الاقتصاد الفضي: نافذة جديدة للنمو والازدهار في القارة الإفريقية
"سلسلة مقالات لمركز العرب للدراسات والأبحاث، تتناول الوان الاقتصاد الإفريقي المختلفة، من الإقتصاد الأخضر، الأزرق، البرتقالي، الأصفر، الإسود، الأبيض، البني، الأحمر، الفضي، الأرجواني ثم الإقتصاد الرقمي"

رامي زهدي- خبير الشؤون الإفريقية
المقال التاسع: 9/11
مقدمة
يشهد العالم تحولاً ديموغرافياً كبيراً، حيث يتزايد عدد كبار السن بوتيرة غير مسبوقة، مما يفتح الباب أمام مفهوم اقتصادي جديد يُعرف بـ”الاقتصاد الفضي”. يشير هذا المصطلح إلى الأنشطة الاقتصادية التي تستهدف كبار السن وتلبي احتياجاتهم، سواء كانت منتجات، خدمات، أو استثمارات. وبالنسبة للقارة الإفريقية، حيث يُتوقع أن يشهد عدد السكان فوق سن الـ 60 تضاعفاً خلال العقود القادمة، يصبح الاقتصاد الفضي فرصة استراتيجية لاستغلال هذا التحول السكاني في دفع عجلة التنمية والنمو.
تعريف الاقتصاد الفضي
الاقتصاد الفضي هو مصطلح يصف الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بفئة كبار السن، بما في ذلك الصناعات التي توفر الرعاية الصحية، التأمين، الإسكان، التقنيات المساعدة، والخدمات الترفيهية والثقافية. يُنظر إليه كقطاع ديناميكي قادر على خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الابتكار، مع تحسين جودة حياة الأفراد الذين تجاوزوا الستين من العمر.
توصيف الاقتصاد الفضي في إفريقيا
رغم أن الاقتصاد الفضي لم يصبح بعد جزءاً رئيسياً من السياسات الاقتصادية الإفريقية، إلا أن القارة تتمتع بمقومات هائلة لتطويره. من المتوقع أن يصل عدد كبار السن في إفريقيا إلى 220 مليون نسمة بحلول عام 2050. في ظل هذا النمو السكاني، تبرز الحاجة إلى الاستثمار في البنية التحتية الصحية والاجتماعية، والتكنولوجيا القادرة على خدمة كبار السن، مما يفتح المجال أمام صناعات متعددة للظهور والنمو.
أهمية الاقتصاد الفضي
- تحفيز النمو الاقتصادي:
يمكن للاقتصاد الفضي أن يكون محرّكاً أساسياً للنمو من خلال الصناعات والخدمات الموجهة لكبار السن، مثل الرعاية الصحية المتقدمة، السياحة العلاجية، والإسكان المخصص.
- خلق فرص العمل:
يتطلب تلبية احتياجات كبار السن عمالة متخصصة في قطاعات الرعاية الصحية والاجتماعية، مما يساهم في خفض معدلات البطالة بين الشباب في إفريقيا.
- تعزيز الابتكار التكنولوجي:
يشجع الاقتصاد الفضي الابتكار في مجالات مثل الأجهزة الطبية المتقدمة، تطبيقات الصحة الرقمية، والتقنيات المساعدة التي تلبي احتياجات كبار السن.
- تحسين جودة الحياة:
من خلال التركيز على هذه الفئة، يمكن تحسين جودة حياتهم وجعلهم أكثر مشاركة في المجتمع، مما يعزز التماسك الاجتماعي والاستقرار.
الوضع الراهن للاقتصاد الفضي في إفريقيا
رغم الإمكانات الهائلة، لا يزال الاقتصاد الفضي في إفريقيا في مراحله الأولية. تفتقر العديد من الدول إلى السياسات الموجهة نحو استغلال هذه الفرصة السكانية، كما أن البنية التحتية للرعاية الصحية والاجتماعية غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة. ومع ذلك، تظهر بعض المبادرات الواعدة:
التوسع في الرعاية الصحية: بدأت بعض الدول الإفريقية مثل جنوب إفريقيا وكينيا في تعزيز خدماتها الصحية لتشمل كبار السن.
السياحة العلاجية: تُعد مصر وتونس وجهتين رائدتين في تقديم خدمات السياحة العلاجية لكبار السن.
الاستثمارات في التكنولوجيا الصحية: تشهد القارة تطوراً متزايداً في التطبيقات الذكية التي تهدف إلى تحسين حياة كبار السن.
فرص نمو الاقتصاد الفضي في إفريقيا
- زيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية:
تحتاج القارة إلى استقطاب استثمارات موجهة نحو البنية التحتية للرعاية الصحية، المساكن، والتكنولوجيا التي تخدم كبار السن.
- تعزيز الشراكات الدولية:
يمكن أن تلعب الدول الإفريقية دوراً مهماً في جذب التكنولوجيا والخبرات من الدول المتقدمة لتطوير هذا القطاع.
- التوعية بسياسات الشيخوخة الإيجابية:
إدماج كبار السن كجزء من القوة الإنتاجية بدلاً من اعتبارهم عبئاً اقتصادياً يعزز من تفعيل الاقتصاد الفضي.
- الابتكار التكنولوجي المحلي:
الاستفادة من القدرات الإفريقية في تطوير حلول تقنية منخفضة التكلفة تلائم احتياجات كبار السن.
مستقبل الاقتصاد الفضي في إفريقيا
مع استمرار النمو السكاني في فئة كبار السن، يصبح الاقتصاد الفضي ضرورة وليس خياراً. ومع تزايد الوعي بأهميته، من المتوقع أن يتحول هذا القطاع إلى أحد أعمدة النمو الاقتصادي في القارة خلال العقود القادمة.
توصيات لتعزيز الاقتصاد الفضي في إفريقيا
إنشاء سياسات وطنية وإقليمية لدعم كبار السن:
تتطلب تنمية الاقتصاد الفضي وضع استراتيجيات شاملة تشمل الصحة، الإسكان، والدمج الاجتماعي.
تطوير البنية التحتية الصحية:
الاستثمار في المستشفيات، مراكز الرعاية النهارية، وخدمات الطب عن بعد لتلبية احتياجات كبار السن.
تشجيع التعليم والتدريب:
إعداد القوى العاملة لتوفير الخدمات والرعاية المخصصة لهذه الفئة.
تعزيز الابتكار والشراكات:
دعم الابتكار المحلي والدخول في شراكات مع الدول المتقدمة لتبادل المعرفة والخبرات.
خاتمة
يُمثل الاقتصاد الفضي فرصة ذهبية لإفريقيا لتحفيز النمو الاقتصادي، خلق فرص عمل، وتحسين جودة الحياة لكبار السن. بفضل مواردها البشرية والتكنولوجية، تستطيع القارة أن تكون رائدة في هذا المجال إذا تم استغلال الفرص المتاحة بشكل صحيح. وعلى الدول الإفريقية أن تعمل بشكل جماعي لوضع السياسات والمبادرات التي تحول هذا التحول الديموغرافي إلى قوة دفع نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب