هل حقًا الألعاب الأولمبية مفتوحة على مصراعيها أمام الأفارقة؟ (مقال مترجم)
ترجمة وعرض نِهاد محمود
باحثة دكتوراه- كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة
بالتزامن مع بدء دورة الألعاب الأولمبية بالعاصمة الفرنسية باريس أواخر الشهر الفائت، الحدث الدولي متعدد الرياضات المقام في الفترة من 24 يوليو إلى 11 أغسطس 2024، نشر معهد الدراسات الأمنية مقالًا حول (أولمبياد باريس 2024) والسياق السياسي والاجتماعي الأوسع المحيط بالألعاب الأولمبية ولاعبيها، لاسيما الأفارقة منهم. يحاول المقال إلقاء الضوء على بعض القيود والعقبات التي تواجه الرياضيين خلال مثل هذه التجمعات والفعاليات الرياضية، كقيام فرنسا بمنع لاعبيها ومسئوليها من الفتيات من ارتداء أي غطاء ديني للرأس “الحجاب” خلال هذه الدورة من الألعاب الأولمبية الصيفية. كما يتطرق المقال بشكل أكثر عمومية إلى المضايقات والإساءات العنصرية التي يواجهها الرياضيين الأفارقة المتدفقين إلى الملاعب الأوروبية خلال الآونة الأخيرة، لاسيما ما يتعرضون له من مضايقات فيما بعد الهزائم، كالحال في كرة القدم حينما تعرّض “بوكايو ساكا”، المولود في لندن لأبوين نيجيريين، لوابل من الإساءات العنصرية، والتعليقات المهينة عبر إنستجرام، عقب خسارة منتخبه إنجلترا في نهائي بطولة أوروبا 2024، أمام إسبانيا.
في البداية انطلقت الألعاب الأولمبية بباريس تحت شعار “الألعاب مفتوحة على مصراعيها”، ما يعكس الرغبة في السماح للجميع بالاستمتاع بالتجربة الأولمبية على أكمل وجه، مع الوعد بالمشاركة للكافة. لكن يجد المتتبع للسياق الأوسع سياسيًا واجتماعيًا أن الصورة ليست مثالية كما يتم الترويج، فهذه الدورة يسبقها كثير من الوقائع التي شهدت حرمان العديد من الأفارقة من الوصول إلى الفعاليات الرياضية، كما تعرّض الرياضيون والفنانون للتمييز والإساءة العنصرية. ولا يمكن تجاهل حقيقة إن الألعاب ليست بمعزل عن السياق الاجتماعي والسياسي الأوسع الذي تُقام فيه. على سبيل المثال أصبح الحصول على تأشيرات أوروبية صعبًا للغاية بالنسبة للأفارقة والآسيويين. وتعرض المتسابقون والفنانون من أصل أفريقي للتشكيك في جنسياتهم وهوياتهم، كما منعت فرنسا رياضييها ومسؤوليها من ارتداء الحجاب.
مشهد أوروبي رافض للوجود الأفريقي والآسيوي:
في ظل المشهد السياسي الأوروبي المحفوف بالمشاعر المناهضة للمهاجرين وما يترتب على ذلك من ممارسات للعنصرية، حيث تكتسب الهويات والسياسات الوطنية الزخم الأكبر، فإن الألعاب الأولمبية تكون بعيدة كل البعد عن الانفتاح على الأفارقة وغيرهم من غير الغربيين. على سبيل المثال وصف العديد من المسافرين الأفارقة والآسيويين عمليات التقدم بطلبات التأشيرة المطلوبة لزيارة الدول الأوروبية (بالمهينة والمكلفة). وحقق الاتحاد الأوروبي ما يقدر بنحو 56 مليون يورو كرسوم لطلبات التأشيرة المرفوضة من الدول الأفريقية في عام 2023. وفي يونيو 2024، زادت الرسوم بنسبة 12.5٪.
في عام 2023، تلقى الأفارقة 704000 رد سلبي على طلبات تأشيرة شنغن. وكان معدل الرفض للأفارقة المتقدمين للحصول على تأشيرات شنغن أعلى بنسبة 10٪ من المتوسط العالمي. كما كان سبع من أعلى 10 دول ذات أعلى معدلات الرفض (40٪ -47٪) أفريقية. بشكل عام يواجه المتقدمون من الدول الأكثر فقراً معدلات رفض أعلى. يتكهن البعض بأن الاتحاد الأوروبي يرفض التأشيرات الأفريقية من أجل الضغط على الدول الأفريقية لاستعادة العائدين قسراً.
ممارسات ومضايقات عنصرية:
تأكيدًا للمشاعر الغربية العدائية تجاه كل ما هو أفريقي داخل المحيط الأوروبي، تعرضت المواطنة الفرنسية المولودة في مالي “آيا ناكامورا” والتي قامت بالغناء في حفل افتتاح الأولمبياد، إلى هجوم عنيف من العنصرية عبر الإنترنت، ووصفوها بأنها “مبتذلة” وقيل إن باريس ليست كسوق باماكو (عاصمة جمهورية مالي). ليس هذا فحسب بل زعم سياسيون من أقصى اليمين، بما في ذلك زعيمة حزب التجمع الوطني “مارين لوبان”، أن “ناكامورا” ليست فرنسية بما فيه الكفاية وأنها “ستهين البلاد”. حتى المدافعون عنها وصفوا إدراجها في الحفل بأنه “سياسي”، على الرغم من كونها الفنانة الأكثر مبيعًا في فرنسا.
الأولمبياد والتكافؤ الكامل بين الجنسين:
تعد هذه الألعاب الأولمبية هي الأولى من نوعها التي تحقق التكافؤ الكامل بين الجنسين، ومع ذلك، فإن التكافؤ بين الجنسين في مجال اللعب لا يعني بالضرورة تحققه بشكل كامل ومطلق. على سبيل المثال كان هذا الإنجاز التاريخي ملطخًا بقرار الحكومة الفرنسية بمنع جميع ممثليها من ارتداء أي غطاء رأس ديني، على الرغم من الانتقادات الواسعة النطاق من منظمات حقوق الإنسان التي تقول إن هذا من شأنه أن يدفع الفتيات والنساء المسلمات للعزوف عن ممارسة الرياضة، الحق الأصيل والطبيعي إليهنّ. ردت فرنسا على هذه الادعاءات بإنها تعتبر الرياضيين والممثلين الوطنيين موظفين مدنيين ملزمين قانونًا بتمثيل العلمانية والحياد.
حول تدفق الرياضيين الأفارقة إلى الرياضات والملاعب الأوروبية:
في العقود الأخيرة، كان هناك تدفق للرياضيين من أصل أفريقي في الرياضات الأوروبية، حيث تسببت العولمة والاحتراف ومعايير المنافسة الأعلى والرواتب الأعلى في انتقال الرياضيين الأفارقة إلى دول وأندية أجنبية.
في كرة القدم، أظهر تقرير KPMG لعام 2021 أن أكثر من 500 لاعب أفريقي محترف في الفرق الأولى عبر 11 دوريًا أوروبيًا من الدرجة الأولى، بما يمثل 6٪ من قاعدة اللاعبين. استند هذا الحساب إلى الجنسية الأساسية فقط واستبعد اللاعبين من أصل أفريقي الذين يلعبون لفرق وطنية غير أفريقية. لذا فمن المرجح أن يشكل الأفارقة من الجيل الثاني أو الثالث الذين يحملون الجنسية الأوروبية أو الجنسية المزدوجة عددًا أكبر.
من جهة أخرى نجد إنه بين الدول الأربع والعشرين التي تأهلت لكأس الأمم الأفريقية للعام 2023، لم يكن لدى ثلاث دول فقط (جنوب أفريقيا ومصر وناميبيا) جنسية مزدوجة في فرقها. ما أدى إلى اضطرار واحد وثلاثون لاعبًا إلى تفويت مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز لتمثيل بلدانهم. على الصعيد ذاته عكست الفرق الأربعة الأولى في بطولة أوروبا لكرة القدم الأخيرة (يورو 2024) -هولندا وفرنسا وإنجلترا وإسبانيا- تركيبة مماثلة. عندما فازت إسبانيا بالمباراة النهائية ضد إنجلترا، جاء هدفها الافتتاحي من النجم “نيكو ويليامز” بمساعدة اللاعب الصاعد “لامين يامال”. جدير بالذكر أن “يامال” وُلِدَ في برشلونة لأم من غينيا الاستوائية وأب مغربي. كما وُلِدَ “ويليامز” في غانا وهاجر مع عائلته إلى إسبانيا، في حين يمثل شقيقه “إيناكي” منتخب غانا (البلد الواقع غرب أفريقيا).
على صعيد الإساءات والمضايقات التي يتعرض لها اللاعبين الأفارقة أو من ذوي الأصول الأفريقية داخل الملاعب الأوروبية؛ نجد أنه عقب خسارة إنجلترا في نهائي بطولة أوروبا لكرة القدم 2024، تعرض “بوكايو ساكا”، المولود في لندن لأبوين نيجيريين، لإساءة عنصرية، مع وابل من التعليقات والرموز التعبيرية المهينة على إنستجرام. كذلك بعد خسارة إنجلترا أمام إيطاليا في نهائي بطولة أوروبا 2020، تعرض ثلاثة من لاعبي إنجلترا من أفريقيا لإساءات عنصرية.
هل الرياضة مشروعًا سياسيًا؟
في كثير من الأحيان، يُقال لمن يسلطون الضوء على هذه الازدواجية والعنصرية التي يعامل بها الأفارقة داخل الأروقة الرياضية الأوروبية بإنه لابد من “إبعاد السياسة عن الرياضة”. ومع ذلك ظلت الرياضة في كثير من الأحيان مشروعًا سياسيًا. مثل الاحتجاج ضد وحشية الشرطة أثناء النشيد الوطني الأمريكي، أو رمزًا لبناء الأمة (كأس العالم للرجبي 1995 في جنوب إفريقيا)، أو حظر جنوب إفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري من الألعاب الأولمبية (1964-1988).
لذا لم يكن مستغربًا أنه عندما فازت فرنسا بنهائي كأس العالم لكرة القدم 2018، قال الكوميدي الجنوب أفريقي “تريفور نوح” مازحًا: “فازت إفريقيا بكأس العالم، لأن 12 من أصل 23 لاعبًا فرنسيًا من أصل أفريقي.” أثار تعليقه جدالًا واسعًا حول ما إذا كان هؤلاء اللاعبون أقل فرنسية، وما إذا كانت الهويات الأفريقية الأوروبية المزدوجة ممكنة، وكيف استخدم المتشددون القوميون الهويات المزدوجة لخلق مواطنين من الدرجة الثانية.
اليمين الفرنسي المتطرف:
بالتوازي مع ذلك كله يكتسب المتشددون القوميون شعبية في فرنسا، تبلور ذلك خلال حصول اتحاد اليمين المتطرف على أكبر حصة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية لعام 2024 على منصة معادية للأجانب وعنصرية بشكل علني. في يناير، سارعت فرنسا إلى قانون السيطرة على الهجرة وتحسين التكامل لعام 2024، والذي جعل من الصعب الحصول على اللجوء، كما أنه سمح بترحيل بعض طالبي اللجوء قبل الاستئناف.
وفي فبراير، وافق الاتحاد الأوروبي على ميثاق الهجرة واللجوء، الذي يسمح باحتجاز طالبي اللجوء لمدة تصل إلى ستة أشهر، بما في ذلك القاصرين غير المصحوبين بذويهم. علمًا بأن اللاجئون الأوكرانيون معفون من قيود الميثاق، بعد اتجاه التركيز على القيود على المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط.
إجمالًا نقول إنه غالبًا ما يتم الاحتفال بالرياضة باعتبارها ساحة عظيمة للمساواة حيث أن القوة والثروة والسياسة والعرق أو الجنسية يمكن أن تتقاطع في نفس الساحة. ومع ذلك، فإنها تتطلب إمكانات ومعدات وتدريبًا ووقت فراغ باهظ الثمن، كما يمكن استخدامها أيضًا للإقصاء والتهميش أو التمييز بشكل منهجي.
في الأخير لكي تكون الألعاب الأولمبية “مفتوحة” حقًا كما جاء في شعار دورة الألعاب الأولمبية- باريس 2024، يجب على المنظمين والدول المُضيفَة أن تتسق أفعالهم مع ما يقولون من قيم ومعتقدات وأنساق أخلاقية قائمة على احترام حقوق الإنسان وتكافؤ الفرص وعدم التمييز على أساس اللون، العرق، الجنس، وغيرها من التصنيفات والتحيزات غير الموضوعية التي يدفع أثمانها الباهظة غير الغربيين وخاصة الأفارقة بشكل جلي لايمكن إنكاره.
الرابط الأصلي للمقال:
https://issafrica.org/iss-today/are-the-olympics-wide-open-to-africans