رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. التضييق على الأدمغة.. اغتيال لمستقبل الوطن

في كل جيل يظهر عباقرة ومتفوقون متميزون عن أقرانهم، يسمون “الأطفال الهديا”(gift children)، يبرزون بغض النظر عن ظروف تنشئتهم، بين آلاف التلاميذ، وبعضهم يتدرج إلى التعليم العالي.

اقرأ أيضا: محمد جبريل العرفي يكتب.. أعياد عشرية لثورتين.. وما بينهما خبر كان
المتفوقون يتميزون بقدرات استثنائية ومواهب تفرض توفير الدعم الذي يساعدهم على تحقيق إمكاناتهم أو تطوير مهارات القيادة والابتكار. جرت محاولات لرعاية المتفوقين كتجربة معهد الفاتح للمتفوقين في بنغازي الذي كان الدكتور علي الورفلي أحد رواد تأسيسه، من ناحية أخرى يوفد العشرة الأوائل من الثانوية العامة في كل تخصص، وتمكينهم كمعيدين تمهيداً لانخراطهم كأعضاء هيئة تدريس جامعي، كل ذلك في وقت كانت الدولة تحرص على التنمية البشرية، وتستثمر في عقول أبنائها.
أما الآن فالوضع كارثي، فلم تصدر التفويضات المالية لأكثر من 4000 موفد، كما توقف الإيفاد منذ 2015 رغم إيفاد مزورين لغرض السياحة والاستجمام، من أبناء وأقارب ومعارف المسؤولين، هناك من تجاوزت أعمارهم الستين موفدون للدراسة الجامعية، وهناك من عندهم ازدواج إيفاد مع وظائف أخرى، وهناك من تجاوز مدة 15 سنة دون متابعة. في وقت مضى المشرف الطلابي يتابع البرنامج الدراسي لكل طالب، وفي كل فصل دراسي يفحص سجل المواد وارتباطها بالتخصص الذي أوفد له، والمدة المتبقية، فيوقف الصرف بمجرد انتهائها، ولا يستأنف إلا بقرار من جهة الإيفاد.

حكومة النكبة الوطنية تسير في الاتجاه المعاكس، وتمارس التضييق على النوابغ والمتفوقين، وأسوأ جريمة مستمرة في حق المعيدين حيث منحوا مرتبات 664 أقل من الحد الأدنى للأجور، ولم يمكّن 8500 معيد من الحصول على فرصة للإيفاد. أيام الدولة دولة، يتم اختيار المعيدين في سنة التخرج، يعملون سنة واحدة بالجامعة، ويتم إيفادهم العام التالي، أما الآن فهناك معيدون قضوا عشر سنوات أو أكثر دون إيفادهم للخارج أو تهيئة الظروف للدراسة في الداخل.

رفعت هذه الفئة المظلومة أصواتها من خلال نقابة هيئة التدريس الجامعي، فكان اجتماع 2023.7.4 بجامعة الزاوية، وتشكيل “حراك الإيفاد والتفويضات لأعضاء هيئة التدريس ومعيدي وأطباء وأوائل ليبيا” وصعدت نضالها بمظاهرة 5000 مظلوم زحفت على مقر السكة في 2023.8.8، وأضربت عن العمل ولم يُعلق إلى أن تم توقيع محضر اتفاق 2923.11.28 بين الحكومة والنقابة، لكن الطرف الأول لم يفِ بتعهداته مما اضطر الحراك لإصدار بيانه بمناسبة مرور حول على تشكيله جاء فيه:
“إذ نتجرع مرارة المذلة التي تعرضنا لها من قبل المسؤولين الذين تناوبوا على إهانتنا وهضم حقوقنا وتجاهل مطالبنا: نشجب مماطلة الحكومة في حل مشكلتنا وعدم إيفائها بوعودها، وهضم حقوقنا والتستر على الفساد والفاسدين”.

كما اتجهوا للقضاء لاسترداد حقوقهم وتعويضهم ومحاسبة المسؤولين والفاسدين، وهددوا بتسيير مظاهرة يوم 2024.8.8، نتوقع أنها ستقتلع حكومة النكبة الوطنية فستنضم إليها فئات أخرى محتقنة غاضبة، كما هددوا باستئناف الإضراب، وإعلان العام الجامعي القادم سنة بيضاء.
لكن قد يخفف التوتر قرار الحكومة الشرعية باعتماد اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 2020 وقرارها رقم 233 لسنة 2024 بشأن تحديد المعاملة للمعيدين بمؤسسات التعليم العالي والتقني، بمنحهم الدرجة التاسعة قابل للترقية، وبأول مربوط 2.283 دينارا.
نتوقع ألا ينفذ القرار لأن حكومة النكبة الوطنية مشغولة بدفع الملايين لقطاع الطرق الذين قفلوا المعابر، ومشغولة بالإنفاق على الذباب الإلكتروني بقيادة الاخواني وزير المعاصي….
امتد اغتيال الأجيال إلى شريحة الأطباء الشباب الذين يواجهون ظلما مزدوجا، فهم يعملون بالسخرة دون مرتبات بعضهم لأكثر من 4 سنوات، ويواجهون عراقيل رؤساء الأقسام والوحدات أمام اكتسابهم المهارات والمعلومات الطبية.
إن عدم الاهتمام بالمتفوقين وبالكفاءات العلمية اغتيال لمستقبل ليبيا، التي لا يمكن لها أن تتقدم إلا بأدمغة وسواعد أبنائها، وخاصة بمجالات العلوم التقنية والإنسانية المعاصرة، وليس بتعليم يخرّج عواطيل يروجون لتجارة بائرة للخرافات والتغييب، وصناعة خطرة للتكفير والظلامية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى