د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. ابتهال أبو السعد والآخرون

“إذا لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل، فصوت الحق يهدف في كل مكان ليهدي الحائرين، وهو كالزيت يطفو دائما من فوق، والناس يحبون الحق بأقوالهم ويكرهونه بأفعالهم والحق بحاجة أيضا إلى طرفين طرف ينطق به وآخر يفهمه..”.
العبارة أعلاه من أقوال الشيخ محمد متولي الشعراوي الخالدة، تلخص بشكل دقيق ما قامت به المهندسة والمبرمجة المغربية ابتهال أبو السعد من جهة، وما يقوم به من يدعون زورا وبهتانا أنهم يدافعون عن القضية الفلسطينية ممن يتاجرون بها كما يتاجرون بالدين لأجل الوصول إلى مبتغياتهم الدنيئة من جهة ثانية.
قبل أن تقف ابتهال أبو السعد شامخة كالطود في وجه أشخاص نافذين في شركة مايكروسوفت العالمية ومنهم المهندس مصطفى سليمان البريطاني ذو الأصول السورية، الرئيس التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي في هذه الشركة الأمريكية العالمية، كان وقبل سنوات قليلة جدا، سياسيون عرب ومغاربة وللأسف ينتمون لأحزاب محسوبة على الصف الإسلامي يوقعون بشكل مباشر على وثيقة التطبيع مع الكيان الصهيوني دون أن تردعهم قيم أو يهزهم ضمير.
سياسيون اعتادوا أن يقدموا أنفسهم للجمهور على أساس أنهم مناضلون ضد كل أشكال الظلم والطغيان والجبروت الذي يمارسه الكيان الصهيوني في حق أطفال ونساء وشيوخ فلسطين، ويعتبرون التطبيع مع هذا الكيان، خط أحمر لا يمكن المساس به، يقول أحدهم: “موقف المغرب، هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك، ورفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين، وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف”، مشددا على أن “هذه خطوط حمراء بالنسبة للمغرب، وهذا يستتبع رفض كل التنازلات التي تتم في هذا المجال، ونرفض أيضا كل عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني”.
واليوم وفي زمن طوفان الأقصى، الذي لم تنتهي فصوله الدرامية بعد إلى حد كتابة هذه السطور، عادوا -كما كانوا من قبل- ليتقدموا الصفوف الأمامية للمسيرات الشعبية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني ويتسابقون للإدلاء بتصريحات الشجب والتنديد ضد الكيان، بل ويشرفون بأنفسهم على تنظيم وتأطير هذه المسيرات، التي تجري على بعد أقل من سنة عن إجراء الانتخابات التشريعية والجماعية بالمغرب، وهي إشارة تؤكد أن هؤلاء يحاولون من خلال تنظيم هذه المسيرات استغلال القضية الفلسطينية أبشع استغلال في محاولة منهم للعودة إلى المشهد السياسي المغربي ولو هذه المرة على حساب آهات وجراحات أزيد من مائة وسبعون آلف (170 ألف) فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
إن صورة ظهور سعدالدين العثماني، الرئيس السابق للحكومة المغربية أمام مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية إلى جانب مستشار الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، وهو يوقع عشية ذات يوم على عقد التطبيع مباشرة مع الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، صورة لا يمكن أن تفارق مخيلة وذهن كل مغربي حر يحب وطنه ويعشق أرض الأقصى المباركة، علما أن البروتوكول لم يكن يتطلب أن يكون شخص رئيس الحكومة هو الطرف الموقع مقابل المستشارين جاريد كوشنر، ومائير بن شبات، فهما معا ليسا نظيران بروتوكوليا لرئيس حكومة منتخب!!؟
تماما كما لا يمكن أن تفارق صورة ابتهال أبو السعد وهي تقف في وجه سدنة الكيان في شركة مايكروسفت مخيلة هذا المغربي الحر ومخيلة كل المغاربة، لكن شتان ما بين الصورتين، وما بين الموقفين على الرغم من أنهما يجريان في زمن وسياق واحد.
شتان ما بين من يدافع عن القضية الفلسطينية ومن يخذل هذه القضية ويتفنن في استغلالها ويتفنن أيضا في الرقص على جراحات وآهات ورفات أطفال ونساء وشيوخ أرض مسرى النبي صلى الله عليه وسلم.
تقول ابتهال أبو السعد في رسالة إلكترونية بعثت بها لعدد كبير من موظفي شركة مايكروسوفت توضح فيها أسباب ودوافع موقفها “عبرت عن رأيي بعد أن علمت أن مؤسستي تقوم بالمساهمة في إبادة شعبي في فلسطين.. لم أجد خيارا أخلاقيا آخر”، مضيفة في الرسالة التي كشف عنها موقع “ذا فيرج” المختص بالصحافة الإلكترونية: “تعرض مجتمعنا العربي والفلسطيني والمسلم في مايكروسوفت للإسكات والترهيب والمضايقة والتشهير، دون أي عقاب من مايكروسوفت، في أحسن الأحوال، لم تُجدِ محاولاتي للتحدث آذانا صاغية، وفي أسوأ الأحوال، أدت إلى فصل موظفين لمجرد تنظيمهما وقفة احتجاجية”، مبينة أن حماسها للعمل في مجال الذكاء الاصطناعي كان يهدف إلى المساهمة في تطوير تقنيات تخدم الإنسانية، مثل منتجات تسهيل الوصول وخدمات الترجمة وأدوات تمكين الأفراد.
لكنها اكتشفت لاحقا أن عملها في مايكروسوفت قد أسهم في “تجسس الجيش الإسرائيلي على المدنيين، بما في ذلك الصحفيين والأطباء وعمّال الإغاثة”، مشددة أنها لم تبلغ بأن مايكروسوفت ستبيع عملها للجيش والحكومة الإسرائيليين، بهدف التجسس على الصحفيين والأطباء وعمّال الإغاثة وعائلات مدنية بأكملها وقتلهم.
وأكدت قائلة “لو كنتُ أعلم أن عملي سيساعد في التجسس على المكالمات الهاتفية ونسخها لاستهداف الفلسطينيين بشكل أفضل، لما انضممت إلى هذه المنظمة وساهمت في الإبادة الجماعية، لم أوقع على كتابة شيفرة تنتهك حقوق الإنسان”، مشيرة في رسالتها نقلا عن تحقيق صحفي لوكالة أسوشييتد برس إلى أن هناك “عقدا بقيمة 133 مليون دولار بين الشركة ووزارة الدفاع الإسرائيلية لتزويد الأخيرة ببرامج ذكاء اصطناعي، من بينها تقنيات للتجسس على صحفيين وأطباء”.
وأنهت رسالتها بأسئلة وجهتها لكل مكونات الشركة مسؤولين وموظفين: “بغض النظر عن مواقفكم السياسية، هل هذا هو الإرث الذي نريد أن نتركه وراءنا؟ هل العمل على أسلحة الذكاء الاصطناعي الفتاكة أمرٌ يمكنكم إخبار أطفالكم عنه؟ هل نريد أن نكون على الجانب الخطأ من التاريخ؟”.
إن هذا الموقف البطولي غير المسبوق للمهندسة المغربية ابتهال أبو السعد، الذي تفاعلت معه فئات واسعة من المجتمعات العربية والإسلامية ومجتمعات باقي دول العالم، ورفضها المشاركة في جرائم هذه الشركة، وانحيازها لقيم الإنسانية والعدالة التي تمثلها قضية الشعب الفلسطيني، يجسد كما جاء في بيان حماس التضامني، نقاء الضمير الإنساني، وقوة المبدأ الأخلاقي.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب