إعداد الباحث: أيه رجب
تشهد مالي العديد من التوترات الأمنية والسياسية في الآونة الآخيرة ، حيث لم يكتف الصراع بين روسيا وأوكرانيا فقط بمنطقة شرق أروبا بل امتد ليشمل دول الساحل الأفريقي ليشعل المنطقة بأكملها .حيث شهدت مالي الأربعاء 26 أغسطس 2024 توترات أمنية وإشتبكات عنيفة في مدينة زواتين والتي تبعد مئات الأمتار عن حدود الجزائر بين كل من حركة آزواد والجيش المالي المدعوم مباشرة من قوات فاجنرالروسية أو ما يسمى حاليًا ” الفيلق الأفريقي ” ، وتندلع أحداث أخرى بوجود صراع روسي أوكراني في في الآراضي المالية على الصعيد الأمني والعسكري في صورة تدخلات البلدين في دعم أطراف الصراع داخل مالي [1].
بداية الانفجار بين الآزواد وقوات الجيش
وبالعودة إلى بداية الصراع في مالي بداية من إنسحاب القوات الفرنسية من مالي في 2022 ،ويليها إنسحاب قوات الأمم المتحدة من قطاع بيرن في أغسطس 2023 ، ومنذ ذلك الحين بدأ الصراع يتأجج بين الأطراف حول من يملأ هذا الفراغ الأمني الناتج عن تلك الإنسحابات ، وشهد الصراع تنصل الأطراف المتحاربة عن إتفاقية السلام المنعقدة في 2015 بوساطة جزائرية .[2]
وبدأت سلسة العمليات الهجومية بين أطراف الصراع من قوات الجيش من جهة والآزواد المتكونة من العرب والطوارق، والحركات الجهادية والإرهابية من قبيل داعش ونصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم القاعدة من جهة آخرى ، والتي نقلت ساحة الصراع على حدود مالي وبوركينافاسو والنيجر. واشتد الإحتقان الأمني بعد إعلان الجيش في نوفمبر 2023 سيطرته على منطقة كيدال وهي نقطة تجمع الثوار الطوارق . ومؤخرًأ اندلعت في منطقة آزواد شمال مالي منذ شهر أغسطس 2023 موجة من العنف المتصاعد في البلاد تسبب في خسائر بشرية ومادية احاطت بالبلاد[3]
محفزات الدور الروسي في مالي
أصبحت روسيا طرف أصيل في محور الصراع بين الآزواديين والجيش المالي وذلك من خلال دعمها عسكريًأ لقوات الجيش المالي حيث شهدت العلاقات الروسية المالية تطورًا كبيرًأ ولاسيما عقب خروج القوات الفرنسية والأممية من الشمال المالي ، وتحول إستيراتجية الولايات المتحدة عن الساحل الأفريقي واتجاهها إلى الباسيفيك ، وبروز روسيا كطرف دولي يحاول ملئ الفراغ الأمني والإستيراتيجي في القارة الأفريقية ككل مستغلًأ بذلك الأخطاء التاريخية لسابقيه ، مما عزز وجوده في الساحة مرحبًا به من معظم الدول الأفريقية[4] ،
كيف توطد روسيا دورها عسكريًا في مالي
أولاً تعزيز العلاقات بين البلدين ودعم مالي عسكريًا من خلال صفقات السلاح ، حيث شهدنا تسلم معدات وأجهزة عسكرية جديدة بين روسيا ومالي في 2022 ومن بينهما 5 طائرات ومروحية عسكرية ، كما عملت روسيا على تعزيز قدرات مالي الاستطلاعية والهجومية بطائرات L39 المقاتلة وسوخوي 25، والتي أضيفت إلى طائرات من طراز «سوبر توكانو» وطائرات أخرى مستخدمة بالفعل. إضافة إلى مروحيات هجومية من طراز MI24P وطائرات MI 35 وMI24 .
ثانيًا مشاركة قوات فاجنر الروسية الجيش المالي في العمليات القتالية ضد الجماعات الإرهابية والإنفصالية في شمال مالي ، على الرغم من نفي الكرملين إرتباطها به .
أوكرانيا في حساب الصراع
ظهرت أوكرانيا مؤخرًا كداعم أساسي للشعب الآزوادي ونصرة الإسلام والمسلمين في مواجهة قوات الجيش المالي وحليفته روسيا حيث قوات فاجنر الروسية .
تحالفت أوكرانيا مع قوات الآزواد في شن عملياتها الإرهابية ضد الجيش المالي والفيلق الأوفريقي في يوليو 2024 نتج عنه خسائر بشرية أُلحقت بقوات الجيش وفاجنر الروسية ،[5] كما قامت السلطات الأوكرانية بالتعاون مع المقاتلين النشطين في شمال مالي، حيث قدمت لهم معلومات استراتيجية وتدريبًا على استخدام الطائرات من دون طيار. وقد صرح أندريه يوسوف، المتحدث باسم جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكراني، بأن وكالته تتعاون بالفعل مع هؤلاء المقاتلين. وأكد أنهم “تلقوا معلومات مفيدة، وليست فقط تلك التي ساعدتهم في تنفيذ عملية عسكرية ناجحة ضد القوات الروسية في مالي”. من جهة أخرى، نفت كييف أي علاقة لها بالهجمات.
وشهدت العلاقات المالية الأوكرانية قطيعة دبلوماسية على إثر هذه الاحداث والتي وصفها الجانب الأوكراني بالقرار المتسرع والغير مدروس من مالي وذلك في يوليو 2024 [6].
سناريوهات التصعيد
على الصعيد الداخلي : – من المحتمل تصاعد العمليات القتالية بين أطراف الصراع في الأيام القادمة ، ومحاولة تواجد تحالفات بين الآزواد والجماعات الإرهابية في مالي سواء نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم القاعدة وأيضًا داعش ولاسيما مع وجود المصالح المشتركة بينهم ضد قوات الجيش المالي وذلك في ظل السياسة الحاسمة التي أتخذها الجيش المالي في مواجهاته تلك الجماعات ، وبالتالي التعزيز من دور الآزواديين في مواجهة الجيش المالي وبجانبه قوات فاجنر الروسية ، وزيادة العمليات العسكرية لحركة الآزاود وتفاقم الوضع الإنساني في مالي نتيجة لحالة الحرب المشتعلة التي ستسلكها حركة الآزواد بدعم من الأطراف الداخلية ، وأيضًا تعزيز فرصة نجاح الآزاواد في إسترجاع منطقة كيدال التي إستولى عليها الجيش في نوفمبر 2023 ,
وعلى الصعيد الروسي والأوكراني :- فمع إستهداف بوتين التواجد الإستيراتيجي المستمر في القارة الأفريقية ، فمن المتوقع زيادة المساعدات المقدمة من قوات فاجنر الروسية للجيش المالي على الرغم من الخسائر البشرية التي شهدها قوات فاجنر والجيش المالي في ظل المواجهات ضد الآزاواديين ، وأيضًا الدعم الروسي لمالي دبلوماسيًا وخاصة في ظل القطيعة الدبلوماسية بين مالي وأوكرانيا الذي أشرنا له سابقًا.
ولأن أوكرانيا جعلت من استهداف المليشيات شبه العسكرية الروسية هدفاً استراتيجياً لها في أفريقيا فمن المحتمل تزايد المساعدات المقدمة من أوكرانيا للحركات القتالية في مالي لمجابهة وإستنزاف قوات فاجنر الروسية في غرب أفريقيا ، وبالتالي ستقدم أوكرانيا مساعدات عسكرية ومادية مباشرة لحركة الآزواد تتجاوز ماقدمته في يوليو 2024 مما يعزز من قدرات الحركة الآزوادية في مواجهة الجيش المالي ، وأيضًا ستحاول أوكرانيا دعم مالي دبلوماسيًا في الطاولات الدولية مما تعزز من صورة الحركة أمام المجتمع الدولي بكونها جماعة ضحية للجيش المالي وقوات فاجنر الروسية في أفريقيا
وعلى الصعيدًا الاقليمي :- ولكون الجزائر دولة جوار مباشرلمالي ، فنجدها هي الأكثر تعرضًا للتهديدات الأمنية والعسكرية جراء هذا التصاعد المستمر، ومؤخرًا مع تناثر الصراع على الحدود مع الجزائر وإمكانية جرها إلى بؤرة الصراع وهو ماتخشاه ، فمن المحتمل أن نشاهد تصاعد للعمليات القتالية بين طرفي الصراع وبالتالي تهديد للأمن القومي للجزائر ، حيث تدفق الإرهابين عبر الحدود الجزائرية والأسلحة ، وبالتالي سنجد تحركات جزائرية للوساطة بين الأطراف كما حدث في 2015 ، وقد تسعى الجزائر بالتعاون مع كل من المنظمات الدولية ودول الجوار لتهدأة الأوضاع في مالي ، ومحاولة التعاون مع الإتحاد الأفريقي في نشر قوات لحفظ السلام على الحدود مع مالي .
وختامًأ… إن ما تشهده مالي من توترات أمنية وعمليات قتالية بين أطراف الصراع الداخلي أصبح يعكس بشكل واضح عن مدى إمتداد الحرب الروسية الأوكرانية في الساحل الإفريقي ، ومحاولات الطرفين إستنزاف الآخروتحقيق أجندته السياسية خارج آراضي المعركة وكل ذلك على حساب مالي ، مما زاد من تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد.وامتد تداعيات الصراع على دول الجوار المباشر حال الجزائر ، فمن المؤكد أن تشهد المنطقة توترات أمنية وسياسية قادمة سيكون ضحيتها الآراضي المالية .
المصادر:
- أحمد عسكر ، حسابات أفريقيا بعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستيراتيجية ، 26 فبراير 2023 ، تاريخ الدخول 1 سبتمبر 2024 ، متاح : https://acpss.ahram.org.eg/News/17818.aspx
- أماني الطويل ، ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية في الساحل الأفريقي ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستيراتيجية ، تاريخ 17 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 29 أغسطس 2024 ، متاح : https://acpss.ahram.org.eg/News/21248.aspx
- إنفجار العنف في شمال مالي : تطورات الوضع العسكري وتأثيراته في إقليم الساحل ، مركز الإمارات للسياسات ، تاريخ4 أكتوبر 2023 ، تاريخ الدخول 30 أغسطس 2024 ، متاح : https://epc.ae/ar/details/brief/ainfijar-alunf-fi-shamal-mali-tatawurat-alwade-alaskari-watathiratuh-fi-iqlim-alsahil
- الشيخ محمد ، الساحل الأفريقي جبهة جديدة للحرب الروسية الأوكرانية ، الشرق الأوسط ، تاريخ 14 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 1 سبتمبر 2024 ، متاح : https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%
5. قتلى وجراحى في هجوم للجيش المالي شمال البلاد على مواقع الطوارق قرب بلدة جزائرية ، الشرق الأأوسط ، تاريخ 26 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 1 سبتمبر 2024 ، متاح : https://aawsat.com/
- لماذا قطعت مالي علاقتها الدبلوماسية مع أوكرانيا ؟ ، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، تاريخ 7 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 1 سبتمبر 2024 متاح : https://futureuae.com/
[1] قتلى وجراحى في هجوم للجيش المالي شمال البلاد على مواقع الطوارق قرب بلدة جزائرية ، الشرق الأأوسط ، تاريخ 26 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 1 سبتمبر 2024 ، متاح : https://aawsat.com/
[2] إنفجار العنف في شمال مالي : تطورات الوضع العسكري وتأثيراته في إقليم الساحل ، مركز الإمارات للسياسات ، تاريخ4 أكتوبر 2023 ، تاريخ الدخول 30 أغسطس 2024 ، متاح : https://epc.ae/ar/details/brief/ainfijar-alunf-fi-shamal-mali-tatawurat-alwade-alaskari-watathiratuh-fi-iqlim-alsahil
[3] لماذا قطعت مالي علاقتها الدبلوماسية مع أوكرانيا ؟ ، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، تاريخ 7 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 1 سبتمبر 2024 متاح : https://futureuae.com/
[4] أحمد عسكر ، حسابات أفريقيا بعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستيراتيجية ، 26 فبراير 2023 ، تاريخ الدخول 1 سبتمبر 2024 ، متاح : https://acpss.ahram.org.eg/News/17818.aspx
[5] أماني الطويل ، ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية في الساحل الأفريقي ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستيراتيجية ، تاريخ 17 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 29 أغسطس 2024 ، متاح : https://acpss.ahram.org.eg/News/21248.aspx
[6] الشيخ محمد ، الساحل الأفريقي جبهة جديدة للحرب الروسية الأوكرانية ، الشرق الأوسط ، تاريخ 14 أغسطس 2024 ، تاريخ الدخول 1 سبتمبر 2024 ، متاح : https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%