعارضة الدولية على قرار يمنح القوات الأمريكية إعفاء من الملاحقة القضائية لمدة عام تجدد سنويا ، وفي عام 2004 قام مجلس الأمن بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة عدم تجديد هذه الحصانة بعد نشر صور وفيديوهات للجيش الأمريكي وهو يعتدي على الأسرى العراقيين وعلى المدنيين العراقيين ولكن دون محاكمة القوات الأمريكية على جرائمها ، ولم يصدر أي قرار توقيف بحق جنود أو سياسيين أمريكيين ، رغم ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في العراق ودول مختلفة في العالم.

للتاريخ دلائله حول ازدواجية موازين الجنائية الدولية ، ومؤسسات المجتمع الدولي قاطبة ، ففي عام 2015 بدأت الجنائية الدولية تحقيقا أوليا في حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014 ورغم الوثائق التي تقدمت بها السلطة ضد الاحتلال الإسرائيلي وارتكابه جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني ، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لم تصدر أي مذكرة توقيف ضد ساسة وجنود اسرائيليين.

وفي الأزمة الروسية الأوكرانية وجدنا هذه المحكمة تستدعي كل قوتها لمهاجمة روسيا وإصدار مذكرات توقيف متعددة ضد القيادة الروسية وعلى رأسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هذا السلوك والاستنفار من قبل المحكمة الجنائية الدولية وعلى رأسها المدعي العام كريم خان البريطاني الأصل يؤكد أن هذه المحكمة مسيسة وتحافظ فقط على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في العالم ، وأنها محكمة غائبة عن العدالة التي تدعيها ، وان كنت قد تناولت جزء من الملف الافريقي والعراقي والفلسطيني وأبرزت الانحياز الواضح للولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي ، فقد حاولت إيضاح جزء صغير عن هذه المحكمة ومؤسسات المجتمع الدولي التي وجدت بعد الحرب العالمية الثانية للحفاظ على مصالح الأقوياء و تستعرض قوتها على الضعفاء في العالم ، وقد آن الأوان ليتغير هذا النظام الظالم القائم منذ قرابة ثمانون عاماً ، ولا بد من بناء نظام عالمي جديد يساوي بين جميع أعضاؤه .

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى