رأي

رامي زُهدي يكتب.. «التحالفات العسكرية في القارة الإفريقية: بين الدفاع المشترك والصراعات»

الكاتب خبير الشؤون الإفريقية-نائب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات

يظل الأمن في إفريقيا، هو المعادلة الأكثر تعقيدًا، فلا يمكن الحديث عن حاضر القارة الإفريقية أو مستقبلها دون التطرق إلى البُعد الأمني والعسكري الذي يُشكل القاعدة الصلبة لأي عملية تنموية أو سياسية. ففي قارة يقطنها أكثر من 1.5 مليار نسمة، وتضم قرابة 54 دولة، ما زالت تتصارع بين أطماع الخارج، وتناقضات الداخل، وسعي مستمر نحو الاستقرار؛ بات الأمن المشترك ليس خيارًا بل ضرورة مصيرية.

ومن هذا المنطلق، بدأت تظهر ملامح “التحالفات العسكرية” في إفريقيا كأدوات للردع والتنسيق والمواجهة، لكنها في الوقت ذاته، تُثير تساؤلات عن حدودها، فعاليتها، ودورها في ظل النزاعات الممتدة، والانقلابات المتكررة، والتهديدات العابرة للحدود.

وعبر مراحل من تطور مفهوم التحالف العسكري في إفريقيا، كان ظهور التحالفات العسكرية في إفريقيا ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى فترات التحرر الوطني، مرورًا بزمن الحرب الباردة، وصولًا إلى العصر الحديث حيث باتت التحديات الأمنية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

في الخمسينيات والستينيات، تشكّلت أولى نويات التعاون العسكري بين دول حركات التحرر، مثل “منظمة الوحدة الإفريقية” (التي تحولت لاحقًا إلى الاتحاد الإفريقي).

أما في تسعينيات القرن العشرين، ومع تصاعد النزاعات العرقية، ظهرت الحاجة لتكتلات عسكرية إقليمية مثل “قوة شرق إفريقيا الاحتياطية” و”قوة غرب إفريقيا (إيكواس)”.

وفي العقدين الأخيرين، بدأنا نرى تحركات لتكوين تحالفات عسكرية عابرة للإقليم في مواجهة الإرهاب، القرصنة، والنزاعات المسلحة.

عبر دوافع متعددة كان ومازال يتم تشكيل التحالفات العسكرية في إفريقيا، بينما تنقسم الدوافع إلى ثلاثة محاور رئيسية:

الدفاع المشترك: لمواجهة الأخطار العابرة للحدود مثل الجماعات الإرهابية (بوكو حرام، الشباب، داعش الساحل)، وعمليات التهريب، والجريمة المنظمة.

الردع الإقليمي: كآلية توازن في ظل تصاعد الصراعات الإقليمية بين بعض الدول، ومحاولة السيطرة على التوازنات داخل المنظمات الإقليمية.

الاستجابة للفراغ الأمني الدولي: في ظل تراجع دور بعثات حفظ السلام الأممية، أو بطء استجابتها، برزت الحاجة لقوى إفريقية تحسم النزاعات بشكل أسرع.

وظهرت أبرز التحالفات العسكرية في إفريقيا، ممثلة في النماذج التالية

تحالف مجموعة إيكواس West African Standby Force

يضم 15 دولة من غرب إفريقيا.

تشكّل قوة تدخل سريع قوامها نحو 6,500 جندي.

تدخلت في أزمات مثل ليبيريا وسيراليون وغامبيا.

واجه مؤخرًا تحديات في التعامل مع الانقلابات في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، حيث اصطدمت إرادة التدخل بممانعة الشعوب وقوى الأمر الواقع.

تحالف الساحل (G5 Sahel)

شُكّل عام 2014 ويضم: موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد، بوركينا فاسو.

هدفه مواجهة الإرهاب والتهديدات الأمنية.

دعمته فرنسا وأوروبا ماليًا، لكن انسحاب فرنسا وتصاعد الانقلابات أطاح فعليًا بفاعليته.

حُلّ عمليًا في 2023 بعد انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

تحالف النيجر-بوركينا-مالي (تحالف دول محور التحرر)

أُعلن عنه في 2023 كرد على التهديدات الإقليمية، خاصة من إيكواس وفرنسا.

تحالف أمني-عسكري ذات طابع دفاعي هجومي، يمثل رد فعل على الضغوط الخارجية.

يتمتع بدعم روسي واضح، لا سيما عبر “فاجنر” سابقا أو نظائرها من شركات الأمن الخاصة او مايعرف بالفيلق الإفريقي الروسي.

“أزمات التحالفات.. بين الطموح والفعل”

رغم الحاجة الملحة إليها، فإن التحالفات العسكرية في إفريقيا تواجه إشكالات عدة:

ضعف التمويل: يُقدّر العجز المالي في بعض هذه التحالفات بأكثر من 70% من الميزانيات المطلوبة.

انعدام الثقة بين الدول الأعضاء: بسبب الخلافات الحدودية والسياسية.

تضارب المصالح الدولية: حيث تستخدم بعض القوى الكبرى هذه التحالفات لأهدافها الخاصة.

تسييس الجيوش: كثير من التحالفات تضم جيوشًا غير احترافية أو تخضع لحكم عسكري.

“دور القوى الخارجية في صناعة التحالفات العسكرية الإفريقية”

شهدت القارة في السنوات الأخيرة تدفقًا غير مسبوق للتحالفات الأمنية ذات الطابع الخارجي:

الوجود الفرنسي: كان عبر قوة “برخان” (Barkhane) التي تم حلها لاحقًا بسبب ضغط الشارع الإفريقي.

التمدد الروسي: عبر قوات “فاجنر” والبدائل التابعة لها في مالي والنيجر وإفريقيا الوسطى.

الوجود الأمريكي: من خلال قواعد في جيبوتي والنيجر، مع دعم لوجستي للمبادرات الإفريقية لمكافحة الإرهاب.

تركيا والإمارات: أبرمتا اتفاقيات لإنشاء قواعد عسكرية أو تدريب قوات في السودان، الصومال، ليبيا، إفريقيا الوسطى.

هذه التدخلات وإن بدت داعمة للأمن، إلا أنها تُثير مخاوف من تحويل القارة إلى مسرح تصارع نفوذ خارجي عبر وكلاء محلّيين.

“مستقبل التحالفات العسكرية الإفريقية.. نحو أمن قاري أم مزيد من الفوضى؟”

يتوقف مستقبل التحالفات العسكرية في إفريقيا على عدة عوامل، منها بناء جيوش وطنية محترفة، ومدي إمكانية فصل السياسة عن الأمن.

وكذلك تعزيز دور الاتحاد الإفريقي كمنصة لتنسيق الجهود، إضافة إلي إطلاق صندوق إفريقي موحد للأمن والدفاع.

والعمل علي تشجيع صناعات الدفاع المحلية والتكامل العسكري.

ورغم التحديات، إلا أن الحراك الأمني الأخير يُظهر وعيًا إفريقيًا متزايدًا بأهمية التكتل العسكري الذاتي.

“حول التحالفات العسكرية المصرية-الإفريقية.. دبلوماسية الردع وبناء القدرات

رغم أن مصر لا تُصنّف ضمن أي تكتل عسكري إفريقي ضيق، فإنها تُعدّ من أكثر الدول تأثيرًا في ملف التعاون العسكري بالقارة، سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية أو أطر التعاون المتعددة، ويستند هذا الدور إلى فلسفة “الأمن من أجل التنمية”.

أبرز معالم الدور العسكري المصري في إفريقيا:

نحو 34 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع دول إفريقية في مجالات التدريب، التسليح، مكافحة الإرهاب، تبادل المعلومات، والدعم اللوجستي.، وتدريب سنوي لـ 800 ضابط إفريقي بالأكاديمية العسكرية المصرية وكلية القادة والأركان.
كذلك، مشاركة مصرية بـ 6,000 عنصر في بعثات حفظ السلام الأممية بإفريقيا.

وتوريد معدات عسكرية مصرية الصنع إلى الكونغو الديمقراطية، زامبيا، أوغندا.

إضافة الي، تنظيم مناورات مع السودان (“نسور النيل”)، وإشراك دول إفريقية في مناورات “النجم الساطع” ومكافحة الإرهاب.

وكذلك رعاية مركز القاهرة لتسوية النزاعات كمركز إقليمي معتمد من الاتحاد الإفريقي.، والمركز الإقليمي لتجمع الساحل والصحراء.

إن هذا الدور المصري لا يستهدف فرض الهيمنة، بل يُعزز الاستقرار من خلال مساندة الدول لا إضعافها، وبناء الجيوش لا إسقاطها، ما يجعل القاهرة شريكًا موثوقًا لدى العواصم الإفريقية في أصعب اللحظات.

أخيرا، إفريقيا أمام مفترق طرق أمني، حيث تقف إفريقيا اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تنجح في بلورة تحالفات عسكرية قائمة على السيادة والتكامل والاحتراف، فتضمن أمنها وسلامها، وإما أن تنزلق إلى مزيد من الاحتراب الداخلي و”عسكرة السياسة”.

إن الطريق نحو تحالف عسكري إفريقي جامع ما زال طويلًا، لكنه ليس مستحيلًا، خاصة في ظل ارتفاع وعي الشعوب، ونضج بعض النخب العسكرية، وتصاعد الدور المصري كقاطرة للتكامل الأمني والتنمية الشاملة.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى