اجتماعيةالرئيسيةدراسات

التعليم والحراك الاجتماعي: تحديات القبلية والديكتاتورية في دول القرن الأفريقي

المقدمة:

يشكل التعليم أحد العوامل الأساسية التي تسهم في تحقيق الحراك الاجتماعي والتنمية داخل المجتمعات، حيث يساعد في تمكين الأفراد وتعزيز الوعي وتوفير فرص جديدة للنمو الاقتصادي والاجتماعي. وفي المجتمعات الأفريقية، يلعب التعليم دورا جوهريا في مواجهة التحديات المرتبطة بالموروثات الاستعمارية التي لا تزال تؤثر على الأنظمة السياسية والاقتصادية.

التعليم والحراك الاجتماعي

وتمثل القبلية عاملا رئيسيا في تحديد مسارات الأفراد داخل المجتمع، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى انتشار التمييز وعدم المساواة في الوصول إلى التعليم والوظائف. ومن ناحية أخرى، تعيق الأنظمة الديكتاتورية تطور المؤسسات التعليمية المستقلة، حيث يوظف التعليم في كثير من الأحيان كأداة لنشر الأيديولوجيات الحاكمة بدلا من تعزيز التفكير النقدي والابتكار.

اقرأ أيضا: الاستعلاء الثقافي وتأثيره على الثقافة العربية في الدول الأفريقية الفرنكوفونية: قراءة في ضوء نظرية ما بعد الكولونيالية (جيبوتي نموذجا)

قبل الخوض في غمار هذا الموضوع لابد من الإقرار إنصافا للحقيقة، بأن الحراك الاجتماعي والمهني لعب دورا كبيرا في تمكين المتعلمين بعد استقلال دول القرن الأفريقي. فقد كانت الفرص الوظيفية متاحة على نطاق واسع خلال مرحلة بناء مؤسسات الدولة، مما سهل حصول المتعلمين على الوظائف، حتى لمن لم يتجاوزوا مرحلة التعليم الأساسي، بغض النظر عن انتمائهم القبلي. ومع ذلك، ظل للقبلية والانتماءات العرقية تأثير واضح في توزيع المناصب الإدارية العليا. لكن بعد مرور ثلاثة عقود على الاستقلال، تغيرت الأوضاع حيث استعادت القبلية والعلاقات العائلية والمحسوبية نفوذها، مما أثر بشكل كبير على الحراك الاجتماعي والمهني. وقد أدى ذلك إلى تراجع دور التعليم كوسيلة للترقي الاجتماعي، الأمر الذي دفع بعض الطلاب إلى العزوف عن استكمال دراستهم الجامعية، لقناعتهم بعدم جدواها في تحقيق مستقبل مهني أفضل.

وتسعى هذه الدراسة إلى استكشاف العلاقة بين التعليم والحراك الاجتماعي في دول القرن الأفريقي، مع تسليط الضوء على تأثير القبلية والديكتاتورية في هذه العلاقة. كما تناقش الفرص الممكنة لإحداث تغييرات تعليمية جوهرية تعزز العدالة الاجتماعية وتفتح المجال أمام الأفراد لتجاوز العقبات التقليدية التي تحد من إمكانياتهم.

الحراك الاجتماعي وأشكاله:

الحراك الاجتماعي (Social mobility) هو ظاهرة تتعلق بالتحولات التي تشهدها مواقع الأفراد أو الجماعات داخل الهيكل الاجتماعي، حيث يعبر عن التنقل بين الطبقات الاجتماعية وفقا للعديد من العوامل مثل التعليم والدخل والمهنة والوضع الاقتصادي. يظهر الحراك الاجتماعي قدرة الأفراد على الصعود أو الهبوط في سلم التراتبية الاجتماعية، وهو يعكس في جوهره مرونة النظام الاجتماعي ومدى تكافؤ الفرص المتاحة للفرد لتحسين وضعه الاجتماعي والاقتصادي. يتميز الحراك الاجتماعي بكونه محركا للتغيير الاجتماعي، حيث يعكس التفاعلات بين الأفراد والمجتمع في سياقات ثقافية وسياسية واقتصادية متعددة.

يقسم الحراك الاجتماعي إلى نوعين رئيسيين: هما الحراك الاجتماعي الصاعد والحراك الاجتماعي الهابط: أولا: الحراك الاجتماعي الصاعد الذي يشير إلى الانتقال من طبقة اجتماعية أقل إلى طبقة أعلى، سواء في السياق الاقتصادي أو الثقافي أو المهني. يحدث هذا النوع من الحراك عادة نتيجة لزيادة الفرص التعليمية والتطوير المهني الذي يمكن أن يؤدي إلى تحسن الوضع الاجتماعي للأفراد.

ثانيا: الحراك الاجتماعي الهابط الذي يتعلق بتراجع الأفراد أو الجماعات إلى طبقات اجتماعية أدنى، وغالبا ما يكون نتيجة للأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية أو لفقدان فرص التعليم والعمل. وينبغي أن يتم تعزيز السياسات التعليمية لضمان فرص حراك اجتماعي إيجابي، حيث أن التعليم هو المفتاح الرئيسي لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

أما في المجتمعات الأفريقية، فيتحدد الحراك الاجتماعي والمهني بناءً على مركزية القبيلة والنظام القبلي، حيث يشمل الحراك الاجتماعي والمهني الصاعد للقبائل الحاكمة، مقابل الحراك الاجتماعي والمهني الهابط للقبائل غير الحاكمة والمهمشة:

أولا) في إطار القبائل الحاكمة المهيمنة أو الطبقة البرجوازية، يمكن رصد نوعين من الحراك الاجتماعي اللذين يعكسان بنية السلطة وسياسات الهيمنة داخل المجتمعات الأفريقية. (الأول) هو الحراك الاجتماعي الصاعد، والذي يعتمد على سياسات العصبية التي تعمل على تعبئة الأقارب وتعزيز نفوذهم بهدف الهيمنة على باقي الجماعات المختلفة. وهذا النوع من الحراك يشير إلى انتقال الأفراد أو الجماعات من طبقات اجتماعية دنيا إلى طبقات عليا، مدفوعا في أغلب الأحيان ببيروقراطية الأنظمة السياسية، حيث يمنح الأفراد امتيازات استنادا إلى قربهم من دوائر السلطة والقرار. أما النوع الثاني: فهو الحراك المهني، والذي يعتبر إيجابيا في معظمه، إذ يرتبط بشكل أساسي بشبكات الواسطة والمحسوبية. في هذا السياق، تصبح الفرص المهنية والوظائف المرموقة وذات الرواتب المرتفعة متاحة فقط لأولئك الذين يمتلكون الدعم الكافي من خلال علاقات قوية، بغض النظر عن الكفاءة أو المؤهلات. وبالتالي، يمكن هذا النوع من الحراك المهني الأفراد من تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والارتقاء إلى مستويات معيشية أفضل من تلك التي كانت تتمتع بها أسرهم سابقا.

ثانيا) أما في إطار القبائل غير الحاكمة، فتظهر أنماط مختلفة من الحراك الاجتماعي، تعكس حالة الإقصاء والتهميش المفروضة على هذه الفئات. النوع الأول هو الحراك الاجتماعي الهابط، والذي يجسد سياسات التهميش والحرمان التي تمارس على الأفراد أو الجماعات بسبب انتمائهم القبلي أو مواقفهم السياسية أو الدينية. وفي هذا السياق، يترجم الحراك الهابط إلى تدهور أوضاع الأفراد الاقتصادية والاجتماعية، حيث يتم دفعهم قسرا إلى طبقات أدنى كنتيجة للاضطهاد أو الإقصاء الممنهج. أما النوع الثاني فهو الحراك المهني، الذي يتسم بالسلبية في معظم الأحيان. هذا النوع من الحراك لا يرتبط بارتفاع مستوى التعليم أو التخصص المهني، بل تبقى أوضاع الأفراد المهنية والاجتماعية على حالها مهما بلغت مؤهلاتهم العلمية، ما لم تتوافر لهم وساطة من شخصية نافذة أو مسؤول رفيع المستوى. وفي هذا السياق، تسود ثقافة “من تعرف؟” بدلا من “ماذا تعرف؟”، مما يكرس سياسات التمييز العنصري داخل المؤسسات الحكومية والوزارات. وكنتيجة لذلك، يتم استبعاد أبناء القبائل غير الحاكمة من شغل المناصب القيادية أو الحصول على فرص عمل لائقة، مما يعمق التفاوت الاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمع.

التحديات القبلية والديكتاتورية وأثرها على الحراك الاجتماعي:

تعتبر القبلية مصدرا للتمييز في العديد من المجتمعات الأفريقية القبلية، وتؤثر سلبا على توزيع الموارد وفرص التعليم والوظائف في العديد من المجتمعات، حيث يخصص الوصول إلى هذه الفرص بناءً على الانتماء القبلي بدلا من الكفاءة أو المؤهلات. وهذا النهج يؤدي إلى استبعاد القبائل المهمشة من عملية صنع القرار، مما يقيد فرص أبنائها في تحقيق الحراك الاجتماعي ويكرس حالة الجمود الاجتماعي. وفي النظام القبلي التقليدي، تعطى الأولوية للولاءات والانتماءات القبلية على حساب بناء مجتمع متماسك يعتمد على الجدارة والاستحقاق والعدالة الاجتماعية.

وتعمل القبائل الحاكمة المهيمنة على تهميش أبناء القبائل الأخرى والمناطق التي ينتمون إليها، حيث لا تمنحهم الفرص نفسها التي تقدمها لأبنائها، مثل المنح الدراسية الخارجية المميزة وضعف البنية التحتية للتعليم في تلك المناطق. وهذا التهميش ينعكس بشكل مباشر على حرمان الشباب في القبائل المهمشة من فرص التعليمية والوظيفية المتساوية، وبالتالي يضعف قدرتهم على تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، ومما يؤدي إلى تحول مؤسسات الدولة أداة لتعزيز الهويات القبلية عوضا عن دورها الأساسي في توحيد الأفراد وتعزيز الشعور بالمواطنة. والتعليم يصبح في ظل هذه الظروف وسيلة لتكريس الفوارق الطبقية والقبلية والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي.

ويزدهر الفساد في الأنظمة الديكتاتورية مما يسهم من تعميق هذه المشكلات، حيث تستخدم المؤسسات التعليمية كأداة للسيطرة السياسية بدلا من تعزيز التفكير النقدي والتغيير الاجتماعي وتمكين الأفراد. وفي هذه الأنظمة، يقلص التعليم من حرية الفكر والإبداع، ويستخدم لتكريس الولاء للنظام الحاكم بدلا من تطوير المهارات والكفاءات. ويعاني المواطنون من قمع حقوقهم في الحصول على تعليم عادل وفرص اقتصادية متكافئة، مما يؤدي إلى استدامة الفجوات الاجتماعية وتعطيل الحراك الاجتماعي.

نتيجة لتعطل الحراك الاجتماعي بفعل الهيمنة القبلية واستبداد الأنظمة الديكتاتورية، يجد معظم الشباب في دول القرن الأفريقي أنفسهم مضطرين للهجرة إلى الدول الغربية، بحثا عن فرص اقتصادية تتيح لهم حياة كريمة. وأصبحت الهجرة بالنسبة لكثير من المواطنين بمثابة الأمل الوحيد للهروب من واقع الفقر والتهميش، حيث ينظرون إليها كطريق لتحقيق طموحاتهم المستقبلية التي تعرقلها البنى الاجتماعية والسياسية غير العادلة في أوطانهم.

وهذا التلازم بين القبلية والديكتاتورية يسهم في تعميق التفاوتات الاجتماعية، حيث يصبح التعليم أداة لتعزيز السلطة والهيمنة بدلا من أن يكون وسيلة لتحقيق الحراك الاجتماعي والمساواة والعدالة الاجتماعية. ويتم توزيع الموارد والوظائف على أساس الولاء السياسي أو القبلي، مما يعمق التفاوت بين الفئات الاجتماعية. وعوضا عن الاستثمار في تحسين جودة التعليم والبنية التحتية وتطوير مهارات الأفراد، يتم توجيه الموارد لتدعيم النظام الحاكم وترسيخ سلطته. بالإضافة إلى ذلك، تفرض رقابة صارمة على المناهج التعليمية، مما يضعف من دور التعليم كأداة لتعزيز التفكير النقدي والتغيير الاجتماعي. وتقصي الأنظمة الغير الديمقراطية الفئات المعارضة أو غير الموالية لها من الحصول على مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم والعمل وتقلد المناصب وغيرها من المجالات، مما يؤدي إلى مزيد من التهميش الاجتماعي والاقتصادي.

التعليم كأداة للحراك الاجتماعي:

يعد التعليم من الركائز الأساسية التي تؤثر في الحراك الاجتماعي بشكل مباشر. ففي المجتمعات الديمقراطية التي توفر فرصا تعليمية متاحة لجميع الأفراد، يصبح التعليم أداة هامة للتنقل الاجتماعي، حيث يمكن للأفراد من الطبقات الاجتماعية المختلفة أن يرتقوا إلى طبقات أعلى من خلال اكتساب المعرفة والمهارات التي تؤهلهم للالتحاق بوظائف أفضل وأكثر دخلا. وبالتالي، ينظر إلى التعليم كأداة رئيسية لتعزيز الفرص الاقتصادية والاجتماعية، وهو يمثل أداة تحرر اقتصادي واجتماعي. ومن جهة أخرى، يعتبر نقص التعليم أو تدني جودته في بعض المجتمعات عائقا أمام الحراك الاجتماعي، حيث يحرم الأفراد من الوصول إلى الفرص التي قد تتيح لهم تحسين وضعهم في المجتمع.

ويلعب التعليم دورا حيويا في تمكين الأفراد اقتصاديا، حيث يعد أحد أهم الوسائل لتحسين أوضاعهم المعيشية. ومن خلال التعليم يتمكن الأفراد من اكتساب المعرفة والمهارات التي تؤهلهم للوصول إلى فرص عمل أفضل وأكثر استقرارا، إذ يمنحهم القدرة على الوصول إلى فرص تقلد مناصب إدارية عليا تحسن من مستويات معيشتهم، ويسهم في تحقيق الاستقلال المادي ورفع مستويات دخلهم وتحقيق حياة كريمة. كما يساعد التعليم على تعزيز وعي الأفراد بقيمة العمل وأهمية الكفاءة، مما يمكنهم من تحقيق النجاح الشخصي والمهني وكسر الحواجز الاجتماعية التي تقيد الحراك الطبقي.

علاوة على ذلك، يساهم التعليم في تقليل الفجوات الاجتماعية من خلال تعزيز فرص المساواة بين مختلف الفئات في المجتمع. إذ يتيح التعليم للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، إمكانية تحقيق طموحاتهم والارتقاء بمستوياتهم الاجتماعية. وتظهر أهمية ذلك بشكل خاص في المناطق الريفية والمهمشة، حيث يمكن للتعليم أن يقلل من التفاوت الطبقي ويوفر للأفراد فرصة للاندماج في المجتمع الأوسع. والتعليم ليس مجرد أداة للنهوض الفردي، بل هو أيضا أداة لإحداث تغيير مجتمعي شامل يرسخ قيم العدالة والمساواة.

إلى جانب ذلك، يعزز التعليم من الوعي الثقافي والاجتماعي لدى الأفراد، مما يمكنهم من فهم حقوقهم الأساسية والدفاع عنها. ويساعد هذا الوعي في مواجهة أشكال التمييز الاجتماعي، سواء على أساس الطبقة أو القبيلة أو النوع الاجتماعي. كما يساهم التعليم في نشر قيم التسامح والعدالة داخل المجتمع، مما يسهم في الحد من تأثير القبلية والتفرقة داخل المجتمعات. وثم يصبح التعليم ليس فقط وسيلة لتحقيق التقدم الاقتصادي، بل أيضا أداة لبناء جيل أكثر وعيا بقيمة التعايش المشترك وأهمية العدالة الاجتماعية، وهو ما يسهم في تحقيق مجتمع أكثر عدلا وتماسكا واستقرارا.

التعليم كأداة للتغيير الاجتماعي والتحرر من القيود:

التعليم هو الشعلة التي تنير دروب المجتمعات نحو التحرر من القيود القبلية والديكتاتورية. وعندما يبنى النظام التعليمي على أسس المساواة والعدالة، يصبح أداة قوية لمواجهة الظلم وتعزيز الحقوق. فالتعليم النوعي لا يقتصر على نقل المعرفة، بل يمكن الأفراد من إدراك مكانتهم في المجتمع والمطالبة بحقوقهم بوعي وثقة. كما أن تطوير المناهج بما يعزز قيم الجدارة يساهم في الحد من التمييز والانقسامات الاجتماعية، مما يجعل المجتمع أكثر انسجاما واستقرارا.

العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق دون توفير فرص متكافئة للجميع وتعزيز المساواة في الحقوق والفرص. وبالأخص في المناطق المهمشة، يجب أن يصبح التعليم المجاني شاملا لضمان ألا يحرم أحد من حقه في التعلم والتطور. وكما يجب القضاء على الفساد وتعزيز الشفافية في توزيع الموارد التعليمية لأهميتهما الأساسية والجوهرية نحو تحقيق تكافؤ الفرص، حيث يضمنان وصول الدعم إلى مستحقيه بعيدا عن أي اعتبارات غير عادلة. عندما تتوافر بيئة تعليمية نزيهة وشاملة تزداد ثقة الأفراد بالمؤسسات التعليمية، مما يعزز دورها كمحرك للتغيير الاجتماعي.

إن المعرفة قوة، لكن تأثيرها الحقيقي يتجلى من خلال استقلالية المؤسسات التعليمية عن الهيمنة القبلية والتدخلات السياسية، مما يمكنها من أداء دورها في بناء الأفراد وتنوير العقول. وإلى جانب ذلك، يجب أن تسعى تربية المواطنة إلى تجاوز الانقسامات الأيديولوجية الراديكالية التي أسهمت في تفكيك البنية الاجتماعية والقيمية وتعطيل الحراك الاجتماعي وترسيخ أنظمة استبدادية في المجتمعات الأفريقية. كما تهدف إلى تحرير الفرد والمجتمع من مختلف أشكال التسلط والقهر عبر ترسيخ مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، مع ضمان تكافؤ الفرص. وتعزز قيم المواطنة الوئام والتكافل بين المجموعات العرقية المختلفة وتكرس الوحدة الوطنية وتقوض النزعات القبلية والعرقية مما يسهم في بناء دولة ديمقراطية قائمة على التعددية والعدالة والمساواة يتمتع فيها الجميع بحقوق وحريات متكافئة.

الخاتمة

يعتبر التعليم المحرك الأساسي للحراك الاجتماعي في دول القرن الأفريقي، حيث يمنح الأفراد الأدوات اللازمة لاكتساب المعرفة والمهارات التي تتيح لهم تجاوز الحواجز الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها الهياكل التقليدية. ومع ذلك، لا يزال تأثير القبلية والأنظمة الديكتاتورية يقف حائلا أمام تحقيق العدالة التعليمية والتنمية المستدامة. فالتمييز القبلي أو العرقي يعيد إنتاج الفوارق الاجتماعية من خلال توزيع غير عادل للموارد التعليمية والاقتصادية، مما يؤدي إلى تهميش فئات واسعة من المجتمع وإقصائها من فرص الترقي الاجتماعي والمهني. وفي المقابل، توظف الأنظمة الديكتاتورية التعليم كأداة للسيطرة السياسية، فتعيد توجيه المناهج لتكريس الولاءات بدلا من تعزيز الفكر النقدي والاستقلالية الفكرية، مما يحد من قدرة الأفراد على تحقيق تطور مهني قائم على الكفاءة والاستحقاق.

وإن تجاوز هذه التحديات يتطلب تبني إصلاحات جوهرية تعزز من الشفافية في توزيع الموارد التعليمية، وتضمن سياسات قائمة على تكافؤ الفرص، بعيدا عن الولاءات القبلية والسياسية. كما أن تمكين المؤسسات التعليمية من الاستقلالية، وتعزيز دور المجتمع المدني في دعم المبادرات التعليمية، والاستثمار في بنية تحتية تعليمية عادلة، تعد خطوات حاسمة لضمان وصول التعليم إلى جميع الفئات دون تمييز. وإن مستقبل الحراك الاجتماعي والمهني في القرن الأفريقي مرهون بقدرة الحكومات والمجتمعات على إعادة تشكيل النظم التعليمية وسياسات التوظيف، بما يرسخ قيم الجدارة والاستحقاق. وهذا من شأنه أن يسهم في بناء مجتمعات أكثر عدالة واستقرارا، قادرة على مواجهة تحديات التطور الحديث وتحقيق التنمية المستدامة.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب


المصادر

Giddens, A., Duneier, M., Appelbaum, R. P., & Carr, D. (2017). Introduction to Sociology (10th ed.). W.W. Norton & Company.

محمد إبراهيم، تربية المواطنة في المجتمعات الأفريقية بين القبيلة والدولة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، دار المعارف، 2021.

Bourdieu, P. (1984). Distinction: A Social Critique of the Judgement of Taste. Harvard University Press


★★★ الكاتب هو محمد إبراهيم محمد “منصور” باحث دكتوراة جيبوتي مقيم في لندن، درس في جامعة القاهرة في جمهورية مصر العربية، وكان يعمل في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري قسم الإذاعات الموجهة لمدة خمس عشرة سنة، وله العديد من الكتابات المتخصصة في الشأن الأفريقي.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى