علي عمر التكبالي يكتب.. معركة أم حرب؟

ونحن نشهد الحرب الشعواء الذي يقودها الغرب على قطعة صغيرة من الأرض، نشعر بالحيرة، وأيضا بالغيرة من تضامن أولاء رغم الظلم والعدوان، وتفرق هؤلاء رغم الحق والبرهان.

وليس من طبعي أن أتحيز لفريق دون آخر لشعور بالقرابة أو الصداقة أو الجنس أو الدم، ولكن الحقيقة أن هذه المسألة لا تحتاج إلى تبيان، رغم الدعاية والقمع الفكري والملاحقة العبثية التي لا تليق بأمم بنت أخلاقياتها على ديمقراطية اليونان.

اللافت للنظر حتى للمرء الذي لا يمارس السياسة، ولا يفهم في الدبلوماسية والكياسة هو الهبَّة المجنونة التي قامت بها الدول الغربية ضد فصيل صغير مقاوم أراد أن يري الجانب الآخر بصواريخ بدائية كيف يكون الرد على عدوان متواصل منذ خمس وسبعين سنة حتى يقول للعالم إن القضية الأولى هي مع فلسطين، ولن تختصر في سلام وهمي مع العرب.

ويتساءل المهتمون بالأمور عن سبب هذه الهجمة الشرسة، والتأييد الأعمى لدولة مدججة بالسلاح الفتاك، يسبقها تاريخ حافل من العنف والقتل والمذابح، فيبحثون عن الأسباب والتبريرات، وينكشون مختلف النظريات. ومنهم من يذهب إلى الأبعد فيتذكر على وقع هذه الخطوات مخلب إسرائيل إبان حرب العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، ويحاولون البناء عليه في تفسير هذا الأمر.

• اقرأ أيضا:د. علي عمر التكبالي  يكتب.. لن يبكوا عليك طويلا يا درنة

والمرء يستشف من كل هذا أنْ لا حماس ولا إسرائيل هما المحركان لهذه المعركة الشرسة، فكلتاهما مجرد لاعبين يظنان أنهما يديران النزال، ويتوعدان العدو بالوبال، ويهددان بسحقه ومحقه. ولكن الحقيقة المُرة، وإن ظهرت لنا بمقاوم لاحتلال يبغي الفكاك، ومحتل شرس لا ينفك عن دحر هذا الحراك هي أكبر من هذا أو ذاك. وأنا هنا لا ألغي غرض حماس الصادق، ولا استعداد المحتل الصاعق، ولكنني أنظر إلى أبعد من ذلك. نظرتي تمتد إلى حكام العالم الذين يتلاعبون برغبات الشعوب، وتوجيهها نحو القتال والحروب باستغلال كل تراكمات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة، وكل ما له صلة بإيقاظ الحقد الكامن في القلوب.

وبإغفال الحرب الباردة الأولى التي استفحلت بعد الحرب الكبرى الثانية، أبدأ من الحرب الباردة – الساخنة التي أعقبت تفكيك الاتحاد السوفييتي، وسيادة القطب الواحد، والذي استفز بأنانيته وعدم احترامه للعهود شعور الروس واعتزازهم بوطنهم، فنتجت الحروب الخفية بين الفريقين، وظهور الصين المفاجئ على المسرح السياسي والاقتصادي والعسكري. ولا شك أن بزوغ فجر هذه الأمة الذي بدأ بطيئا ثم انفجر كقنبلة فاجأ العالم، وحفز البلدان التي سميت بنمور آسيا على الاتحاد في “كارتيل” أزعج دول الغرب ونبههم إلى ضرورة حماية مصالحهم في آسيا والعالم، وضرورة وأده قبل أن يتحالف مع جارهم التنين المتحفز مما حدا برئيس ماليزيا “مهاتير محمد” على انتقاد أمريكا علنا واتهامها بمحاربة هذه الدول الناشئة.

ومن ثم احتدمت المنافسة بين روسيا والصين وحلفائها من جهة والذي أسميه الشرق الجديد، وبين أمريكا وحلفائها “الغرب القديم”.

ورغم وجود الفلاسفة والمنظرين والاقتصاديين الأفذاذ في هذا الغرب إلا أنهم فشلوا في استيعاب جدية الحراك الزاحف من الشرق نحو إفريقيا وباقي دول العالم نظرا لاعتمادهم على نظرة فوقية مخزونة في ضمائر عتيقة تؤمن بتفوق الإنسان الأبيض. هذا الفخ الذي وقع فيه هؤلاء المتعالون الذين تناسوا المآسي التي جنتها الشعوب من سياسات الغرب العقيمة التي دمرت بلدانهم، وأثقلت وجدانهم. مما جعلها تنحاز إلى القوة المتعاظمة ضد القوة التي يعتبرونها غاشمة.

وليس هناك ما يزعج أمريكا بالذات مثل النمو المتعاظم للصين، ومثابرتها على تخطيها متحالفة مع دول أخرى قوية لو توافقت حقيقة لأفلحت في السباق على سيادة العالم.

ورغم أن أمريكا زعيمة الغرب أفاقت إلى ما فعله صقورها المتعصبون في إسقاط سبع من الدول العربية في فخ الربيع العربي خدمة لإسرائيل في المقام الأول، رغم أنهم يعلمون أن هذه الدولة لن تستطيع أن تصمد على المدى الطويل، وأن العقيدة الصهيونية التي اجتذبت اليهود في السابق لم تعد تجد صدى كبيرا لدى الشباب الجديد، وبهذا صرح الكثير من المفكرين والساسة الغربيين الذين تنبؤوا بزوال إسرائيل. ولكن لأسباب كثيرة أهمها خوف الساسة من اللوبي الإسرائيلي والطمع في تأييدهم، وهم في هذا مثلهم مثل أكثر السياسيين في العالم، لا يهمهم إلا مصالحهم الضيقة. وهذا المعتقد هو الذي جعل “ترومان” يساند قيام دولة إسرائيل ويتخطى المبدأ الأخلاقي الذي ساد أمريكا بعد الحرب الكبرى الثانية.

وأريد أن أنبه هنا بأني لست من الذين يؤيدون وجهة النظر التي تقول إن اليهود يحكمون أمريكا، والتي تبدو واضحة في زمن السياسيين الضعاف، لأنني أعلم أن الذي سمح بقيام وتعاظم هذا اللوبي قادر على إضعافه وحتى إنهائه..

حقيقة الأمر أن المنظومة الأمريكية تستغل إسرائيل في مخططاتها، وإسرائيل تستفيد من مؤيديها في استغلال سياسيي أمريكا الضعفاء. فأمريكا تعلم أن كيانا متناقضا مثل إسرائيل لن يستطيع أن يظل قائما في هذا المحيط المشحون بالعداء المتعاظم، خاصة وأنه وطن نفسه على العنف والقمع والمذابح لإرهاب أصحاب الأرض، فعاد عليه بأجيال أكثر إصرارا على دحره. ولا تظنن أن إسرائيل لا تعلم أنها دولة عابرة وأنها لن تستطيع المقاومة بدون أمريكا، لذلك فهي تحاول دائما أن تعمل من أجل الاستقلال الذاتي في كل المجالات بمغازلة الصين وروسيا وتركيا والهند وجنوب إفريقيا، وغيرها حتى لو وصل الأمر إلى تسريب بعض الأسرار العسكرية والاقتصادية.

نعود لهجوم حماس المفاجئ الذي أقلق إسرائيل ومن وراءها وجعل أمريكا ترسل بحاملات طائراتها والكثير من أسلحتها المتفوقة إلى المنطقة. لا شك أن نفوذ اللوبي الإسرائيلي قام بدور كبير، ولكن المنظومة الخفية هي التي حفزت ذلك واعتبرتها فرصة للقضاء على كل أطراف الأخطبوط الصيني – الروسي.

إن الإصرار على تدمير غزة والإمعان في قهر الإنسان الفلسطيني، وإذلال الكرامة العربية كله يصب في إثارة نخوة الشعوب لإجبار حكامها وأحزابها ومنظماتها للتحرك اللامدروس كي يتم القضاء عليها بقوة لا يمكن مواجهتها، فتضمن قصقصة أجنحة طائر الرخ الكبير.

ورغم أن الصين شاركت في هذا العرض العسكري ببعض من قوتها البحرية، وروسيا أيضا ببعض من قوتها الجوية إلا أن الأمر لن يتعدى محاولات للدراسة والتجسس للاستفادة من طرق التعبئة وطرق الحركة.

ولا شك أن الجانب الغربي هو أكثر جرأة واستعدادا للدخول في حرب لنصرة إسرائيل لأسباب كثيرة، منها انهم يعتبرونها الحليف الوحيد في المنطقة وسط بلدان اعتبروها بقرة حلوبا فقط، كانوا ينتظرون هياجها في أية لحظة فروضوها إما بالعلف أو السوط كلما اشتموا منها عصيانا.

إن إحجام الصين وروسيا وإيران عن الدخول في معركة مباشرة إلى جانب حماس ربما يكون مرده إلى عدم الرغبة في الدخول في معمعة ليسوا مستعدين لها في الوقت الحاضر. أو ربما معلومات خفية فضحت المخطط الكبير للدولة الكبرى. عليه من المرجح إن أصرت إسرائيل على الدخول إلى غزة فقد لا يتحرك فعليا مع حماس إلا حزب الله والفصائل المتحالفة مع إيران.

فحتى ذلك اليوم الذي قد تعطي فيه أمريكا لحليفتها بدء الحرب، إذا تأكدت من كسبها، سوف نشهد الكثير من الدمار والقتل الذي لن يزيد الفلسطينيين إلا إصرارا، ولن نرى من المعتدي إلا إدبارا.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب