//atef
رأي

ذ. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. “إسرائيل” بين فكي كماشة

على الرغم من الصور المغلوطة التي تسوقها القنوات والإعلام الغربي عموما المنحاز إلى الصهيونية من أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس تتلقى ضربات موجعة، وأن موعد تفكيكها قد اقترب، فإن واقع المعارك على الأرض يفيد شيئا آخر غير ذلك، وهو أن من يتلقى الضربات الموجعة والقوية والخسائر الفادحة ليس المقاومة الفلسطينية، وإنما القوات الصهيونية بمختلف تشكلاتها ورتبها، ولولا الدعم العسكري الغربي وبصفة خاصة دعم الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي لحكومة نتنياهو لانتهى أمر هذا الكيان في الأسابيع الأولى من بداية هذه الحرب.

مفاجآت غير سارة

ما يحدث في شرق رفح وفي جباليا وفي القطاع غير مسبوق منذ فشل صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، التي وافقت عليها حماس وباقي مكونات المقاومة الفلسطينية، بحيث تتلقى القوات الصهيونية كل يوم مفاجآت غير سارة، ألغامًا، متفجرات، قنابل يدوية وقذائف الياسين 105 وغيرها تدك جموع الجيش الصهيوني وتسقط منهم العشرات، وهو ما يعني أن هذا الجيش يدفع ثمن تواطؤ نتنياهو مع الإدارة الأمريكية من جهة، وثمن تخلفه عن الموافقة على الصفقة من جهة ثانية.

انهيار صادم جدًّا لجيش الاحتلال يشهد عليه إعلامهم قبل أي إعلام آخر، بحيث تعلن القنوات الصهيونية بين الفينة والأخرى عن قتل وإصابة جنود إسرائيليين وتدمير آليات عسكرية من طرف ما تصفهم بـ”المخربين”، حتى أن القوات الصهيونية صرحت لوكالة فرانس برس أن القتال الذي يجري في منطقة جباليا في شمال القطاع “ربما يكون الأكثر ضراوة” في المنطقة منذ بدء هجومه البري في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الأخير، فيما تبث المقاومة الفلسطينية مقاطع فيديو مصورة توثق بعضًا من هذه العمليات.

وهكذا ووفقًا لبلاغ أصدرته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس يوم السبت 18 مايو/أيار 2024، فقد تمكن مقاتلوها من الإجهاز على 15 جنديًّا صهيونيًّا بعد استهداف منزل تحصن فيه عدد كبير من جنود الاحتلال بعبوة رعدية مضادة للأفراد، وقالت في ذات البلاغ، الذي نشرته عبر قناتها على “تلغرام” إنه بعد استهدافه: “اقتحم مجاهدونا عليهم المنزل، واشتبكوا مع من تبقى من الجنود من مسافة الصفر بالرشاشات الخفيفة، والقنابل اليدوية في حي التنور شرق رفح جنوب القطاع”، مؤكدة أن كتائب القسام استهدفت أيضًا دبابة صهيونية من نوع “ميركافا 4” بقذيفة “الياسين 105” في حي التنور شرق مدينة رفح.

كما أكدت كتائب القسام في وقت سابق، تمكنها من قطع خط إمداد لجيش الاحتلال في جباليا، بعد أن استهدف مقاتلوها ناقلة جند بقذيفة “الياسين 105″، وأمطروا مجموعة من الجنود بالرصاص برشاش من نوع “BKC” وأوقعوهم بين قتيل وجريح، ما أجبر قوات الاحتلال على تغيير خط الإمداد لقواتها المتوغلة عدة مرات، وفقا لبيان كتائب عز الدين القسام.

هلع ورعب وقلق شديد

نوبات هلع ورعب وقلق شديد إذن يعيشها جيش الاحتلال الصهيوني جراء الخسائر في الأرواح والعتاد والهزائم المتتالية، التي يتكبدها ويتجرع مرارتها كل يوم، بل على مدار الساعة، يشهد على ذلك عضو الكنيسيت الصهيوني، ونائب الرئيس السابق لجهاز المخابرات الصهيونية (الموساد) في الفترة من 2009 إلى 2011، الذي أكد يوم السبت 18 مايو/أيار 2024 للإذاعة العامة الإسرائيلية وفقًا لما تناقلته وسائل إعلام صهيونية ودولية، أن الحرب في قطاع غزة “لا طائل منها” وأن إسرائيل “تخسرها”، مؤكدا أن “الاقتصاد ينهار”.

وقال بن باراك، الذي شغل أيضًا منصب رئيس لجنة الأمن والخارجية بالكنيست بين سنتي 2021/2022″هذه حرب بلا هدف، ونحن نخسرها بشكل لا لبس فيه”، مضيفًا “نحن مجبرون على العودة إلى القتال في نفس المناطق، وخسارة المزيد والمزيد من العتاد والجنود”.

ويشهد على ذلك أيضًا جندي صهيوني يدعى أفيخاي ليفي فر من جحيم غزة عندما صرح أمام جلسة في الكنيست بتصريحات مفزعة، مؤكدًا أنه “يتبول على نفسه” من الرعب ليلًا، وقال “أتخيل الآن أن قذائف (آر بي جي) تطير فوق رأسي، وأتخيل نفسي داخل الجرافة وأقاتل وأشم رائحة الجثث”، وأضاف “أتبول على نفسي خلال نومي من الخوف، وإذا لم أشرب زجاجة كحول فلا أتمكن من النوم”، محملًا مسؤولية ما حصل له ولرفاقه من جنود الاحتلال لحكومة نتنياهو، قائلًا إن “هذه الحكومة تخلت عنا في الحرب”.

وواصل أفيخاي ليفي، الذي كان يتحدث بشكل منفعل، تصريحاته قائلًا: “أقوم بجمع الجرحى بيدي هاتين.. أين أنتم؟ تتكلمون عن المعاقين الجدد في الوقت الذي يوجد فيه معاقون هنا، وهناك العشرات منهم تم التخلي عنهم، أنا أتكلم عن نفسي تم التخلي عني”.

جندي آخر أدلى هو أيضا للصحافة (صوت بيروت إنترناشونال) باعترافات صادمة من أهم ما جاء فيها قوله “حتى الآن حماس قتلت نحو 3000 جندي إسرائيلي وأصابت أزيد من 11000 آخرين، كما دمرت مئات الجرافات والدبابات وما شابه ذلك، إنهم مجموعة تتجول في سراويل “أديداس” وأحذية “شباشب”، وأضاف “بطبيعة الحال وسائل الإعلام لا تغطي أيًّا من هذا، ولكن الناس داخل إسرائيل لديهم أدلة واضحة، فأبناؤهم وبناتهم يعودون في صناديق، لا يمكنهم إخفاء ذلك، إنهم حزينون وغاضبون من حكومة نتنياهو، إنهم يغادرون إسرائيل ولا ينظرون إلى الوراء”.

وتوجه مخاطبًا كل الإسرائيليين قائلًا: “السلام هو الحل الوحيد، لأنه لا يمكنكم التخلص من قوة موجودة تحت الأرض، وأنتم لا تعرفون إلى أين تقود هذه الأنفاق، أنتم لا تعرفون حتى ما إذا كانوا يعيدون تنظيم صفوفهم تحت الأرض (…) لقد أذلني الله في هذه الحرب، وسيذلكم أنتم أيضًا إذا لم تقبلوا بمفاوضات سلام وتتعاملوا مع الفلسطينيين بعدل وتعيدوا لهم كرامتهم”.

تصدع وانشقاق داخلي

الداخل الصهيوني يعيش هو الآخر حالة من التصدع والانشقاق والتهديد بالانسحاب، مثل التصدع الذي ضرب بقوة حكومة الحرب التي تشكلت عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول بين بيني غانتس ورئيس الحكومة نتنياهو، بحيث أصدر غانتس إنذارًا نهائيًّا، أكد من خلاله أنه سينسحب من الائتلاف إذا لم توضع خطة واضحة والموافقة عليها قبل الثامن من يونيو/حزيران القادم، وقال لنتنياهو “إذا اخترتم اتباع طريق المتعصبين وإغراق البلاد بأكملها في الهاوية، فسنضطر إلى الاستقالة”.

رد نتنياهو كان سريعًا ومباشرًا اتهم من خلاله بيني غانتس بأنه يريد “هزيمة إسرائيل والحفاظ على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سليمة وإقامة دولة فلسطينية”.

إن الصراع الذي يجري حاليا بين غانتس ونتنياهو أعمق بكثير مما تنقله وسائل الإعلام العبرية والدولية إنه ليس صراعًا حول تحديد هكذا أهداف، إنه صراع بين طرف اعترف بالهزيمة ويحاول البحث عن حلول لحفظ ماء الوجه، وبين طرف ثانٍ ما زال يتعنت ويكابر ويدعي أنه حقق انتصارًا وهميًّا، كما لو أن أزيد من 35 ألف شهيد الذين قتلهم السفاح نتنياهو أغلبهم من الأطفال والنساء هم عسكريون تابعون لحركة المقاومة الإسلامية حماس وليسوا مدنيين!

إن ادعاءات رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو بالانتصار المزعوم ما هي إلا محاولة للهروب من المحاكمة والمتابعة القضائية وخوفًا من الإدانة والاعتقال وبالتالي الإعلان عن انتهاء مساره ومستقبله السياسي محليًّا ودوليًّا بعد أن أصبح محاصرًا عسكريًّا وقضائيًّا وسياسيًّا، وهو معطى يؤكد صحة ما ذهب إليه مواطنه أبراهام بورغ، الذي شغل منصب رئيس الكنيست الإسرائيلي في الفترة بين سنتي 1999/2003، والذي كان يرى أن المشروع الصهيوني الاستعماري الذي بدأ في القرن التاسع عشر قد شارف على نهايته، ولم يعد له مكان في القرن الحادي والعشرين.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى