ما بين الدعم لغزة والإدانة لإسرائيل، والتحفظ والتمسك بخطوط التوازن تظهر مواقف متناقضة للقارة الإفريقية، والتي من المنطقي أن تكون شعوبها هي الأكثر إدراكا وإحساسا بالظلم وحرب الإبادة التي تمارس على الشعب الفلسطيني من كيان محتل مغتصب للأرض لا يرضى بغير وجوده منفردا على سطح رقعة من الأرض كان في الأساس سارقا لها بين غفلة وتواطؤ ودعم من أمم عديدة.
القارة الإفريقية مهتزة بين رؤى مختلفة، إما الراديكالية، أو السياسة الواقعية، والرأي العام الوطني، وما بين شعوب وحكومات وأنظمة، وما بين عدل وعدالة وفي المقابل مصالح ومغانم شتي وأهداف مبررة وغير مبررة.
منذ الهجوم غير المتوقع الذي شنته حماس ضد إسرائيل يوم 7 أكتوبر، والذي هو في الأصل رد على ظلم وظلمات وانتهاكات مستمرة من الكيان الصهيوني، وحتى الآن لم تتحدث إفريقيا بصوت واحد، لدرجة أنه يمكننا حتى أن نعتبر أن القارة، في هذا الموضوع، أكثر من منقسمة، وتعددت فيها الآراء، بل إن بعض الدول التزمت الصمت تماما وبدا أنها لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم.
لكن بصفة عامة يمكن تصنيف المواقف الإفريقية حيال التطورات بين إسرائيل وغزة إلى ثلاثة مواقف رسمية حتى الآن، مع الوضع في الاعتبار احتمالات تبدل بعض المواقف أو تطورها في ذات الاتجاه أو ربما في عكس الاتجاه، هنا دول إفريقية تدين حماس بشدة وتقدم الدعم غير المشروط تقريباً لإسرائيل؛ ودول أخرى وهي الرقم الأكبر تدعو إلى وقف التصعيد وتندد بالعنف المرتكب ضد المدنيين بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو العرق، وبغض النظر عن مرتكبي العنف، ثم المجموعة الأخيرة من الدول وهي العدد الأقل وهي دول إفريقية ترفض إدانة هجوم حماس رسمياً، وإن ظل هناك فصيل رابع من الدول على هامش الأحداث لم يظهر أي انطباعات.
الاتحاد الإفريقي وعبر بيان رسمي، السنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية، دعوا إلى العودة “دون شروط مسبقة إلى طاولة المفاوضات لتنفيذ حل الدولتين”، واعتبر أن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، ولا سيما الدولة المستقلة ذات السيادة، هي السبب الرئيسي للتوتر الإسرائيلي الفلسطيني الدائم.
ومن المواقف الإيجابية الداعية إلى التهدئة والتفاوض، جاءت تونس والجزائر على وجه الخصوص. وفي تونس كما في الجزائر، أصبح الدعم لحماس أكثر وضوحاً. وهكذا قدمت تونس “دعمها الكامل وغير المشروط للشعب الفلسطيني”، مشددة على حقيقة أن غزة هي “أرض فلسطينية تحت الاحتلال الصهيوني منذ عقود. وأن للفلسطينيين الحق في استعادة كل أرض فلسطين”.
وفي الجزائر، اتخذت رسميا نفس الخط من خلال إدانة “تصاعد الهجمات الصهيونية الهمجية ضد قطاع غزة، والتي أودت بحياة العشرات من أطفال الشعب الفلسطيني الأبرياء، الذين سقطوا شهداء في غزة”، في مواجهة تعنت الاحتلال الصهيوني في سياسة القمع والاضطهاد.
الكاميرون وغانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا، وجميعها دانت بشدة الهجمات التي تستهدف المدنيين وقدمت الدعم لإسرائيل. كان فيليكس تشيسكيدي من أوائل القادة في القارة الذين ردوا على ذلك. وفي معرض انتقاده “للهجمات التي ضربت دولة إسرائيل”، أكد الرئيس الكونغولي “تضامنه مع الشعب الإسرائيلي”، مؤكدا أن كينشاسا وتل أبيب “متحدتان لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله”. من جانبه، ندد الكاميروني بول بيا، في رسالة وجهها إلى الرئيس الإسرائيلي، بـ”الهجوم المسلح الذي شنته حركة حماس الإسلامية الفلسطينية”. وأرسل تعازيه “إلى الأمة الإسرائيلية المصابة بجروح بالغة”.
وبقيت معظم الدول الإفريقية في منطقة رمادية دون دعم واضح أو تنديد، وتظل إفريقيا في مواجهة تحدي الكلمة الواحدة، وهو أمر عمليا يستحيل تحقيقه في ظل اختلاف المصالح والأهداف من دولة لأخرى.
وتظل الدولة المصرية، العربية، الإفريقية، الإسلامية والمسيحية هي الدول صاحبة الجهود الأبرز والاهتمام البالغ لمواجهة أزمات الأمن والسلم في المنطقة والتي تعمل من أجل حماية الشعب الفلسطيني والوقوف معه قلبا وقالبا ضد الظلم والعدوان.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب