الرسائل الاستراتيجية من إعلان تحالف الإرادة

د. مصطفى عيد إبراهيم. خبير في العلاقات الدولية
في اعقاب انتهاء اللقاء العاصف وغير المعهود في البيت الأبيض بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس الاوكراني زيلينيسكي، والذي تلاه اعلان الإدارة الامريكية بتعليق المساعدات العسكرية المقدمة الى أوكرانيا. سارع القادة الأوروبيين بعقد قمة طارئة تهدف الى اعلان استمرار دعمهم لأوكرانيا في حربها مع روسيا وذلك في العاصمة البريطانية حيث قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن أوروبا يجب أن تتحمل مسؤولية الدفاع عن نفسها. وقال ستارمر إن بريطانيا وفرنسا وأوكرانيا وافقت على العمل على خطة لوقف إطلاق النار لتقديمها إلى الولايات المتحدة.
- اقرأ أيضا: د. مصطفى أحمد جابر يكتب.. الهيدروجين الأخضر
تعهدات بريطانية
تعهد رئيس الوزراء البريطاني “ستارمر” بتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة للدفاع عن نفسها، معلنًا أن المملكة المتحدة ستستخدم 1.6 مليار جنيه إسترليني (2 مليار دولار) في تمويل الصادرات لتوريد 5000 صاروخ دفاع جوي. مشيرا الى إن قمة أوروبا بشأن أوكرانيا “لحظة تحدث مرة واحدة في الجيل”. مضيفا في ذات الوقت إنه لا يقبل أن الولايات المتحدة حليف غير موثوق به. وذكر رئيس الوزراء البريطاني إنه تحدث إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أن يعلن أن المملكة المتحدة وفرنسا وأوكرانيا ستعمل معًا لتطوير خطة لتقديمها إلى الولايات المتحدة لوقف القتال. وأصر ستارمر على أن أي خطة سلام لأوكرانيا يجب أن يكون لها ضمانات أمنية أمريكية وقال إن الخطة قيد التطوير حاليًا على أساس أنها “ستحظى بدعم الولايات المتحدة.
كما حدد أربع نقاط رئيسية لضمان حصول أوكرانيا على سلام عادل ودائم:
- 1. ستستمر المساعدات العسكرية لأوكرانيا وكذلك الضغط الاقتصادي على روسيا.
- 2. يجب أن تكون أوكرانيا على الطاولة للمحادثات ويجب أن تضمن أي صفقة سيادة أوكرانيا وأمنها.
- 3. إذا كان هناك اتفاق سلام، فإن المملكة المتحدة والدول الأخرى ذات التفكير المماثل ستواصل تعزيز القدرة الدفاعية لأوكرانيا لردع أي غزو مستقبلي.
- 4. سيتم تجميع “تحالف الراغبين” للدفاع عن أوكرانيا وضمان السلام. وقال إن المملكة المتحدة مستعدة لدعم ذلك “بجنودعلى الأرض وطائرات في الجو”، على الرغم من أنه لم يذكر أسماء دول أخرى التزمت أيضًا بالموارد.
من ناحيته، قال الرئيس الفرنسي “ماكرون” إنه ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر توصلا إلى هدنة تستمر شهرًا. لن يتم نشر الجنود على الأرض إلا في مرحلة لاحقة. وقال: “لن تكون هناك أي قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية في الأسابيع المقبلة”. وأضاف: السؤال هو كيف نستخدم هذا الوقت لمحاولة الحصول على هدنة يمكن الوصول إليها، مع مفاوضات تستغرق عدة أسابيع ثم، بمجرد توقيع السلام، يتم النشر.
وعلى الصعيد الاوكراني، سُئل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مؤتمر صحفي عما إذا كان على علم بالخطة التي وضعها ماكرون وستارمر على الطاولة، فقال دون الخوض في التفاصيل، “أنا على علم بكل شيء”.
وفيما يتعلق بالجانب الهولندي، قال رئيس الوزراء الهولندي “ديك شوف” إن أوكرانيا الآمنة والمأمونة هي في مصلحة أوروبا بأكملها، بما في ذلك هولندا، ولهذا السبب أصبحت أوروبا الموحدة الآن “أكثر أهمية من أي وقت مضى. “وقال شوف، إن أوروبا “يتعين عليها أن تلعب دوراً أكبر في حماية أمن قارتنا”. وقال إن هذا يعتمد على عدد من العوامل:
— دعمنا الثابت لأوكرانيا، لضمان قدرة البلاد على التفاوض من أقوى موقف ممكن وإحلال السلام الدائم؛
— خطة أوروبية لضمانات أمنية قوية لحماية قارتنا – بما في ذلك أوكرانيا – وردع المزيد من العدوان الروسي؛
— يجب على أوروبا أن تتحمل المزيد من المسؤولية عن أمنها، بما في ذلك من خلال تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية.
— العلاقات الوثيقة عبر الأطلسي ضرورية أيضًا في هذا الصدد.
اما على الصعيد التشيكي، فرحب رئيس الوزراء التشيكي بدور بريطانيا وفرنسا في العمل على وقف إطلاق النار. وقال “فيالا” للتلفزيون العام التشيكي بعد اجتماع لندن: “إنهما عضوان في مجلس الأمن (التابع للأمم المتحدة)، وهما قوتان نوويتان عظميان”. ومن المهم أن يعملا معا وبدعمنا. أعتقد أن هذه أخبار جيدة”.
في حين قال كوستاس، الذي يرأس الهيئة التابعة للاتحاد الأوروبي التي تمثل الدول الأعضاء السبع والعشرين، للصحفيين في نهاية اجتماع الأمن والدفاع في لندن إن الحلفاء يجب أن يتعلموا من الماضي ويتجنبوا تكرار “تجربة مينسك”. في إشارة إلى ما يسمى باتفاقيات مينسك، وهي سلسلة من اتفاقيات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا والتي فشلت في الصمود قبل الغزو الروسي الكامل في فبراير 2022. وقال كوستاس: “ولهذا، نحتاج إلى ضمانات أمنية قوية”. “صنع السلام يسير جنبًا إلى جنب مع حفظ السلام”.
اما المانيا، فعلى لسان مستشارها “أولاف شولتز” ، ذكرت إن “وجهات النظر الروسية لا يمكن قبولها” في السعي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا. وقال شولتز: “كانت روسيا تهدف دائمًا إلى إنشاء حكومة في أوكرانيا تتبع أوامرها. لا يمكن قبول هذا”. واضاف شولتز بعد الاجتماع في لندن: “أوكرانيا دولة أوروبية اختارت السعي للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي – دولة ديمقراطية وذات سيادة. ويجب أن تظل كذلك”. وقال أيضًا إن الطلب الروسي بنزع سلاح أوكرانيا غير مقبول وأن “أوكرانيا يجب أن تكون قوية بما يكفي … لضمان عدم تعرضها للهجوم مرة أخرى”.
مؤكدا إن اوكرانيا هي الدولة التي تتعرض للهجوم، وضحية لعدوان كبير. هذه هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها للجميع. وبالطبع، هذا يعني أيضًا أنه يتعين علينا التصرف وفقًا لذلك وسوف نتصرف وفقًا لذلك”.
“بالنسبة لنا، من الواضح أيضًا أن هذا يعني أنه يتعين علينا دعم أوكرانيا ماليًا وعسكريًا. يظل الدعم الدولي والعابر للأطلسي لأوكرانيا أمرًا بالغ الأهمية لأمن البلاد وأوروبا”.
وان موضوع نزع السلاح الذي تطالب به روسيا مرارًا وتكرارًا، لا يمكن قبوله. على العكس من ذلك، يجب أن تكون أوكرانيا قوية بما يكفي – بناءً على تجارب البلاد ومواطنيها وجميعنا – لضمان عدم تعرضها للهجوم مرة أخرى. سيكون هذا أيضًا ذا أهمية مركزية للمستقبل”.
كذلك قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إن لا أحد في الغرب لديه أي نية للاستسلام لـ “ابتزاز وعدوان بوتن”. وقال توسك للصحفيين البولنديين “إن أفضل طريقة لإحباط بوتن وغيره من المعتدين هي بناء قوتنا الخاصة، وأفضل طريقة لإقناع الرئيس ترامب بالرغبة في تعزيز التعاون مع أوروبا، وليس إضعافه، هي قوتنا الأوروبية. سيرغب الجميع في العمل مع شريك قوي”.
ختام قمة لندن
اختتمت قمة الأمن الأوروبية التي ركزت على إيجاد نهاية للحرب في أوكرانيا، حيث خرجت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، من الاجتماع وأخبرت بعض المراسلين أن أوروبا بحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي ويجب عليها إعادة تخزين أسلحتها، حسبما ذكرت سكاي نيوز. وقالت فون دير لاين إنهم يريدون من الولايات المتحدة أن ترى أنهم مستعدون للدفاع عن الديمقراطية.
اهم الرسائل الاستراتيجية.
ان الاجتماع الذي استضافه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قد ضم أكثر من 19 زعيمًا، معظمهم من جميع أنحاء أوروبا، لكنه ضم أيضًا رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، يمكن استنتاج عدد من الرسائل الاستراتيجية على النحو التالي:
- ان قادة الدول الأوروبية وبمشاركة كندا لم تقف مكتوفة الايدي بعد اللقاء الغريب والمثير الذي جمع كل من الرئيس الأمريكي والرئيس الاوكراني والذي شهد نوعا من تخلي الولايات المتحدة عن الامن الأوروبي. وهو مالم يكن لأوروبا ان تقف صامته دون الاعراب عن موقف حازم وسريع لها.
- ان الدولة الداعية للاجتماع والذي عقد على أراضيها هي بريطانيا، الحليف الأكبر والاعظم والمعلم الأول للولايات المتحدة الامريكية، والحليف الاستراتيجي الأهم بالقارة الاوروبية. وهي رسالة هامة مفادها ان الامن الأوروبي لا يحتمل المقامرة وان وجهة نظر أوروبا واحدة ولا يمكن الرهان على تقسيمها.
- ان الموقف الأوروبي الموحد لم يذهب بعيدا عبر بث الشقاق مع الولايات المتحدة، بل حرصوا على اظهار وحدتهم مع اعتبار الولايات المتحدة مازالت شريكا وحليفا موثوقا به.
- ان أوروبا ما زالت تعي أهمية الدور الأمريكي، وان وضعت خطة لتقديمها للرئيس الأمريكي وهو ما يعني ان أوروبا لم تدعوا للاجتماع للعمل بشكل منفصل على الصعيد السياسي لوضع حل للازمة المستمرة على مدار ثلاث سنوات.
- ان القمة أظهرت حاجة أوروبا الى بذل مزيد من الجهود الاستراتيجية لتمكينها من الدفاع عن ذاتها.
- ان موقف القادة الأوروبيين واضح فيما يتعلق بنزع سلاح أوكرانيا وان لا يمكن الخضوع لرغبة بوتين في هذا الإطار.
- ان أوروبا باتت حريصة عن الدفاع عن الديموقراطية الغربية ربما أكثر من الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب الذي يرى شكل جديد للنظام العالمي بعيدا عن المعتمد على القواعد والذي تم إرسائه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
- الإعلان رسميا عن تشكيل تحالف للدفاع عن أوكرانيا وهو ما يعني وجود تشكك فعلي من استمرار وجود الدور الأمريكي، والرغبة في منح أوكرانيا الثقة التي فقدتها خلال لقاء الرئيس الأمريكي. وعدم منح الرئيس الروسي بوتين فرصة لكسب مزيد من الثقة لتخلي ترامب عن أوكرانيا.
وختاما، فان اجتماع الامن لأوروبا في لندن جاء في وقت حرج ليضع القارة الاوربية في اختبار لم تتعرض له منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وخاصة عبر اعلان الولايات المتحدة تخليها بشكل عمل عن الدفاع عن الامن الأوروبي. وهو ما استوعب القادة الاوربيين بشكل لحظي واني واستراتيجي، والدعوة لقمة عاجلة حضرها نحو ١٥ زعيم أوروبي وبمشاركة من كندا ودعم عبر المحيط من رئيس وزراء استراليا والخروج بخطة سلام تضمن الامن الأوروبي ضد تهديدات وطموحات روسيا تحت قيادة بوتين. ولم تضح بعد ردود فعل ترامب والإدارة الامريكية على خطوط الخطة الأوروبية ومدى مرونة الإدارة الامريكية في القفز على العند الشخصي الذي غلب على لقاء زيلينيسكي، وأيضا مبادرة زيلينسكي بتقديم الاعتذار لترامب، حتى يشفي غروره. ام ان الإدارة الامريكية قد اتخذت قرارها بالفعل بالتخلي عن تقديم مساعدات عسكرية لاوكرانيا خاصة وان إدارة ترامب ووزير دفاعه يقومان باتخاذ إجراءات حثيثة لخفض ميزانية البنتاجون وتسريح عدد كبير من العاملين بالوزارة وخفض برامج دون ال ١٧ التي تعد برامج ذات أولوية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب