إدريس أحميد يكتب .. لبنان الجديدة: آفاق التغيير والتحول نحو استقرار سياسي واقتصادي
شهد البرلمان اللبناني اليوم انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، ليضع حدًا لعامين من الفراغ الرئاسي الذي عاشه لبنان. جاء انتخابه في ظل متغيرات سياسية وأمنية معقدة، تزامنت مع تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة يعاني منها الشعب اللبناني. قد يشكل انتخاب العماد جوزيف عون خطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار المؤسساتي في لبنان، خاصة وأنه يُعتبر شخصية عسكرية محايدة تحظى بتقدير واسع داخل المؤسسة العسكرية وخارجها.
ومن المتوقع أن يواجه الرئيس الجديد تحديات كبيرة في التعامل مع الأزمات المستمرة مثل انهيار الاقتصاد اللبناني، وعجز الدولة عن تقديم الخدمات الأساسية، فضلاً عن الانقسامات السياسية بين القوى المختلفة.
كان لبنان في العشرينات من القرن العشرين نموذجًا فريدًا في منطقة الشرق الأوسط من حيث السياسة والتعليم والثقافة. على الرغم من أنه كان تحت الانتداب الفرنسي، إلا أن البلاد شهدت نهضة ثقافية واقتصادية مميزة، مما جعله مركزًا جذب للعديد من الشخصيات السياسية والفكرية والثقافية في العالم العربي.
تراجع لبنان من كونه دولة ذات مكانة متقدمة إلى دولة تعاني من الانقسام والتحديات الاقتصادية والاجتماعية يعود إلى عدة عوامل معقدة ومتداخلة على مدار العقود الماضية.
أسباب عدم الاستقرار :
1- (الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 )
بدأت الحرب الأهلية اللبنانية كانت نتيجة لتراكم العديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. الانقسامات الطائفية، التدخلات الفلسطينية والإقليمية، التفاوت الاجتماعي، إضافة إلى الفشل في تنفيذ الإصلاحات السياسية، كلها أسهمت في تفجر النزاع الذي أدى إلى دمار واسع في البلاد.
استمرت الحرب 15 عامًا،
جاء التدخل السوري في لبنان في بداية السبعينات تحت غطاء قوات الردع العربية ، ولكنه لم يوقف الحرب الأهلية بشكل مباشر، بل ساهم في تشكيل معادلات جديدة للصراع اللبناني وأسهم في تحويل لبنان إلى ساحة لصراعات إقليمية. ومع أن سوريا كان لها دور في التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية، فإنها كانت قد فرضت هيمنتها على البلاد طوال تلك الفترة، مما أثار الجدل حول تأثيراتها السلبية في الاستقرار اللبناني على المدى الطويل.
اتفاق الطائف
اتفاق الطائف الذي تم توقيعه في عام 1989 كان خطوة مهمة نحو إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، إلا أن العديد من المراقبين يعتبرون أنه لم يقدم حلاً جذريًا ونهائيًا للأزمة اللبنانية. بينما حقق الاتفاق بعض الإنجازات السياسية والمهمة في إطار ترتيب التوازنات الطائفية، فإنه في الوقت نفسه فشل في معالجة بعض الأسباب الجذرية للأزمة اللبنانية.
واستمر تدهور الأوضاع السياسية ، بسبب تفاقم التدخلات الإقليمية فقد كان اتفاق الطائف بمثابة حل وسط لوقف الحرب الأهلية في لبنان، لكنه فشل في منع التدخلات الإقليمية والدولية التي ما زالت تؤثر على الشأن اللبناني،
هذه التدخلات زادت من تعقيد السياسة اللبنانية وأدت إلى زيادة الانقسامات بين القوى السياسية اللبنانية التي أصبحت تتأثر بشكل مباشر بالخلافات الإقليمية.
ومن التحديات التي واجهها الاتفاق هو استمرار
تأثير الدول الإقليمية والدولية على لبنان، حيث أن الولاءات الطائفية والمصالح الإقليمية والدولية قد طغت في الكثير من الأحيان على المصلحة الوطنية اللبنانية .
(تأثيرات الصراع الإقليمي على لبنان )
انسحاب الجيش السوري من لبنان في عام 2005 كان بمثابة نقطة تحول في تاريخ لبنان. فقد شكل لحظة فارقة في استعادة لبنان بعضًا من سيادته واستقلاله، لكنه أدى أيضًا إلى تصاعد التوترات الداخلية و الانقسامات الطائفية. رغم أن لبنان كان يسعى لتحقيق استقلال سياسي، إلا أن تدخلات القوى الإقليمية والدولية، وكذلك الصراعات المحلية بين القوى اللبنانية، جعلت من الصعب تحقيق استقرار دائم.
ولكن نفوذ سورية استمر من خلال علاقاتها مع حزب الله وحركة امل ، وبعد الأطراف اللبنانية حتي المسيحية .
اما ايران فقد حافظت على نفوذها ، ودعمها لحزب الله
الذي كان أكثر استقلالًا في اتخاذ قراراته، خصوصًا في سياق التدخلات الإقليمية، مثل الدعم العسكري لحزب الله في مواجهة إسرائيل، والمشاركة في الحرب السورية إلى جانب سوريا .
(التدخلات الإقليمية والدولية )
التوترات بين السعودية وإيران لها تأثير عميق على الوضع اللبناني، حيث تلعب دورًا مهمًا في تشكيل السياسات اللبنانية الداخلية والخارجية، فضلاً عن زيادة الانقسامات الطائفية والصراعات المسلحة. هذه التوترات تمثل أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الأزمة السياسية في لبنان، وهي تعقد التوصل إلى حلول سلمية ودائمة للوضع الداخلي اللبناني
فالسعودية تدعم تيار المستقبل بزعامة الشهيد” رفيق الحريري” الذي خلفه ابنه سعد الحريري،
وهو من أبرز القوى السياسية المدعومة من السعودية ، حيث يمثل
تيار المستقبل غالباً القوى السنية في لبنان، و حليفًا في مواجهة النفوذ الإيراني في لبنان ، كذلك حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع هو من أبرز الأحزاب المسيحية التي تحظى بدعم سعودي، بالإضافة إلى تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، تدعم السعودية مجموعة من الأحزاب اللبنانية الأخرى ذات التوجهات المعتدلة التي تتبنى سياسة متوازنة تجاه القوى الإقليمية. السعودية تروج لهذه القوى باعتبارها جزءاً من معسكر الاعتدال الذي يسعى إلى منع انتشار النفوذ الإيراني عبر حزب الله في لبنان.
اما ايران تدعم حزب الله الحليف الرئيسي لإيران في لبنان، وقد تم تأسيسه في أوائل الثمانينات بدعم مباشر من إيران كجزء من سياستها لتوسيع نفوذها في المنطقة. إيران تقدم لحزب الله دعمًا عسكريًا وماليًا كبيرًا، مما جعله أحد أقوى المجموعات المسلحة في لبنان. الدعم الإيراني يشمل تزويد الحزب بالأسلحة المتطورة، التدريب العسكري، والخبرات الاستخباراتية، فضلاً عن الأموال اللازمة لتشغيل هياكل الحزب السياسية والعسكرية. حزب الله يُعتبر الأداة الرئيسية لإيران في مواجهة النفوذ الغربي والعربي في لبنان وفي المنطقة بشكل عام.
وحركة امل بزعامة نبيه بري ، يمكن القول إن الدعم الإيراني في لبنان هو دعم مركب يشمل جوانب عسكرية، سياسية، اقتصادية، وثقافية. ويُعتبر حزب الله حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية، حيث يضمن لإيران موطئ قدم قوي في لبنان وفي الصراع الإقليمي الأوسع في الشرق الأوسط.
(الدور الفرنسي )
التدخل الفرنسي في لبنان له جذور تاريخية تعود إلى فترات متعاقبة من التاريخ اللبناني، فرنسا تعتبر لبنان جزءاً من مجال نفوذها، وهو أمر يعود إلى الحقبة الاستعمارية عندما كان لبنان تحت الانتداب الفرنسي من عام 1920 حتى استقلاله في 1943.
وكانت تدخلاتها في سياقات إقليمية (خاصة في ظل الأزمات) فرنسا حافظت على دور كبير في الشؤون اللبنانية، خاصة في ظل الأزمات الإقليمية مثل الصراع مع إسرائيل، بالإضافة إلى النفوذ السوري في لبنان. فرنسا غالباً ما كانت تسعى للوساطة بين مختلف الأطراف وتدعم السيادة اللبنانية.في سياق الأزمة الاقتصادية والسياسية التي مر بها لبنان، قامت فرنسا بتوجيه الدعم والمساعدات للبنان عبر تنظيم مؤتمرات دولية (مثل مؤتمر “سيدر”)، بالإضافة إلى إرسال مساعدات إنسانية، حيث كانت فرنسا تشعر بقلق كبير على استقرار لبنان في ظل تدهور الوضع السياسي والاقتصادي.
بينما تُعد التدخلات الخارجية عاملاً مهماً في تعقيد الأزمة اللبنانية، إلا أن الوضع الداخلي للبنان يشكل الأساس الذي يقوم عليه تدهور البلاد. لذلك، فإن الأزمة اللبنانية هي نتيجة تفاعل معقد بين العوامل الداخلية مثل النظام السياسي الفاسد، والاقتصاد المتدهور، وضعف المؤسسات، والتدخلات الخارجية التي تعزز الانقسامات الطائفية والسياسية. من غير الممكن وضع اللوم على طرف واحد دون أخذ هذه العوامل المتشابكة في الاعتبار.
تداعيات مابعد العدوان الإسرائيلي على لبنان
مما لاشك فيه بأن العدوان الصهيوني على لبنان بعد عملية طوفان الاقصي ، بعد انخراط المقاومة اللبنانية في الحرب جاءت بمتغييرات جديدة لايمكن اغفالها .
بالفعل، العدوان الإسرائيلي على لبنان بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها حركة حماس في أكتوبر 2023، تسببت في حدوث تغييرات كبيرة في السياق السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة بشكل عام. تأثير هذا العدوان كان متعدد الجوانب، وأدى إلى مجموعة من التطورات التي لا يمكن تجاهلها، سواء في الداخل اللبناني أو على صعيد العلاقات الإقليمية.
أبرز المتغيرات التي تسببت بها هذه التطورات:
1. زيادة الانخراط اللبناني في الصراع الإقليمي
بعد عملية “طوفان الأقصى”، وبالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تحولت الساحة اللبنانية إلى جزء من المعركة الكبرى بين محور المقاومة (الذي يتزعمه حزب الله) وإسرائيل.
دخلت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله بشكل أكبر في الصراع، وشاركت في العمليات العسكرية ضد المواقع الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى تصعيد التوترات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
2. تعزيز دور حزب الله:
حزب الله، باعتباره جزءًا من محور المقاومة الذي يضم إيران وحركات فلسطينية أخرى، أعلن دعمه للمقاومة الفلسطينية، وأصبح أكثر انخراطًا في المعركة. هذا الانخراط العسكري له تداعيات كبيرة على الداخل اللبناني، حيث يُنظر إلى الحزب على أنه جزء من الرد العسكري الإقليمي ضد إسرائيل. كما أن هذا الانخراط يزيد من التأثير الإيراني في لبنان عبر حزب الله، ويعزز من وضع الحزب كقوة مؤثرة في القرار اللبناني.
3. الاستقطاب الداخلي والضغط على الحكومة اللبنانية:
العدوان الإسرائيلي كان له تأثير كبير على الوضع السياسي الداخلي في لبنان. بينما يعتقد بعض اللبنانيين أن حزب الله قد أصبح يمثل أحد الجوانب الأساسية للرد ضد إسرائيل، يظل هناك قلق من تأثير هذا التورط على لبنان في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها البلد. هذا الاستقطاب السياسي أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية في لبنان وزيادة التحديات أمام تشكيل حكومة جديدة أو اتخاذ قرارات سياسية حاسمة.
4. تحولات في موازين القوى الإقليمية:
التصعيد العسكري في لبنان جاء في سياق إقليمي معقد، حيث هناك تأثير مباشر للصراع بين إيران وإسرائيل في المنطقة. العدوان على لبنان، بدعوى الرد على عمليات حزب الله في الجبهة الشمالية، جعل لبنان جزءًا من المواجهة الإقليمية الأوسع بين إيران وإسرائيل. هذا الصراع من جهة أضاف لبنانيًا إلى معركة أكبر في المنطقة، ومن جهة أخرى، أدى إلى استقطاب سياسي في لبنان حول الانحيازات الإقليمية (من جهة إيران، ومن جهة السعودية والغرب).
5. تأثيرات اقتصادية وإنسانية:
العدوان الإسرائيلي على لبنان لم يؤثر فقط في السياسة والأمن، بل كانت له تبعات اقتصادية وإنسانية كبيرة. الهجمات الإسرائيلية تسببت في تدمير البنية التحتية في بعض المناطق الحدودية، وأثرت بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي الذي يعاني أصلًا من أزمات عميقة. كما أن النازحين واللاجئين الفلسطينيين قد زادوا من الأعباء على لبنان، ما يعمق الأزمة الاقتصادية والإنسانية في البلاد.
( لبنان – تغييرات سياسية عميقة )
من المؤكد أن لبنان يمر بمرحلة حرجة ومعقدة، ويواجه تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ومع ذلك، يبدو أن هناك إمكانية لحدوث تغييرات سياسية عميقة قد تُساهم في تعزيز شرعية الدولة اللبنانية، إذا توفرت بعض الظروف المناسبة. هذه التغييرات قد تتضمن إعادة هيكلة النظام السياسي، تعزيز المؤسسات، وتحقيق نوع من التوازن بين القوى الداخلية والإقليمية، وكل هذا يتطلب إرادة سياسية وإصلاحات حقيقية.
لبنان في مرحلة مفصلية من تاريخه، وإذا تم تحقيق الإصلاحات السياسية والأمنية والاقتصادية اللازمة، فإن البلاد قد تشهد مرحلة جديدة من التغييرات العميقة التي ستعزز شرعية الدولة اللبنانية. لكن هذا التغيير يتطلب إرادة سياسية قوية، وحدة وطنية، و دعم من المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتحقيق المصالحة بين القوى المختلفة داخل لبنان.
من المتوقع أن يمارس الرئيس جوزيف عون ، صلاحيته بكل قوة دون ضغوط داخلية أو خارجية ، ويتخذ قرارات خطيرة ، لعل اهمها أن يكون السلاح تحت شرعية الدولة ، مما يلقي رفض من قبل حزب الله ،لكن الظروف التي يواجهها وحجم الخسائر التي تلقها الحزب سوف تكون عامل مؤثر ، مما تجعل الحزب في امام خيارات صعبة .
أيضا سوف يسعي الرئيس إلى دستور يعطيه صلاحيات ، مما يحدث تغييرات سياسية واجتماعية في لبنان !