أحمد جويلي يكتب.. التكامل أو الاستبعاد .. خرائط تتغير وقيم تختل ولاجئين على طاولة الحدث!
في عالم أصبح قاسٍ بمتغيرات شديدة التعقيد والتسارع، نجد أن الخريطة السكانية الديموغرافية تغيرت بشكل مثير للانتباه. فالحروب تدقُّ أبواقَها في كل مكان بشكل غير مسبوق على مسامع الشرق الأوسط، هذا الجزء المثير من العالم الذي يحرص بشدة على الاستجابة للمثيرات بكافة أشكالها. تؤدي بشكل حتمي إلى تصارع بلا حدود، يخلِّف وراءه الآلاف من الضحايا والملايين من النازحين أو اللاجئين. ومن الطبيعي أن تكون مصر هي المرشحة الأولى لاحتواء تلك الأزمات وهؤلاء الأبرياء، وهي أمور شديدة البديهية من قديم الأزل وحتى يومنا هذا.
مصر بطبيعتها ملاذ آمن عبر العصور، وصِدق تلك النظرية من صِدق نبي الله يوسف عليه السلام حين قال لنبي الله يعقوب وجميع من معه “ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين”، حيث أننا إذا نوقن صدقها من صدق كتاب الله العزيز الحكيم، تصبح ليست خصوصية ليوسف الصديق في عصره فقط بل لجميع الأزمان ومع الجميع.
وعلينا أن نُقر بأن مصر متفردة بهذا الشكل الأمثل من التعامل مع الضيف في كل زمان ومكان، ولكن لكل شعب طبيعته وثقافته التي يتوجب على الجميع تقبلها، خاصة حينما نكون في ضيافته. المصري ليس شخصاً مهاجراً بطبيعته، فلن تجد تقبل الثقافات الدخيلة حديثاً على المجتمع المصري سهلاً، لأن المصري لا يرتاح بالتداخل الجبري الجذري والشامل. بل له الخصوصية في امتصاص الحضارات والثقافات، أي ذوبانها بشكل كامل وهضمها بشكل لين ويسير على بعيد المدى، والخروج معها بشكل جديد أكثر تفرداً من ذي قبل. فإذا شعر بأن هناك شيئاً دخيلاً أو عاملاً غريباً قد تداخل في هذه المعادلة، يرفضه بشكل حاسم قاطع.
بالإسقاط على واقعنا المعاصر، فإن ضيوف مصر ملئ القلب والعين يرفض أي مصري راشد عاقل أن يمسهم بسوء. فهذه هي طبيعة مصر وموروثها الثقافي عبر العصور.
أما عن دعوات رفض استضافة اللاجئين أو النازحين التي أصبحت أكثر انتشاراً في الفترة الحالية، فلن انعتها بالتخوين، ولن أخذها على محمل التهوين،
فكل شئ أسباب ذات جذور وعلينا الوصول إليها وعلاجها، المصري مثلما يراعي حقوق الضيوف، يرفض التكتل الداخلي بأي شكل كان ولو كان من جزء من النسيج الوطني الخالص، ويتجنب أن تُقابل تلك المودة التي يقدمها لضيوفه الكرام بالأسى أو التجاوز. المصري يلفظ أي جسم غريب دخيل على معادلة تكوينه، كما يرفض ويلفظ أي محاولات لتوطين ثقافة لم تكن يوما جزءًا من المكون المصري. وهنا مربط الفرس ومكمن الخلاف!
رغم التنوع الحضاري والثقافي الفريد الذي تشهده مصر في جميع المحافظات، فلن نجد ثقافة الساحل مثل ثقافة أهل الريف أو المدينة مع أهل النوبة، لكنها في النهاية جزء من المكون الحضاري والثقافي المصري الذي مر عليه دهر من الزمان والذي تنوع وتزاوج وتم هضمه ثم خرج منه جانب فريد وجديد تماماً، من المكون الحضاري فأصبح نسيج وطني واحد متماسك.
بتبسيط مُخل لهذه التكتلات: مثال صغير: إنشاء مقهى موجه لجنسية معينة بلغة وثقافة محددة غريبة عن المُكون الأساسي، يعتبره المصري تصرف غير ودود لأنه يميل للعزلة ويدفع الى استبعاد أي شخص آخر ولو كان مصريًا باعتباره دخيل عليهم أو غريب!.
ويُرحَب بذات الشخص أياً كانت جنسيته حين يجلس على المقهى العادي فيذوب مع طبيعة البلاد وأهلها الطيبين، وسوف يكون محل رعاية كل مصري واهتمامه. كما يرفض المصري أي مطعم يحمل جنسية معينة، لا يتعامل فيها إلا مع أصحاب نفس الجنسية في بيع أو شراء أو تعاملات اقتصادية، ويقبل بكل ترحاب حينما يكون الجميع جزءًا من المكون الكبير الذي يحمل الجميع.
وهنا يأتي الدور الأهم، .. الدولة فهي العامل الرئيسي في تلك المعادلة قبل أن تتفاقم الأمور، وعلى الجميع أن يعي أن أمر اللاجئين أو النازحين بهذا العدد والكم والاختلاط باختلاف الحضارات بهذا الشكل هو أمر يُعد جديدًا على العالم في العصر الحديث.
فعلى الدولة أن تضع قوانين تتماشى مع هذا الوضع الجديد، وتفكيك التعاريف بمستوى واضح وصريح على النحو الذي سيُبينه القانون. استضافة مؤقتة على فترات قصيرة أم بعيدة أم توطين دائم وشتان الفارق!
فلا توجد استضافة مستديمة ولا توطين مؤقت، كما أنه لا يوجد ضيوف بلا قيود ولا يخضعوا لقانون بحكم التعاطف، خاصة حينما يكون الأمر ذو أبعاد قد تصل إلى أن تُكبل الاقتصاد القومي. وهذا أمر حساس وغاية في الخطورة وليس له علاقة على الإطلاق بأي مزايدات حول دور مصر الريادي “البديهي والأزلي” في المنطقة.
دور القانون أن يوضح كيفية التعامل وتوضيح الحقوق والواجبات وطرق الاستفادة بنحو يأتي بثمار إيجابية على الأمن القومي والاقتصاد ككل كي يكونوا قيمة مضافة بدون أعباء. فبدون القانون تصبح التكتلات شديدة التعقيد وشديدة التداخل، فصلها مستقبلاً سيكون أصعب من تأسيسها ويؤدي إلى كوارث.
من البداية لاحظنا بعض من هذه التكتلات لها رأي فيما لا يعنيها، واعتراضات عارمة واعتراضات موجهة ضد الأدوار الأمنية والرقابية، حتى على السلوكيات الشعبية والموروثات الثقافية الداخلية.
والمثير للدهشة هو زيادة قوة الأفكار التي تعتمد على العصبيات القبلية، بموروث ثقافي ينازع المصري في امتداده وانتمائه بحضارته، من ضيف أحسن ضيافته!!
التعاطي مع تلك الأمور بدون قانون حاسم قاطع يزيد المستقبل تعقيداً. إذا استمر الوضع دون ضوابط فمن المؤكد أنه سيجسد مشاكل التمييز بين أصحاب الجنسيات المختلفة من الضيوف بسبب رفض بعضهم لبعض، مما يسبب أزمات داخلية أكثر تداخلاً من الأزمات حتى بين أصحاب الجنسية الواحدة. ناهيك عن ضرورة ردع أي تجاوزات قد تحدث بقوة القانون ضد أي من المواطنين المحليين.
كما أنه لا بد من مراجعة كيفية ضبط وتقنين وجود مدارس تدرس مواد غير معتمدة بلهجة محلية لدولة أخرى، فلا ندري ما يتم تدريسه للأطفال الصغار لعل البعض يزيد من العصبية القبلية والتشكيك في أمور الحضارة والموروث الثقافي مما تزيد من حالة الانفصال والتكتل المتشابك. كما أنه لابد، فهي ثغرات بالغة التعقيد والاهمية وقد يلعب عليها أي حاقد أو عدو لديه الخبرة الكافية في أدوات تفكيك الشعوب!
كما أؤكد المصري لا يمكنه أبدًا إنكار الضيف وحقوقه وإلا لم يكن ليستقبله من الأساس.
أما أن يتم تجاهل التعامل بقوة القانون مع من يؤدي إلى مزايدات تصل الى حد النزاع العنيف على أحقية الحضارات لأي شعب من الشعوب، وأن يتعامل بموروث بعض التكتلات الثقافية وكأنه المالك الحقيقي للأرض تاريخيًا، وإعلاء النزعة العرقية، بدعوى حقوق الضيف فهي الفوضى بعينها.
المصري لا يعترف إلا بشئ واحد: إما أن تذوب وتكون جزءًا من النسيج العام، أو ستكون مرفوض. وكما قال الحجاج بن يوسف الثقفي في الأثر: “المصريين ما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب”.
مصر أبدًا لا تنسى دورها الأزلي، والمصريين دومًا على العهد مع ضيوفهم، لا ينسوا الطيب من الأثر كما لا ينسوا الإساءة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب