هاني الجمل يكتب.. هل استخدم بايدن الكروت الطائشة من أجل إزاحة نتنياهو؟
“غانتس قائد صغير.. لكنه بهلوان كبير”.. بهذه الكلمات الدقيقة وصف وزير الأمن القومي الإسرائيلي “إيتمار بن غفير” الوزير المتطرف غانتس بالبهلوان والكاذب، وكتب في تغريدة على حسابه في منصة إكس أنه “منذ اللحظة الأولى لانضمامه إلى الحكومة انشغل في محاولات تفكيكها”. وصف يعيد للأذهان حالة الاختلاف الكبيرة بين بايدن ونتنياهو وإدارته لملف الحرب على غزة في الوقت الذي اتسعت هوة الخلاف بين الطرفين حول التوسع الاستيطاني الإسرائيلي ومحاولات تهويد القدس وإحداث تغير ديمغرافي للبلدة القديمة والاستمرار في نزع الملكية من السكان الأصليين في بقاع فلسطين المحتلة وانسداد أفق السلام وتصاعد الاحتجاجات على تحجيم دور السلطة القضائية في إسرائيل مما أدى إلى أحداث السابع من أكتوبر وهجوم حماس على إسرائيل وما تبعه من حراك أمريكي واضح للكيان الصهيوني خوفًا على يهودية الدولة من الخطوات التصعيدية التي يمارسها نتنياهو في الداخل الإسرائيلي والخارج، وبعد حالة الشد والجذب بين نتنياهو وبايدن والمغامرات العسكرية التي قفز بها نتنياهو على أحداث السابع من أكتوبر للحفاظ على نفسه أولا وعلي حكومته اليمنية المتطرفة على الرغم من الزيارات المكوكية التي قادها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لإسرائيل للتأكيد على دعم الكيان الصهيوني إلا أن نتنياهو بات مغردا خارج السرب من أجل تحقيق مجده الشخصي وضاغطا على بايدن بانتظار حليفه الاستراتيجي ترامب بعد فوزه في الانتخابات الأمريكية القادمة لتنفيذ مخططه، هنا أدركت الإدارة الأمريكية أن عليها استخدام “كروت طائشة” جديدة للإطاحة بالحكومة الإسرائيلية وخاصة نتنياهو، وكان ذلك من خلال استقبال “الوزير غانتس” في أمريكا التي أغضبت نتنياهو وأصدر تعليمات شديدة اللهجة للسفارة الإسرائيلية في واشنطن بعدم استقباله أو تقديم أي دعم له في إشارة منه لتحسس الخطر القادم من هذه الزيارة.
وفي تقديري بعد سفر غانتس إلى واشنطن أضحت الإدارة الأمريكية معادية لتل أبيب، وأن هناك مؤامرات حاكها الوزير غانتس مع بايدن من أجل الضغط على نتنياهو وحكومته أو الإطاحة به والدعوة إلى انتخابات مبكرة تنهي مستقبل نتنياهو السياسي لأنه سوف يكون تحت طائلة المطالبات القضائية في الداخل والخارج بدون غطاء سلطوي يحميه.
ملامح الصراع داخل حكومة الحرب
وفي خطوة نارية كشفت زيادة الخلافات والانشقاقات داخل الحكومة الإسرائيلية أن هدد الوزير في حكومة الحرب “بيني غانتس” بالاستقالة إذا لم يوافق نتنياهو بحلول الثامن من يونيو القادم على خطة بشأن الوضع في غزة تتضمن كيفية حكم القطاع بعد انتهاء الحرب مع حماس، وزادت تصريحات غانتس من ورطة نتنياهو بعدما طالب حكومة الحرب بوضع خطة من ست نقاط في الأسابيع الثلاثة المقبلة مهددا بانسحاب حزبه المنتمي لتيار الوسط، وأضاف غانتس أن خطته المقترحة تتضمن إعادة المختطفين الإسرائيليين لدى حماس والقضاء على حكم حماس ونزع السلاح من غزة وضمان الوجود العسكري الإسرائيلي وإقامة إدارة أوروبية أمريكية فلسطينية للقطاع مدنيا وإعادة المواطنين في الشمال وتطبيع العلاقات مع السعودية وتجنيد طلاب المعاهد الدينية في إسرائيل، وبذلك رسم غانتس ملامح مستقبل القطاع في حال فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه أو إجباره على تنفيذ مطالبه التي هي رغبة من إدارة بايدن.
هذه التصريحات أثارت حفيظة وزير المالية الإسرائيلي “بتسلئي سموتيترش”، وهو أيضا أصنفه ضمن الكروت الطائشة ردا على تهديد غانتس إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة على غزة بات من الواضح أن العلاقات بين أعضاء الحكومة المصغرة تدهورت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة خصوصا وسط الفشل في تحقيق أي تقدم في قضية استرجاع الأسرى المحتجزين في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي على الرغم من العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة على جبهات عديدة لم تنجح إلا في قتل الأبرياء من الأطفال والسيدات وقطع أوصال المناطق الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين قسريًا وبناء المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة وتسليح المستوطنين اليهود، بل وتواجد الدبابات الإسرائيلية لأول مرة منذ عام 2005 عند معبر رفح منتهكا بذلك الملحق الأمني الذي وقعته مصر مع إسرائيل للسيطرة على محور “صلاح الدين” مما رفع حالة الطوارئ لدى مصر التي حذرت إسرائيل من مغبة هذه الخطوة التي تجعل اتفاقية سلام “كامب ديفيد” على المحك، وأنظرت أمريكا أن تضلع بمسؤولياتها باعتبارها راعية هذه الاتفاقية وإلا سوف يكون هناك موقف آخر كخيار استراتيجي.
ولم تقتصر الخلافات والعلاقات المتوترة على المستوى السياسي أي بين الوزراء أنفسهم فقط، بل بينهم وبين القيادات العسكرية أيضا، وذلك بعد مهاجمة وزراء في الحكومة وزير الدفاع “يوآف غالانت” بقوة مطالبين باستقالته بعدما حملوه مسؤولية الفشل المستمر في غزة وزيادة حمام الدم في رفح.
هل نهاية حكومة نتنياهو باتت وشيكة؟
في تقديري على الرغم من أن غانتس هو أقوى منافس لنتنياهو في استطلاعات الرأي فإن انسحابه من الحكومة، إن حدث، لن يكون كافيًا للإطاحة بها، لأن الأحزاب المتبقية ستمنح رئيس الوزراء أغلبية مريحة في الكنيست، خاصة في ظل العروض الوفيرة التي قدمها “يائير لابيد” لنتنياهو أنه سوف يكون الداعم الأول له في حال خروج وزراء اليمين المتطرف من حكومته وتغليب لغة العقل في وقف العمليات العسكرية والاتجاه نحو هدنة إنسانية تعيد الرهائن الإسرائيليين إلى ذويهم والذين يشكلون ورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية.
إذن الكروت الطائشة التي تستخدمها أمريكا ضد نتنياهو سوف تبيض وجه بايدن خلال المدة الباقية من سباق الرئاسة المحموم ضد منافسه اللدود ترامب، خاصة في ظل قدرتها على تغير مزاج الشعب الإسرائيلي الذي تغلب عليه نزعة اليمين المتطرف
والضغط على حكومة نتنياهو، إما بفك الارتباط ككتل سياسية، أو بالذهاب إلى انتخابات مبكرة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب