د.مصطفى عيد إبراهيم يكتب.. دولة الإمارات العربية المتحدة والعيد الوطني الثالث والخمسون
الكاتب مستشار سياسي واقتصادي سابق بوزارة الدفاع الإماراتية
يا وطنًا شامخًا في العلا يصل إلى السحاب، يا شيوخًا، من تشهد لهم الدنيا بالشيم الكرام. يا أسعد شعوب الأرض قاطبة، لكم آل زايد على الحق محتسب، يفتح للخير كل يوم باب، حماكم الله وزادكم عزًا.
فكما يعز الله المرء بأهله، يعزه بوطنه وحكامه، ولقد أعز الله دولة الإمارات العربية المتحدة بأهلها وحكامها. فهم أولاد زايد ونسل محمد بن زايد الأوفياء الأتقياء، تعاهدوا معًا على أن يجعلوا الوطن فوق الرؤوس وفي مقلة العيون. ويتخذوا من علمهم الذي يرفرف خفاقًا في أعنان السماء نبراسًا يهدي، وفنارة ترشد. فحملوا بداخل قلوبهم للبشرية جمعاء في الأرض قاطبة، الأمل والتفاؤل، كما يحمل اللون الأخضر. وزرعوا الحب والسلام كما باللون الأبيض. أما القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة فتتحلى بالجرأة والشجاعة والقوة في العقل والجسد، وهزيمة الأعداء بما يحمله اللونان الأحمر والأسود من دلائل وإشارات. فكانت الأمة الإماراتية متوحدة مع رمزها الذي اختارته لنفسها منذ البداية، وتعكسه في أدائها وإنجازاتها والذود عن أرضها وشعبها.
اقرأ أيضا: مفهوم الردع لدى العقلية السياسية والأمنية الإيرانية.. دراسة للباحث: مصطفى عيد إبراهيم
وبجهود الشيخ زايد آل نهيان “طيب الله ثراه”، التي حفرها التاريخ بسطور من ذهب، تم إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، حيث انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جامعة الدول العربية، وفي التاسع من ديسمبر 1971، وافق مجلس الأمن على انضمامها إلى الأمم المتحدة. ولقد سبق إعلان توحيد دولة الإمارات جهود حثيثة بدءًا من أوائل القرن العشرين وحتى اجتماعي دبي الأول والثاني في عام 1968، من أجل تنفيذ الوحدة بين إمارات الساحل المتصالحة. وعقب إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، تم إعداد دستور مؤقت للبلاد والذي جاء في مادته رقم 152، وحدد الدستور السلطات المختلفة في البلاد على النحو التالي:
- المجلس الأعلى للاتحاد: ويتكون من الحكام السبعة، وهو أعلى المؤسسات في الدولة، ويتخذ قرارته بالأغلبية.
- رئيس الدولة ونائبه.
- مجلس الوزراء.
- المجلس الوطني الاتحادي، وهو مجلس استشاري ضم في ذلك الوقت 34 عضوًا، 8 أعضاء لكل من أبوظبي ودبي، و6 من إمارة الشارقة، و4 للإمارات المتبقية. ويخصص لرأس الخيمة 6 مقاعد عند انضمامها للاتحاد ليصبح عدد الأعضاء 40 عضوًا.
- السلطة القضائية، وتتكون من عدد من المحاكم على رأسها المحكمة الاتحادية.
في 20 مايو 1996، تم عقد اجتماع لأصحاب السمو شيوخ الإمارات العربية المتحدة، لتتم الموافقة من قبل المجلس الأعلى للاتحاد؛ وهم حكام الإمارات السبع على نصّ معدّل للدستور، جعل من دستور البلاد المؤقّت الدستور الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة، واتخذت أبوظبي عاصمة الدولة.
تكمن أهمية تشكيل اتحاد الإمارات في الحفاظ على استقلال الإمارات وسيادتها وتعزيز وجودها في المحافل الدولية وحماية أمن دول الاتحاد واستقراراها والدفاع عنها ضد أي اعتداء وحماية حقوق شعب الاتحاد وحرياته، وتحقيق تعاون وثيق بين الإمارات بما يعود بالنفع المشترك على الاتحاد وتعزيز ازدهار الاتحاد وتقدمه، مع توفير حياة أفضل لجميع المواطنين واحترام استقلال وسيادة الإمارات الأخرى فيما يتعلق بشؤونها الداخلية في إطار الدستور.
وحظي الشيخ زايد “طيب الله ثراه” بمكانة رفيعة المستوى عند جميع القادة العرب والعالم، وهذا ما أتاح له القيام بدور الوسيط بينهم في أكثر من مناسبة، كما كانت مواقفه المشرفة والأصيلة حاضرة في كل مناسبة. ومنذ قيام دولة الإمارات، انصرف اهتمام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى مسيرة البناء الوطني ودعم الإخوة والأشقاء العرب. وآمن سموه بالتضامن والتعاون بين جميع الدول العربية، والتزم باستخدام سلطته الشخصية والسياسية على المستويين العربي والدولي لتحقيق السلام والتقدم في منطقة الشرق الأوسط. وسجل التاريخ مقولته الشهيرة “النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي”، التي فعلها قولًا وفعلًا خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973.
وفي عام 1976، كانت حكمة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخيه المغفور له الشيخ راشد آل مكتوم، وشيوخ الإمارات، بأن تتوحد القوات المسلحة تحت قيادة مركزية واحدة تسمى القيادة العامة للقوات المسلحة، لتدافع عن الدولة ولتحافظ على سلامة أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية والمحافظة على أمن واستقرار ووحدة الدولة.
ومنذ ذلك الوقت، بات لدولة الإمارات العربية المتحدة جيش واحد يدافع عنها ويدفع كيد الكائدين. ويحرص شيوخنا “أعزهم الله”، على مدها بالعدة والعتاد، وأن يجعلها على أهبة الاستعداد للذود وحماية الأرض والعرض، وأنها في سبيل ذلك لا تحيد عن الحق أبدًا وتعمل وفق كتاب الله وسنة نبيه وأولي الأمر، فكان قيام القوات المسلحة الإماراتية للدفاع عن الآخرين ليس لدنيا تريدها؛ ولكن وفقًا لأمر المولى عز وجل الذي يقول في محكم آياته: “وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” صدق الله العظيم (آية 9 سورة الحجرات).
وهكذا فإن القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة وبتوجيهات من شيوخها وقادتها “حفظهم الله”، لا تسعى لإشاعة ظلم أو فرض قوة أو تدخل أعمى. ولكنها أخذت على عاتقها أن تصون الأرض والعرض، وأن تدافع عن المظلومين وأن تعين المحتاجين، وأن تكون سيف الله في أرضه، لتنصر الحق وتقهر الباطل طالما وجدت لهذا سبيلًا.
ولقد اختارت القيادة السياسية الحكيمة لدولة الإمارات يوم 30 نوفمبر “عيدًا للشهيد”، كون هذا اليوم قد سقط فيه أول “شهيد” إماراتي، وهو سالم سهيل خميس في 30 نوفمبر عام 1971، في معركة طنب الكبرى ضد القوات الإيرانية، وكان يتبع الإدارة العامة لشرطة رأس الخيمة، حيث التحق بالشرطة وعمره 16 عامًا، ولم يمهله القدر الانضمام إلى القوات المسلحة وتسلم رقمه العسكري 190. ولقد عدّ أن تكريم من قضوا حياتهم صونًا لمقدرات الإمارات ضد قوى البغي والعدوان وحماية أبنائه وشعبه الكريم، أو على درب مناصرة دولتهم إمارات الحق – لقيم الحق والعدل في أي مكان خارج حدود الوطن.. إنما هو تكريم قد اعتاد عليه الإماراتيون على الدوام هنا على أرض دولة الإمارات من قيادتها الرشيدة.
وعلى الصعيد النهضوي والتنمية والتحضر، لقد نجح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في غضون عدة سنوات في إجراء تحول جذري بدولة الإمارات ونقلها من دولة تعتمد على الصحراء والرعي والصيد البحري التقليدي، إلى دولة متقدمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك عبر مرحلة التأسيس ومرحلة التمكين ومرحلة الانطلاق التي عنيت برفع مستوى جودة حياة الشعب، وحسن استغلال إدارة الموارد، والتفاعل بفاعلية مع المستقبل.
وخلال نصف قرن، تحولت الإمارات إلى حالة استثنائية ليس فقط بالمنطقة، بل في العالم أجمع، حيث تصدرت الإمارات للعام الرابع على التوالي بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التقرير السنوي للتنافسية العالمية 2020، الذي صنف الدولة في المرتبة التاسعة عالميًا بين الدول الأكثر تنافسية في العالم. وحقق الناتج المحلي الإجمالي للدولة بالأسعار الجارية نموًا بنسبة 45% خلال السنوات العشر الماضية. واستطاعت الإمارات أن تتحول إلى وجهة عالمية جاذبة للاستثمارات والأعمال في ظل وجود 40 منطقة حرة تسمح بالتملك بنسبة 100% للاستثمار الأجنبي. كما احتلت دولة الإمارات المرتبة 19 عالميًا في مؤشر الثقة في الاستثمار الأجنبي المباشر 2020 الصادر عن شركة “كيرني” الأمريكية للاستشارات.
وتماشيًا مع المتغيرات الدولية ورغبة في حفاظ دولة الامارات العربية المتحدة على المكتسبات التي حققتها خلال نصف قرن. وفي ظل قيادتها الرشيدة، أطلقت دولة الامارات العربية المتحدة وثيقة المبادئ العشر. وهذه المبادئ تعطي الأولوية الكبرى لتقوية الاتحاد من خلال تطوير كل مناطق الدولة عمرانيًا وتنمويًا واقتصاديًا، والتركيز بشكل كامل على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، وبناء بيئة اقتصادية عالمية والحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الخمسين عامًا السابقة.
واتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة مجموعة من السياسات والتوجهات والاستراتيجيات والقوانين والإجراءات التي من شأنها القيام بتعزيز الالتزام بتطبيق المبادئ العشر للخمسين الجديدة، مثل إعادة هندسة علاقاتها في محيطها الحيوي الجغرافي بدوائره المختلفة، وإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وطرح قوانين جديدة لجذب المواهب والاهتمام برأس المال البشري. وتحقيق التفوق الرقمي والعلمي وجعلها عاصمة للمواهب والشركات والاستثمارات في تلك المجالات، وهو ما يعدّ امتدادًا لنشاط الدولة في الخمسين عامًا السابقة وتطويره في ظل عالم يتسم بالتغير والتنافس الدائم مع الحفاظ على تطور الأداء المؤسسي بالإمارات، وفق مبدأ سيادة القانون الذي انعكس في صدور قانون محاسبة الوزراء، إضافة إلى التشريعات التي من شأنها ضمان حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادات.
وبناء على توجيهات أصحاب السمو، فقد تم رفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الاتحادي إلى 50% وتشغل المرأة نسبة 49.5% من العاملين في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، ونحو 75% من العاملين في قطاعي الصحة والتعليم، كما تصل نسبة الوزيرات في الوزرات الإماراتية المختلفة إلى نحو 25%. وهو نفس الأمر الذي يتعلق بتمكين الشباب في الوظائف الحكومية والقطاع الخاص. كما رسخت مبدأ الاهتمام بالواطن وتلبية احتياجاته على نحو مستدام وحقه في التمثيل النيابي من خلال المجلس الاتحادي، الذي يتطور عامًا بعد عام وعقدًا بعد عقد.
أما فيما يتعلق بتوجهات السياسة الخارجية الإماراتية، فقد أكدت وثيقة البنود العشر التي أصدرتها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وامتدادًا للنهج الإماراتي منذ نشأتها، أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات تعمل على خدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية والاهتمام برأس المال البشري كمحرك رئيسي للمستقبل، واعتبار أن المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي خط الدفاع الأول عن أمن وسلامة ومستقبل التنمية بالإمارات في إطار حسن الجوار كأساس للاستقرار مع ترسيخ السمعة العالمية للدولة والعمل على جعلها وجهة اقتصادية وسياحية وصناعية واستثمارية وثقافية واحدة من خلال توحيد الجهود والاستفادة المشتركة من الإمكانات وترسيخ منظومة القيم القائمة على الانفتاح، والتسامح وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات وترسيخ الأخوة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية وتقديم المساعدات الإنسانية الخارجية، والدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كل الخلافات كأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات.
وفي هذا السياق، تؤكد دولة الإمارات العربية المتحدة ثبات موقفها في إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وضمان أمن الموانئ وأمن الممرات البحرية، والتي يجب أن يتم الالتزام بمبادئ القانون الدولي العام والقانون البحري.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب