الانقسام والحلول الأممية في ليبيا

قال الكاتب والباحث السياسي في الشأن الليبي أحمد عرابي إن الجمود السياسي في ليبيا تتصاعد مؤخراً أصوات المحذرين منه، رغم جهود الأمم المتحدة وبعثتها للتوصل إلى حل لن يكون سوى هدنة موقتة إذا لم يتم معالجة الأسس السياسية والاقتصادية والأمنية للأزمة في البلاد، فمن المتوقع تفاقم التحديات مع عدم التوصل إلى تسوية سياسية في نزاع روسيا وأوكرانيا، وتزايد وتيرة الحركات المتطرفة في الشرق الأوسط في سورية، ومع إنهيار قوات الدعم السريع في السودان والتي من المتوقع إنها قد تلجأ إلى حدودها الشمالية مع ليبيا، وعلى الرغم من المحاولات السابقة لإعادة توحيد السلطة إلا إن فشل الانتخابات في شهر ديسمبر من العام ألفين وواحد وعشرين قد دفع الوضع في البلاد إلى حالة من الجمود الذي لم يؤثر على ليبيا فحسب، بل جعلها أيضا بؤرة اشتباك للمصالح الاستراتيجية والاقتصادية للقوى الخارجية المتصارعة، وهذا ما قد يعيق أي مسار نحو تسوية سياسية شاملة.
اقرأ أيضا: ليبيا في أسبوع.. المركزي والنواب يبحثان ضبط الإنفاق واستبعاد جنائيون من الانتخابات البلدية
وأوضح عرابي إنه في مقدمة الأسباب هي الانقسامات بين حكومتين متنافستين في شرقي وغربي البلاد، إذ أصبح من الواضح أن كلا الجانبين يسعيان للسيطرة على المؤسسات السيادية لتحقيق مصالحه وخدمة موقعه الجغرافي منها ، وبالتالي فإن عملية التفاوض من أجل حل شامل ليست معقدة فقط بسبب الخلافات السياسية، ولكن أيضا بسبب التداعيات الاقتصادية للانقسام الحاصل، بحيث يعتقد إن وجود حكومتين متنافستين يعني وجود ميزانيتين وقنوات مالية متعددة تستنزف الخزينة العامة للبلاد وهذا مما يزيد الإنفاق ويُفاقم الفساد المستشري. مشيراً إلى استفادة كلا الجانبين من الجمود السياسي الذي يحافظ على وضعية الانقسام الحالي الواضح للعيان، هذا فيما تتعمق الأزمة أكثر بعدما أن أصبحت النزاعات حول العوائد المالية مصدراً رئيسيا للإنقسام الداخلي، إما مباشرة أو من خلال السيطرة الفعلية على المؤسسات السيادية التي تدير عوائدها، مثل المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي في حين لعب النفط دورًا كبيرًا كأداة مساومة في المفاوضات السياسية، حيث جرى إغلاق موانئ النفط عدة مرات خلال السنوات الماضية، فيما يعد الأمن في ليبيا كعامل حاسم في الجمود السياسي، حيث لجأ القادة السياسيون إلى الجماعات المسلحة لفرض هيمنتهم على مجريات الأمور في حين كانت هذه الجماعات تعمل في السابق تحت قيادة سياسية، تغير الوضع في الفترة الأخيرة، حيث أدى انتشار الجماعات المسلحة وغياب الهياكل العسكرية والأمنية المنظمة إلى إضعاف السلطة المركزية للدولة مما يجعل أي محاولة لفرض سيادة القانون محكومة بالفشل مسبقاً.
عرابي أشار إلى أن الصراع الليبي الليبي الحالي يتداخل بشكل أوسع وكبير مع مصالح الدول المجاورة لها وذلك مع غياب التعاون الحقيقي من المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد المغاربي، وكلاهم يواجه تحديات كبيرة ناتجة عن التوترات بين الدول الأعضاء والمصالح المتضاربة، مما يضعف فعالية أي مبادرات لحل الأزمة الليبية، فغياب رؤية موحدة يؤدي بين دول شمال أفريقيا وتركيز الدول المجاورة على اعتبارات أمنية واقتصادية ضيقة بدلاً من اتباع نهج إقليمي شامل إلى اتباع استراتيجيات مختلفة، وعلى الصعيد الدولي كان من أبرز العوامل الانقسام داخل مجلس الأمن حول الملف الليبي، حيث تدعم كل دولة طرفًا معينًا لتعزيز نفوذها الجيوسياسي في البحر المتوسط ، مما أدى إلى فشل في قرارات المجلس ومنع اتخاذ إجراءات حاسمة لحل الأزمة الحالية، وإن تباين المصالح داخل الاتحاد الأوروبي هو عامل رئيسي آخر في استمرار الأزمة على الرغم من سعي الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستقرار في ليبيا، تختلف أولويات ومصالح الدول الأعضاء، مما يعيق تحقيق موقف موحد حيال هذه الأزمة.
في المقابل تعد رؤية إيطاليا ليبيا كامتداد استراتيجي وأمني واقتصادي بسبب روابطها التاريخية والجغرافية على البحر المتوسط، بينما ترى فرنسا نفسها ذات دور محوري في مستقبل البلاد، بناءً على وقوفها وراء الإطاحة بالنظام القذافي سابقاً، بالإضافة إلى سعيها للحفاظ على نفوذها في شمال أفريقيا في مواجهة التوسع الروسي والصيني هناك، وهذا التنامس أضعف بين المصالح الإيطالية والفرنسية موقف الاتحاد الأوروبي وأثر سلبًا على جهود الحل السياسي في ليبيا .
وقال عرابي إن الصراعي الروسي الأمريكي في المقابل مع الوجود العسكري الأجنبي عاملاً رئيسيًا في تشكيل المشهد الليبي، حيث يعمل كأداة موازنة ومحرك للركود السياسي بين الحين والأخر.
حيث يقال إن روسيا تدير أربع قواعد جوية وبرية في شرق ووسط وجنوب ليبيا ، بينما تسعى على الأرجح للتوسع البحري عبر الموانئ الليبية، في وقت تحتفظ تركيا بثلاث قواعد رئيسية في الغربمن البلاد بمعيتيقة في طرابلس، والوطية غرب طرابلس، والقاعدة البحرية قرب مدينة مصراتة، وعلى الرغم من الدعوات الدولية للإنسحاب المستمرة إلا أن ، كلتا الدولتين تبرر وجودهما من خلال اتفاقيات رسمية مع الأطراف الليبية، مما يعمق الانقسامات الداخلية ويعزز الاعتماد على الأجانب في تواجده العسكري الحالي.
وشدد الكاتب والبحاث السياسي في الشأن الليبي على أهمية التجربة الدولية مع اللجان المستقلة، التي تعمل بعيدا عن أي الضغوط السياسية، والتي أثبتت أنها أكثر قدرة على تقديم حلول مستدامة، مثال تونس، حيث لعبت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة دورًا محوريًا في صياغة دستور 2014، بعيدًا عن سيطرة الأحزاب السياسية هناك، واقترح تطبيق نهج مماثل في ليبيا من خلال تعزيز دور اللجنة الاستشارية التي أنشأتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في فبراير من العام الجاري، ويمكن أن تطور هذه اللجنة خارطة طريق دستورية واقتصادية تتجاوز المصالح الفئوية للبعض، فاستمرار الجمود السياسي في البلاد، رغم الجهود الأممية للتوصل إلى حل سريع وعادل لن يكون سوى هدنة وقتية إذا لم تعالج المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية للأزمة الأساسية والحقيقة في ليبيا.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب