رأي

إدريس أحميد يكتب.. الاتحاد الأوروبي – وتحديات المستقبل

الكاتب الصحفي والباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي

الاتحاد الأوروبي هو اهم التكثلات في العالم ، التي تمتلك قوة إقتصادية وسياسية ، لها تأثير في عدة مجالات على الصعيدين الإقليمي والعالمي .
اقتصاديا هو أكبر الاقتصادات في العالم ، وسوق مهم وناتج محلي إجمالي ضخم ، وتعداد سكاني يقدر ب 500 مليون نسمة.
يتمتع الاتحاد الأوروبي بنظام قانوني متكامل ومؤسسات سياسية متقدمة، مما يسمح له بالتعامل بفعالية مع التحديات السياسية والاقتصادية الكبرى داخل أوروبا وعلى المستوى الدولي ، وسياسة خارجية وأمنية قوية ، لها دور في السياسية الدولية ، والتعامل مع الأزمات السياسية والانسانية في العالم .

اقرأ أيضا: قرارات الأمم المتحدة بين الالتزام وازدواج المعايير «دراسة»

بشكل عام، فإن الاتحاد الأوروبي يمثل نموذجاً للتكامل الإقليمي الناجح والقوة الاقتصادية الكبيرة، ويعزز التعاون الدولي والتفاعل الفعال مع الشركاء العالميين لتحقيق الاستقرار .
(( العلاقات الأوروبية الأمريكية ))
العلاقات الاوروبية الامريكية عميقة ، منذ عهد الاستعمار الأوروبي ، والذي شكل روابط اجتماعية ، والتي تمثل جزء كبير من سكان أمريكا، وكذلك عوامل سياسية واقتصادية ،
وقد تعززت في الحربين العالميتين الاولي والثانية .
وتطورت بإنشاء حلف الشمال الاطلسي ” الناتو” عام 1949
واقتصاديا بما يعرف بمشروع مارشال لإعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية .
أدى استسلام المانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية عام 1945 .
إلى تقسيم أوروبا شرقية وغربية ، وتحديدا المانيا الشرقية والمانيا الغربية ،
وإنشاء حلف وارسو الذي تكون من سبع دول أوروبية شرقية ، بقيادة الاتحاد السوفييتي مايو 1955 لمواجهة حلف الناتو بقيادة أمريكا وبذلك بدأت الحرب الباردة .
واستمر الصراع الخفي سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، حتي انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989 .
تطورت العلاقة بالشراكة التجارية والاقتصادية وفي مختلف المجالات .
بطبيعة المصالح السياسية والاقتصادية بين الدول تباينت العلاقات الأوروبية الأمريكية خلال فترة الحرب الباردة، وخاصة الدول الاستعمارية ( فرنسا ) التي تعد احد الدول الخمس العظمي ، وتملك الكثير من المستعمرات السابقة .واختلفت مع السياسة الأمريكية في عدة أحداث وازمات دولية .
بينما تتفق أمريكا وبريطانيا في عدة سياسات ومواقف ، نتيجة الارتباط التاريخي بينهم واستعمار بريطانيا لأمريكا ،
أما المانيا التي توحدت في عام 1990 ، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين ، و تعتبر عضو مؤسس للاتحاد الاوربي ، واعادة بناء قدارتها العسكرية ، بعدما كانت محظورة بناء على معاهدة فرساي ،بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية .
تمثل العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة ، علاقة تعاون ومصالح استراتيجية
العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا يمكن وصفها بأنها علاقة تعاون وشراكة استراتيجية، ولكنها ليست خالية من الخلافات والتوترات. هناك بعض القضايا التي قد تؤدي إلى اختلاف في وجهات النظر أو السياسات بين الجانبين .
الا أن العلاقة في عهد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شهدت توترات كبيرة في عديد القضايا، التجارية والاتفاقيات التي رآها غير عادلة ، والسياسة الخارجية خاصة في التعامل الملف النووي الايراني ، الذي انسحبت منه إدارة ترامب ، أيضا انتقد الرئيس ترامب مساهمة الدول الأوروبية في حلف الناتو ، وطالبهم بدفع أموال مقابل حماية الولايات المتحدة لهم .
جاءت إدارة الرئيس بايدن في يناير 2021 ، التي ترى في الاتحاد الاوروبي الحليف التقليدي والاستراتيجي ، وعملت على إعادة التعاون في مختلف المجالات ، وتعزيز تحالفهما في مواجهة الصين وروسيا ،
بشكل عام، تهدف إدارة بايدن إلى تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في مواجهة التحديات العالمية والإقليمية والعمل على تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد والقيم المشتركة.
وتراقب الاتحاد الأوروبي الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة ،والتنافس بين الرئيس بايدن والمرشح ترامب ، والتي سوف يكون لها انعكاسات كبيرة في سياسات الاتحاد الأوروبي،
فإذا عاد الرئيس ترامب للبيت الأبيض، سوف يجد الاوربيون أنفسهم، في حاجة لسياسة للتعامل القرارات التي سوف يتخذها، والتي تتقاطع مع مصالح أمريكا، في ظل حاجة أوروبا للدعم الأمريكي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا .
((العلاقة مع روسيا الاتحادية ))
تعتبر روسيا الاتحادية أكبر مساحة في العالم ، حوالي 23 % في أوروبا الشرقية ، والجزء الأكبر حوالي 77 % في قارة آسيا ، تقلصت مساحة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، حيث استقلت عدة من الجمهوريات . وبذلك أصبحت في نطاق حدودها الأساسية.
كانت العلاقات بين أوروبا والاتحاد السوفييتي السابق ، معقدة بسبب تضارب المصالح ،
بين الحلفيين الناتو و وارسو ، في ظل الحرب الباردة .
ولعل من أهم التوترات أزمة برلين ( 1948- 1949) ، بسبب محاولة الاتحاد السوفييتي السيطرة على برلين ، التي قسمت
الى اربع مناطق بين امريكا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي،
وجاء الرد الولايات المتحدة بأفشال تحرك الاتحاد السوفييتي .بالإضافة إلى أزمة لجوء الألمان الشرقيين إلى الشطر الغربي ، مما جعل السوفييت يبنون جدار برلين عام 1961 .
أزمة الصواريخ الكوبية أزمة الصواريخ الكوبية أكتوبر 1962 ، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، والتي كادت تؤدي إلى حرب عالمية .
وجاء دخول الاتحاد السوفييتي إلى أفغانستان في ديسمبر 1979 ، ليزيد الازمة في العلاقات مع أمريكا وحلفائها الاوربيين ، وكان صراع استمر لسنوات ، واجه فيه الاتحاد السوفييتي، تحالف كبير وحملات دبلوماسية ، ومقاطعة وعقوبات اقتصادية ، وبطبيعة الحال تقديم دعم للمجاهدين الأفغان .
يمثل سباق التسلح احد اهم المخاطر التي شهدتها الحرب الباردة، نتيجة التنافس بين القطبيين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة ، حيث كان أوروبا قاعدة لتخزين الأسلحة النووية والقواعد العسكرية ، لازالت القواعد الأمريكية موجودة في اوروبا وغيرها من دول العالم .
وقد خف التنافس بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989 ، من ناحية الدول الاوربية الشرقية ، التي انظمت للاتحاد الاوروبي،
((مستقبل العلاقة بين الطرفين ))
كان من المفترض أن تكون الاتحاد الأوروبي ، الباعث للاستقرار والأمن الدولي ، لما تمثله من إمكانيات اقتصادية وتكنولوجيا، وخاصة بعد توسع الاتحاد الأوروبي ، بانضمام الدول الشرقية التي خرجت من منظومة “الكومي كون” الاقتصادية الشرقية .
وعقد شراكه استراتيجية مع روسيا الاتحادية ،التي تمثل قوة اقتصادية عالمية ،
وتكشف الأرقام عن انخفاض كبير من 243.5 مليار يورو (حوالي 262.8 مليار دولار أمريكي) إلى 82.5 مليار يورو (حوالي 89 دولار عام 2022
ولعل من المفارقات والتناقضات هو توسيع حلف الناتو في مخالفة ولعدم وجود مبرر ، للانضمام الدول الأوربية الشرقية إليها ،
اذ تعتبر روسيا الاتحادية مواجها لها ، محاولة تستهدف مصالحها الاستراتيجية
وهذا ما اتفق عليه الكثير من المحللين والمراقبين .
(( الحرب الروسية- الاوكرانية ))
انحاز الاتحاد الأوروبي وكذلك حلف الناتو للولايات المتحدة الأمريكية في دعم اوكرانيا .
وضحت دول كألمانيا بشراكتها ومصالحها مع روسيا واهمها الغاز الطبيعي والنفط ، الذي تعتمد على المانيا والدول الأوربية، بما يعرف بخط انابيب نورد استريم 1 و 2 عبر بحر البلطيق ، والتعاون في مجال الطاقة النووية والتجارة والاستثمار . والتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب .
وكذلك الحال بين فرنسا وروسيا الاتحادية في عدة مجالات وأهمها الطاقة والغاز والتجارة والمجالات العلمية .
واصبحت فرنسا في مقدمة الدول الغربية ، المتشددة في مواجهة روسيا في حربها مع أوكرانيا، وتشارك بشكل مباشر في الحرب ، من خلال تزويد أوكرانيا بأحدث الأسلحة والطائرات والخبراء ، بل هناك اتهامات بمشاركة قواتها .
ونعتقد بأن وراء ذلك هو غضب فرنسا ، من التواجد الروسي في الدول الأفريقية، التي أخرجت منها .
اما بريطانيا فقد اتسمت العلاقات مع روسيا بكثير من التعقيدات والتوترات التاريخية، وشهدت أزمات سياسية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، الذي تتخذه بريطانيا ذريعة لمواجهة روسيا ، ويأتي ذلك في السياسة البريطانية الغامضة ، ومارست ضغوطات وعقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد روسيا الاتحادية.
عسكريا تقود بريطانيا حملة كبيرة من خلال دعم اوكرانيا ، بأسلحة متطورة وخبراء ودعم لوجستي لا محدود ، ويأتي ذلك كمساندة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية ، الحليف التاريخي
” الانجلوسسكوني ” .
ولعل الموقف المستغرب هو موقف الدول التي كانت تتبع المنظومة الشرقية ، والتي ساهم الاتحاد السوفييتي السابق في اعمارها في مختلف المجالات ،بعد الحرب العالمية الثانية ،
ويتضح الدور الذي تقوم بولندا ، التي تمثل قاعدة متقدمة لإرسال الدعم العسكري لأوكرانيا، وتتشدد بعدائها لروسيا الاتحادية .
وكذلك الحال لدور رومانيا وتشيكية.
بينما يمثل الموقف المجري المعارض الاولي للسياسات الأمريكية في أوكرانيا، وترتبط بعلاقات اقتصادية من أجل مصالحها ، حتي أن رئيس الحكومة ” فكتور اوربان ” ، يعارض بشدة يحذر من مخاطر تدخل الناتو في الحرب .
اما العلاقات بين الدول الاسكندنافية وروسيا الاتحادية ، التي ترتبط بالحدود الجغرافية ، مرت بخلافات سياسية في القضايا الأمنية والحدود وخاصة في بحر البلطيق ، وانضمامها إلى حلف الناتو ، ماعدا فنلندا وايسلندا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
أيضا الخلاف التاريخي ونشوب الحرب بين فنلندا والاتحاد السوفييتي عامي 1939 -1940 ، وسيطرة السوفييت على اراضي فنلندا وفق المعاهدة التي وقعت بينهما .
وكذلك الحال بين روسيا الاتحادية والسويد والعلاقات التي توترت، والعلاقات التجارية في عدة مجالات وأهمها النفط والغاز والتكنولوجيا والمواد الخام .
واخيرا العقوبات الأوروبية على روسيا والتي اثرت على التعاون .
اذا التساؤلات مطروحة حول مستقبل العلاقة بين الطرفين ، في ظل تطور مجريات الحرب في أوكرانيا، ولمن تميل الكفة بعدما قدمت أوروبا وأمريكا ” الغالي والنفيس ” ، لدعم أوكرانيا وهزيمة روسيا الاتحادية، في ظل اشتداد الصراع والتخوف من اتساع الرقعة ، ومخاوف استخدام السلاح النووي .
وخاصة بعد الانتصارات التي حققها الجيش الروسي ، وسعى روسيا لتحشيد الحلفاء ، وقد جاءت زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى كوريا الشمالية وتوقيع اتفاقية استراتيجية للتعاون العسكري والدفاع المشترك ، التي لم تكن في الحسبان لدى الناتو ، و تزيد من مخاوفهم .
نعتقد بأن الاتحاد الأوروبي تورط في صراع داخل حدوده مع روسيا ، بدل محاولة استيعابها والتعاون معها في شتي المجالات ..
فقد جاءت العقوبات في مصلحة الاقتصاد الروسي ، الذي حقق فرص جديدة للتعاون مع تكتلات اخري كالاتحاد الأفريقي والبرازيل وفي إطار مجموعة ” البريكس “.!
((العلاقات الأوربية- الصينية ))
العلاقات الأوروبية الصينية تتسم بالتعقيد والتنوع، وتغطي مجالات متعددة منها الاقتصاد، التجارة، السياسة، والثقافة.
بطبيعة الحال يشكل التعاون التجاري ، فالصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي، وبلع حجم التبادل التجاري بينهما 738 مليار دولار عام 2023 .
وكذلك في المجال الاقتصادي في الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية ،
ويرتبط الجانبين باتفاقيات ثنائية و تم توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، مثل اتفاقية الاستثمار الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين ، وكذلك
التعاون في القضايا العالمية وقضايا مثل التغير المناخي، الصحة العالمية (خاصة خلال جائحة كوفيد-19)، ومكافحة الإرهاب .
اما سياسيا وبطبيعة الحال
توجد خلافات سياسية وايدلوجية بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، سياسات الصين في هونغ كونغ وشين جيانغ، والنزاعات في بحر الصين الجنوبي.
ويمكن القول بأن العامل السياسي و الايدولجي ، هو ما يحدد العلاقة بين الجانبين، حيث تسعي الصين لبسط نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري ، في مختلف قارات العالم والتكتلات الدولية ، بمعني التأرجح في المواقف هو من يحدد تلك العلاقة !

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى