اجتماعيةالرئيسيةدراساتسياسية

القضايا الجديدة التي تؤثر علي أولويات التنمية “العدالة المناخية”

إعداد/ صفاء عبد الباسط عبدالعزيز

باحثة ماجستير بكلية الأقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

 المقدمة :

يعتبر تغير المناخ في الأساس قضية تنمية تهدد بتفاقم الفقر وتعرقل النمو الأقتصادي .تؤثر التغيرات المناخية سلبا علي مختلف الدول ومن غير العدل أن يتحمل جميع الأعضاء الأعباء بنفس القدر.فقد كانت الدول الصناعية السبق التاريخي في التصنيع وبالتالي الإضرار بالغلاف الجوي وتتحمل معظم المسوؤلية عن توليد الأنبعاثات .في المقابل تعتبر الدول النامية الأكثر عرضة لأثار ارتفاع درجة حرارة الأرض والأقل قددرة علي الوصول إلي الموارد والتكنولوجيا للتكيف مع تبعات التغيرات المناخية .

أولويات التنمية "العدالة المناخية"

ظهرت العدالة  المناخية لمعالجة الأسباب الجذرية للظلم الأجتماعي والدمار البيئي عام 2014 خلال مسيرة سميت “مسيرة مناخ البشر” بحضور أكثر من 300 الف متظاهر في نيويورك ، إذا تمت تعبئة هذا المفهوم من قبل عدد من المنظمات الدولية غير الحكومية والمجموعات الشعبية والأكاديميين.

ويتم أستخدام مصطلح” العدالة المناخية ” من اجل تأطير قضية تغير المناخ كقضية سياسية وأخلاقية بدلا من التعامل معها علي أنها بيئية بحتة.

اقرأ أيضا: الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة الآليات والحلول.. رؤية بحثية لـ(صفاء عبد الباسط عبد العزيز)

لذلك ينبغي علي الدول المتقدمة أن تتحمل عبئنا أكبر من الدول النامية في مواجهة تغير المناخ ، وهو ما يعرف بمبدأ المسؤولية المشتركة لكن المتباينة .حتي الأن لايوجد اتفاق دولي حول كيفية تطبيق هذا المبدا لتوزيع المنافع والأعباء المرتبطة بتغير المناخ بشكل عادل ومنصف.

تعد العدالة المناخية افضل وسيلة لتحقيق توزيع عادل في الأعباء والتكاليف بين الدول المتقدمة والصناعية والدول النامية والفقيرة،وهناك قيود عدة تواجة العدالة المناخية منها كثرة المقاربات والفاعلين المؤثرين في القرار المناخي ،ولتجاوز هذه القيود يمكن الأعتماد علي معطيين أساسيين هما أولوية توازن المصالح لا توازن القوي ودعم أليات التفاوض الدولي .

يمكن النظر إلي قضية العدالة المناخية علي ثلاثة مستويات:

أولا : عدم العدالة بين الدول الكبري المتسببة في الأحتباس الحراري وبين الدول الفقيرة التي تعاني من التغيرات المناخية بصورة قد تفوق ما تعانية الدول المتسببة فيها ومن ثم فلا يوجد عدالة توزيعية ولا عدالة تعويضية.

ثانيا :العدالة بين الأجيال فتغير المناخ يعد أنتهاكا للعدالة بين الأجيال.

ثالثا: العدالة الأجتماعية حيث يشكل تغير المناخ تحديا صعبا فلأشخاص ليسوا متساوين في التأثير بتغير المناخ،خاصة الفئات الأكثر ضعفا في الدول النامية “النساء،الأطفال، الفقراء،وذوي الأحتياجات الخاصة”.

قضية العدالة المناخية من أبرز القضايا التي تتصدر الأجندات الدولية ، خاصة فيما يتعلق بالمناخ ، يهدف منهج العدالة المناخية إلي الموازنة بين ضرورة الحد من أنبعاثات غازات الأحتباس الحراري وبين الحاجة إلي تغير الأنظمة التقليدية المتعلقة بأستخراج المواد ، نقلها ، توزيعها، توليد الطاقة ، طرق الاستهلاك ، بالإضافة الي التمويل .

العدالة المناخية تمثل مزيجا بين حقوق الإنسان وتغير المناخ ، حيث تسعي في الأساس إلي حماية حقوق الإنسان التي قد تتأثر بالتغيرات المناخية .ولذلك تعتبر العدالة المناخية الوسيلة المثلي لتحقيق توزيع عادل لللأعباء والتكاليف بين الدول المتقدمة والدول النامية .

وتأتي أهمية هذه الورقة لدراسة قضية العدالة المناخية من منظور حقوق الأنسان والاتفاقيات الدولية الخاصة بتغير المناخ.

تعريف العدالة المناخية :

لا يوجد تعريف مانع وجامع للعدالة المناخية ،الإ أنه يمكن انها تندرج تحت مفهوم العدالة البيئية وتعرف العدالة المناخية بانها تعني التوزيع العادل لمنافع التعاون الاجتماعي ومخاطرة وتحمل التكاليف والاعباء البيئية بين مختلف الأجناس والأمم والأفراد والفئات والأقاليم المختلفة تبعا لأماكن وجود البنيات التحتية الملوثة للبيئة ،وأساليب مجابهة هذا التلوث.

 

علاقة تغير المناخ بحقوق الأنسان:

إن الحرمان من حقوق الإنسان هو أحد أهم أشكال الظلم ،ويعد تغير المناخ أكبر تهديد لحقوق الأنسان في العصر الحديث ، كونه يقوض إعمال العديد من حقوق الأنسان المعترف بها دوليا ،وذلك بحسب تقرير قدمه المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الانسان عام 2009،كما يتم وصف تغير المناخ بأنه “مأساة إنسانية في طور التكوين” ،ذلك أن عدم اتخاذ أي إجراء من جانب المجتمع الدولي سيؤدي إلي أثار كارثية علي حياة الإنسان ،وعلية فإن دراسة علاقة تغير المناخ بحقوق الأنسان لها أهمية كبيرة ، فهي تركز علي المعاناة الإنسانية بسبب تغير المناخ من أجل التأثير علي الإرادة السياسية للدول للاعتراف بهذه القضية ومعالجتها.

من جانب أخر يضاف إلي الأثار السلبية علي حقوق الأنسان ، أن هذه الأثار لن يشعر بها الجميع بنفس الشدة ، أي أن البدان النامية تكون أكثر عرضة لهذه الأثار بسبب جغرافيتها وكذلك الموارد الاقتصادية المتاحة لها في مواجهة تغير المناخ ،وما يزيد الأمر سوءا أن هذه المجتمعات لديها أقل مساهمة في الأسباب البشرية المؤدية لتغير المناخ ،فضلا عن أن استراتيجات الاستجابة لتغير المناخ ، أي استراتيجيات التخفيف ، والتكيف،قد تؤدي أيضا الي انتهاكات حقوق الإنسان ،لذلك من الضروري تطوير نهج قائم علي العدالة المناخية وحقوق الانسان لدراسة تغير المناخ ومكافحته.

يؤثر تغير المناخ سلبا في التمتع بحقوق الانسان ، ولما كان تعداد هذه الحقوق جميعا مستحيلا، فإن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومجلس حقوق الانسان قد سلط الضوء علي ان تغير المناخ يؤثر علي الحق في في الحياة وتقرير المصير والتنمية والصحة والغذاء والمياه والصرف الصحي والسكن ومجموعة من الحقوق الثقافية.

كما تشير منظمة الصحة العالمية إلي ان تغير المناخ يمكن أن يتسبب بين عامي 2030 و 2050 في وفاة قرابة 250000 شخصا كل عام بسبب سوء التغذية والملاريا والاجهاد الحراري ، أما وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فإن تغير المناخ يتسبب حدوث أحوال جوية شديدة وجفاف وفيضانات وكوراث جوية أخري تحرم ملايين الناس في جميع انحاء العالم من سبل عيشهم ،ويتأثر بذلك قرابة 78%من فقراء العالم الذين يعشون في مناطق ريفية ويعتمدون في معيشتهم علي الزراعة ومصائد الاسماك.

 

العدالة المناخية في ضوء اتفاقية باريس لتغير المناخ 2015:

حاول قادة العالم تجاوز الخلافات بشان تغير المناخ وتمكنوا من التوصل الي اتفاق عالمي وقع عليه ممثلو 195 دولة ودخل حيز النفاذ في تشرين الثاني 2016 ، وكانت بنود اتفاقية باريس تتسم بالعدالة المناخية والامن الغذائي ومراعاة مصالح الجميع ، وتم فيه تحديد الاحترار العا لمي بدرجتين بحلول عام 2050 والحد من انبعاثات الكربون بنسبة 50% و100% بحلول عام 2100، ويهدف هذا الاتفاق الي تعزيز الاستجابة العلمية لتحديات المناخ .

وعلي ذلك تقر اتفاقية باريس باهمية مبادئ العدالة المناخية في سياسة تغير المناخ ، ذلك انها تستند الي التزامات طواعية لخفض الانبعاثات محددة وطنيا ، اي انه طلب من البلدان ان تقدم طوعية خطة مساهمة محددة وطنيا ، ومن ثم ففي هذا السياق يستند اتفاق باريس الي نهج ينطلق من قاعدة تحقيق العدالة المناخية في تحمل تكاليف واعباء تغير المناخ ، كما تحث الأطراف علي مراعاة حقوق الانسان واحترامها اثناء صياغة السياسات المحلية للعمل المناخي بموجب الاتفاقية.

 

سبل تحقيق العدالة المناخية :

ان تكون البلدان المتقدمة المسؤولة عن غالبية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وما يترتب علي ذلك من تغير المناخ محمية من اثارها بسبب قدرتها المتقدمة علي التكيف ، اما البلدان النامية والتي لاتشكل الانبعاثات الصادرة ، فقدرتها علي التكيف محدودة علي الرغم من انها معرضة لأسوأ اثار تغير المناخ ، ومن ثم فإن المجتمعات الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ تفتقر الي الموارد اللأزمة للتكيف الفعال ، وبما أن هذه المجتمعات هي الاقل مسؤولية عن تغير المناخ ، فان العدالة تتطلب تقاسم تكلفة التكيف علي اساس عادل ، وايضا تقاسم عبء الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري علي اساس عادل بين العالمين المتقدم والنامي.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المراجع:

سامي الطيب إدريس محمد.(2023).العدالة المناخية تداعياتها وأثارها .مجلة العلوم الإقتصادية و الإدارية والقانونية,7(1),142-108.

شحاته,م.أ.ز،محمد أحمد ذكريا.(2024).وظيفة القانون الدولي في الدفاع عن البيئة ضد تغير المناخ.مجلة القانون والدراسات الأجتماعية,3(2),89-119

Ding,G.,Liu,G.,&Chen,Y.(2020).A study on the theory of climate justice in international environmental law, Scholars International Journal of Law ,Crime and Justice “.Dubai: Scholars Middle East Publisheer,3(1),8.

حوراء فانوس ,&مصطفي عبد.(2023).العدالة المناخية في ضوء اتفاقية باريس لتغير المناخ.,

Journal of Legal Sciences,37,107-127

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى